07-10-2013, 07:58 PM
|
|
بعد أن تناولنا العشاء وحين صارت الساعة هي الحادية عشر قررنا العودة للمنزل كي نرتاح فنحن لم نرتح منذ وصلنا في الصباح كما أن علينا الاستيقاظ مبكراً غداً ..!
وصلنا للمنزل و قبل أن أصعد للدور العلوي اتجهت إلى غرفة ريكايل مباشرة ..!
حين صرت أمام الباب أردت أن أطرقه لكني خشيت أن يكون نائماً لذا فتحت الباب بهدوء : رايل .. أنت هنا ؟!!..
رأيته يستلقي على بطنه فوق السرير .. لكن ما أذهلني هو أنه لا يزال بملابسه حتى سترته و حذاءه لم ينزعهما : لما تنام هكذا ؟!!..
دخلت و أغلقت الباب من خلفي ثم تقدمت ناحية السرير .. رأسه كان على الوسادة مستنداً إلى جهة أذنه اليمنى و قد أغمض عينيه و تقارب حاجباه .. وضعت يدي على جبينه فشعرت بسخونته نوعاً ما ..!
هل هو مريض ؟!!..
انه يبدو كذلك بالفعل ؟!!..
بتوتر قلت : علي أن أحضر طبيباً .. هو لا يبدو بخير ..!
ما إن استدرت حتى شعرت بيده تقبض على معصمي ..!
التفت بسرعة رأيته ينظر إلي بهدوء و قد كان الشحوب طاغياً عليه .. بصوته المبحوح قال : أنا بخير .. لا داعي للطبيب ..!
قطبت حاجبي و قلت : ريك أأنت جاد ؟!!.. أنظر إلى نفسك !!.. وجهك مصفر و صوتك شبه مختفي ..! لقد أخبرتك بأن أهم شيء ألا تهمل صحتك ..!
ترك يدي و استند إلى يديه حتى يرفع الجزء العلوي من جسده وقد تمكن من هذا بصعوبة ..!
جلس على السرير و هو يقول بذات النبرة المتعبة : هذا بسبب تغير الجو فقط .. لقد عشت طيلة حياتي في باريس لذا طبيعي أن أتأثر بتغير الجو ..!
باستياء قلت : لا تختلق الأعذار .. جو باريس لا يختلف عن جو لندن كثيراً ..!
أشاح بوجهه قليلاً :أرجوك لينك .. لا أريد نقاشاً في الأمر .. بعض الماء البارد سيخفض الحرارة ..!
وقف بصعوبة و بدأ بالسير مترنحاً و متجهاً إلى باب في زاوية الغرفة : سآخذ حماماً بارداً .. و ستكون الأمور بعدها على خير ..!
لما ؟!!.. لما يعارض دائماً حين يتعلق الأمر بصحته ؟!!..
لما دائماً يرفض إخباري بما يشعر ؟!!..
سابقاً .. كان يخفي أمر مرضه .. لكن الآن أنا أعلم أن لديه ربواً و رئةً حساسة ..!
إذاً لما يعارض ..!
لم أملك قول شيء .. هو ليس طفلاً لأجبره ..!
لقد عاش حياته كلها من دوني لذا لا أستطيع أن أفرض عليه كل شيء بسرعة ..!
سأتريث قليلاً لكني لن اسمح له بالتمادي بما أن الأمر متعلق بصحته ..!
بهدوء قلت : أنت لم تتناول العشاء صحيح ؟!..
أمسك بمقبض الباب و بتعب : لا رغبة لي في الأكل ..!
- سأطلب منهم أن يعدوا لك حساءً .. سيساعدك في استعادة نشاطك ..!
لم يعلق بل دخل إلى دورة المياه بعد أن حمل بعض الملابس من حقيبته التي كانت مفتوحةً و موضوعةً على تلك الطاولة ..!
خرجت أنا من الغرفة بدوري فعلي أولاً أن أطلب من الخدم تجهيز شيء ساخن له عله يخفف من بحة صوته ..!
...............................................
بعد أن طلبت من إحدى الخادمات أن تعد بعض الحساء الساخن بالخضر مع اللحم صعدت إلى الدور العلوي حيث جناح الشباب ..!
و بينما كنت أصعد الدرج التقيت بليديا التي سألتني بخفوت و قلق : كيف حال ريكايل ؟!..
تنهد حينها : لا أعلم .. إنه لا يصرح بشيء .. لكن إن حل الصباح و لم تتحسن حاله فلابد من أخذه للمشفى ..!
- أرجوا أن يكون بخير ..!
- و أنا أرجوا ذلك أيضاً ..!
- حسناً إذاً .. أراك فيما بعد ..!
تابعت هي نزولها بينما تابعت صعودي ..!
اتجهت إلى الجناح و ما إن دخلت حتى انتبهت لتيموثي الذي كان يجلس أمام التلفاز يرتدي بنطال جينز و قميص أبيض و يضع منشفة بيضاء على رأسه فشعره الرمادي كان مبللاً تماماً بعد الاستحمام .. و قد كان معه كوب قهوة يتصاعد البخار منه ..!
ما إن انتبه إلي حتى قال مع ابتسامته البغيضة : أين كنت حتى الآن ؟!!..
تجاهلته تماماً و كأني لم أره و دخلت إلى غرفتي مع لويفان ..!
الكلام مع شخص مثله لن يجلب لي إلا الصداع و الاستفزاز ..!
حين دخلت رأيت لوي يجلس على كرسي أمام طاولة التجميل و بيده مجفف شعر حيث كان يجفف شعره الذي صبغه بلون الكراميل بعد أن كان أسوداً ..!
بقيت أنظر إليه للحظات .. لقد تغير شكله بالفعل بعد أن غير لون شعره و بشرته ..!
انتبه إلي حينها : ما الأمر ؟!..
- كنت أفكر فقط في مدى التغير الذي طرأ عليك حين صار لونك برونزياً هكذا ..!
- لا تقلق .. إنها فترة بسيطة حتى ينتهي المسلسل و بعدها سيبدأ لون بشرتي البيضاء في العودة كما السابق ..!
- أتعلم .. ذلك كان ايجابياً نوعاً ما فيبدو أن الفتيات اليوم لم يتعرفن عليك لذا لم تتعرض للمشاكل ..!
- لن يدوم هذا طويلاً يا صاح .. اليوم نزل تقرير في إحدى المجلات العالمية المتخصصة في الفن عن المسلسل .. لذا انتشرت صورتي بهذا الشكل .. لكن يبدو أن لم يصادف أن التقينا أحداً قد اطلع عليها ..! أعتقد أن الغد سيكون مختلفاً فمعظم المهتمين سيكونون قد اطلعوا على ذلك العدد من المجلة ..!
- الرحمة .. هل لنحاصر من قبل فوج من الفتيات ؟!.. عليك أن تتخذ احتياطاتك لمنع حدوث هذا ..!
ضحك حينها بخفة و وقف ثم رمى بنفسه فوق سريره : اطمئن .. لدي خبرة في التنكر ..!
رفعت أحد حاجبي و بسخرية قلت : الشهرة أعطتك خبرات عظيمة ..!
- قد تكون على حق ..!
- حسناً .. لقد أخرتني فأنا لم استحم بعد ..!
- آسف لكني اشتقت للحديث معك بعد هذا الغياب ..!
- و أنا كذلك .. لكن يجب أن ننام و نرتاح الآن .. بالنسبة لي لم آخذ أي راحة منذ الصباح ..!
- مثلك تماماً .. حتى الساعة التاسعة صباحاً كنت أصور أحد المشاهد ..!
- تصبح على خير إذاً ..!
- تصبح على خير ..!
اتجهت إلى الحقيبة و أخذت المنشفة و بعض الملابس ..!
دخلت إلى دورة المياه و أخذت حماماً لعشرين دقيقة و قد انشغل بالي بشخصين ..!
ريكايل .. و جوليا ..!
خرجت و أنا أرتدي بنطال جينز مع كنزة رمادية طويلة الأكمام ..!
كان لوي في فراشه وقد أطفأ الأضواء ..!
خيل إلي أنه نائم لذا تسللت بهدوء و خرجت من الغرفة ..!
الساعة كانت تشير إلى منتصف الليل ..!
الجناح كان فارغاً و يبدو لي بأن الجميع قد خلد للنوم ..!
نزلت بسرعة دون ملاحظة أحد .. و اتجهت إلى المطبخ حيث وجدت الخادمة التي طلبت منها إعداد الحساء و قد كانت تحمل صينية و كانت على وشك المغادرة ..!
حين انتبهت لي قالت باحترام : هل احمله إلى غرفة الطعام سيدي أم تفضل أن احمله لغرفتك ؟!!..
أخذت الصينية منها و قلت بهدوء : لا بأس سأحمله أنا .. لا تحدثي أحداً بالأمر ..!
أومأت إيجاباً : أمرك .. ليلية سعيدة ..!
لم أرد عليها بل خرجت و سرت بخطوات متلاحقة ناحية غرفة ريكايل ..!
وضعت الصينية على طاولة بالقرب مني و فتحت الباب ثم حملتها مجدداً ..!
دخلت و أغلقت الباب بقدمي و نظرت للأمام ..!
رأيته يجلس على حافة السرير وقد ارتدى بنطال اسود و كنزة خضراء كلون عينيه تماماً و قد طأطأ رأسه بينما كانت المنشفة الصفراء لا تزال على رأسه ..!
تقدمت أكثر و وضعت العشاء على طاولة أمام التلفاز الصغير في تلك الزاوية ..!
اتجهت ناحيته و انتبهت إلى أن قطرات الماء لازالت تتساقط من شعره لذا وضعت يدي على المنشفة و بدأت أحركها كي أجفف شعره و أنا أقول بهدوء : ستزيد حالتك سوءاً إن لم تتدفأ في الحال ..!
لم يرد .. و لم يتحرك ..!
هو ليس بخير أطلاقاً ..!
أكل هذا لأنه ابتعد عن فرنسا ومن فيها ؟!!..
تذكرت حينها ذلك اليوم حين وصفني بالوطني لأني أحب القهوة الفرنسية ..!
لكني أرى أنه وطني أكثر مني بل هو مهووس بباريس !!..
تنهدت حينها و ربت على كتفه : إن كنت قلقاً على جوليا فاطمئن .. لقد اتصلت بها .. صحيح أنها لم تجب لكني تركت لها رسالة صوتية و طلبت منها أن ترسل لي رسالة إن كانت مصرة على عدم الإجابة و قد نفذت طلبي ..!
رفع رأسه و نظر إلي بلهفة اتضحت أكثر في صوته : و ماذا قالت ؟!!..
بتردد أجبته : في الحقيقة .. أرسلت رسالة فارغة .. لكن على الأقل علمنا أنها بخير ..!
بدا و كأن الإحباط قد أصابه .. لذا طأطأ رأسه مجدداً ..!
أبعدت المنشفة عن رأسه وابتسمت بهدوء : رايل هيا .. أنت لم تأكل شيئاً منذ الصباح ..!
أردت أن أحفزه قليلاً .. لكنه لم يستجب لي ..!
لكني لم أيأس و حاولت مجدداً : إن لم تأكل فستمرض أكثر .. و حينها ستوبخني الخالة ميراي وتقول بأني لست جديراً لأهتم بأخي الصغير ..! أرجوك أنا لا أريد أن أتلقى لكمة منها مجدداً ..!
ظهرت على شفتيه ابتسامة صغيرة مما أراحني فهو على الأقل قد استجاب لي و لو كان بشكل بسيط ..!
وقف بمساعدتي واتجه إلى الأريكة و جلس عليها و قد جلست بجانبه فقد كانت لشخصين : هيا .. هل ستأكل أم أنك ستنتظرني لأطعمك ؟!!..
نظر إلي بطرف عين و هو يقول مع ابتسامته تلك : لن تفعلها إلا إن شلت يدي !!..
قطبت حاجبي متظاهراً بالاستياء : هذا بدل أن تشكرني على خدماتي ؟!.. لن تحلم أصلاً بهذا و لعلمك .. الطعام من يدي مختلف ..!
- أعلم .. لأنه سيكون مسموماً بالفعل !!..
- يالك من فتى !!.. سأشكوك لميشيل !!..
- دعها ترضى عنك أولاً ..!
- سترضى عاجلاً أم أجلاً .. فلا أحد يستطيع مقاومة سحري و جاذبيتي ..!
ضحك حينها بخفة وقد بدا أنه نسي ما كان به منذ قليل : سترينا الأيام إن كان لسحرك و جاذبيتك أثر على ميشيل .. لكني أحذرك فهي مختلفة و صعبة المراس ..!
ابتسمت حينها فقد شعرت بالسعادة لأن مزاجه تغير : أعلم .. أنا أكثر من يفهم بأن ميشيل صعبة ..!
- يبدو أنك عانيت الكثير منها ..!
- دعك من هذا الآن و أبدأ بتناول طعامك ..!
فعل ما طلبته منه و بدأ بالأكل ..!
مضى الوقت و نحن نتحدث بينما يأكل هو حتى صارت الساعة الواحدة وقد تمكنت بجدارة من تغير مزاجه ..!
هذا أفضل فليس من الجيد أن ينام الإنسان وهو مهموم ..!
كان قد استلقى على فراشه وقد بدأت الحديث معه حتى نام ..!
تعمدت فعل ذلك فإن تركته وهو لم ينم بعد فستعود الأفكار السوداء لمحاصرته ..!
لقد تعلمت هذا من أمي إلينا التي كانت تبقى بجانب فراشي إلى أن أنام حتى بلغت الرابعة عشر فهي تعلم أني ما إن أكون وحدي حتى أبدأ بتذكر الأشياء السيئة و المخيفة من ذاكرتي و وقت النوم هو أفضل وقت لهذا ..!
ابتسمت بهدوء و أنا أنظر لوجهه الذي استغرق فالنوم و قد بدا كطفل حينها و تمتمت : تصبح على خير ..!
وقفت حينها و ما إن فعلت ذلك حتى انتبهت أنه قد رفع رأسه و الجزء العلوي من جسده تحت الوسائد فصار منحنياً أكثر من كونه مستلقياً ..!
كدت أتقدم و أعدل من وضعيته لكنه بدا لي مرتاحاً هكذا لذا تركته و حملت الصينية و خرجت من الغرفة .. تركتها في المطبخ ثم صعدت إلى الأعلى و سرت ناحية غرفتي دون أن ألتقي بأحد فالجميع كانوا نياماً ..!
رميت بجسدي على السرير و سحبت الغطاء عليه ..!
أخذت هاتفي الذي كنت قد تركته قرب السرير و أرسلت رسالة لوالدتي مفادها ( لا تسهرِ من أجل العمل .. تصبحين على خير ) ..!
لم تمض سوا ثوان و وصلني ردها ( كنت سأفعل لكني تذكرت أوامرك الصارمة بمنع هذا .. تصبح على خير عزيزي .. تدفأ جيداً قبل أن تنام ) ..!
ابتسمت بهدوء حينها و تركت الهاتف على تلك الخزانة الصغيرة قربي ثم سحبت الغطاء أكثر منفذاً طلبها ..!
كنت مرهقاً بشدة .. لذا لم ألبث دقيقتين إلا و استغرقت في النوم ..!
.................................................. ..............
في اليوم التالي و بعد تناول الإفطار صارت الساعة العاشرة .. اليوم هو دور روزا و ليديا لتحديد المكان ..!
قررت ليديا بأننا سنقضي النهار في حديقة الهايد بارك .. و في الساعة الرابعة اختارت روز أن نذهب لمتحف الشمع و نبقى حتى السابعة حيث أنه كبير ويمكننا البقاء في حديقته الرائعة لبعض الوقت .. ثم نذهب بعدها لأحد المراكز التجارية من أجل التسوق ..!
حالة ريكايل اليوم كانت أفضل بكثير .. لكن جوليا لا تجيب مجدداً ..!
الآنسة جيني ذهبت من جديد لمنزل الخالة آنا حيث أنهم لم يروا جوليا منذ ما قبل الأمس ..!
لكن أيضاً .. لا أحد في البيت ..!
لوهلة .. قلقت من أن شيء قد أصاب إحداهن ..!
ربما جوليا في مشكلة .. و ربما زادت حالة الخالة آنا سوءاً ..!
وقد يكون الأمر متعلقاً بميشيل ..!
انقبض قلبي فجأة !!.. أيعقل أن ميشيل تواجه مشكلة ما ؟!!..
كنت أجلس مع روز و فلورا و دايمن و لوي في الردهة نشرب الشاي .. لكنني وقفت حينها : لينك إلى أين ؟!..
كان هذا لوي الذي سأل باستغراب ..!
التفت إليه بهدوء : دورة المياه .. دقيقة وأعود ..!
قلت هذا لأن دورة المياه فالاتجاه ذاته لغرفة ريكايل ..!
فعلاً اتجهت إلى هناك و طرقت الباب لكني لم أجد رداً ..!
دخلت حينها : ريك أنت هنا ؟!..
لا أحد .. و لا يبدو أنه في دورة المياه ..!
إلى أين ذهب ..!
خرجت من الغرفة و أغلقت الباب .. نظرت إلى نهاية الممر .. هناك باب زجاجي يخرجك إلى الحديقة الخلفية ..!
ربما يكون هناك ..!
سرت بخطوات متلاحقة حتى وصلت إلى ذلك الباب و فتحته فخرجت إلى شرفة صغيرة خشبية ..!
أخذت أنظر إلى تلك الحديقة التي كانت مليئة بالأشجار التي بدأت أوراقها تتساقط مع بداية فصل الخريف ..!
رأيته هناك يجلس مستنداً إلى إحدى الأشجار الكبيرة يعبث بهاتفه أو بالأحرى ربما يحاول الاتصال بمنزل الخالة آنا مجدداً ..!
نزلت ثلاث درجات لأطأ على أرض تلك الحديقة ..!
ما إن اقتربت منه و وقفت بقربه حتى همست : أتشعر بالملل ؟!!..
بهدوء أجابني : بل بالقلق ..!
استندت إلى الجهة الأخرى من الشجرة .. لا يستطيع رؤيتي فجذع تلك الشجرة كان ثخيناً .. لكنه يستطيع سماعي بوضوح : أتريد العودة لباريس ؟!..
بسرعة قال بجد : ماثيو قادم .. الأفضل أن لا ينتبه لوجودك ..!
لم أتحرك من مكاني بل قررت أن أعرف ماذا يريد ماثيو من أخي الآن ..!
شعرت بريكايل الذي وقف كما اعتقد وقال باحترام : طاب يومك سيد ديمتري ..!
بهدوء رد عليه ماثيو : لا داعي لكل هذا .. يمكنك أن تناديني ماثيو ..!
- عذراً .. لكن لا أستطيع ..!
- كما تشاء فأنا لا أريد إجبارك على شيء فأنت تبدو مجبراً على فعل الكثير ..!
صمت رايل و لم يرد .. لكن ماثيو بانزعاج قال : لما وافقت على العمل عند لينك ؟!!.. أنت تعلم بالتأكيد كم هو سيء في معاملة من هم تحته ..!
شعرت بالغيض من كلامه فتمنيت لو أخرج و أقتله لولا أني أعلم بأن ريك سيقتلني لو فعلت ذلك ..!
أجابه أخي بنبرته الهادئة : لا سبب معين لموافقتي .. ربما لأن العمل كخادم للسيد مارسنلي سيكون أفضل من العمل كنادل في مدرسة كبيرة .. إنه أفضل من كل نواحي ..!
- من أجل المال ؟!!.. أيجعلك هذا تحتمل تصرفات لينك ؟!!..
- ليس الأمر بالسوء الذي تعتقد ..!
- أخبرني .. هل يسبب لك البقاء بهذا العمل الأذى ؟!!..
- آسف .. لكن لا أجد سبباً لإخبارك بأمور كهذه ..!
- اسمع يا ريكايل .. أنا لست مثل لينك فتفكيري مناقض تماماً لتفكيره .. لذا أريد أن أطلب منك أن تقدم استقالتك للينك و تأتي للعمل عندنا وتأكد بأني سأدفع لك أكثر ..!
- لا أستطيع .. العمل مع مارسنلي يناسبني أكثر ..!
- أنا أعرف لينك جيداً .. لن استغرب إن كان أدخل شقيقتك التي حظرت الحفلة بالأمر ..!
- ميشيل ؟!.. أبداً لا شأن لها ..!
- إذاً لما أنت مصر على البقاء مع ذلك المتسلط ..!
- لدي أسبابي الخاصة .. عذراً سيد ديمتري .. لكني لا أرضى بأن تصف سيدي بهذه الألقاب ..!
كتمت ضحكتي في النهاية فرايل أطفأ النار التي اشتعلت داخلي ..!
لقد بدا لي أنه يريد أغاضة ماثيو هو الآخر .. بالفعل نحن توأمان !!..
هذا ممتع للغاية !!..
- على العموم .. هذا كرتي .. أن رأيت أنك تريد أن تغير مكان عملك فلا تتردد بالاتصال بي ..!
- شكراً لك على كل حال .. لكن لا أظن أني سأغير رأيي ..!
- أرجوا أن تغيره قريباً ..!
سمعت صوت خطواته يبتعد .. لكني لم أتحرك : لقد ذهب ..!
هذا ما قاله رايل و هو يطل برأسه إلي خلف الشجرة : أعلم .. شعرت بخطواته ..!
- انه مصر على أنك تقوم بتعذيبي ..!
- اتركه يعتقد ما يشاء .. يظن أنه صاحب قلب حنون ..!
- أرجوا أن لا أكون قد سببت المشاكل بينكما ..!
هذا ما قاله بتردد و قد كانت نبرته ممزوجة بالندم و الشعور بالذنب لذا ابتسمت له بهدوء و ربت على كتفه : اطمئن .. لطالما كانت علاقتي مع ماثيو هكذا فكما ذكر لك هو نقيضي تماماً ..!
لم يرد .. بل جلس مجدداً مستنداً إلى الشجرة ..!
جلست بقربه و سألت : أتريد العودة لباريس ؟!.. أن كنت تريد أن تطمئن على الخالة آنا فلا بأس يمكننا العودة ..!
أومأ سلباً حينها : لا مشكلة .. إن أنقضى اليوم بدون أي أخبار فربما يجب أن نعود ..!
- أنا أيضاً بدأت أقلق ..!
- أرجوا أن يكونوا بخير ..!
تمتم بهذه الكلمات و الخوف الممزوج بالقلق قد احتل نبرة صوته ..!
وقفت حينها و أخذت أنفض الغبار عن ملابسي : على كل حال سنخرج بعد قليل إلى الهايد بارك ..!
نظر إلي بهدوء : الحديقة الشهيرة ؟!!..
- أجل ..!
- جيد .. ستكون أفضل من الأماكن المغلقة ..!
- إذاً استعد .. سننطلق خلال نصف ساعة ..!
- حسناً ..!
تركته بعدها و أنا أشعر بالراحة .. فعلى الأقل سنذهب لمكان يناسبه ..!
رغم ذلك لا زلت واثقاً بأن قلقه يزداد كل ثانية .. لذا يبدو أنه من الأفضل لنا العودة لباريس ..!
...............................................
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |