ركبت فنظرت ناحيتها بهدوء : كيف حالك ؟!..
ببتسامة هادئة قالت : بخير .. و أنت ؟!..
أجبتها و أنا أحرك السيارة : بخير ..!
أظن أنها لاحظت ملامحي المرهقة و وجهي المحمر .. لكنها لم تنطق ..!
لكن .. أنا أيضاً لاحظت شيئاً .. قميص أحمر و تنورة سكريه ..!
رغم أني إلتقيت بالكثير من الفتيات إلا أني لا أذكر أن إحداهن إرتدت الملابس نفسها يومين متتالين ..!
و ددت لو أسالها لكني خفت أن تفهمني خطأ : هل لي بسؤال ؟!..
ياللساني المتسرع !!!..
لا أعلم كيف نطقت بذلك : تفضل ..!
لم أعرف مذا يجب أن أقول ؟!.. بدا علي التوتر لكني رغم ذلك قلت بارتباك : أممم .. أرجوا أن لا تفهمي خطأ .. لكن .. أليست هذه ثيابك ذاتها ؟!!!..
خشيت من ردة فعلها .. و كل ما أماله هو أن لاتصفني بالوقح و تطلب مني التوقف على جانب الطريق كي تنزل من السياره !!..
لكن ردة فعلها صدمتني .. حيث ضحكت بخفة ضحكة لم أسمع أجمل منها في حياتي !!..
إلتفت ناحيتها مصدوماً : ألم تغضبي ؟!..
إبتسمت بمرح : و لما الغضب ؟!.. أنت محق فمن غير المعقول أن أبقى بثياي نفسها يومين خاصة أني فتاة و الجميع يعلم بأن الفتيات مغرمات بالملابس الجديده !!..
شعرت بالخجل من سؤالي وقد ندمت عليه لكنها أردفت بمرحها نفسه : إنها ثياب المدرسة لينك .. الحقيقة أن هذا هو زي طلاب مدرستي !!.. أنا لم أعد للبيت بعد المدرسة حتى الآن ..!
إلتفت ناحيتها مستنكراً : لم تعودي للبيت ؟؟!!..
ببتسامة هادئة قالت : أها .. أنا لا أعود إلا في المساء .. و نادراً ما أعود قبل ذلك ..! فعند خروجي من المدرسة أذهب إلى مكان عملي و لا أنتهي إلا في المساء !!..
دهشة حقاً من كلامها : هل تعملين ؟!!..
أومأت إيجاباً بنفس إبتسامتها اللطيفه : نعم .. أعمل بداوم جزئي كنادلة في مقهى صغير بعد المدرسة كي أساعد أسرتي .. و أخوتي يعملون أيضاً .. توفي والدي منذ كنت طفله لذا أمي كانت من تصرف علينا .. و الآن بعد أن كبرت ولم تعد قادرةً على العمل حان الوقت لأصرف أنا عليها ..!
شعرت بأنها شابة في الثلاثين من عمرها رغم أنها في الخامسة عشر .. حقاً بدا الأمر غريباً فكيف لطالبة في الأعدادية أن تعمل من أجل مصاريف المنزل الأساسيه بينما أنا لا أفكر في زيارة أمي يوماً في الشركه : أنتي حقاً مثيرة للإعجاب ..!
إحمرت وجنتاها خجل و عادت تنظر للأرض بحياء ..!
أعترف أنها أنستني ما حدث مع عمي و خالتي للتو ..!
حسناً لقد وصلنا الآن .. و هاهي بوابة قصر أسرة رافالي تفتح أمامنا ..!
بدا الذهول على ميشيل وهي تقول : لم أتوقع أن تكون غاية في الثراء يا لينك ..!
إبتسمت بهدوء : إنه ليس منزلي ..!
إلتفت ناحيتي لتقول : أظن أنه منزل أحد أصدقائك .. إذا كان كذلك فهذا يعني أنك من نفس هذه الطبقة ..!
لم أعلق على كلامها بل أكتفيت بالإبتسامه ..!
أوقفت السيارة قرب بوابة مبنى المنزل الكبيرة فجاء خادم و فتح الباب ليقول : أهلاً بعودتك سيد مارسنلي !!..
أعطيت الخادم نظرة سريعة ثم عدت بنظري إلى ميشيل حيث كانت قد نزلت وهي الآن تتجول بعينيها في المكان ..!
جيد أنها لم تسمع ما قاله الخادم !!..
وقفت و أمسكت ذلك الخادم من قميصه و سحبته و أنا أهمس بغضب : أبلغ كل الخدم أن لا ينادوني بالسيد مارسنلي .. فلينادوني بسيد لينك أفهمت !!..
أومأ لي بخوف و توتر : أمـ .. أمرك .. سيد لينك ..!
أعطيته المفتاح و تركته و أتجهت ناحية ميشيل بينما قام الخادم بركوب السيارة ..!
وقفت أمام ميشيل التي سألتني باستغراب : لما قام ذلك الشاب بأخذ سيارتك ؟!..
إبتسمت لها و أنا أقول : إنه أحد الخدم و قد أخذها إلى مربض السيارات .. هيا بنا ..!
سرت بهدوء فمشت بجانبي حتى دخلنا من بوابة المنزل .. إستقبلنا العجوز كبير الخدم فقال بإحترام كبير : أهلاً بك سيد لينك ..!
هذا ممتاز .. فقد إنتشر الخبر بسرعة ..!
لم أرد عليه لكن ميشيل قالت لي بهمس : من هذا السيد ؟!..
همست لها : إنه ليس سيداً .. إنه كبير الخدم يا ميشيل ..!
إلتفت ناحية العجوز من جديد : أين آندي ؟!..
قبل أن يرد سمعت صوتاً يقول : أنا هنا لينك ..!
إلتفت لأراها تخرج من المصعد متجهة نحونا .. فور أن وقفت أمامنا قالت ببتسامه : مرحباً يا آنسه ميشيل .. أنا أدعى آندي رافالي ..!
إبتسمت لها ميشيل بهدوء : تشرفت بمعرفتك آنسه آندي ..!
نظرة إلي آندي بطرف عين : أخبرني لينك بالقصة كاملة في الهاتف .. تفضلي معي ..!
أمسكت بيدها و سارتا معاً .. لحقت بهما لكن آندي إلتفت نحوي وهي تقول بمكر : أوووه لينك .. أرجو منك البقاء هنا ..!
تقدمت ناحيتي و همست في أذني : لا أظن أن هذا النوع من الفتيات قد ترتدي الثوب أمامك منذ الآن .. علاقتكما لاتزال في بدايتها !!..
إحمر وجهي خجلاً لأهمس لها بغضب : لا تتفوهي بكلمات أكبر منك سناً و لا تدعيني أندم لأني أخبرتك ..!
ضحكت بخفة و هذا ما أغاضني .. عادت لتسير وهي تمسك بيد ميشيل و تقول : هيا بنا عزيزتي .. أظن أننا سنستمتع بوقتنا ..!
ركبتا المصعد و كل ما رأيته هو إبتسامة لطيفة في وجه ميشيل قبل أن يغلق الباب ..!
تقدم ناحيتي كبير الخدم : سيد مارسنلي .. هل أخبر السيد و السيدة رافالي أنك هنا ؟!..
أومأت سلباً : لا .. لا داعي لذلك .. أخبرني هل دايمن موجود ؟!..
أجابني بنفس نبرة الإحترام : السيد دايمن غادر منذ ساعة مع السيد ديمتري و لا أعلم أين ذهب أو متى سيعود ؟!!..
أوووه تباً !!..
لا شك أن ماثيو أخذه إلى ذلك الملجأ القديم : حسناً .. إياك و أن يعلم عمي و خالتي بأني هنا .. سأبقى في الحديقة فأرسل إلي كوباً من القهوه الساخنه ..!
.................................................. .........
مضت ساعة و نصف و الفتاتان لم تخرجا من الغرفة و أنا لا زلت في الحديقه ..!
كنت أجلس على مقعد حول طاولة دائرية وحدي وقد كانت الزهور تحيط بي من كل الجهات ..!
رأيت إحدى الخادمات تتقدم نحوي وهي تقول باحترام : سيد مارسنلي .. طلبت مني الآنسه آندي أن أخبرك بأنها إنتهت ..!
وقفت ببرود لأمر بقرب تلك الخادمة دون أي رد على كلامها ..!
إتجهت إلى ردهة المنزل و هناك و جدت آندي تقف قربها ميشيل و تتحدثان ..!
حين وصلت إليهما تساءلت بهدوء : إنتهيتما ؟!..
أومأتا لي ببتسامه ..!
ودعت آندي و سرت مع ميشيل خارجين من بوابة المنزل .. حينها وجدت السيارة أمام الباب وقد كان أحد الخدم يقف قربها حانيا رأسه بإحترام ..!
ذلك لا يحدث عادةً فأنا كفرد من الأسره لكن هذا لأن معي ضيفاً الآن ..!
ركبت ميشيل و أتجهت أنا لمكاني خلف المقود ..!
حركت السيارة بإتجاه البوابة الكبيرة للقصر و بعد خروجنا : لينك .. هل لي بسؤال ؟!..
بدا من نبرتها بأنها نبرة فضول لذا إبتسمت دون أن أبعد عيني عن طريقي : إسألي ..!
قالت بتساءل : ذلك القصر لأسرة رافالي كما علمت .. و ما أعرفه هو أنهم أصحاب شركة رافالي لصناعة الأثاث ..! لكن .. هل تنتمي أنت لتلك الأسره ؟!!..
أجبتها بهدوء : تقريباً ..!
نظرة ناحيتها خلسة بطرف عيني فرأيتها تنظر نحوي باستغراب : تقريباً ؟!!.. لم أفهم !!..
تنهدت بهدوء ثم قلت : كانت أمي قبل زواجها من أبي من أسرة رافالي .. و السيد رافالي هو إبن عمها و قريبها الوحيد !!.. لذلك نحن و هم كأسرة واحده ..!
لم تنطق بشيء بعدها .. ذلك أراحني فقد خشيت أن تسأل إلى أي أسرة تنتمي أنت إذاً ؟!!..
لا أعلم لما ؟!.. لكني لا أريدها أن تعرف !!.. رغم أني دائم التفاخر بأني وريث مارسنلي !!.. لكن ربما أخشى أن تتغير نظرتها نحوي !!..
ربما ..!
أوه تذكرت شيئاً .. بحق أنا جائع لكني تناولت المعكرونه ظهر اليوم .. وددت حقاً بحلوى الأوبرا التي يعدها طاحي قصرنا !!..
أخرجت هاتفي من جيبي و أجريت إتصالاً .. و بعد ثوانٍ قليله : أهلاً .. سيد لينك !!..
أتمنى لو أقتلك : إسمع يا ريكايل .. إطلب من الطاهي أن يجهز بعضاً من حلوى الأوبرا مع كوب شكولا ساخنه ..!
سمعته يقول بضجر : إتصل به أنت و أخبره !!..
هاهو شيطاني بدأ بالعمل مجداداً : مذا أيها الخادم المتشرد ؟!.. أتريد أن أخصم من راتبك على قلة أدبك و طول لسانك ؟!.. لا أدري ما هي أسرتك لكن أظن أن لك أخوة صغار لا تزال بطونهم خاوية وهم بإنتظارك الآن !!.. مساكين لو تركتهم ينامون بدون عشاء أو دواء !!.. نفذ الأوامر وكن مطيعاً من أجل تلك الأسرة التي ترعاها !!..
أظن أني جعله يشعر بالذل وهذا ماكنت أريده !!..
لا تلوموني فهذا شيطاني هو من يحركني كما يشاء .. إنه الجزء الشيطاني من شخصيتي ..!
بعد صمت سمعته يقول بهدوء يخفيه غضبه المكتوم : هه .. أمرك سيدي !!..
إبتسمت لأقول بسخريه : خادم مطيع !!.. أحسنت يا فتى .. لكن لا تظن أني سأزيد راتبك بل سأخصمه حتى يكون درساً لك ..! تذكر أنك بحاجة إلى المال كما يحتاج المريض إلى الدواء !!..
أظن أن كلماتي كانت جارحة لكبريائه !!..
لكن أتعلمون ؟!.. أنا سعيد بهذا !!..
أو بالأحرى .. شيطاني كذلك ..!
لم يهتم لكلامي الأخير أو هكذا حاول أن يكون : أي طلبات أخرى سيدي ؟!!..
أجبته ببرود : لا ..!
سمعته يقول بنبرة إحترام : ستكون الحلوى جاهزة فور وصولك ..!
أغلقت الخط ببرود فأظن أنه أنهى كلامه ..!
لوهله .. تذكرت .. ميشيل !!!!!..
يا إلهي .. لابد و أنها سمعت كل ما تحدثت به مع ريكايل قبل قليل !!..
إنها مصيبة فلا شك أنها عرفت حقيقة معاملتي لمن حولي كما أني أظن أنها من طبقة مقاربة لطبقة ذلك المتشرد ..!
كيف ستكون ردة فعلها مني ؟!!..
إلتفت بهدوء ..!
و تنفست الصعداء !!!..
كانت نائمه .. بهدوء نامت في مكانها بتعب !!.. نعم لا شك أنها لم ترتح منذ إستيقضت في الصباح ..!
بالتأكيد أنها نائمة قبل أن أتصل بخادمي فأنا لم أتحدث معها قبل ذلك ..!
أوقفت السيارة على جانب الطريق و حاولت إيقاضها كي أعرف إلى أين تريدني أن أوصلها الآن ؟!..
بعد لحظات إستيقضت و بدأت تفرك عينيها الناعستين : يبدو أني غفوت ..!
إبتسمت بهدوء : نعم .. أظن أنك متعبه ..!
نظرت إلى المكان حولنا و أبتسمت : جيد .. علي زيارة بعض الأماكن هنا قبل العودة للبيت لذا سأنزل الآن ..!
سألتها بهدوء : ألن تعطيني رقم هاتفك النقال ؟!.. أظن أنه يفضل أن أبقى على إتصال معك ..!
إبتسمت بهدوء وهي تفتح الباب و تنزل : فتاة في مستواي لا تملك مصاريف الهاتف النقال !!..
صمت ولم أقل شيئاً .. هي لا تملك هاتفاً إذاً !!..
ودعتها و أخبرتني بأنها ستلتقي بي بعد غد أي يوم الحفل أمام ذات المطعم .. لذا ودعتني ببتسامة و ذهبت ..!
.................................................. .........
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |