الساعة كانت التاسعة صباحاً .. وقت الاستراحة في المدارس ..!
كنت أنظر يمنة و يسرى إلى ألائك الطلبة الذين تفرقوا في تلك الساحة و معظمهم يجلس على العشب الأخضر و يتناول الطعام ..!
كان زيهم المدرسي عبارة عن بنطال بلون أزرق قاتم قريب للأسود مع قميص أبيض .. و الفتيات كذلك لولا أن الاختلاف كان في التنورة التي تصل إلى أسفل الركبة مباشرةً مع تلك الجوارب البيضاء التي تصل لمنتصف الساق ..!
لا أزال واقفاً عند البوابة مع رايل الذي سأل : ماذا سنفعل أولاً ؟!!..
- لنطلب من أحدهم أن يدلنا على غرفة المدير ..!
خطونا بضع خطوات إلى الداخل و بدأنا نختلط مع الطلبة الذين كانوا يحدقون فينا باستغراب .. و فيّ أنا تحديداً !!..
لا أعلم السبب ..!
لكن شابا بدا بعمرنا تقدم ناحيتنا : أنتما .. أتريدان مساعدة ؟!..
أومأت إيجاباً : هلا دللتنا على مكتب المدير ؟!..
ابتسم حينها : بالتأكيد .. لكن لدي سؤال .. هل أنت من مارسنلي ؟!!..
قطبت حاجبي مندهشاً .. كيف علم أني من مارسنلي ؟!!..
بدا و كأن مارسنلي كلمة كتبت على جبيني !!..
قبل أن أقول أي شيء همس ريكايل بحيث لا يسمعه إلا أنا : إنه يقصد المدرسة ..!
المدرسة ؟!!.. آه الآن فهمت ..!
أنا لم أغير ملابسي .. لا أزال أرتدي الزي الرسمي لثانوية مارسنلي الشهيرة
هذا هو السبب الذي جعلهم يحدقون بي على وجه الخصوص : نعم .. أنا كذلك ..!
لم يعلق على الأمر لكنه قال بابتسامته اللطيفة : أتبعاني ..!
استدار حينها فسرنا نحن خلفه أيضاً ..!
دخل إلى مبنى المدرسة حيث كان لا يزال هناك الكثير من الطلاب و نحن لا نزال نلفت الانتباه ..!
كنت أنظر إلى تلك المدرسة .. بدت مدرسةً عادية بتلك الجدران ذات اللون الأبيض و البلاط القديم في الأرضية و اللوحات التعليمية تملأ المكان ..!
على عكس ثانويتي التي كان ورق الجدران الفخم بارزاً فيها مع ذلك الرخام اللامع و السجاد الأحمر الفاخر يملأ الممرات ..!
وصلنا إلى غرفة أعتقد أنها مكتب المدير .. طرق ذلك الفتى الباب .. و حين سمع الإجابة فتحه و دخل و نحن لا نزال خلفه : حضرة المدير .. لقد جاء شخصان إلى هنا أرادا أن يتحدثا إليك ..!
استطعت رؤية ذلك المدير الذي لم ينظر إلينا بل كان يقرأ بعض الأوراق معه و هو يعدل في نظارته الطبيبة كل دقيقة و التي استقرت أمام وجهه المليء بالتجاعيد و الذي أثبت لي أن عمر هذا الرجل قد تجاوز الستين ..!
بدون أن يرفع رأسه : أخرج و دعمها يدخلان ..!
خرج الفتى مغلقاً الباب من بعده .. بينما بقيت أنا و أخي واقفين في مكاننا ننتظر من هذا العجوز أن يفعل شيئاً ..!
لكنه لا يزال منشغلاً بتلك الأوراق ..!
مضت ثلاث دقائق على هذا الحال و بدا أن هذا الرجل نسي وجودنا ..!
شعرت بريكايل يضرب كتفي بكفته بخفة فالتفت إليه لأرى أنه حرك شفتيه بحيث يقول " أفعل شيئاً " ..!
أومأت إيجاباً و نظرت إلى ذلك العجوز .. بهدوء قلت : مرحباً أيها المدير ..!
رفع رأسه حينها و نظر إلي ببرود : من أنت ؟!!..
جمعت كل فخر الدنيا في صوتي و أنا أقول : أنا لينك مارسنلي .. وريث شركات مارسنلي الكبرى ..! تشرفنا ..!
بذات نبرته تلك قال : و ما الذي يريده وريث مارسنلي مني ؟!!..
شعرت بالإحباط لأني توقعت أن يعطيني اهتماماً أكبر .. بينما كان ريكايل يكتم ضحكته الساخرة ..!
حرك ذلك العجوز بصره مني إلى أخي .. و ما هي إلا لحظات و غلفت الصدمة وجهه !!..
وقف حينها و قد بدا أن مستوى الاهتمام لديه أرتفع بشكل مجنون و تقدم بسرعة ناحيتنا ..!
هل استوعب من أنا و ما هي مارسنلي ؟!!..أم أن هناك شيئاً آخر ؟!!..
يبدو أن توقعي الثاني كان هو الصحيح فهو أسرع لريكايل و ربت على كتفيه و أخذ يحدق في وجهه بتركيز بينما كنت أنا و أخي نواجه مشكلة في محاولة استيعاب الأمر !!..
لحظتها هتف ذلك المدير : أنت .. أأنت إيان براون ؟!!!!..
إيان .. براون !!..
من هذا ؟!!!..
لحظة لينك .. دعك من مارسنلي الآن .. أنت لينك إيان براون .. كما هو ريكايل إيان براون !!..
هل يقصد أبي ؟؟!!!..
شعرت بأن لساني تصلب من هول الصدمة .. كانت ملامح ريكايل تدل على أنه لم يستوعب بعد بينما بدت السعادة على ذلك المدير : أنت لست أيان .. لكنك بالتأكيد قريب له ..!
كان رايل ينظر إليه باستغراب : هل تعرف أبي ؟!!!..
هكذا سأل بنبرة كانت هادئة نوعاً ما ..!
تراجع المدير بضع خطوات و بقي ينظر إلى ريكايل بتمعن : ابن إيان !!.. أيعقل أنك أبن إيان براون ؟!!..
نظر إلي ريكايل .. أومأت له إيجاباً كي يجيب على المدير فعاد ينظر إليه : نعم .. أنا ابن إيان ..!
قطب حاجبيه و اختفت ابتسامته : مستحيل .. حين مات إيان لم أسمع أن له أبناء ..!
- اه حسناً .. أبي مات بعد ولادتي بيوم ..!
- لقد انقطعت أخباره منذ تخرج من هنا .. لقد مات في العشرين ..! هل تزوج دون أن أعلم ..!
- أعتقد ذلك ..!
- أخبرني .. من هي أمك يا فتى ؟!.. أريد لقاءها ..!
- كيف أشرح الوضع ؟!!.. كل ما في الأمر أن أمي و أبي ماتا معاً في حادث سير ..!
- كيف لم أعلم بهذا ؟!!.. لقد سمعت أن أيان مات .. لكن لا أحد قال لي أنه تزوج و أنه لديه ابن ..!
- أكنت تعرف والدي أيها المدير ؟!.. في الحقيقة لقد أتيت إلى هنا مع صديقي كي أسأل عن أمي و أبي حين علمت أنهما درسا هنا ..!
- آه نعم .. أبوك كان طالباً هنا و قد كنت أستاذ اللغة الفرنسية حينها ..! هل كانت أمك تدرس هنا أيضاً ؟!!..
- صحيح .. أسمها نيكول .. هل تعرفها ؟!!..
- لقد كان هناك الكثير يحملن أسم نيكول .. ما لقبها ؟!..
- لا أعلم .. أعرف أن أسمها صار نيكول براون بعد زواجها من أبي ..!
- أجلسا .. لدينا حديث طويل ..!
أومأنا إيجاباً و تقدمنا ناحية الأرائك في تلك الزاوية و التي كانت تحيط بطاولة زجاجية كبيرة عليها آنية من الفخار فيها بعض الزهور ..!
جلسنا على أريكة لشخصين بينما اتجه المدير إلى خزانة مليئة بالملفات على ذلك الجدار ..!
همست لريكايل حينها : يبدو أن الشبه بينك و بين أبي كبير .. لقد اعتقد أنك هو من النظرة الأولى ..!
أومأ إيجاباً و قد بدا التوتر عليه بعد تلك المحادثة : أنا و أنت متشابهان .. لما اعتقد أنه أنا و ليس أنت ..!
- ليس لدي فكرة .. لكن ربما سنعرف كل شيء قريباً ..!
- أتمنى ذلك ..!
عاد المدير إلينا و هو يحمل ملفاً في يده : هذه أسماء الطلبة في تلك السنة .. ربما سنعرف أسم والدتك من خلاله ..!
أعطانا ورقة كانت في ملف : أنه صف والدك يا ...!
- ريكايل .. ريكايل بروان ..!
- حسنا يا ريكايل .. ربما ستستطيع معرفة اسم أمك الكامل حين تقرأ الأسماء ..!
بدأنا نقرأ الأسماء بلا صوت .. طلاب و طالبات .. عددهم كبير فقد كانوا ثلاث شعب لكننا بينما نبحث صادفت ذلك الاسم : إيان جون براون ..!
هكذا همست ليبتسم ريكايل : الجد هو جون إذاً ..!
لم أفكر يوماً في الأجداد فأنا لم يكن لي جد مطلقاً لأن كلا والدي إلينا و جاستن كانا متوفين حين تبنوني ..!
مر علي عدد من الفتيات باسم نيكول .. لكني شعرت بأن أمي ليست من بينهن ..!
بعد لحظات انتقلنا إلى ورقة أخرى حيث الشعبة الثانية .. لحظتها وقعت عيني على ذلك الاسم بلاشعور .. بقيت أحدق به للحظات قبل أن أهتف : أنظر إلى هنا ريكايل ..!
أشرت بأصبعي على ذلك الاسم فقرأه بصوت مسموع : نيكول جيمس ستيوارت .. إنها هي بلا شك !!..
السبب هو أسم ستيوارت الذي ذكرنا فوراً بتلك الشابة المجهولة ميراي ستيوارت و التي اتضح الآن أنها قريبة أمي .. ربما أختها أو بنت أخيها أو شيء من هذا القبيل ..!
رفع رايل رأسه للمدير : هل تتذكرها ؟!!.. أقصد نيكول ستيوارت ..!
أخذ يتذكر للحظات : لا تقل لي أنها أمك ؟!!!..
- أعتقد أنها هي .. لما ؟!!..
- حسناً .. لقد كانت طالبةً لا تعوض .. و قد كانت من أكثر الطلاب الذين مروا علي اجتهاداً ..! لكني لم أعتقد أنها سترتبط بإيان فهما كانا أبعد ما يكون عن بعضيهما ..!
- أيمكنك الشرح أكثر ؟!!..
تنهد حينها و استند إلى المقعد الجلدي خلفه و هو يقول : في الحقيقة .. حين كان أيان يدرسنا .. كنت معلم اللغة الفرنسية .. إيان لم يكن يحضر الحصص الدراسية ..! لا يحضر إلا الامتحانات لكنه يبلي فيها حسناً ..! ربما ستصدمون لكنه كان جامحاَ ..!
- جامح !!!!..
صرخنا حينها .. لم أعتقد للحظة أن أبي .. جامح !!..
فقط يشغل وقته بالشجارات و المشاكسات و المشاكل ..!
تبدو عليه الخشونة و الجروح تملأ جسده و يقود مجموعة من الشباب ليكونوا عصابة صغيرة تحاول السيطرة على الحي ..!
ابتسم المدير حينها : لم يكن أي جامح .. بل كان أكبر جامح في المنطقة ..! لقد أتعبتني الشكوى التي تصل إلي لأني كنت مسؤول صفه ..! لم أكن أجرأ على مواجهته فأنا لم أعلم أي نوع من الأولاد هو .. لكني في تلك المرة تشجعت و تحدثت إليه .. ما أدهشني أنه كان هادئاً للغاية و لم يغضب رغم كل ما أخبرته به ..! بل استمع إلي بإنصات و غادر .. و قد قلت الشكوى عنه حينها ..!
لهذا قال أنه كان مختلفاً عن أمي .. إذاً كيف تزوجا ؟!!.. و في تلك السن الصغيرة ..!
سأل ريكايل حينها باستغراب : لكن .. ما نوع تلك الشكاوي التي كانت تصل إليك ؟!..
تنهد حينها ليقول : كانت تصلني شكوى من أهالي بعض الطلبة الذين يتشاجرون مع إيان فيوسعهم ضرباً ..! لكني اكتشفت فيما بعد بأنهم هم من كانوا يتعرضون له ..!
تذكرته حينها شيئاً : حضرة المدير .. هل يشبه ريكايل أباه إلى ذلك الحد ؟!!..
نظر إلى ريكايل للحظات وهو يقول : الشبه العظيم بينهما .. لكن إيان كان ذو عينين زرقاوتين ..! وقد كان يصفف شعره إلى الخلف مثلك تماماً الآن ..!
نعم .. إنه الفرق بيني و بين ريكايل .. لذا لم ينتبه لي .. واضح أن نظرة ضعيف ..!
عموماً .. فكرت في أن نسأله عن أمي أيضاً : ماذا عن نيكول ؟!!..
وقف حينها و اتجه إلى تلك الخزانة التي بدا أنها تحمل بعضاً من ماضي والدي ..!
استغليت الفرصة حينها و همست لريكايل بحماس : جامح إذاً ..!
- و أنا أقول من أين لك كل هذه التصرفات الشيطانية .. هل ورثتها منه ؟!!..
- نكتة سخيفة !!..
- لكنه صدمني حقاً ..! أريد أرى صورة له ..!
- لا شك أننا سنعثر على واحدة قريباً ..! ماذا عن أمي ؟!!..
- نيكول ستيوارت .. إذاً فتلك الميراي قريبتنا حقاً ..!
- بالفعل .. ربما تكون خالةً لنا ..!
- لا أعتقد . .إنها أصغر من أن تكون كذلك .. لقد قالت صاحبة المشتل أنها في الخامسة و العشرين ..!
- فور أن نخرج من هنا سأتصل بالاستعلامات و نسأل عنها .. ما رأيك ؟!!..
- موافق ..!
- حسناً .. لنصمت الآن فقد جاء الرجل ..!
جلس على مقعده أمامنا و معه ملفان .. أعطانا أحدهما بعد أن فتح إحدى الصفحات ..!
بدأ كلن منا يقرأ في نفسه .. و الصفحة التي تليها .. و التي تليها ..!
لقد كانت شهادات شكر و تقدير للمدرسة بعد فوزها بمسابقات على مستوى هذا الجزء من باريس و الذي يضم عدد كبيراً من المدارس ..!
كلها كانت باسم الطالبة : نيكول جيمس ستيوارت ..!
- يبدو أن أمك كانت مجتهدةً للغاية يا ريكايل ..!
هذا ما قلته بابتسامة .. أني حقاً مستغرب من كون أمي بذلك التفوق بينا أبي أكبر جامح في المنطقة ..!
وقف المدير و أتى إلينا بالملف الآخر : هذا ألبوم صور .. في كل سنة نلتقط صورة جماعية للطلاب المتخرجين .. و قد اتبعت المدرسة هذا النظام منذ ثلاثين سنة و حتى الآن ..!
أعطانا الألبوم بعد أن فتحه على صورة معينه .. كان هناك الكثير من الطلاب و الطالبات يقفون و يجلسون بشكل منتظم لالتقاط الصورة و كل واحد فيهم رسم ابتسامة أمل على وجهه ..!
هل يمكن أن يكون أبي و أمي أحد هؤلاء ؟!..
أشار المدير إلى أحد الفتية : هذا هو إيان ..!
أسرعت بالنظر إليه بشغف لأني كنت متشوقاً رؤية ذلك الأب كما هو الحال مع رايل ..!
لكني حينها شعرت بالإحباط .. فهو كان يقف على الطرف و هناك بعض الطلاب أمامه .. ظهر رأسه فقط في الصورة و قد كان يلتفت و يغمض عينيه فلم يتضح شيء من وجهه و يبدو أنه لم يبتسم حتى .. رغم ذلك كان شعره مصففاً للخلف كالجامحين بالعادة .. كما قال المدير فهو يشبه أخي من هذه الناحية : للأسف ليست واضحة ..!
هذا ما قاله ريكايل بإحباط يوازي إحباطي ..!
التفت ناحية الرجل العجوز : و ماذا عن نيكول ؟!!..
أشار حينها إلى فتاة تجلس القرفصاء بين مجموعة من الفتيات ..!
لا أعلم إن كان نيكول و إيان قد اتفقا على هذا .. لكن لا أحد منهما واضح ..!
فحتى أمي كانت تطأطئ رأسها و خصلات شعرها الطويلة تغطي عينيها .. انتبهت لزهرة كانت أمامها على الأرض .. رغم أنها كانت زهرة صغيرة لكن من الواضح أنها كانت تحدق بها لحظتها ..!
لقد كان لها شعر طويل بني اللون .. أعتقد أنه يصل لمنتصف ظهرها ..!
ابتسمت حينها .. رغم أنها ليست واضحةً إلا أنها تبدو جميلة ..!
همست لريكايل حينها : جميلة ..!
- صحيح .. رغم أن صورتها غير واضحة ..!
- ماذا الآن ؟!!..
- يكفي .. لنخرج من هنا فلا أعتقد أن هناك المزيد ..!
- نبحث عن ميراي ستيوارت ؟!..
- ربما هذا أفضل ..!
وقفنا حينها و شكرنا المدير على مساعدتنا .. نحن نقدر ذلك كثيراً فهو على الأقل أعطانا لمحة عن والدينا ..!
و قبل أن نغادر قال بابتسامة : لا تعتقد أن أباك كان سيئاً لأنه كان جامحاً ..! فهو ألطف جامح التقيت به في حياتي .. و الدليل أن والدتك قبلت به ..!
ابتسمنا في وجهه حينها .. فعبارته الأخيرة كانت معبرةً للغاية ..!
تذكرت حينها شيئاً و سألت : حضرةً المدير .. هل تعرف فتاة تدعى ميراي ستيوارت ؟!..
أخذ يتذكر للحظات ثم أومأ سلباً : لم أسمع هذا الاسم من قبل ..!
إذاً هي لم تدرس هنا : شكراً لك على كل شيء .. و الآن سنغادر ..!
هذا ما قاله ريكايل بابتسامة هادئة فبادله المدير بذات الابتسامة : رافقتكما السلامة ..!
خرجنا بعدها شاردي الذهن ..!
لقد عرفنا شيئاً على الأقل .. و إن كان لمحة ..!
إيان كان جامحاً .. و نيكول فتاة مجده ..!
ربما تكون معلومات سطحية .. لكنها أعطتنا رؤية مبدئية عن شخصية والدينا ..!
......................................
بعدما عرفنا بعض الأشياء عن إيان و نيكول ..قررنا أن نبدأ بمعرفة المزيد عن ميراي ستيوارت و علاقتها بنا ..!
لذا .. ها نحن الآن في السيارة على جانب الطريق ..!
اتصلت بالاستعلامات المدنية .. و ها أنا أنتظر أن يجيبوا ..!
كانت نظرات الترقب باديةً على ريكايل .. حتى أنا كنت متوتراً و الحماسة تكاد تقتلني ..!
أجابني صوت امرأة حينها : مركز الاستعلامات المدنية في باريس .. نسعد بخدمتكم ..!
أخذت نفساً و أنا أقول : عذراً .. أريد السؤال عن عنوان قريبتي ..!
- هلا أعطيتنا بياناتها ؟!..
- أسمها ميراي ستيوارت ..!
- أيمكن أن تعطيني عمرها و مكان عملها ..!
- أعتقد أنها في الخامسة و العشرين .. لا أعرف مكان عملها ..!
- عذراً .. لكن معلوماتك غير كافية .. أعطنا أسمها الكامل على الأقل ..!
- أعتذر يا آنسة .. لكني لم ألتقي بها مسبقاً ..! أنا أبحث عنها ..! لا أعرف منها إلا هذا الاسم ..!
- سوف أحاول مساعدتك .. سأبحث لكن قد يظهر لي عدد من الناس بذات الاسم ..!
- شكراً لك ..!
- انتظر لحظة ..!
سألني ريكايل حينها : ماذا تقول ؟!!..
تنهدت بتعب : سوف تبحث .. لكن المعلومات غير كافية ..!
بدا اليأس عليه : أرجو أن تتمكن من ذلك ..!
عادت المرأة مجدداً : لقد ظهر لي اثنا عشر شخصاً بهذا الاسم ..!
- استبعدي الطلاب حتى الثانوية و العجائز ..!
- بقي خمسة .. و أعمارهن تتراوح بين الثالثة و العشرين و السادسة و العشرين ..!
- كم واحدة في الخامسة و العشرين ؟!!..
- اثنتان .. الأولى طالبة طب .. و الثانية مضيفة طيران ..!
قطبت حاجبي حينها .. أشعر بأن هناك شيئاً علي تذكره ..!
ذلك الطفل الذي أخبرنا عنها .. لقد قال شيئاً عن البلدان الكثيرة !!..
(أخبرتني أنها تسافر كثيراً و قد ذهبت إلى دول كثيرة أيضاً .. رغم أنها لا تبدو شخصاً غنياً ) ..!
هذا ما قاله ذلك الصغير !!!..
مضيفة طيران بالتأكيد : عذراً .. هلا أخبرتني عن المضيفة ؟!!..
- لحظة ..!
ابتسمت حينها لريكايل : يبدو أني عثرت عليها ..!
- ممتاز ..!
بدا أن عملية البحث انتهت : حسناً .. أسمها ميراي جيمس ستيوارت و هي تعمل مضيفة طيران على الخطوط الفرنسية الدولية ..! عمرها خمسة و عشرون ..!
- إنها هي بلا شك .. هلا أعطيتني عنوان منزلها يا آنسة ..!
- العمارة الثالثة على الشارع الخامس و الستين في المنطقة الرابعة عشر .. رقم الشقة هو 32 ..!
- شكراً جزيلاً لك ..!
- نسعد بخدمتكم ..!
أغلقت الخط بعد ذلك .. نظرت إلى ريكايل بحماس : لقد عرفت مكانها ..!
.................................................. ........
بعد التجول في شوارع كثيرة لمعرفة الطريق تمكنا من الوصول لتلك العمارة الكبيرة ..!
لقد كان طريقاً طويلاً لكني اكتشفت أن المنطقة التي تعيش فيها ميراي ستيوارت قريبةٌ من قصرنا ..!
كما اكتشفنا أن تلك الشابة هي خالتنا : هل ننزل ؟!!..
هكذا سأل ريكايل : بالتأكيد .. هيا ..!
نزلنا حينها من السيارة و دخلنا من البوابة الكبيرة لتلك العمارة السكنية ..!
بتوتر قلت : سنلتقي بها الآن ..!
- لينك .. عندما توفي والدانا كانت في الثامنة ..! من قام براعيتها ؟!!..
- ربما قريبها ؟!!..
- إذاً لما لم يرعانا أيضاً ؟!!..
- أعتقد.. لن يتحمل مسؤولية ثلاثة أطفال ..!
- قد تكون محقاً .. أتعتقد أنها بحثت عنا ؟!!..
- لا أعلم .. لكن إن كانت شخصاً جيداً فهي بالتأكيد فعلت ذلك ..!
- حسناً .. أشعر بأنها ليست شخصاً سيئاً ..!
- و أنا كذلك ..! هي خالتنا على أي حال ..!
- ستخبرها ؟!!..بأننا أبناء نيكول ؟!!..
- لا أعلم .. سنؤجل الأمر حتى نتحدث معها ..!
كان هذا حوارنا و نحن نقف في تلك الردهة الواسعة حيث هناك ثلاث مصاعد أمامنا و الناس تنزل و تصعد .. لقد كانت العمارة خاصةً بالعائلات و الشابات ..!
لذا ما إن تقدمنا حتى جاءنا الحارس الذي يعمل هناك وقد كان ذا بشرة سمراء و جسد رياضي و يرتدي زياً يشبه الشرطة لكنه عبارة عن قميص ذو لون سماوي مع بنطال أسود كما هو حال ربطة العنق : لم أركما مسبقاً ..من أنتما ؟!!..
تكلم ريكايل حينها : جئنا لزيارة صديق ..!
- أستطيع مساعدتكما إذاً ..!
- شكراً لك .. نبحث عن ميراي ستيوارت .. هل تعرفها ؟!!..
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |