حركت عينيها بضعف وهي ترف برموشها الكثيفة شاعرة بالدوار , ولكن لم ترى سوى الضباب الابيض ..
لا شك بأن الذي جرى مجرد حلم مزعج عكر صفو حياتها المسالمة الجديدة ..
لاشك بأنه كذلك , فهي لا تريد تذكر ذلك الاسم حتى يترائى لها صاحبه , وحياتها الجميلة الجديدة بأمان و خير !.
_ عزيزتي , افتحي عينيك .. آنّـا ؟!.
وشعرت بـ طبطبة ناعمة على وجنتها , فحركت عينيها مجدداً و فتحتها , رأت وجه ريموس مائلاً قليلاً نحوها , و ابتسم بعطف , كانت مضطجعة على أريكة ما كما شعرت .. و قد رأت سقف قاعة مزخرف فوقها ..
حاولت تحريك قدميها لكن تصاعد ألم مفاجئ و حاد من قدمها , فتجمدت سريعاً وهي تغمض عينيها بألم ..!
_ لا تتحركي , قدمك أصيبت بصدمة كما رآها الطبيب و طلب ألا تتحركِ أبداً هذا اليوم ..
نظرت إليه بقلق , همست بتردد رهيب : هل... هل وصلتُ أنا مع... آيفرون ؟!.
ضاقت عينا ريموس قليلاً , فاعتدل بعض الشيء وهو يقول بصوت هادئ : مع آيفرون .. و شخص آخر .. في الواقع .. هما يتنظران خارج القاعة للاطمئنان عليك !.
توسعت عيناها الذهبية و شعرت بقلبها يفور بحرارة و بدأ حالة من الجنون ... قالت بصعوبة : هذا... حقيقي !!.
_ يا عزيزتي .. لمَ أرى الرعب في عينيك ...
وهو يمسك بيدها يهدئها , قال بلطف : استرخي فقط .. أنت بأمان معي , لن أدعى أحداً يمسك ..
شعرت باليأس و الألم يعصران قلبها ... آوه لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً ... فجأة طرق باب القاعة و دخل الصبي الأشقر سريعاً متلهفا وهو يقول :
_ آنسة آنا !!. هل أنتِ بخير !.
فلتفتت أنابيلآ سريعاً بعيداً وهي تجر الغطاء الذي كان فوقها حتى وجهها و أخذت تتنفس بصعوبة بعدما رأت ظلاً طويلاً يظهر أيضاً من خلف الباب ..
ظل ريموس يراقبها لثانية , ثم أجاب الصبي بلطف : أنها بخير يا عزيزي تحتاج للنوم .. أذهب لأمك الآن هي قلقه عليك !.
_ حسنا , سيدي ..
و غادر الصبي, بينما شعرت بخطوات بطيئة مكتومة على السجاد الفاخر . توقفت الخطوات على مسافة قريبة من السيد ريموس ..
رفعت أنابيلآ مذعورة الغطاء كله على وجهها و حاولت سد أذنيها بارتجاف ..
_ آنـّا ؟!.
كان صوت ريموس متسائلاً هامساً ... ضمت شفتيها ولم تنطق وهي لا ترى سوى ظلام الغطاء و خيالات غريبة مع صوت ضربات قلبها القلقة !!
سمعت ريموس يهمس بشيء ما , لا يبدو أنه يحدثها هي ... بل الشخص الآخر في الغرفة !... الشخص الذي...!!
ثم قال بعطف : سأحملك لغرفتك الآن !.
خفق قلبها رعباً و ودت لو تبقى هنا فوق الأريكة إلى الأبد .. لمس ريموس يدها الظاهرة و قال بحنان :
_ عزيزتي ؟!.
فتظاهرت بالنوم سريعاً لكن من تخدع !.. رفع السيد الغطاء عن وجهها و توقف مستغرباً , انحنى نحوها قليلاً , فهمست هي له بشكل خافت جداً : لا أريد رؤية أحد .. أرجوك !
شعرت به يتجمد قليلا , ثم حملها بهدوء و أخذ يصعد بها الدرجات ..
عندما أصبحت في غرفتها بأمان مع وجبة ساخنة لذيذة شعرت بالهدوء .. و تنفست الصعداء .. ثم قررت النوم , لكن أنى لها هذا و تشعر بوجوده قريباً بين هذه الجدران .. ودت بشدة أن يذهب بعيداً , هي لا تريد رؤيته أبداً و شعرت بأنها ستنساه حقاً , لكن صورته قد طبعت بعقلها ... وهي ترى من بين ظلام جفونها .. عيونه تتكون ثم وجهه يظهر لها ببطء ..!
لكن ظهرت صورة له وهو صامت و غير سعيد .. ولم يكن ينظر إليها تماماً , و استغربت هذا و تساءلت بنفسها مالذي يفكر فيه ؟!...
قال فجأة بهمس بعيد وكأنه صدى خافت : أني لا أشعر بأنني بخير , يبدو بأنني سأموت قبل والدي حتى !.
فتحت أنابيلآ فمها صدمة و قلقاً , فانتفضت فجأة مستيقظة وهي تحدق بالظلام بعينيها اللامعة , أخذت انفاسها تتردد بالصمت المطبق في هذا الوقت ... نظرت حولها كان الظلام مسيطرا جداً على الغرفة ..!
مسحت عينيها بيديها وهي تتذكر ما رأت , أنه حلم ... وهو حلم قاسٍ و مزعج جداً و غير حقيقي .. لا يجب أن تقلق بسببه ..!
ظلت جالسة بهدوء عاقدة يديها فوق حجرها ... فكرت بأن تصرفاتها صبيانية و طفولية جداً , عليها أن تنضج و تواجه الأمر .. و ستفكر بتعقل أكبر و أعمق .. فلتضع قلبها و مشاعرها جانباً .. أنه لم يجلب لها سوى المشاكل و التعقيدات و الكوابيس أيضاً .
صباح اليوم التالي , ساعدتها السيدة لوفر في تبديل ثيابها و تناول بعض الشراب الدافئ لأن أنابيلآ قررت تناول الفطور مع ريموس ... بعد تردد طفيف حسمت الأميرة الأمر و سألت بصوت شابه الضعف :
_لقد .. كان بالأمس هنا ... رجل ما ؟!... هل ... غادر ؟!.
تأوهت السيدة قائلة : آه تقصدين ذلك الشاب الذي جلبك مع آيفرون , ربما لم تريه .. لقد كان غريباً مسافراً .. كان متعباً جداً , لذا أبقاه السيدة كاسيل في ضيافته ..
عندما سمعت الجملة الأخيرة , توقف قلبها عن النبض ,!! و نسيت كل ما قررته بمنتصف الليل ..
كررت بتوتر رهيب : بقي هنا !!.
قالت السيدة بتعاطف شديد وهي تضم يديها معاً : ربما لم تريه لأنك كنت نائمة , لكنه كان مستنزف القوى , أنه شاب جميل الطلعة و يبدو نبيلاً جداً .. لقد رفضت بشدة البقاء و أراد أن يغادر , لكن السيد كاسيل أصر عليه .. لا يمكنه تركه يذهب بتلك الحالة !!.
شعرت أنابيلآ بأن الغرفة بدأت تتحرك و تدور من حولها فشحب وجهها و تماسكت بمقعدها , قالت بتوتر :
_ كيف... كان شكله ..!!
آمل شيء ما بداخلها ألا يكون الذي استحل قلبها ~ ... فقالت السيدة لوفر وهي تضع يدا تحت ذقنها مفكرة :
_ بالرغم من تعبه و شحوب وجهه ... فهو وسيم جداً , ربما أجمل شخص رأيته بحياتي .. عيناه بلون البحر , شعره بني قاتم .. ممشوق القوام و رصين جداً و هادئ لا يكاد يتكلم .. آووه لا شك بأنه أمير و كانت ملابسه فاخرة جداً ولكنها متربة , و لكن حصانه رهيب جدا و يبدو ذو سلالة اصيلة , أعجب آيفرون جداً لقد قال بأنه حصان الآحلام !.
هوى قلب أنابيلآ و تحطم بمكان ما أسفل ضلوعها .. أنه أليكسس حقاً و عيناها لم تكذبان ..! آوه لما عليها أن تواجه هذا كله ..!! و الحصان لا شك بأنه آينوس .. حصانه المفضل .
تمالكت نفسها و قالت : هل .. هو لا يزال هنا ؟!.
_ أجل في الحقيقة , السيد يريده أن يرتاح .. و اعتقد يا آنسة بأن السيد كاسيل تعرّف إليه لكني لم أعرفه .. لقد تحدثا طويلاً ليلاً .. كما أنني لم أعرف اسمه , أو ربما ذكره و نسيت ذلك ..!
طرق الباب فجأة فشهقت أنابيلآ بوضوح .. نظرت نحوها السيدة لوفر و قالت بتعاطف : اهدئي يا عزيزتي .. أنه آيفرون !.
دخل الصبي بمرح وهو يلقي التحية و يسأل عن حالها , ثم وضع سلة كبيرة من الفاكهة اللذيذة على منضدتها ...!
بعد دقيقة دخل السيد ريموس كاسيل بهدوء وهو يرتدي ملابسه الانيقة الداكنة , خرجت السيدة لوفر و ابنها بينما جلس السيد على كرسي مقابل أنابيلآ الصامتة التي تحاول أن تتحكم بتوترها وقلقها ..
ابتسم لها قائلا بنبرة أبوّية عميقة : هل تشعرين بالتحسن عزيزتي ؟!.
أومأت برأسها ثم همست بحزن : آسـفة لإزعاجك سيد كاسيل .. لست أدري كيف حدث هذا لكنها غلطتي !.
تنهد الرجل وقال بلطف بالغ : لا تتحدثي هكذا .. صدقيني لا يمكنك أن تزعجي أحداً .. أنا أحب أن ارعاك .. و أود بشدة أني تبقي معنا في هذا المنزل طوال الفترة التي ترغبين بها ..
التمعت الدموع بعينيها الذهبيين و فقدت قدرتها على الكلام لثوان , ابتسم ريموس و أكمل وهو يضم يديها بين يديه :
_ و إن اردتِ العودة , فيمكنك هذا بأي وقت تريدين ..!
قالت باكية : أريد أن أبقى معك هنا .. أرجوك .!
ضمها برفق بينما هي تشهق بصعوبة لتتنفس , قال بحنان شديد : نعم , وأنا أريدك أن تبقي يا صغيرتي ..
مساءاً قررت أن تتشجع و تنزل لتناول الشاي ما بعد العشاء اللذيذ في غرفتها فقد اصبحت تستطيع السير جيداً دون أن تضغط بحملها على كاحلها المصاب , و فكرت براحة رهيبة أن ريموس لن يتخلى عنها و سيقف بصفها .. و تمنت لو كان لها أب مثله !.
نزلت الدرجات بحذر و هدوء لا تريد من أحد ان يساعدها أو يعلم بنزولها , سوف تدخل الغرفة و تفاجئهم ربما , لكنها ستكون متعقلة جداً , هادئة جداً ... و ليحدث ما يحدث !.
نزلت خطوة واحدة بحذر , ثم تنهدت و اكملت ... وضعت قدمها المصابة على العتبة الأخرى , ثم ضغطت عليها بقوة دون قصد ... تأوهت بصوت عالي متألمة بعد أن تصاعد الألم المفاجئ !.. و كادت تنزلق و تسقط متعثرة ...
لكن شيئا ما ثبتها و أمسكها بقوة من خصرها !!
لم تستطع تجميع أنفاسها أبداً وهي ترفع رأسها لتحدق بذعر بالعينين الزرقاوين الباهتتين كسماء الليل...!!
اختنقت صرختها و حاولت الابتعاد بأقصى سرعة .. ربما ستختصر الطريق و تقفز من فوق السور الذهبي , لكنها تهاوت و ترنحت وكادت تقع مجدداً , مما اضطره لمد ذراعه الأخرى و تثبيتها جيداً قربه ...!!
سمعت همسه القلق : اهدئي أنابيلآ !.
آه أنها لم تسمع صوته منذ أمد بعيد و كأنه دهوراً مرت بها .. لم تقوى على استرجاعه ولا حتى في الأحلام .. أنه ضمن منطقتها المحظورة ... و كم مرة لمحت له بهذا ...!!
رفضت النطق و هزت رأسها بعنف جعل شعرها يتطاير .. بينما أغمضت عينيها بقوة و اشاح بوجهها عنه .
_ دعيني أرافقك حتى الغرفة .
نطق بهدوء و أدب ... لكنها بقيت مصرة على الصمت , هدأت انفاسها و أبعدت يديه عنها بلطف و ارتجاف .. فتركها هو و بقي يراقبها وهي تنزل الدرجات بحذر رهيب و انفاس مقطعة و شحوب شديد ..
سمعت خطواته خلفها , ثم توقف أمامها و فتح لها الباب , بينما هي لم تلقي سوى بنظرة خاطفة كالبرق عليه , لا تدري ما يرتدي لكنها ملابس داكنة مرتبة ..
جلست على أول أريكة مريحة في القاعة بتهالك .. و بقيت قامعة بالصمت وقد اسبلت رموش عينيها الكثيفة الجميلة , سمعت صوت خطوات أخرى , ثم صوت ريموس يحييه ..!! بعدها توقف لثانية قبل أن يتقدم منها و يقول بلطف هامس :
_ لقد نزلت إلى هنا ! , ما كان عليك فعل هذا عزيزتي , هل قدمك بخير ؟!.
رفت بعينيها و نظرت إليه قليلاً , بدت نظرتها معذبة مكتئبة عانت الكثير , عينيها الذهبية تلمع بدموع مقيدة حبست لأجل الألم الرهيب .. أنها حياة بائسة و حب يائس و قلب محطم ضائع نازف.
رفع ريموس رأسه و نظر إلي ضيفه الجديد قليلا , ثم عاد بنظره إلى صبيته الصغيرة .. زفره نفسه بهدوء قائلاً :
_ لتناول الشاي الآن ..
ساد صمت ثقيل أثناء سكب السيدة لوفر للفناجين ولم تلحظ هي الجو المثقل , بينما تجلس أنابيلآ مقابلة تقريبا مقعد .. ذلك الشخص الذي لا تريد نطق اسمه بعقلها , و بجانبها إلى الأمام مقعد السيد كاسيل ... كان الضيف الصامت يقف بجانب الشرفة الجميلة خلف مقعدها يتأمل الحديقة في الليل ..
قال السيد ريموس فجأة بهدوء وهو ينظر خلفها : أجلس من فضلك , يا أمير أليكسس !!.
شهقت بشكل مكتوم ظهر باتساع عينيها و كادت تسكب الشاي الحار بحجرها ... آآآه لم يذكر اسمه ...!! و يبدو جليا أنه يعرفه ببساطة .. ودت لو تجلس بركن مظلم وحيدة ...لكن آمنة بعيدة عن الأنظار والألم ترفع الحواجز و الجدران حولها و تبنيها حول قلبها بأحكام !.
التفت الأمير بجسده وهمس من بعيد : بالطبع. سيدي.
وعندما سمعت صوت خطواته خلفها تقترب ليمر من جانبها إلى مقعده , ضغطت نفسها لظهر المقعد بشدة و انزلقت كثيرا لتغوص بالوسادة خلفها لعلها تختفي قليلاً حقاً. لكن لم تفلح , لقد جلس أمامها تفصلهما منضدة خشبية جميلة و كبيرة .. تناول فنجانه , نظر إلى السيد , ثم إليها ..
_ ستمطر قريباً ..
قال أليكسس ببطء وهو يداعب الفنجان بيده .. رد ريموس عليه بلطف هادئ : جميل , لكني لن اسمح لك بالمغادرة لسوء الجو ..و حالتك .. أأنت واثق بأنك لا تريد رؤية الطبيب ؟!.
_ أجل سيد كاسيل , لا داعي لهذا .. أحم .. كيف حالك .. أنابيلآ ؟!.
فوجئت الأميرة منه و برعب شديد وصدمة عنيفة رفعت عينيها للنظر إليه خلسة .. كان يبدو شاحباً عابساً و الهالات حول عينيه واضحة رسمت أمارات السهر المقلق .. و لكن مهلاً , كيف يجرؤ على التحدث معها ببساطة هكذا ... وقد قال اسمها مكتملًا...!!
أشاحت بوجهها عنه , كانت تدرك بأن ريموس يراقبها بهدوء .. لكنها لزمت الصمت المطبق التام !.
همس أليكسس بصوت متوتر بعض الشيء : ...لم ...اسمع صوتك أبداً ؟!.
تدخل ريموس فجأة بصوت بارد غريب : إذن هل يمكن أن تكون أنت السبب لجعل آنّـا ترفض الكلام لأسبوع كامل ..! لقد كانت مصدومة بشكلٍ حاد !. و خشيتُ فقدانَها .. اسمح لي لكنْ .. أأنت السبب بهذا ؟!.
شعرت بالرعب و الصدمات .. الحديث بدأ يأخذ مجرى خطير !! و بدا ريموس غاضباً وهو يرمق أليكسس بطرف عينه...
لكنها رفضت النظر بوضوح إليهما و ارهفت السمع , وقف أليكسس و تحرك حول معقده الوثير , قال بصوت هامس غريب :
_ ربما أنابيلآ تكرهني منذ زمن , لكن لا يمكن أن ترفض الكلام معي , أليستِ كذلك ؟!. أنابيلآ أنظري إلي ...!!
كان يطلب منها بتعب محير .. رفت بعينيها بقلق شديد و قررت أن تنظر إليه بتحدٍ , فرفعت بصرها و هالها منظره اليائس .. لقد كان يتكأ على ظهر المقعد , و لكن يده اليسرى ملفوفة بضمادة بيضاء !! ماذا ؟!... لكن رأته .. رأت خاتماً ذهبياً في بنصره !!.
نهضت واقفة فجأة , قالت بصوت متكسر : آسفة ... لكن لا أريد رؤيتك !!. أبداً...!!
هرعت مسرعة تكاد تقفز على قدم واحدة خارج الغرفة. لحق بها ريموس بينما بقي أليكسس ثابتاً بمكانه متجمداً لا يطرف بعينيه...
_ آنّ .. صغيرتي ما بك ! , اهدئي ...
امسك بمرفقها و أخذ يساعدها على الصعود ... همست أنابيلآ بحده مؤلمة : لا أريد رؤيته .. !!.
_ آوه !!
همهم ريموس بدهشة و فهم , ثم فتح لها باب غرفتها و رافقها حتى جلست على السرير .. قال لها بلطف شديد :
_ أنه ليس شاباً وضيعاً .. بغض النظر عن مكانته .. فأنا أعرفه منذ زمن طويل !.
لفت الأميرة برأسها بعيداً .. و الآن مالعمل , هي تريد حماية قلبها ... أو ما تبقى منه !.
همس لها ريموس بعطف : كان يريد الاطمئنان عليك فقط , وهو ضيفي الآن , لا يمكنني تركه متضايقاً و جريحاً دون أن اساعده ..
نظرت نحوه بعيون لامعة حزينة , همست تسأله : هل يجب علي أن أساعده أنا أيضاً ؟!.
هز رأسه و أجاب : لا , لأن عليك أن ترتاحي و تهتمي بنفسك الآن ,عزيزتي .. و بما أنك لا ترغبين برؤيته , فسأخبره بهذا و أطلب منه أن ينفذ رغبتك .. أراد الاطمئنان عليك و رؤيتك و قد حدث له هذا ... ألستُ محقاً ؟!.
أومأت بصمت , و همست تشكره .. تمنى لها ليلة هانئة .. ثم غادر و تركها ..
تقلبت كثيراً حول نفسها , وضمت وسادة صغيرة لقلبها الجريح .. أغمضت عينيها بقوة شديدة .. لكن صورة أليكسس تتشكل ببطء في جفونها .. صورته صامتاً ينظر إليها .. بعينيه الزرقاء الشاحبة الهادئة .. وكأنه ينتظر شيئا ما يجب فعله !...
فكرت بيأس , كم هو شاب نقي شديد الرقة و الطيبة , و لأنه يحب و ينفذ ما يريده والده .. والده ذاك !!.
تأوهت والذكريات اللطيفة الخافتة تمر بصورها أمام عينيها بسرعة و بطء بنفس الوقت .. أليكسس ... دافئ .. دافئ جداً .. و عذب الشعور ... و عندما ضمها قليلاً و سريعاً , كانت لحظة من الاساطير .. و كم كان رقيقاً حانياً , يكاد شيء ما يهمس بزاوية في عقلها , أنه .. ربما ... ربما ... بشكل ما ... أليكسس يحمل لها شيئا غير الشفقة !.
حاولت أن تتذكر أحاديثهم ... لكن ... لم ترى سوى .. وجهه .. و شفتيه تتحركان .. و تبتسمان لها ,عينيه تلمعان ناظرتان إليها وحدها .. يمسك بيدها , ينحني قليلاً تجاهها عندما تتحدث مرهفاً كل حواسه لأجلها ينصت بقلبه و عينيه و اذنيه و جسده ...
لكن ... لكنه ...
فجأة تحطمت الصورة الظاهرة ...!!
و الظلام ابتلعها ... أليكسس , لم يهتم لأمرها في الساعات الأخيرة , و انشغل كلياً بزواجه .. و قد تزوج حقاً و مضى بعيداً بحياته .. لا يهم من تزوج ... لقد اختطفت لأسوأ حظ ممكن أن يحدث لها بالتاريخ في نفس الليلة !!!... و عُذبت و جُلدت و جرجرت من شعرها .. اهينت كثيراً جداً أكثر مما قد يتحمله انسان طبيعي ... نزفت و قتلت شخص ما ... طعنته و مات .. و هربت بصعوبة بالغة لا تدري كيف حقاً استطاعت قدماها الهروب بها و استطاع جسدها النجاح...!!!
بينما أليكسس سارق قلبها , يتمتع بأمسية رائعة , بل أروع أمسية لأي شخص .. كانت حفلة زواجه ..!
أنها حقيقة , أنها حقيقة ثقيلة للغاية لا تستطيع دفعها بعيداً !!.
ربما كان يمسك بيد عروسه و يرقصان , أو يتبادلان همسات الاشتياق ... لا يهم ... المهم هو أين كانت في هذا الوقت .. هي أنابيلآ بنفسها .. و مالذي حدث معها ... لقد حدث لها الأسوأ ... و ربما هناك أمور مخفية لها بالطريق قادمة من يدري ؟!
عليها ... يجب عليها ... أن تنساه ... فعلياً .. أن تطمسه مع بقية الذكريات المريرة و تقفل عليهم بصندوق النسيان ... الأبدي ...!
و غداً ستتعامل معه كأي غريب عابر ...!
عليها أن تتدرب على التحدث جيداً , لقد انتهى الماضي ... و يجب ألا تتعثر بالكلام أو خطواتها أو نظراتها ..
رفعت عينيها الذهبيتان اللامعتان في الظلمة و قد سمعت صوتاً مكتوماً .. لخرير المطر ...! |