07-10-2013, 06:36 PM
|
|
part 21 في اليوم التالي قضيت طيلة النهار بالاستعداد لامتحان مادة المهارات الإدارية ..! لم يحدث شيء طيلة ذلك اليوم فقد بقيت في المنزل بينما ذهب رايل لزيارة الخالة آنا و زيارة أطفال الملجأ ..! صباح الاثنين ذهبت للمدرسة .. قدمت الامتحان و قد أبليت فيه بلاءاً حسناً ..! غداً ليس لدي امتحان .. لكن لدي امتحان يوم الخميس ..! لذا .. جلست مع رايل في جناحي أمام التلفاز و أحضرت الكيس الذي أعطتني الخالة ميراي في لقائنا الأول بها ..! أخرجت صندوقاً من ذلك الكيس .. كان مغطاً بالورق الفاخر كصناديق الهدايا .. لونه أحمر و له غطاء ترابي ..! نظرت إلى ريكايل :مستعد ؟!.. أومأ إيجاباً فمدت يدي و فتحت الصندوق و كلي شوق لما سأجده داخلة ..! فور أن أبعدت الغطاء وقعت عيني على ما فيه .. لقد كان دفتراً من فئة الـ ( 200 ) صفحة .. ذو لون وردي عليه رسوم لزهور متنوعة مما دل أنه لفتاة : ما هذا ؟!.. هكذا سأل رايل باستغراب : يبدو أنه .. دفتر مذكرات ربما ..! - لمن ؟!!.. - إنه لفتاة ..لن يكون لميراي كما أظن ..! - إذاً ؟!.. - لا شك أنه .. لأمنا ..! هذا ما قلته و أنا أحمل الدفتر : ما رأيك رايل ؟!.. هل نلقي نظرة ؟!.. أومأ موافقاً : لم تعطنا إياه الخالة ميراي إلا لنطلع عليه ..! انتبهت إلى أن هناك صفحات معينة ثبت على جوانبها ملصق ملاحظة بحيث يظهر طرفه حتى تتمكن من فتح تلك الصفحة مباشرةً كالذي يستعمله الطلبة أثناء المذاكرة لمعرفة الفصول في الكتب ..! - رايل .. لنقرأ الصفحات الخاصة فقط ..! - فكرة جيدة ..! لاحظت بأنها كتبت على كل ملصق شيئاً ما ..! على الملصق الأول كان ( لقد أنقذني ) ..! فتحت تلك الصفحة حينها .. و بدأت بالقراءة ..! لكني سأترك لكم قراءة ما كتبته نيكول بنفسها ..! *^*^*^*^*^*^*^* اليوم .. اكتشفت شيئاً جديداً ومثيراً ..! الشخص الذي كنت أظن أنه أسوء من قابلت .. ظهر أنه رائع وجدير بالثقة !!.. بدأ الأمر وقت الغروب .. ميراي الصغيرة تأخرت عن العودة للمنزل على عكس العادة .. لذا خرجت للبحث عنها ..! كنت أنادي عليها و أسأل الجميع عنها لكنهم جميعاً لم يروها مما أثار قلقي ..! و في رحلة بحثي رأيت ذلك الولد الذي معي في الصف .. كان يسير على جانب الطريق يضع يديه في جيبه و ينظر للأمام بجمود .. ترددت .. هل أسأله عن أختي ؟!!.. إنه مرعب و أخشى أن يتعرض لي بأذى ..! لكن ربما يعرف مكان ميراي .. تجرأت حينها و تقدمت نحوه : أنت ..! لم يرد علي بل سار في طريقه .. يتظاهر و كأنه شاب في الثلاثين و هو لا يزال في السابعة عشر : براون .. توقف ..! بالفعل .. توقف حينها و التفت لي ببرود .. شعرت بالخوف من نظرته الباردة تلك لكني تجرأت : هل رأيت ميراي ؟!!.. لم يجب .. و لم يتحرك .. و لم يبعد عينيه ..! لكنني أعدت سؤالي مجدداً : ميراي أختي الصغيرة .. ألم ترها في أي مكان ؟!!.. بنبرة باردة سأل : بائعة الزهور ؟!!.. أومأت إيجاباً .. فأشار ناحية المنعطف القريب : كانت هناك منذ دقائق ..! ركضت لتلك الناحية دون أن أشكره حتى ..! و ما إن اقتربت حتى سمعت صوت بكاء أختي و صراخها !!.. أصابني الفزع و ركضت ناحية المنعطف و ما إن تجاوزته حتى رأيتها هناك و ثلاث شباب يحيطون بها !!.. ركضت ناحيتهم بسرعة و أنا أنادي عليها ..! لكن ثلاثتهم التفتوا نحوي ليقول أحدهم : دعوا الطفلة يا شباب .. لقد وصلت آنسة لطيفة إلى هنا ..! ابتلعت ريقي و قد سيطر الخوف علي .. لكن ما أراحني هو حين رأيت ميراي تركض هاربة من المكان ..! تقدم أحدهم ناحيتي .. كان مخيفاً و وجهه كان مليئاً بالجروح .. أمسك بذراعي حينها فشعرت أنها ستكسر .. بدأت أصرخ طالبةً النجدة لكن أحدهم لم يسمعني ..! كان يتفوه بكلمات لا أفهمها بسبب صراخي و لأني لا أعلم عما يتحدث بالضبط لكني أعلم يقيناً أنه لن يكون شيئاً جيداً ..! حينها .. توقف عن الحديث و نظر إلى الجهة الأخرى كما فعل رفيقاه ..! كنت مصدومة حين رأيت براون المخيف ذاته هنا و ميراي تبكي من خلفه .. هل طلبت منه المساعدة يا ترى ؟!!.. هل يقبل شخص مثله بمساعدة أحد ما ؟!!.. صرخ حينها بصرخة أفزعتني قبل أن تفزع الشباب الثلاثة : يا معدومي الرجولة .. أتظهرون قوتكم على فتاة صغيرة ؟؟!!.. تركني الرجل حينها .. كان كل همي أن أركض ناحية إيان و أكون خلفه .. لأني شعرت بأنه من سوف يحميني منهم ..! احتضنت ميراي التي كانت تبكي و بدأت أبكي معها .. كنت أسمع أصوات الضرب و صرخات الألم ..! التفت حينها فرأيت حالهم .. في لحظات كان كلٌ منهم قد ملئ جسده بالضربات .. لكن إيان كان أقلهم تضرراً رغم أنه أصغر منهم ..! في النهاية هربوا جميعاً بعد أن علموا بأنه سيصمد حتى النهاية ..! لكن فور أن اختفوا أنهار هو أرضاً ..! و بعدها ..! *^*^*^*^*^*^*^* التفت رايل إلي متعجباً :لما أغلقته ..! - أعتقد أنه ليس من الجيد أن نعرف الباقي ..! - لما ؟!!.. - هناك أشياء لا يحق لنا الإطلاع عليها ..! - ربما أنت على حق .. لنرى الصفحة الأخرى ..! أومأت موافقاً و نظرت إلى الكلمة التي كتبت عليه ( يوم التخرج ) ..! *^*^*^*^*^*^*^* كان اليوم رائعاً بالفعل .. فقد تخرجت من المرحلة الثانوية أخيراً ..! لقد حصلت على المركز الأول على مستوى جميع الطلبة .. بالنسبة لإيان فقد أثمرت جهودي في شرح الدروس التي كان يهرب منها له فقد حصل على الترتيب السادس عشر بين ستين طالباً ..! رغم أني قد أنبته كثيراً بسبب هربه إلى سطح المدرسة وقت الدروس .. إلا أنني لم استطع تركه يرسب في السنة الأخيرة ..! لقد تم تتويجي بسبب مرتبتي التي كانت في القمة .. كنت سعيدة للغاية فقد تم تكريم المراكز الثلاث الأولى تكريماً خاصاً..! صحيح أني شعرت بالحزن قليلاً حين رأيت أهالي باقي زملائي يقومون بتهنئتهم بمناسبة تخرجهم أخيراً .. لكن إيان قام بتهنئتي فأعاد السعادة لقلبي ..! أمي .. أبي .. لقد تخرجت أخيراً .. تمنيت لو كنتما هنا لتهنئاني ..! في طريق عودتي للمنزل كان إيان يسير بصحبتي فدعوته لتناول الغداء معي و مع ميراي ..! و ما إن دخلت البيت حتى فوجئت بالقصاصات الملونة التي انتثرت في المكان : مبارك تخرجك ..! كانت ميراي و بعض أصدقائها و كذلك الجيران ..! التفت إلى إيان مذهولة لكنه ابتسامته الهادئة صدمتني و هو يقول : مبارك حصولك على المركز الأول نيكول ..! هو الآخر خطط لهذا .. كان الأمر رائعاً فقد احتفلوا جميعاً بي و بإيان كذلك ..! لقد كانت الكعكة لذيذة .. و ميراي أهدتني زينة شعر لطيفة للغاية ..! إيان أيضاً أعطاني عقداً جميلاً للغاية ..! كانت دموع الفرح تسيل من عيني حين شعرت باهتمام الجميع بي و لفرحتهم لتخرجي ..! لم أكن أستطيع وصف سعادتي إثر الموقف .. لقد كان الحفل رائعاً بالفعل و خلاله أعلن إيان عن خطوبتنا ..! كان الجميع مستغرباً لأننا لازلنا صغيرين .. لكن هذا لم يمنعهم من تقديم التهاني لنا و قد وعدوا بحضور حفل الزفاف ..! كنت أشعر بخجل شديد بمجرد التفكير بأنني سأشكل أسرة مع إيان بعد بضعة أشهر ..! ميراي كانت سعيدة جداً و كانت طيلة الوقت تخبرني بأني سأكون أجمل عروس في ذلك اليوم ..! أنا سعيدة .. سعيدة للغاية .. لأنني عرفت إيان بحق ..! *^*^*^*^*^*^*^* ابتسمت بهدوء بعد قراءة تلك السطور : لقد أعلنا عن الخطوبة في يوم التخرج ..! أومأ رايل إيجاباً و على شفتيه ابتسامة مشابهة : إنه أمر مثير للدهشة .. لكنه يثير الحنين بطريقة ما ..! - لم يكن أبي منبوذاً كما اعتقدت .. يبدو أنه محبوب من الجميع ..! - أعتقد أنه كان منعزلاً مما جعل الناس يتحاشونه .. لكن يبدو أن أمي غيرته تماماً ..! - إن المذكرة من مئتي صفحة .. لكنها مررت سنة كاملة ..! - أعتقد أنها كتبت الأمور المهمة و لم تأخذ بطريقة كتابة كل يوم بيومه .. و لاحظ أن المذكرة ممتلئة ماعدا بضع صفحات في النهاية ..! - هل نفتح الصفحة التالية ؟!.. - أجل ..! نظرت إلى الأخرى .. و كما توقعت .. كانت التعليق المكتوب على الملصق ( حفل زفافي ) ..! *^*^*^*^*^*^*^* أتممنا المراسم في الصباح ..! وقد حضر الكثير من صديقاتي و أصدقاء أيان و بعض جيراننا ..! لكن المثير هو أني حين أدرت ظهري للحضور و رميت بالزهور الحمراء .. صرخ الجميع مذهولاً مما جعلني أتحمس لمعرفة من أمسك بباقتي .! و فور أن ألتفت ألجمتني أنا الصدمة حين رأيت الباقة بين يدي أختي ميراي التي لا تزال في السابعة من عمرها !!!.. رغم ذلك .. ضحكنا جميعاً حين أسرعت هي بإعطائها لإحدى الفتيات بعد أن شعرت بأنها أمسكت بشيء لا تزال صغيرة على حمله ..! و في الليل كانت الحفلة ..! قام بعض الأصحاب بالتبرع و استئجار صالة صغيرة من أجل زفافنا .. لقد كانت جميلة جداً .. و أنا أشكر لهم هذا ..! كان شعوري و أنا داخل الفستان الأبيض غريباً .. كان مزيجاً من الخجل الشديد و بعض السعادة و لمسة من الخوف كذلك ..! إيان بدا وسيماً للغاية .. بدلته كانت جميلة جداً و إن لم تكن فاخرة ..! حتى ميراي بدت في قمة السعادة و قد كانت تقفز و تركض في كل مكان بثوبها الوردي ..! رغم أنه كان حفلاً صغيراً إلا أنه كان حانياً للغاية ..! لقد التقطنا الكثير من الصور سويةً .. و الجميع أيضاً التقط الصور معنا ..! صديقاتي كن سعيدات جداً لكنهن لم يتوقفن عن محاولة إحراجي ببعض الكلمات و الإشارات ..! و المثير في الموضوع أن أيان كان متوتراً أيضاً .. و للمرة الأولى أراه بهذا الشكل حتى أن وجنتيه توردتا ..! لم تكف جارتنا العجوز عن وصفي بالعروس الصغيرة .. كما أنها قالت بأني أذكرها بنفسها فقد تزوجت هي الأخرى حين كانت في سني ..! حتى إيان لم يسلم من التعليقات .. لكن أكثر ما أثر فينا هو حين قال أصدقاء إيان بأن علينا أن نسمي ابننا الأول لينك من أجل صديقنا الراحل ..! لقد تأثر إيان كثيراً بهذا .. اعلم أنه يتمنى لو كان لينك هنا ..! أنا أيضاً شعرت بالدموع تفيض في عيني .. لقد كان وفاة لينك منذ سنة صدمة كبيرةً للجميع و خاصةً إيان ..! رغم ذلك .. حاول ألا يظهر تأثره ثم نظر إلي و ابتسم .. مد يده و مسح دموعي تلك و هو يهمس : لم أسمع بفتاة تتذكر الأشياء المحزنة ليلة زفافها .. هل ستكون عروسي الأولى ؟!!.. لقد احمر وجهي بشدة لحظتها حتى أني شعرت بأن دمي كله تجمع في وجنتي ..! لقد كان حفل زفاف رائعاً للغاية .. و الجميع قدم لنا الهدايا ..! لا يمكن أن أنسى أي لحظة قضيتها هذا اليوم ..! فهو يوم من أسعد أيام حياتي ..! *^*^*^*^*^*^*^* لا أعلم لما .. لكنني لحظتها تذكرت الصور التي رأيتها لزفاف أمي إلينا من قبل ..! فقد كانت الصالة التي أقيمت فيها الحفلة كبيرة و فاخرة و قد حضر الكثير من النبلاء ..! فرق عظيم بين الحفلين صحيح ؟!!.. لكني أشعر أن حفل إيان و نيكول كان مليئاً بالمشاعر الصادقة : إنها حفلة رائعة ..! هذا ما تمتمت به : محق .. أعتقد أنهما كانا أفضل عريسين في تلك الليلة ..! - يبدو أنهما كانا يعيشان بسعادة ..الجيران و الأصدقاء بدو كأهل حقيقين هنا ..! - أجل .. و أكثر ما لفت انتباهي هو أسمك الذي ذكر هنا ..! - يبدو أنه أسم لصديق أبي القديم .. أعتقد أن علاقته بوالدي قوية و الدليل هو أن أبي أختار هذا الاسم لي ..! - هل نسأل الخالة ميراي ؟!.. - لا بأس في ذلك ..! - عموماً .. لننظر الآن للصفحة التالية ..! كان التعليق هو ( خبر سعيد ) ..! *^*^*^*^*^*^*^* اليوم ذهبت للطبيب كما نصحني إيان .. لقد أراد هو الآخر أن يأتي معي لكن بسبب محاضرته الجامعية في ذلك الوقت لم يتمكن من ذلك ..! دخلت على طبيبة النساء .. و قد قامت بإجراء الفحص الطبي لي بعد أن سألتني بعض الأسئلة ..! و قد نزل علي خبر كالصاعقة !!.. في بطني .. جنين .. لا بل .. اثنان !!.. أخذت أكذبها عدة مرات .. لكنها أقنعتني في النهاية !!.. كل ما فكرت فيه حينها .. هل سأكون أما بعد بضعة أشهر ؟!!.. لا أعلم كيف أصف هذا .. لكني وضعت يدي على بطني حينها و ابتسمت ..! كنت متحمسة لإخبار إيان بالخبر و رؤية ردة فعله ..! عدت للمنزل .. كان لم يعد بعد و ميراي لا تزال في المدرسة ..! بدأت بتحضير الغداء و أخذت أفكر بالطريقة التي أخبره بها ..! لكنني قررت إخباره مباشرة بلا مقدمات حتى يصدم بالفعل !!.. حين عاد من الجامعة سألني عن صحتي و عن ما قالت لي الطبيبة ..! لحظتها أخبرته بأمر الحمل ..! لم يصدق و ظن أني أمزح حتى أنه ذهب باتجاه الدرج كي يصعد للغرفة و يبدل ملابسه ..! لكنني ما إن وقفت أمامه و أريته أوراق الفحص حتى اتسعت عيناه بدهشة !!.. نظر إلي حينها : أنتي جادة ؟!!.. - كما ترى أمامك ..! - أهي مزحة نيكول ؟!!.. - هل الأمر سيء ؟!!.. قلت هذا بتوتر حين لم أرى إلا ملامح الهدوء على وجهه ..! لكنه حينها أبتسم ابتسامة صغيرة و سار ناحية الأريكة و رما بنفسه فوقها و أخذ يتمتم بكلام غريب حتى شككت بأنه جن !!.. تقدمت ناحيته و وضعت يدي على جبينه : إيان أأنت مريض ؟!!.. لم ألبث أن قلت هذا حتى وقف بسرعة و عانقني في حين غفلة وهو يصرخ : نيكول لا أصدق !!.. أنت رائعة و أنا أحبك أكثر من أي شيء في هذا العالم ..! حينها كنت قد أيقنت بأنه قد جن بلا شك ..! ابتعد عني لحظتها و ربت على كتفي : نيكول .. سنكون أبوين ؟!!.. كنت متعجبة منه لكنني ابتسمت : أعتقد ذلك ..! أخذ يضحك حينها بسعادة و قد عانقني مجدداً و هذه المرة قام بتهنئتي ..! كنت سعيدة بالأمر فهو يبدو سعيداً للغاية ..! أخذ بعدها يخبرني بأن علي أن لا أجهد نفسي و أن لا أقوم بأي شيء من أعمال المنزل مضيفاً إلى أنه سيقوم بكل شيء ..! تركني أجلس على الأريكة و ذهب هو ناحية المطبخ فقد قال بأنه سيهتم بالغداء اليوم و بكل يوم حتى يولد الطفل بسلام ..! لقد كانت سعادته غامرة .. و قد جعلني هذا سعيدة أنا أيضاً ..! مضى حوالي عشرة أشهر على زفافنا .. أنا لا أزال في شهري الثاني لذا لا أعلم إن كان صبياً أم فتاة ..! لكن إيان قال حينها بأنه إن كان صبياً فسنسميه لينك بالتأكيد .. و قد أخبرته بأني أريد هذا أيضاً ..! *^*^*^*^*^*^*^* لم يكن لدي أي تعليق على الأمر .. لكني بلا شعور كنت قد ابتسمت بهدوء ..! فتلك كانت المرة الأولى التي نكون فيها معهما و إن لم نكن معهما بالشكل المطلوب ..! بدا على ريكايل الهدوء .. نظر إلى الملصق الأخير الذي ثبت بآخر صفحة قد تمت كتابتها .. تمتم وهو يقرأ ما كتب عليه : لينك و ريكايل ..! يبدو بأن ذلك اليوم كان اليوم الذي ولدنا فيه .. نظرت إلى رايل بطرف عين : أتريد أن نلقي نظرة عليها ؟!!.. أومأ سلباً حينها : لا .. لن نأخذ منها غير الألم ..! كان محقاً .. فرغم أني على يقين بأن أمي لم تكتب إلا عن سعادتها بذلك اليوم و ربما تصفه بأنه أجمل أيام حياتها ..! لكنني أيضاً أعلم بأنه آخر ما كتبته أمي .. أو بالأحرى .. آخر يوم لوالدي و والدتي في هذه الحياة ..! لو كانا حيين حتى الآن .. لكنا في التاسعة و الثلاثين ..! انتبهت إلى أن ريكايل أخذ شيئاً آخر في الصندوق : أنظر إلى هذا يا أخي ..! - يبدو أنه ألبوم صور ..! - هل أفتحه ؟!!.. - أجل ..! فتحه فأسرعت بإلقاء نظرة على الصورة الأولى ..! كانت تلك الفتاة تقف أمام مبنى كبير و على وجهها ابتسامة لطيفة .. بجانبها لوحة كتب عليها تاريخ قديم مع عبارة ( حفل تخريج الدفعة الثامنة عشر للمرحلة الثانوية ) .. يبدو أنها التقطت في يوم التخرج ..! و فوراً أدركت بان تلك الفتاة كانت أمي ..! شعرها البني الناعم كان يصل إلى خصرها و قد تركته منسدلاً كما لم ترفعه بشيء من الأمام .. لقد بدا أنه حريري و لونه كان لطيفاً فهو لم يكن قاتماً ولا باهتاً .. عيناها خضراوتان .. كعيني و عيني ريكايل ..! ترتدي تنورة سوداء تصل إلى أسفل ركبتها و قميصاً أبيض و جوارب بيضاء تصل نصف الساق مع حذاء أسود ..! تحمل بين يدها ورقة مطوية تبدو كشهادة التخرج ربما ..! لقد كانت جميلة للغاية و ابتسامتها تشع بالحياة و الأمل ..! بجانبها وقف شاب أطول منها بقليل .. كان على وجهه ابتسامة هادئة و هناك جرح صغير على وجنته اليسرى زاد من وسامته .. له عينان زرقاوتان بلون البحر في فصل الصيف .. شعره أشقر مثل لون شعري و قد ثبته إلى الخلف كرايل الآن تماماً ..! يرتدي بنطال أسود و حذاء رياضي أسود .. مع قميص أبيض فتح أولى أزراره و تركه فوق البنطال و قد وضع يده اليمنى في جيبه بينما يده اليسرى كانت تربت على كتف الفتاة و قد أمسك شهادته هو الأخر بها ..! أخيراً رأيتهما .. والدي و والدتي .. إيان و نيكول ..! حدقت بالصورة كثيراً .. تمنيت لو أتمكن من لقائهما صدقاً..! أتمنى لو أتحدث إليهما .. أسمع صوتهما .. أني بالفعل أريد رؤيتهما ..! لكن .. كل ذلك مستحيل ..! أريد أن أعتذر ..أعتذر بشدة لأني لم أعرفكما سابقاً .. أمي .. أبي ..! قلب رايل الصفحة بعدها .. نظرت إليه .. بدا أنه متأثر هو الآخر : جميلة ..! هذا ما تمتم به فنظرت لتلك الصورة ..! كان يوم الزفاف .. أمي بدت رائعة بذلك الثوب الأبيض الطويل .. صحيح أنه ليس فاخراً و مثيراً .. لكنه كان لطيفاً للغاية ..! لقد كانت تبتسم بخجل و هي تنظر للأسف و تحمل باقة الزهور بعد أن جلست على ذلك الكرسي الطويل الذي خصص للعريسين في هذه الصالة ..! بجانبها كان أبي .. بدا الهدوء على ملامحه و لم ينظر لآلة التصوير بل أشاح بوجهه قليلاً فمن الواضح أنه يشعر بالتوتر و الخجل هو الآخر ..! كما ذكرت أمي في مذكرتها ..لقد كان وسيماً للغاية تلك الليلة ..! بدأنا نقلب الصفحات .. كانت صوراً ليوم الزفاف إما وحدهما أو مع بعض الناس الذين كانت السعادة واضحةً عليهم ..! ميراي ظهرت في صور كثيرة .. لقد تمكنت من تميزيها بسهولة رغم أنها كانت طفلة فهي لا تزال تحتفظ بذات الملامح إلا أن شعرها كان قصيراً هنا فهو يصل لأسفل رقبتها فقط ..! فستانها الوردي كان لطيفاً و بدت كملاك بريئة به ..! وصلنا للصفحة الأخيرة ..! هنا .. اتسعت عيني بذهول .. فأنا لم أعتقد أني سأرى شيئاً كهذا !!.. حتى رايل بدا متفاجئاً ..! بلا شعور .. ابتسمت بهدوء و أنا أنظر لتلك الصورة التي أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها رائعة ..! أمي .. كانت تجلس على ذلك السرير الأبيض .. تحمل بين يديها ملاءةً بيضاء لفت حول رضيع قد لا يتجاوز عمره الخمس ساعات ..! كانت تنظر إليه نظرة حنان و على وجهها ابتسامة مليئةٌ بالعطف ..! على كرسي ملاصق للسرير جلس أبي و هو يحمل الملاءة الأخرى بحذر و على وجهه ابتسامة صغيرة و عيناه معلقتان بما بين يديه ..! رغم أن الرضيعين لم يكونا واضحين إلا أن أطراف الشرائط التي ربطتها ميراي حول يديهما واضحة ..! فقد كانت والدتي تحمل ذا الشريط الأزرق ريكايل .. و أبي يحمل صاحب الشريط الأحمر لينك ..! كانت صورة لطيفةً للغاية و مليئةً بالمشاعر : إنها دافئة .. أليس كذلك رايل ؟!.. بهمس أجابني : بلا .. إنها الأروع ..! أغلق الألبوم بعدها و أعاده إلى الصندوق ثم وضعت المذكرة فوقه .. و كذلك وضعت معه الشرائط التي أعطتنا الخالة آنا ..! أغلقت الصندوق و أعدته للكيس : هل نعيده للخالة ميراي ؟!.. - لا أعلم .. ربما تريدنا أن نحتفظ به ..! - سنرى في الأمر فيما بعد ..! عموماً لتستعد الآن .. سوف نذهب لاستلام جواز سفرك ..! أومأ موافقاً و وقف مغادراً الغرفة ..! و أنا كذلك اتجهت لغرفتي كي أبدل ملابسي ..! .................................................. ..... مضى بقيت الأسبوع على خير .. كانت أيامنا تمضي بهدوء فقد كنا نذهب لزيارة الأطفال أو زيارة الخالة آنا بشكل شبه يومي .. التقينا بالخالة ميراي مرتين .. أخبرتنا بأنه بإمكاننا الاحتفاظ بالصندوق ..! سألناها عن لينك الذي ذكرته أمي في مذكرتها فأخبرتنا بأنه كان صديق والدي الحميم منذ أيام الطفولة رغم أنه لم يكن جامحاً إلا أنهما كانا صديقين حميمين فلينك كان الوحيد الذي يعرف إيان حق المعرفة قبل نيكول .. وقد كانا يعيشان سويةً شقة صغيرة لخمس سنوات ..! قالت خالتي أن أبي ذكر كثيراً أن لينك كان ينصحه دوماً بالابتعاد عن حياة الجامحين لكنه لم يستمع له .. و في مرة كان أبي يتشاجر مع بعض الجامحين وحده فكادوا يقضون عليه إلا أن لينك ذاك جاء و ساعده و بالمقابل تلقى طعنة من أحدهم فقد حياته أثرها ..! صحيح أن الشرطة أمسكت بالمجرمين و حاسبتهم إلا أن أبي شعر بالذنب و أنه هو السبب في موت صديقة الذي أعتبره أكثر من شقيق ..! لكن أمي أخبرته بأنه إن أراد أن يسامحه لينك فعليه أن يترك هذه الحياة التي أوقعته بالكثير من المشاكل و أودت بحياة صديقه ..! و قد كان هذا قبل سنة من وزاجهما ..! بقيت الأسبوع أمضينها بالاستعداد للرحلة .. و هاهو يوم السبت قد جاء أخيراً ..! .................................................. ........... تمام الثامنة صباحاً ..! وقفت أمام المرآة بعد أن ارتديت قميص أزرق مع سترة جلدية سوداء و كذلك بنطال جينز أزرق قاتم ..! بقيت أنظر إلى نفسي قليلاً .. أعتقد أن هذا مناسب ..! ريكايل كان يجلس على الأريكة خلفي وقد ارتدى سترة سوداء رسميه كعادته مع بنطال أسود و قميص أبيض ..! أمسكت بزجاجة العطر و بدأت أضع منها الكثير الكثير كعادتي ..! التفت إلى الخلف فرأيت رايل يجلس شارد الذهن .. تقدمت ناحيته بلا صوت و ما إن جلست بجانبه : رايل هل ....! قاطعني سعاله المفاجئ .. بل إن ما فاجئني هو أنه أستمر بالسعال بشدة فربت على ظهره بقلق : رايل ما بك ؟!!.. انتابته نوبة من السعال الشديد .. حتى شعرت أن أنفاسه على وشك أن تقطع ..! حاول الوقوف فوقفت و أمسكت به و أجلسته : لا تتحرك .. ليس من الجيد أن تقف و أنت بهذا الحال ..! دفعني بشدة حينها فتراجعت إلى الخلف بضع خطوات بصدمة لكن ما صدمني هو أنه وقف و أبتعد حتى صارت بيننا مسافة كافية فخف السعال قليلاً و استطاع أن يلتقط أنفاسه ..! تقدمت ناحيته بقلق : ريكايل أأنت بخـ ..! قاطعني حين صرخ : لا تقترب !!.. وقفت في مكاني بلا شعور و أنا لا أكاد أستوعب ما يحدث .. لا يزال يسعل لكن بشكل بسيط ..! لحظات حتى أخرج من جيبه أسطوانة صغيرة و قربها من فمه و ثم ضغط على رأسها الذي يشبه رأس زجاجة العطر في فمه ..! كنت أحاول أن أفهم معنى هذا .. إنها أنبوبة المصابين بالربو !!.. بلا .. إنها لفتح الشعب الهوائية التي تغلق جراء الغبار أو الروائح القوية جداً ..! هل أخي مصاب بربو حاد لدرجة أنه تعرض لنوبة سعال بلا سبب ؟!!.. انتبهت حينها للأمر .. لقد وضعت الكثير من العطر ..! إن كان ريكايل مصاباً بالربو فطبيعي أن تكون هذه ردة فعله ..! فوراً حينها أسرعت إلى الخزانة و خلعت سترتي وقميصي المشبعان برائحة عطري القوية ثم ارتديت كنزة ترابية بسرعة و انطلقت ناحية رايل ..! كان يجلس أرضاً و التعب بادٍ عليه و قد كان يلهث بعد أن استعاد أنفاسه و أوقف السعال ..! جثوت أمامه و أظهرت استيائي : لما لم تخبرني بأنك مصاب بالربو ؟!!.. رفع رأسه ونظر إلي بهدوء رغم تعبه : لم أجد داعياً لهذا ؟!!.. - أجننت ؟!!.. تعلم أني أضع الكثير من العطر دائماً .. كان هذا يؤذيك طيلة الوقت رغم ذلك بقيت صامتاً ؟!!.. - رائحة العطر لا تشكل شيئاً .. إن لم اعتد عليها فلن أستطيع التعايش مع هذا المجتمع ..! - واضح أنها لا تشكل شيئاً .. أتعتبر ما حدث منذ لحظات لاشيء ؟!!.. - يجب أن لا أكون لا حساساً لأمور صغيرة كهذه و إلا أجبرت على ترك عملي لمرات عديدة !!.. - كنت تحتمل كل هذا من أجل العمل ؟!!.. أنت بالفعل تثير غضبي .. كنت سأتفهم الأمر لو أنك أخبرتني !!.. رايل هل أصاب عقلك شيء ؟!!.. كنت قد غضبت بالفعل فإخفاءه شيئاً بهذه الأهمية يجعلني أفقد أعصابي ..! طأطأ رأسه و قال بنبرة همس و ندم : آسف .. أعلم أنه لم يكن علي إخفاء أمر كهذا ..! لكني لم أعتد على ذلك فلا أحد يعلم بأني مصاب بالربو رغم أني مصاب به منذ مده ..! كلامه ذاك أطفأ غضبي و قد فهمت شعوره نوعاً ما .. هو لم يعتد على أن يعتمد على أحد أو يظهر ضعفه أمام أحداً .. لقد كان هو المسؤول في كل شيء ..! لأطفال الملجأ .. لجوليا و ميشيل و أمهما .. لصديقه بيير الذي كان يحتمي به دائماً ..! لذا .. لم يعتد جعل أحد يقلق عليه .. بل كان هو من يقلق على الجميع ..! تنهدت حينها و ربتت على كتفيه : كيف هي حالتك بالضبط ؟!.. أجبني بسراحه ..! بهدوء دون أن ينظر إلي : أخبرني الطبيب بأنه ربو متوسط الشدة ..! تذكر حين أخبرتك بالقصة التي حصلت لي حين أنقذت بيير من العقاب .. لقد مرضت بعدها و لكن لم يكن أنفلونزا أو حمى .. بل التهاب بالرئة إثر البرد .. و هي ما سببت لي هذا مع مرور الوقت ..! - هكذا إذاً .. منذ متى و أنت مصاب بهذه الحال ؟!!.. - منذ ثلاث سنوات .. لكني لم أذهب لزيارة الطبيب إلا منذ سنة و نصف فقط فأنا لم أكن أعلم بما في بالضبط ..! - طبيبك .. هو الدكتور هاري ليبرت صحيح ؟!!.. - هل تعرفه ؟!.. - التقيت به حين أخذت للمشفى في ذلك اليوم ..! و يبدو أن علينا زيارته الآن ..! قطب حاجبيه : الآن ؟!!.. و الرحلة ؟!!.. ابتسمت بهدوء : لا تقلق .. يمكننا اللحاق بهم فيما بعد .. المهم هو أن نطمئن على صحتك فلا أظن أن نوبة شديدة كالتي قبل قليل حصلت هباءً مع أني أتمنى ذلك ..! هيا معي ..! تردد قليلاً قبل أن يومئ إيجاباً ..! اتجهت لهاتفي و اتصلت بالمطار أولاً .. وجدت حجزاً على طائرة الحادية عشر صباحاً فحجزته و ألغيت حجز رايل في التاسعة ..! ثم اتصلت بماثيو و أخبرته بأني سوف أأجل موعد رحلتي بعض ساعات بسبب عمل طارئ و طلبت منه أن يلغي حجزي بعد أن أخبرته بأني سأكون على طائرة الحادية عشر ..! .................................................. ............ كنت أقف قرب باب تلك الغرفة و رايل بجانبي و قد خرجت امرأة عجوز منها قبل قليل ..! في تلك المدينة الطبية الضخمة التي تحتوي على عدة مباني .. و هنا في قسم أمراض الجهاز التنفسي قرب عيادة الدكتور هاري الطبيبة المتخصص في أمراض الرئة و التهاباتها ..! همست لرايل : هل جئت بنفسك إلى هذا المكان سابقاً ؟!.. - لا .. لقد كنت قد ذهبت لأحد المستشفيات الصغيرة .. لكنهم نقلوا ملفي إلى هنا ..! - هكذا إذاً ..! لحظات حتى وصلت الممرضة : سيد براون .. إنه دورك فهلا تفضلت معي ..! كان هناك بعض الناس يجلسون على كراسي قرب العيادة بانتظار أدوارهم .. تقدمت و رايل خلفي ..! دخلنا مع الممرضة فرأيت ذلك الطبيب الشاب ذو الشعر الفاحم مجدداً يجلس هناك خلف ذلك المكتب و ينظر لبعض الأوراق ..! ما إن دخلنا حتى ترك ما في يديه و نظر إلينا بعينيه الزرقاوين الجريئتين من خلف نظارته الطبية مستطيلة العدسات و ابتسم : كيف حالك يا ريكايل .. أرجوا أن تكون بخير ؟!!.. بهدوء قال : أنا بخير دكتور ..! - حسناً .. هل حدث جديد معك ؟!!.. - في الحقيقة أصابتني نوبة سعال شديدة اليوم بسبب رائحة عطر قوية .. أريد أن أرى إن كان هذا قد سبب التهاباً أم لا ..! - لا بأس .. اذهب مع الممرضة للقيام بتصوير الأشعة و حينها سنرى إن كنت تضررت أم لا ..! سارت الممرضة فتبعها هو و خرجا ..! نظر الطبيب الوسيم ناحيتي وأخذ يتذكر : أنت ؟!.. آه لقد جئت مع ريكايل إلى هنا من قبل .. أعتقد أنك من مارسنلي ..! - صحيح .. أنا لينك مارسنلي ..! - أأنت صديق لريكايل ؟!!.. - تستطيع قول ذلك ..! - إنكما تتشابهان كثيراً و لولا أني أعرف أسمك مسبقاً لظننتك أخاه ..! - حسناً .. إني أعده بمثابة أخي ..! - شيء رائع .. لم أعتقد أن ريكايل سيخبر أحداً بمرضه فهو قد طلب مني بأن لا أخبر أحداً بالأمر ..! - هو لم يخبرني .. لقد اكتشفت بنفسي .. في الحقيقة أنا من كان يضع ذلك الكم الكبير من العطر حين أصابته الحالة ..! - هكذا إذاً .. و جئت لتعرف حاله بالتفصيل ..! - بالضبط .. نحن نقضي معظم وقتنا معاً لذا أريد أن أعرف أكثر عن حالته كي أتجنب ما يضره ..! - حسناً .. تفضل بالجلوس ..! جلست على ذلك المقعد أمام مكتب الدكتور هاري .. بدأ يحدثني عن صحة ريكايل بالتفصيل ..! لقد أراحني كلامه كثيراً فيبدو أن حالة أخي ليست بتلك السوء بما أنه منضبط على تناول تلك الأدوية ..! فقط حذرني من الروائح القوية كالعطر .. و كذلك من الغبار ..! و بعد عشر دقائق عاد رايل مع الممرضة التي كانت تحمل ملفاً فيه نتائج تصوير الأشعة اكس ..! بقي الطبيب ينظر إليها للحظات قبل أن يبتسم بهدوء : اطمئن .. يبدو أنك لم تتضرر إثر هذه النوبة .. لكن كما أخبرتك إياك أن تتساهل مع الأمر .. فور أن تتعرض لنوبة ما تعال لإجراء الفحص ..! أومأ ريكايل موافقاً فوقفنا حينها لمغادرة العيادة فقلت بابتسامة : شكراً لك أيها الطبيب ..! ابتسم لي ثم نظر إلى ريكايل الذي قال : أوصل سلامي للدكتور مارفيل ..! لم أعلم من يقصد لكن الدكتور هاري أومأ موافقاً : إلى اللقاء .. احرص على أخذ دوائك في موعده يا ريكايل .. و تذكر مواعيد الفحص الدوري ..! ..................................... كانت الساعة تشير إلى التاسعة و النصف حين كنت أقود السيارة و ريكايل بجانبي ..! الشوارع كانت شبه مزدحمة .. و الجو يميل للبرودة فنحن الآن في فصل الخريف ..! انتبهت لرايل الذي سأل : هذا ليس طريق القصر .. إلى أين نحن ذاهبون ؟!!.. أجابته بهدوء و أنا أنظر إلى طريقي : إلى ذلك المبنى الزجاجي ..! نظر هو إلى تلك الناطحة الصغيرة المتشكلة من أربعين طابقاً غير السطح ..! كان الزجاج اللامع بمثابة الجدران حيث يمكنك أن ترى الناس في الأدوار القريبة .. أما الأدوار العالية فقد انعكست عليها صور الغيوم في حضن السماء الزرقاء ..! بنبرة استغراب سأل : ما هذا المكان ؟!!.. - إنه المركز الرئيسي لشركة مارسنلي ..! - تقصد .. مكان عمل السيدة إلينا ..! - بالضبط .. إنها مديرة هذا المكان .. و مكتبها في الطابق الأربعين ..! حين وصلنا كان هناك أسوار حول المكان و حراس قرب بوابة كبيرة ..! أوقفوا سيارتي الفراري الحمراء فتقدم أحد الحراس إلي : لا يسمح بالدخول دون بطاقة .. أتحمل واحدة ؟!!.. يبدو أنه لا يعرفني .. لا ألومه فأنا لم آتي إلى هنا منذ زمن ..! أخرجت بطاقتي المدنية و أعطيتها إياه .. نظر إليها للحظات قبل أن يحني رأسه باحترام : أهلاً بك سيدي ..! أعاد البطاقة ثم قال بصوت مرتفع كي يسمعه الحارس الذي في الغرفة الصغيرة : افتحوا البوابة للسيد مارسنلي ..! كان هناك اثنان آخران قرب البوابة .. ارتفع الحاجز الأحمر أتوماتيكياً فحركت سيارتي إلى الداخل ..! بعدها أوقفتها أمام باب المبنى حيث تقدم شاب و فتح الباب من جهتي بينما فتح آخر الباب من جهة ريكايل : أهلاً بك سيدي ..! نزلنا نحن الاثنان فأعطيت أحد الشابين المفتاح : ضعها في المربض ..! - أمرك ..! - هل السيدة هنا ؟!!.. - لقد عادت من جولة تفقدية قبل قليل .. إنها في مكتبها .. هل أوصل لهم خبر وصولك ..! - لا .. لا داعي لهذا ..! - كما تأمر ..! سرت و سار ريكايل بقربي وهو يهمس بحيث أسمعه أنا فقط : تبدو كملك في هذا المكان يا أخي ..! ابتسمت بهدوء و همست له : بما أني أحمل اسم مارسنلي .. فأنا ملك هنا بالفعل ..! - أعتقد أن أسم براون لم يكن ليوصلك لهذه المكانة ..! - لا تسئ فهمي .. فأنا أود فعلاً أن استعمل اسم براون ..! وصلنا إلى المصعد فطلبه الموظف الخاص به لنا ..! ركبنا نحن الثلاثة فقال ذلك الرجل : إلى أي طابق تريد الذهاب ؟!!.. - إلى الطابق الأربعين ..! - غير مسموح بهذا إلا لمن يحملون الأذن .. ذلك الطابق خاص بالإدارة ..! - و إذاً ؟!!.. - هل لديك موعد مسبق ؟!!.. - لا .. لكن أريد لقاء السيدة مارسنلي ..! - آسف .. لكن السيدة مارسنلي لا تلتقي بأحد دون مواعيد ..! تنهدت حينها بتعب : لن ترفض لقائي .. لذا خذني للطابق الأربعين ..! - أنه عملي أيها السيد .. لا أستطيع مخالفة القوانين ..! أعطيته بطاقتي حينها فنظر إليها للحظات قبل أن يقول باحترام ممزوج بالتوتر و قد حنى رأسه : أنا آسف سيدي .. لو علمت سابقاً بأنك السيد مارسنلي لما ناقشتك في الأمر ..أعذرني على وقاحتي ..! - لا عليك .. و الآن خذني إلى الطابق الأربعين ..! - أمرك ..! ضغط زر الطابق الأربعين فأغلق باب المصعد و بدأ يتحرك للأعلى ..! لحظات حتى ظهر كل شيء حولنا فجدار المصعد من الزجاج المطل على الخارج أي بإمكاني رؤية الشارع ..! كان يرتفع أكثر و أكثر بشكل متوسط السرعة حيث يسمح لك بالاستمتاع بمنظر الناس في الخارج و السيارات و الحدائق القريبة ..! لكن يبدو أن أحدهم لا يستمتع فقد أمسك ريكايل بطرف كمي كطفل صغير .. حين ألتفت ناحيته رأيت أنه قد أوشح ببصره و التوتر بادٍ عليه فهمست بقلق : ما بك الآن ؟!.. هل تشعر بالمرض ؟!!.. أومأ سلباً و همس : أكره الأماكن المرتفعة ..! شيء جديد أكتشفه فيه ..! تنهدت حينها : أغمض عينيك و حسب ..! فعل ما طلبته من و قد شد على طرف كمي أكثر و أكثر ..! سرعة المصعد هي ثانية لكل دور .. لذا يستغرق أربعين ثانية للصعود للدور الأخير ..! أمي بعكس ريكايل تحب هذه المناظر لذا أرادت أن لا يكون المصعد سريعاً ..! بالنسبة لي فأنا لا أجد مشكلة مع الأماكن المرتفعة على عكس أخي ..! وصل المصعد في النهاية إلى الأعلى .. نزلت و كذلك ريكايل فأغلق الباب بعد أن ودعنا الموظف باحترام ..! سرت في ذلك الممر الفاخر حتى وصلت إلى باب كبير و طرقته : تفضل ..! دخلت إلى تلك الغرفة الكبيرة حيث يوجد باب آخر أفخم و أكبر قبالتي و يصل بين البابين سجادة حمراء ..! كان هناك مكتب كبير على الجانب حيث وقفت تلك الموظفة الشقراء ممشوقة القوام : هل أخدمك بشيء ؟!.. تقدمت ناحيتها و وقفت أمام المكتب : أريد الدخول لرؤية السيدة مارسنلي ..! بدا عليها الاستغراب : هل لديك موعد مسبق ؟!.. لأني لم أزر الشركة منذ سنوات فلا أحد هنا يتذكرني ..! لكن يبدو أن هذه الموظفة جديدة أصلاً ..! بهدوء قلت : ليس لدي ..! - آسفة .. لا أستطيع السماح لك بالدخول .. فالسيدة مشغولة و ليس لديها الوقت للزيارات المفاجئة ..! - أخبريها بأن لينك هنا و ستسمح لي بالدخول ..! قطبت حاجبيها لكنها رفعت السماعة بقربها : حضرة المديرة .. هناك فتى هنا يريد مقابلتك .. يقول أن أسمه لينك ..! لحظات حتى تغير وجهها إلى الدهشة : حاضر سأدخله ..! أغلقت السماعة و تقدمت ناحية الباب الكبير الضخم : تفضل ..! سرت ناحيتها بعد أن أشرت لرايل أن يتبعني ..! فور أن دخلنا كانت أمي قد تركت مكتبها الكبير الفخم في نهاية الغرفة و سارت ناحيتي و على وجهها نظرة استغراب ..! تقدمت ناحيتها حينها فربتت على كتفي : عزيزي ألم تذهب للندن ؟!!.. أومأت سلباً بابتسامة : أتريدين أن أذهب دون أن ألقي التحية عليك ؟!.. ابتسمت حينها وعانقتني : بالتأكيد لا .. لقد حزنت حين صارت الساعة التاسعة دون أن تأتي ..! ابتعدت عني حينها : لكن هذا ليس السبب الذي جعلك تلغي رحلتك ..! - أنا لم ألغها .. لقد أجلتها ساعتين فقط .. ريكايل كان يشعر بالتعب فقررت أن أأجلها بعض الوقت ليرتاح ..! نظرت إلى ريكايل الذي كان خلفي بقليل و بنظرة قلقة : ريكايل .. أأنت بخير الآن ؟!!.. حنى رأسه باحترام : لا تقلق سيدتي .. حالي جيدة الآن .. شكراً لاهتمامك ..! نظرت إلي أمي بقلق : حين كانت الساعة هي التاسعة كنت أتصل بك فرأيت أن هاتفك مغلق .. خمنت أنك ركبت الطائرة حينها ..! - ليس الأمر كذلك .. لقد زرت عيادة الطبيب مع ريكايل كي نطمئن على حاله .. و قد أضررت لإغلاق هاتفي حتى لا يزعج المرضى ..! - هكذا إذاً ..المهم أني رأيتك قبل أن تسافر ..! - اطمئني .. كلها خمسة أيام و أعود ..! انتبهت أن السكرتيرة لا تزال هنا و قد كانت تنظر باستغراب فقالت والدتي بابتسامة : كاترين .. هذا لينك ابني..! بدت عليها الصدمة حينها و قد قالت بلا شعور : لم أعلم بأن لديك ابن سيدتي !!.. ضحكت أمي بخفة فبدا الارتباك على تلك الكاترين و قالت بتوتر : آسفة لأني لم أعرفك سيد مارسنلي ..! ببرود قلت : لا عليك .. لا شيء مهم ..! التفت ناحية والدتي حينها بمرح : لن أعطلك عن عملك أمي .. لقد أتيت فقط لأودعك قبل أن أسافر ..! عانقتني حينها مجدداً : سأشتاق إليك عزيزي .. اهتم بنفسك و اتصل بي كل يوم ..! ابتسمت حينها و بادلتها العناق : بالتأكيد أمي .. اهتمي بنفسك ولا تشغل حالك بالعمل طيلة الوقت مستغلة غيابي ..! أطلقت ضحكة صغيرة وقالت : اطمئن .. لن أرهق نفسي ..! قبلت جبينها و ابتعدت فتقدمت ناحية رايل و ربتت على كتفيه : ريكايل .. اهتم بنفسك و بلينك جيداً ..! أخفض رأسه باحترام : أمرك سيدة إلينا ..! ودعت والدتي حينها و خرجت مع ريكايل من المكتب و من مكتب السكرتيرة ..! لكن بينما كنا نسير في ذلك الممر : ألا مشكلة لديك بصعود ذلك المصعد مجدداً ؟!!.. تنهد حينها : لا بأس .. سأغمض عيني ..! - يمكننا استعمال مصعد عمال النظافة الصغير ..! - لا .. لست مضطراً .. ألا يوجد غيره ؟!.. - جميع المصاعد جدرانها من زجاج إلا المتصلة بالمطبخ و بغرف التنظيف ..! - إذاً سأغلق عيني و حسب ..! - كيف ستركب الطائرة و أنت تخاف المرتفعات ..! - لن تكون هناك مشكلة إن أغلقت النافذة .. أنا لا أحب النظر من أماكن عالية لكن لا مشكلة عندي بالبقاء في مكان مرتفع مغلق ..! - هكذا إذاً ..! طلبنا المصعد و صعدنا فرأينا ذلك الموظف ذاته الذي قابلنا باحترام هذه المرة ..! أطر ريكايل لإغماض عينيه طيلة أربعين ثانية ..! غادرنا الشركة و قد كانت الساعة تشير إلى العاشرة .. قررنا الذهاب الآن للمنزل و حمل حقائبنا ثم الاتجاه للمطار مباشرة ..! ..............................................
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |