part 20
دخلت إلى القصر حين كانت الساعة تشير للعاشرة بعد أن أوصلت ليديا إلى قصرهم ..!
لقد قضينا وقتاً ممتعاً مع الأطفال كما أن الكعكة التي أعدتها جوليا كانت لذيذة ..!
يبدو أنها و ليديا ستصبحان صديقتين ..!
لا أعلم إن كان ريكايل عاد أم لا .. لكنني متعجب لأنه لم يتصل بي حتى .. و ما أدهشني أكثر أن هاتفه كان مغلقاً .. هل الأمر الذي ذهب لقضائه مهم لهذه الدرجة ؟!!..
رأيت إحدى الخادمات تسير عائدةً إلى المطبخ .. لكنها حين انتبهت لي حنت رأسها باحترام : طاب مساؤك سيدي ..!
- طاب مساؤك ..!
بدت مندهشة رغم محاولة إخفائها لذلك الاندهاش .. فأنا لم أرد عليها بهذا الرد اللطيف سابقاً ..!
- هل عاد ريكايل ؟!..
- نعم .. عاد منذ دقائق و هو في غرفته الآن ..!
- أين هي غرفته ؟!!..
- تفضل معي حتى أدلك عليها ..!
سرت خلفها متجهاً إلى الدور الثاني من خلال الدرج .. و حين صعدنا بدأنا في السير بين الممرات التي كانت مليئةً بالغرف ..!
إنها غرف الضيوف .. لكن بما أنه لا كثير من الأقارب لنا فلا احد يستعملها .. رغم أنها مجهزة و مؤثثة و لكل منها دورة مياه خاصة ..!
وصلنا إلى آخر الممر : هذه هي .. السيدة اختارت هذه الغرفة لأنها أكبر الغرف في هذا الدور ..!
- شكراً لك .. يمكنك الانصراف ..!
حنت رأسها باحترام ثم غادرت المكان .. بينما نظرت إلى ذلك الباب الخشبي ذو اللون القاتم الفاخر و طرقت الباب ..!
لم أسمع رداً .. أمسكت بذلك المقبض الكروي الذهبي و أدرته ففتح .. يبدو أنه لم يقفل الغرفة ..!
دخلت و أنا أنادي : ريكايل .. أنت هنا ؟!!..
كانت الغرفة فارغة ..!
أخذت أنظر يميناً و شمالاً .. لا أحد ..!
تأملت الغرفة للحظات .. إنها واسعة .. و جميلة ..!
هناك سرير كبير على الجدار .. تقابله على بعد أمتار خزانة كبيرة .. بجانبها باب لدورة المياه ..!
هناك مرءآة كبيرة على جدار آخر متصلة بطاولة التجميل ..!
في تلك الزاوية يوجد أريكتان و تلفاز أمامهما تفصل بينهم طاولة من زجاج فوقها تحفة زجاجية بها ماء و هناك ثلاث زهرات جوري فيها ..!
على يساري في تلك الزاوية هناك خزانة ذات باب زجاجي مليئة بالكتب .. بجانبها مكتب كبير فوقه جهاز حاسوب ..!
إنها غرفة كبيرة و رائعة ..!
هناك أيضاً شرفة صغيرة في الزاوية القريبة من السرير عليها ستائر ذهبية تناسبت مع لون الفراش و الأرائك كما أنها بدت رائعة مع ورق الجدران الفخم ذو اللون البني و الزخارف الحمراء القانية ..!
تقدمت بضع خطوات إلى الداخل حين لاحظت السترة السوداء المرمية على السرير .. إنها لريكايل ..!
و فوراً سمعت صوت الماء الخارج من دورة المياه .. يبدو أنه يستحم ..!
جلست على السرير للحظات .. و ما إن فعلت ذلك حتى انتبهت لورقة مطوية خرج طرفها من جيب السترة ..!
مددت يدي حينها بلا شعور و التقطتها .. حين فتحت جزءاً منها اختفى صوت الماء فعلمت بأنه سيفتح الباب حالاً لذا أعتدت الورقة لمكانها ..!
إلا أني تمكنت من ملاحظة ختم كان في الزاوية السفلية من الورقة .. رغم أني لم أتمكن من قراءة شيء من الختم سوى بعض الحروف ..!
تلك الحروف .. لو أكملتها بحرفين آخرين ستدل على كلمة ( مستشفى ) !!..
و هذا ما أقلقني ..!
صوت القفل هو ما قطع تفكيري .. خرج بعدها ريكايل من دورة المياه و هو يرتدي بنطال اسود و يضع منشفة رمادية على رأسه ..!
نظر إلي بهدوء: منذ متى و أنت هنا ؟!!..
أجبته بهدوء أنا الآخر : منذ لحظات فقط ..!
لم يقل شيئاً بل اتجه للخزانة و فتحها .. اخرج قميصاً ترابياً و ارتداه ثم اتجه إلي و هو يغلق أزرار القميص : أين قضيت يومك ؟!!..
هكذا سألت بشك فأجابني بهدوء و هو يأخذ السترة من على السرير : كنت أنهي بعض الأعمال ..!
- كنت في المشفى ؟!!..
توقف للحظات وقد كان قد أدخل إحدى ذراعيه في كم السترة ..!
نظر إلي ببرود : من أين لك بهذا ؟!..
- من رأسي .. أجبني بصراحة ..!
- هل كنت تراقبني ؟!!.. يا له من تصرف مشين ..!
- لم أفعل ذلك .. لكني أريد أن أطمئن عليك ..!
- لا تقلق ..ذهبت فقط كي أحصل على أقراص للصداع ..!
- أيجب عليك زيارة المشفى من أجل شيء كهذا فقط رغم أنك تستطيع شراءه من أي صيدلية ؟!!.. أنت لا تجيد الكذب إطلاقاً ..!
- لم أطلب منك تصديقي ..!
- سأفترض أني صدقتك .. هل يحتاج الذهاب للمشفى و الحصول على أقراص الصداع كل هذا الوقت ؟!!..
لم يجب بل اتجه إلى طاولة التجميل وفتح أحد أدراجها الكبيرة ثم أخرج مجفف الشعر ..!
شغله بعد أن وصله بالقابس على الجدار ثم أخذ يجفف شعره بعد أن رمى المنشفة على الأريكة القريبة ..!
شعرت بالغيظ من تصرفاته .. أنه يتجاهلني و يتحدث ببرود شديد ..!
لذا وقفت و اتجهت إليه ثم أمسكت بسلك المجفف و سحبته فتوقف عن العمل آلياً ..!
نظر إلي بطرف عين : ما الأمر الآن ؟!!..
- أجبني أين كنت بقية اليوم ؟!..ما قصة هذه الزيارة المبهمة للمشفى ؟!!..
- ليس عليك أن تعلم ..!
قالها بنبرة مستاءة و أعاد وصل المجفف بالكهرباء بعد أن سحب السلك من يدي بعنف ..!
يستحيل أن يتحدث بشيء مطلقاً ..!
إنه يبدو منزعجاً من شيء ما .. أو ربما هو منزعج هكذا فقط !!..
أمسكت أعصابي فهذا الفتى سيخرجني من طوري ..!
زفرت بحنق حينها : كما تشاء .. لكن تأكد بأني سأعرف كل شيء قريباً ..!
لم يرد و كأنه لا يعطي بالاً للموضوع !!..
اتجهت ناحية الباب بعد أن يئست تماماً من معرفة شيء : العشاء سيكون بعد قليل .. يجب أن تكون على المائدة ..!
.................................................. ............
استلقيت على سريري بعد أن بدلت ملابسي .. رفعت الغطاء و رميته على جسدي بعد أن خففت من برودة جهاز التكيف فالشتاء على الأبواب ..!
لقد حدثت أشياء كثيرة أرهقتني اليوم ..!
بداية بلقائي بميشيل في الصباح .. مروراً بلقاء خالتنا ميراي و زيارة الخالة كاثرن و زيارتي للملجأ مع ليديا و في النهاية .. شجاري مع ريكايل الذي اختفى طيلة هذا المساء ..!
لقد زار المشفى .. ليس بالضرورة بأن يكون قضى طيلة الوقت فيه لكنه زاره على كل حال ..!
الدكتور هاري .. أنا لا اعلم طبيب ماذا هو ..!
لأنه في ذلك اليوم حين أخذت رايل للمشفى جاء هو إلى قسم الطوارئ و فحصه و لم نذهب إلى قسم معين ..!
لاحظت أنه لا يأكل الملح .. هل هذا مرتبط بما فيه ؟!!..
أنه يشعرني بالحيرة .. خاصة ما حدث بعد عودتي إلى المنزل ..!
إنه يبدو مستاءً بالفعل و كأنه سمع أخباراً سيئة و لا يريد أن يتحدث بالأمر ..!
تنهدت بتعب .. لا يمكنني أن أضغط عليه .. سأسأله مجدداً لكن فيما بعد حين يهدأً ..!
لقد زادت الأمور التي تقلقني مجدداً ..!
نظرت إلى الساعة الرقمية الصغيرة على الخزانة التابعة للسرير بجانبي ..!
إنها تشير إلى الثانية عشر ..!
سأنام الآن .. فأنا مرهق عدد شعرات رأسي الشقراء الكثيفة ..!
..................................................
مضى يومان بخير .. اليوم هو اليوم الأول من الإجازة الأسبوعية ..!
لم يحدث الكثير من الأشياء فاليومان مرا مرور الكرام ..!
بقي أسبوع و نذهب للندن .. و بما أن اليوم هو إجازة الأسبوع فقد فكرت في الذهاب للتسوق مع ريكايل ..!
اتصلت خالتي ميراي اليوم .. قالت أنها تريد لقاءنا بعد أن عادت من كوريا ..!
لذا اتفقت معها و ريكايل أن نلتقي في أحد المقاهي الكبيرة و نذهب بعدها إلى المركز التجاري سويةً ..!
بالنسبة لعلاقتي مع ريكايل فقد عادت الأمور لطبيعتها و كأن شيئاً لم يكن .. بدون أن يحدث أي حوار في ذلك الموضوع ..!
ذلك ما أثبت لي أن مزاجه السيئ في ذلك اليوم هو من فعل هذا ..!
الساعة الآن هي الخامسة عصراً ..!
كنت أقود السيارة باتجاه المقهى الذي اتفقت على لقاء خالتي فيه .. و ريكايل بجانبي يرتدي بنطال جينز أزرق و كنزة خضراء مع سترة سوداء .. أما أنا فقد ارتديت بنطال أسود مع قميص بلون السماء و سترة جلدية بنية ..!
البرد كان مسيطراً على الأجواء و الأمطار تهطل من وقت لآخر ..!
وصلنا إلى المقهى .. لذا أوقفت سيارتي في مربض السيارات التابع له و نزلت كما فعل رايل ..!
و ما إن سرنا خطوتين حتى انتبهت لتلك الشابة التي كانت تسير ناحيتنا ..!
كانت ترتدي بنطال جينز وردي مع قميص أبيض يصل لمنتصف فخذها و سترة رمادية تصل لنهاية خصرها .. شعرها تركته منسدلاً و قد رفعته عن وجهها بشريط وردي عريض ..!
ابتسمت و تقدمت ناحيتها فعانقتني فور أن اقتربت و هي تقول : اشتقت لك يا عزيزي ..!
ضحكت بخفة و بادلتها ذلك العناق : و أنا كذلك ..!
ما إن ابتعدت عني عانقت ريكايل الذي كان بجانبي و على وجهه ابتسامة هادئة : هل اشتقت لي أنت أيضاً ؟!..
اتسعت ابتسامته تلك : بالتأكيد ..!
ابتعدت عنه حينها ثم قالت بمرح : إذاً .. أنتما مدعوان على حسابي .. تناولا ما يحلوا لكما ..!
أومأنا موافقين و سرنا سوية ناحية البوابة .. فور أن دخلنا تقدم أحد الخدم و هو يقول : أهلاً بك و بمن معك سيد مارسنلي .. هل أحجز لك الطاولة المعتادة ..!
- أجل ..!
- تفضل معي من فضلك ..!
سار حينها فتبعته و معي خالتي و ريكايل حيث كانت هي متعجبة وقد همست لي : لك مكانة عاليه ..!
- لأني زبون مميز لهم ..!
- بالتأكيد يا .. سيد مارسنلي ..!
قالت كلمتها الأخيرة بمنتهى السخرية فابتسمت بغرور : عليك أن تكوني فخورة بي ..!
- حقاً ؟!..
- أجل ..!
- لما ؟!!..
- لأني أبن أختك ..!
- وهل يدعوا ذلك للفخر ؟!!..
- ألا ترين أنه كذلك ؟!..
- لا ..!
- ألا يكفي بأن السيد مارسنلي يناديك بخالتي ..!
- يبدو أن لينك مارسنلي مغرور على عكس لينك براون اللطيف ..!
- في هذا .. معك حق !!..
- يكفي أنتما .. ستقلبان الأمر لشجار ..!
كان هذا ريكايل الذي بدا أنه أنزعج من حوارنا ذاك ..!
صعدنا إلى الدور الثاني و اتجهنا إلى طاولة في تلك الزاوية بجانب جدار من الزجاج يطل على تلك الحديقة العامة بجانب المقهى ..!
جلست أنا و رايل متجاورين و خالتي أمامنا حيث قالت : ماذا تطلبان ..!
فوراً قلت : قهوة فرنسيه .. و وافل بالكراميل مع المكسرات ..!
- وأنت ريكايل ؟!!..
- مثله تماماً ..!
- كما تشاء .. حسناً أنا لا أفضل الأشياء الساخنة لذا سأطلب المثلجات مع قطع الفاكهة ..!
أومأ النادل إيجاباً و هو يسجل في ذلك الجهاز الصغير معه : دقائق و يكون أمامكم ..!
ابتعد حينها فنظرت إلى خالتي : كيف كانت رحلة كوريا ؟!..
تنهدت حينها : كانت متعبة .. لقد كان الطريق طويلاً ..!
سأل ريكايل : هل ذهبت إليها سابقاً ؟!..
- أعمل مضيفةً منذ سنتين .. لقد ذهبت إليها ثلاث مرات سابقاً ..! غالباً تكون رحلاتي لدول أوروبا فقط .. لكن في الإجازات أطر للذهاب للدول البعيدة أحياناً ..!
- إن عملك متعب !!..
- أنت محق .. خاصة أني أعمل على الخطوط الدولية و ليس المحلية ..! لكنه ممتع فأنا أزور الكثير من البلدان .. ربما لا أبقى إلا بضع ساعات لكنها تكفي للإطلاع على حياة الناس هناك ..!
- أعتقد أن هذا رائع .. لكني أعتقد أيضاً أنك تذهبين إلى دول كثيرة أكثر من مرة .. ألا يصيبك هذا بالملل ..!
- الحقيقة أني غالباً ما أكون على الرحلات المتجهة للندن .. لدرجة أني أذهب إليها مرة كل أسبوعين ..!
بدا علي الحماس حينها : رائع .. أنا و ريكايل سنذهب للندن في الأسبوع القادم ..!
نظرت إلي بسعادة : حقاً ؟!.. متى ستكون طائرتكما ؟!!..
- مثل اليوم .. السبت في التاسعة صباحاً ..!
- يا للحظ .. السبت القادم لدي رحلة للندن تمام الحادية عشر صباحاً .. ليتنا كنا على ذات الرحلة ..!
- هذا مؤسف .. المشكلة أننا مع مجموعة من الأصدقاء لذا لن تسنح لنا فرصة تغير الموعد ..!
- أصدقاءكما ؟!!..
بهدوء قال ريكايل : أنهم أصدقاء لينك .. و هم جميعاً من الطبقة المخملية !!..
قطبت حاجبيها باستغراب : ألم تعرفهم لأخيك يا لينك ؟!!..
ترددت حينها قبل أن أقول : لم يحن الوقت المناسب بعد ..! في الحقيقة لا أحد يعلم أننا أخوان غيرك و غير مديرة الملجأ السابقة الخالة آنا و ابنتها جوليا التي في عمرنا ..!
- لما لم تخبروا الجميع ؟!!.. أهناك مشكلة ..!
- الأحداث التي حدثت قبلاً هي ما منعنا من ذلك .. لكن لا تشغل بالك بالأمر لن يطول الوقت قبل أن يعلم الجميع ..!
- هل ستخبرهم في تلك الرحلة ؟!!..
- لا ..!
- إذاً كيف ستأخذ ريك معك ؟!!..
لم أعلم ماذا أقول .. لست مستعداً لإخبارها بقصة أن ريكايل كان خادمي و أشياء مثل تلك ..!
لكن في هذا الموقف أنقذني رايل بقوله : دعك من هذه الأمور خالة ميراي .. ألن تحدثينا عن شقيقتك و زوجها ؟!!..
ابتسمت بهدوء حينها : يبدو أنكما لم تتطلعا على محتويات الصندوق ..!
الصندوق ؟!!.. آه تذكرت .. لقد أعطتني صندوقاً في كيس في ذلك اليوم حين زرناها ..!
نظرت بطرف عين إلى ريكايل : الحقيقة أننا تشاجرنا منذ يومين .. لذا لم نجد الوقت المناسب لفتح أشياء كتلك ..!
بادلني ذات النظرة حينها : هل تريد إلقاء اللوم علي ؟!!..
- لا !!..
- إذاً ؟!!..
- فقط .. أفسر لها السبب ..!
- لن أرد عليك ..!
نظر إلى الأمام بعدها .. فالتفتت أنا إلى الجهة الأخرى : هل يتشاجر التوائم أيضاً ؟!!..
التفت ناحية خالتي و قلت بانزعاج : ألسنا بشراً ؟!!..
لكني ذهلت لأن ريكايل قالها معي في ذات اللحظة و بذات النبرة .. حتى هو كان ينظر إلي مصدوماً ..!
لقد حدث هذا سابقاً .. يبدو أننا نفكر ذات التفكير أحياناً ..!
ضحكت خالتي بخفة و هي تنظر إلينا : أنتما بالفعل تثيران الدهشة .. عليكما أن تكبرا قليلاً ..!
لم أعلم إن كانت تمدحنا أو تذمنا .. لكنني تجاهلت الأمر و سألت : ألن تخبرينا عن والدينا ؟!!..
- ماذا تريد أن تعرف بالضبط ؟!!..
- كل شيء ..!
- حسناً .. ماذا تعرف حتى الآن ؟!!.
- لا شيء .. عدا أن أيان كان جامحاً أيام الثانوية و نيكول كانت فتاة مجتهدةً في الدراسة ..!
- معلومة جيدة ..!
- أعطنا غيرها ..!
- بماذا تريدانني أن أبدأ ؟!!..
تدخل ريكايل حينها بسرعة : كيف تزوجا ؟!..
ابتسمت ابتسامة صغيرة ثم قالت : أتريدان أن تعلما كيف تزوج إيان و نيكول رغم الاختلاف في شخصيتهما ؟!..
- بالضبط ..!
- يمكنني القول .. إنها قصة طويلة .. لا أذكر كل شيء فأنا كنت طفلة .. لكني سأخبركم بما أعرفه ..! حين كنت في الخامسة كنت أساعد في المشتل الصغير التابع لبيتنا .. و قد كنت أقوم ببيع الأزهار للناس في الحي ..! إيان كان يشتري مني الزهور دائماً و قد كان حينها بعمركما الآن ..! لا أعلم لما كان الجميع يتحاشاه رغم أنه دوماً يشتري الزهور مني وعلى وجهه ابتسامة رغم صغرها إلا أنها كانت حانية للغاية ..! علمت أختي أني أبيع الزهور لذلك الفتى فصرخت بي غاضبة و مضيفةً بأن علي أن لا أبيع الزهور لشخص سيء مثله ..!
كنت مصدوماً بالفعل : إذاً عندما كانا في عمرنا لم يعرفا بعضيهما ..!
- أضف إلى ذلك أن نيكول كانت تكره إيان بشدة .. فهي كانت تعتبره شخصاً لا يستحق أن تعطيه نظرة حتى ..! لن تستغربا شعورها نحوه ففتاة بمثل اجتهادها الدراسي من الطبيعي أن تنظر هذه النظرة لشخص مهمل مثله غير كونه جامحاً أيضاً ..!
- إذاً كيف تعرفا لبعضهما ..!
بانت على عينيها نظرة هادئة و كأنها تتذكر .. اتسعت ابتسامتها الصغيرة و هي تقول : ذلك اليوم يستحيل أن ينسى ..! كنت أبيع الزهور كالعادة و كان الوقت قريباً من الغروب .. أذكر أن ثلاثة شباب أحاطوا بي لسبب أجهله .. كانوا جامحين تبدو عليهم الخشونة على عكس إيان الذي كان فقط يحتفظ بجرح صغير على وجنته اليسرى دلت على أنه جامح ..! كنت مرعوبة و بدأت أصرخ لعل أحداً يأتي ليساعدني .. نيكول كانت قد بدأت بالبحث عني لتعيدني للبيت .. و حين رأت الشباب الثلاثة بدأت تصرخ و تطلب النجدة لكن أحدهم لم يسمعها ..! التفتوا هم ناحية أختي فما كان مني إلا أن هربت و أنا أبكي علني أجد من يساعد .. عثرت على إيان حينها فأسرعت بجذبه كي يأتي ليساعدها .. من الجيد أنه استجاب لي رغم أني واثقة بأنه لم يفهم شيئاً ..! حين وصل إلى المكان دخل في شجار عنيف معهم بعد أن وصفهم بعدم الرجولة لمهاجمتهم فتاة و هم ثلاثة شباب ..! و بعد جهد جهيد هربوا بعد تبادل الضربات بينهم .. إلا أن إيان سقط أرضاً حينها فقد تلقى هو ما يكفي من الضربات الموجعة فهو كان واحداً ضد ثلاثة ..! أخذته نيكول إلى البيت و بدأت تداوي جروحه كرد للجميل .. و منذ ذلك اليوم علمت بأنه ليس شخصاً سيئاً كما اعتقدته .. كانت هذه شارة البداية لقصتهم ..!
كنت أشعر أني أستمع لملخص فلم رومانسي .. حتى أني تخيلت الأحداث رغم مواجهتي صعوبة في تخيل أشكال والدي ..!
لدرجة أني لم انتبه حين وضع النادل طلبنا فقد شردت بخيالي : تفضلا الآن ..!
هذا ما قالته الخالة ميراي بابتسامة فرفعت فنجان القهوة قليلاً و استنشقت بعضاً من بخارها : قهوة الوطن .. إنها الأفضل ..!
تمتمت بهذا مندمجاً من الجو : لم أعلم أنك وطني هكذا ..!
فتحت عيني اللتان أغلقتهما للحظات فرأيت ريكايل ينظر إلي ببرود : لست وطني للغاية .. لكني أشعر بالانتماء لفرنسا على أي حال ..!
لم يعلق بل عاد ينظر لخالتي : خالة ميراي .. لما تزوج أمي و أبي و هما صغيران ؟!!..
كانت قد أخرجت الملعقة الصغيرة من فمها بعد أن تذوقت آيسكريم التوت لحظتها : حسناً .. لقد كان أيان يتيم الوالدين كما هو الحال معي و مع نيكول .. و الاثنان وقعا بحب بعضيهما .. لذا كان تكوين أسرة أمراً جيداً بالنسبة لظروفهم ..! لقد عشنا في منزلنا فإيان كان يعيش في شقة سكنية صغيرة ..!
- هكذا إذاً .. لقد حيرني هذا الموضوع طويلاً ..!
- لقد أقاما حفل زفاف صغير .. وقد حضر له بعض الأصدقاء من الجامعة التي يدرسان فيها و بعض صديقات نيكول أيام الثانوية ..!
قطبت حاجبي : ماذا درسا في الجامعة ؟!!..
التفت إلي لتقول ببساطة : لقد تزوجا أثناء سنتهما الأولى ..! أذكر أن إيان قرر دراسة الإعلام ليصير صحفياً .. و لا أخفي عليكما أنه كان يريد أن يصير صحفياً حربياً إلا أن نيكول كادت تموت من الخوف حين أخبرها .. لذا قرر أن يصير صحفي رياضي فقد كان من محبي كرة القدم ..! أما نيكول فقد كانت تهدف لأن تكون أخصائية تغذية في إحدى المستشفيات و قد ساعدتها علاماتها العالية على الحصول على مقعد في الكلية التي اختارتها بسهولة ..!
إنها أحلام لطيفة للغاية .. لقد كان من الممكن أن يكون كل منهما قد احترف مجال عمله لو أنهما لازالا على قيد الحياة ..!
لكن للأسف .. الموت سبقهما ..!
بقينا نتحدث عن بعض الأشياء .. للأسف خالتنا لا تذكر الكثير .. لكننا تمكنا من معرفة أمور عديدة عن والدينا ..!
نحن أيضاً تحدثنا بأمور عديدة دون ذكر قصة لقائنا الأولى .. أنا تحدثت عن حياتي في اسكتلندا و أصدقائي و مارسنلي ككل ..! ريكايل تحدث عن طفولته في الملجأ ثم بعض الأمور عن دراسته متجاوزاً اللحظات العنيفة ..!
الخالة ميراي رائعة .. إنها مرحة و لطيفة و تظهر خوفها و قلقها عليك حتى تشعر بمدى حبها لك ..!
لقد عبرت كثيراً عن مدى سعادتها برؤيتنا : أتعلمان .. تنتابني رغبة في البكاء الآن .. لقد كبرتما كثيراً و صرتما شابين ..! في يوم ولادتكما كنتما صغيرين كثيراً ..! لقد كانت آخر مرة رأيتكما فيها ..! حين كنت أستلقي على سريري لأنام كنت أفكر .. أين هما الآن ؟!.. هل هما بخير ؟!!.. هل ذهبا للفراش ؟!!.. هل تناولا العشاء ؟!!..هل هما سعيدان أم حزينان ؟!!.. و الأهم من هذا .. هل هما على قيد الحياة حتى الآن ؟!!.. كان أمراً مؤلماً للغاية .. فحين أتذكر كيف كنتما صغيرين أشك بأنكما تمكنتما من العيش في هذا العالم الموحش ..! أحياناً أحلم و أرى نيكول في منامي .. في لحظات تضحك فأشعر أنكما بخير .. و في أحيان تكون حزينة فأشعر أنكما لستما بخير .. لكني أتألم حين أراها تبكي فأعلم حينها بأنكما تتألمان هذه الليلة ..! ربما لا يكون كلامي معقولاً .. لكن هذا ما كنت أشعر به ..! لكن بما أنكما الآن أمامي على خير ما يرام .. فأنا مطمئنة .. و أعتقد أن نيكول و إيان مطمئنان أيضاً ..!
كانت دموعها قد سالت حينها على وجنتيها المتوردتين و ابتسامة حانية على شفتيها ..!
مددت يدي حينها و ربت على يدها التي كانت على الطاولة .. فعل ريكايل الأمر ذاته بيدها الأخرى : لقد كنا بخير طيلة الوقت .. لذا لا داعي لأن تقلقِ ..!
هذا ما قلته لحظتها .. كما قاله أخي في الوقت ذاته ..!
..........................................
صارت الساعة التاسعة مساءاً .. كنا نتجول في الأسواق بلا كلل أو ملل .. أو بالأحرى .. خالتي العزيزة لا تعرف معنى التعب ..!
فها نحن نسير منذ اليوم بين المتاجر و نتبادل الأحاديث و الضحكات ..!
هذا المركز التجاري ضخم للغاية فهو من خمسة أدوار غير أن مساحته شاسعة ..!
ربتت على كتف خالتي و قد أرهقني السير : ميراي لنتوقف قليلاً ..!
لم ألبث إلا أن ضربت رأسي بحقيبتها : قل خالتي يا ولد !!..
- أتريدين تحطيم جمجمتي ؟!!.. لا تعتقد أن حقيبتك هذه خفيفة الوزن ..!
- هذا جزاءك .. عليك أن تناديني بخالتي كما يفعل ريك ..!
تنهدت بتعب .. لقد فعلت هذا مراراً حين أخطأ و أقول ميراي بدون تقديم كلمة خالتي ..!
في الحقيقة في المرة الأولى تعمدت ذلك لأرى ردة فعلها .. لكنني بعدها صرت أقولها بلا قصد وكأن لساني أحب تلك الضربة ..!
- أنا جائع ..!
التفتنا سوية ناحية رايل الذي قالها بنبرة طفولية ..!
رفعت أحد حاجبي : أتريد أن نأكل كعكة ما ؟!!..
- لا .. لن تسكت جوعي ..!
- هل نتعشى ؟!..
- الأفضل ذلك ..!
- أتشتهي شيئاً معين ؟!!..
- بيتزا !!..
- لما هي فجأة ؟!!.. لم أعلم أنك تحبها !!..
- إنها لذيذة للغاية ..!
- حسناً .. يمكننا تناول البيتزا من أحد المطاعم الموجودة هنا ..!
انتبهت لخالتي التي أظهرت انبهارها حيث حضنتني لثانية ثم قالت بإعجاب : رائع .. أنت تجيد دور الأخ الأكبر يا عزيزي ..!
كان الاستنكار أقرب وصف لحالتي حينها : لقد سألته عن ما يريد تناوله فقط ..!
- لكنك تبدو كالأخ الأكبر بالفعل ..! أليس كذلك ريك ؟!!..
هز كتفيه بمعنى الجهل : كل ما أعرفه أني جائع للغاية ..!
أخرجت محفظتي من جيبي : العشاء على حسابي .. لنذهب لصالة المطاعم و أختر المطعم الذي تريد يا أخي ..!
.................................................
جلست على تلك الطاولة بين مئات الطاولات و قد وضعت الكيس الكبير على الطاولة : أين خالتي ؟!!..
سألت رايل الذي كان يجلس هنا و ينتظرني حتى أحضر العشاء : لا أعلم ؟!.. فجأة اختفت ..!
لم تمض لحظات إلا و ظهرت و هي تحمل كيساً صغيراً : هل تأخرت ..!
- أنا وصلت منذ لحظات ..! ماذا تحملين في يدك ؟!..
- لقد أحضرت لي سلطة من أجل العشاء ..!
- لما ؟!.. ألا تحبين البيتزا ؟!..
- بلا .. لكنني لا أستطيع تناول الكثير منها فهي دسمة للغاية .. سأكتفي بقطعة واحدة ثم أسد بقية جوعي بتناول السلطة ..!
جلست أمامي بينما كان رايل على يميني و قد قال باستغراب : و ما المشكلة في كون البيتزا دسمه ؟!..
أجبت أنا عوضاً عنها : إنها شابةً يا رايل .. بالتأكيد هي تقوم بحمية ..!
قطب حاجبيه : خالتي .. لا أرى أنك سمينة حتى تتخذ حمية .. هل تعانين من مرض ما ؟!..
أومأت سلباً و قد أخرجت تلك العلبة البلاستيكية من كيسها حيث كانت تلك السلطة التي كانت مليئةً بالخس الأمريكي و قطع الطماطم : لا يا عزيزي .. حميتي بسيطة جداً و هي فقط للمحافظة على وزني الحالي .. بسبب عملي كمضيفة طيران يجب أن يكون قوامي مقبولاً ..!
- لما ؟!.. كم هو وزنك على كل حال ؟!!..
علمت بأن ريكايل تفوه بكلام يجب أن لا يقال .. و الدليل أن وجه خالتي تلون لحظتها ..!
من خلال خبرتي السابقة .. تمكنت و بكل سهولة من معرفة السبب ..!
رفعت خالتي حقيبتها و ضربت رأس أخي هذه المرة : يبدو أنك أنت الآخر تستحق هذه الضربة !!..
- هذا مؤلم !!.. ما الذي فعلته ؟!..
- لقد فعلت أكبر مصيبة ..! ريك .. ألا تعرف كيف تعامل الفتيات ؟!!..
- لا !!.. أنا لم أتخذ صديقات من قبل ..!
- عموماً عليك أن تعرف بأن المرأة تغضب حين يسألها أحد عن وزنها أو عن عمرها !!.. لذا إياك أن تسأل هذه الأسئلة مجدداً و إلا فلن تنظر فتاة لوجهك !!..
- أنتن معشر النساء غريبات أطوار حتى أكاد أشك أنكن من كوكب آخر ..! لينك هل كنت تحتمل هذا الألم طيلة الوقت بعد كل ضربة ..!
ابتسمت حينها ببساطة : أعتقد أن رأسي أعتاد عليها ..! لكن عليك أن تكوني أكثر رحمة بأخي الصغير يا ميراي ..!
لم أكد أكمل جملتي إلا و تلقيت تلك الضربة مجدداً : قلت لك للمرة المليون .. خالتي !!!..
............................................
مضى بقية المساء على خير .. ودعنا خالتي في الساعة الثانية عشر وعدنا للقصر..!
علمت من جيسكا أن والدتي ذهبت للنوم .. هذا جيد فهي عادةً لا تنام إلا متأخراً و تستيقظ مبكراً جداً .. لذا أعتقد أنه من الأفضل أن تأخذ قدراً كافي من الراحة ..!
ذهب ريكايل لغرفته و اتجهت لغرفتي .. و بعد أن أنهيت كل مهامي استلقيت على السرير استعداداً للنوم ..!
اليوم بعد أن تناولنا طعام العشاء ذهبنا لدورات المياه .. يبدو أن ريكايل استغل لحظة دخولي للحمام ليأكل شيئاً من تلك الأدوية لكنني تمكنت من ملاحظته ..!
لقد كان يحمل كرت أقراص فقط .. لذا لم استطع معرفة شيء بدون علبة ..!
لم أسأله خشية أن يتغير مزاجه فتشك خالتي بالأمر .. لكني سأعرف كل شيء قريباً ..!
.................................................. ........
ستوووووووب
يكفي اليوم ^^
أن شاء الله تكون الهدية أرضتكم ؟!!..
طبعاً الحين الواجب للبارت الأول و البارت الثاني ^^
هل ستتمكن ليديا من أكتشاف المزيد عن لينك قريباً ؟!!..
بل هل سيكتشف لينك سر زيارة ريكايل للمشفى ؟!!..
و ماذا عن السيدة رافالي موقفها السلبي ناحية ريك ؟!!..
لينك سيتبع نصيحة ليديا بشأن ميشيل .. فهل سيجدي هذا نفعاً ؟!!..
أيمكن أن تمنح ميشيل العنيدة فرصة جديدة لـ لينك ؟!!..
كشف الستار عن بداية علاقة ايان و نيكول .. ما رأيكم بها ؟!!!..
و ماذا سيحدث في القريب العاجل ؟!!..
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |