شاهدت الكثير من الكوابيس الواحد تلو الآخر , كانت تهرب و تركض فيما بدا كأشجار غابة سوداء و كل شيء مظلم .. بينما الوحوش التي تلاحقها كما خيل لها عقلها بدت تريد تمزيقها أرباً...
لا... لا... فتحت عينيها ترتجف وهي تحدق بظلام غريب و أصوات الرياح بالخارج .. قالت بألم و حرارة : لقد مُت !.
أغمضت عينيها بقوة و دموع حارة تسيل , صوت خطوات مكتومة تقترب منها , شيء بارد ناعم مبلل يمسح على جبينها الحار , نامت لفترة طويلة .. و قد اختفت الأحلام المزعجة .
حتى انزعجت من ضوء الصباح على عينيها , فرفت بهما و بتعب نظرت حولها , في البداية بدى كل شيء مضيئاً , لكن اتضحت المعالم .. كانت بـ ... كل هذه الجدران الخشبية و النافذة تلك التي أمامها وهناك مدفئة منطفئة و دلو قريب.
كان المكان بسيطاً جداً , و ادركت ما هو ... هذا كوخ !!, قالت بتوتر وصدمة ..
و ارادت النهوض لكن آلمها الجرح بشدة , فعادت للاستلقاء مجهدة على السرير المليء بالأغطية ..
توالت الذكريات لعقلها .. كان هناك مجرمون يطاردونها , و لكنها أفلتت منهم بشكل ما .. خيل لها أنها رأت سيدريك .. لكن .. مستحيل هل وصلت إليه ؟!... بدأت تتخيل حقاً صورته .. لكنه كان مختلف قليلاً .. كان...
سمعت صوت بالخارج , ثم فتح باب ما إلى يسارها , فكرت ببؤس , أنه كوخ صغير جداً ربما من غرفة واحدة !!
حركت رأسها و نظرت للدخيل , كان الضوء يمنع رؤية ملامحه .. اغلق الباب بيده بهدوء و ظل واقفاً بمكانه .. بينما بدأت تقاسيمه تتضح ..
توسعت عينا مارسيلين الخضراوين جداً و فتحت فمها بدهشة , هذا وجه سيدريك بلا شك ..!! لكن مالذي...؟! يرتديه...
قميص أبيض واسع بفتحه واسعة فوق صدره , و سروال أسود و حزام جلدي بني اللون علق عليه سيف بلا غمد .. بينما قد ربط شعره الفاحم خلف عنقه فبدى وجهه أكثر رجولية و غموضاً...
كانت عيناه البنفسجيتان تائهتين قليلاً ينظران فوق رأسها , حرك شفتيه بهمس هادئ عميق : استيقظتِ !, هل تتألمين يا أميرة ؟!.
احمرت وجنتاها بشدة و توترت , إذن ظهور سيدريك لم يكن حلماً .. لقد انقذها .. تحسست بقلق الرباط الغليظ تحت القميص الأبيض الواسع الذي ترتديه , كان هناك ألم واخز قليلا...!
آمم فكرت ببطء وعقلها يعمل جاهداً وهي تحدق بالقميص الطويل الذي ترتديه .. توسعت عيناها صدمة !!!.
أنه قميص سيدريك بلا شك !!... وخنقت صرختها بصعوبة , لقد بدل لها ثيابها و عالجها , جلبها في هذا الكوخ .. أهو منزله ؟!
همست بضعف بائس : اعتقد .. أني بخير ..
تحرك بهدوء وحرص باتجاه المدفئة .. قال بتهذيب هادئ ناعم : هل أنتِ مرتاحة !؟ , آسف لمَ حدث لك , أنك تشعرين بالضعف لأنك نائمة ليومين , استطعت أن اسقيك بعض الماء فقط ..
انخفض قليلا فوق ساقيه يحضر شيئا ما .. شعرت مارسيلين بدقات قلبها تفور غرابة .. سيدريك الآن يبدو كرجل غريب تماما عنها ..!!
أنه .. كيف تصفه بهذه اللحظات و هذه الثياب... رجل ريفي ربما , لكن السيف .. رجل بسيط بعيشه , لكنه مبارز .. مبارز بارع لحد مخيف .. فشكرت الله لأنه هو من اتى و أنقذها ..! حركاته لا تزال كما هي صامته حذره و دقيقة ..
نهض واقفاً بطوله الفارع و تقدم خطوتين منها فقط لأن الكوخ ضيق جداً و ربما سيدريك يستطيع قطعه بأربع خطوات !!
بين يديه القويتين وعاء معدني به حساء ما ذو رائحة لذيذة , كان متجمدا قليلاً , كيف يضعه لها ,لأنه لا يعرف وضعيه جلوسها , حاولت الجلوس بصعوبة .. فقال فجأة وهو يمد يدا واحدة ليلمس بذراعها بلطف : لا تتحركي ..!
فبقيت مستلقية , وضع الوعاء جانباً و اخرج غطاءاً من المنضده بقربه , رتبه جيداً حتى بدى كوسادة , ثم انحنى تجاهها وهو يقول بهمس هادئ : سأضع هذا تحت الوسادة , لا تتحركي يا سيدتي .
ضاق جبينها و لم يعجبها مناداته لها بـ سيدتي ..! رتب لها وضعها ثم وضع الحساء بجانب يدها ..
حدقت بالوعاء و تفتحت شهيتها جداً فوراً , فبدأت الأكل .. كان كثيفاً و ثقيلاً و مغذياً جداً .. ارتاحت كثيراً و همست شاكرة له ..
رد ببطء بينما يقف قرب المدفئة : ارتاحي الآن أكثر سموك .. غداً ستشعرين أفضل .
تململت من لهجته الرسمية .. فقالت وهي تتأمل الكوخ و تلف رأسها حولها : أتسكن هنا وحدك ؟!.
خفق قلبها تنتظر الأجابة بلهفة شديدة , لاحظت انسدال رموشه فوق ضوء عينيه الجميل , أجاب بتمهل وهدوء :
_ تأتي .. أحياناً لزيارتي و تطمئن علي . تمكث يوماً أو اثنين في بعض الوقت.
دارت الغرفة برأس مارسيلين وشعرت بأن ضغطها انخفض بسرعة و هي تشحب فجأة و تمسك بوجهها تحاول التماسك ..
قالت بنبرة ضعيفة متكسرة خائفة لأن تخيلاتها ستتحقق : هي...؟! , ممـ.. من ؟!.
رفع عينيه إلى صوتها و بانت تقطيبه لطيفة بين حاجبيه , همس بصوت محبوح هادئ : أنها السيدة تالين , من ربتني صغيراً...
سقط رأسها على الوسادة و هي تتنفس بوضوح و ألم , تقدم سيدريك خطوتين قائلا بقلق طفيف :
_ هل تتألمين ؟!.
اخذت بضع أنفاس وهي تقول بنفسها و عينيها تلمعان من الحرارة , كان عليه أن يذكرها اولا .. لا أن يفزعني هكذا...!
شعرت بالتوتر , لم تفهم لماذا هي مهتمة للغاية بأمر كهذا... كاد أن يغمى عليها حقاً ..!
قطعت افكارها قائلة بتعب وهي تغمض عينيها : ربما .. يجب أن أنام ..
سمعت صوت قدميه قريبا جدا بجانبها , ففتحت عينيها و وجدته راكعاً إلى جانبها قريبا منها , مد يده إليها و قال بنبرة عميقة بها بحة لطيفة قادمة من أعماقه اكتشفت بأن درعه قبلاً كان يخفي صوته الحقيقي :
_ لقد خفت ألا أدركك , لكني وعدك بأني سأبقى إلى جانبك أليس كذلك ! , نامي بهدوءٍ الآن .
خفق قلب مارسيلين بخفقات غريبة وهي تحدق بهاتين العينين البنفسجيتين و هذا الوجه وتلك النبرة , ماذا تعني هذه المشاعر المتخبطة في جدران عقلها و أركان قلبها ..
لم تقصد أن تمسك يده بل مست اصابعه بخفه , وهو من أمسك بيدها بهدوء بين يده , دهشت منه بشدة وهي تراه يرفع يدها الرقيقة النحيلة حتى شفتيه و مسها سريعاً وابتسم .. ثم نهض واقفاً , كان هذا الوداع المؤقت .. اسبلت عينيها للنوم الثقيل...
حلمت عن سيدريك , لا تدري ما كان الحلم , لكنها رأته بشكل ما .. بقرب حصانه , وكان هنالك بحر ما... طرفت بعينيها كثيراً و استوعبت مكانها , بحذر شديد و بطء جلست وهي تمسك بجنبها , رأت دلو ماء صافٍ قرب السرير و حقيبتها و ملابسها على طرف السرير الآخر قرب قدمها .. غسلت وجهها و شعرت بأنها بخير و أن الألم خفيف ولكنها لم تتشجع لرؤية الجرح... سحبت ثيابها الموضوعة قربها و لبستها بسرعة و حذر .
كانت تشعر بأن الجو خارجاً بارداً لأن الضباب تكون على النافذة الصغيرة الوحيدة أمامها .. ارهفت السمع وقد سمعت صوت حصان ما .. ثم ... توسعت عينيها , صوت أمواج !!.. أمواج البحر ..!
ارادت أن تقف لكن لم تقدر , ساقيها ترتجفان .. فأخذت تتنفس بسرعة محاولة أن تستعيد ثباتها و تنبذ خوفها ..
لكن صوت خطوات سيدريك القادمة اوقفتها عن المحاولة , طرق الباب ببطء ثم فتحه , قال لها بجبين يضيق :
_ لا تنهضي بسرعة , هدئي نفسك ..
_ أين نحن ..؟! أريد الخروج ..
_ حسنا ..
وافقها ثم تقدم منها قليلا و مد ذراعيه , شعرت بالحرج الشديد يغزوها , لو كان يرتدي درعا معدنياً ربما أفضل .. تمسكت بذراعيه فحملها بكل يسر و سهولة و دراية .. سار بهدوء حتى الباب و رأت الضوء شديد جداً , لكن مالبثت حتى اعتادت عينيها عليه ...
_ وآآه .. , كانت الطبيعة و الخضرة خلابة المكان خيالي و مسالم جداً و بديع للغاية , كان هناك البحر بعيداً وهم في تلة عالية , فلتفتت تحدق بالكوخ خلفها , كان حقا كما توقعته صغيراً بسيطاً , لكن هنالك غرفة صغيرة بابها من الخارج ..
فنظرت جيداً و رأت حصانين يسيران معاً مقتربين منهما .. تمسكت بذراع سيدريك جيداً و هتفت بسعادة : أنه حصاني !.
كان حصانها يخبو إليها و يبدو بصحة جيداً ..
قال سيدريك بهدوء لها : لقد كان جريحاً , لكنه بخير الآن .
لا تدري كيف ستشكره و خشيت أن تقوم بحماقة ما , لاحظت بأنها مشدودة الأعصاب و اصابعها مغروزتان بشدة بذراعيه .. فاسترخت بسرعة و رفعت يديها قليلاً وقد خجلت من نفسها ..
قالت محرجة : شكراً لك سيدريك .. آآ .. هل يمكنك انزالي , أريد الوقوف...
_ لا يمكنك أن تقفِ الآن , لكن ستجلسين قليلا أولاً .. اتفقنا ؟.
بابتسام ردت : أجل...
انحنى سيدريك و بحذر جلست مارسيلين على العشب الأخضر بارتياح , قال لها : سأجلب لك بعض الطعام...
ثم التفت عائداً , اقترب الحصان منها و اخذت تمسح عليه بسعادة و لفتها الحصان الآخر .. كانت فرساً بيضاء في الواقع , فرساً ضخمة قوية تتمشى بعيداً عنهم عليها سرجها و لجامها الجلدي .. فكرت , أهي فرس سيدريك...!
قدم لها سيدريك الطعام و شراباً مفيداً للجروح .. بعدما أكلت و هدئت وهي تتأمل المناظر الخلابة .. جلس قربها فارتبكت قليلا .. لكنه لم يكن بذلك القرب .. كان ينظر أمامه بهدوء , فاسترخت هي أيضاً , و لكن بعد دقائق طويلة ..
تحدث سيدريك فجأة , بنبرته العميقة المبحوحة : يا مولاتي ...؟!
فلتفتت نحوه بسرعة متوترة منتظره , أكمل ببطء و عيونه العميقة تنظران إليها : لقد كنت تخاطرين بنفسك جدياً , لا يمكنني أن أجد سببا مقنعاً لهذا , لكن مهما يكن .. ما كان عليك تعريض نفسك للضياع و الموت !.
فتحت فمها دهشة .. قالت بتوتر وهي تضم نفسها و تحدق به بقلق : أني... أنا ...
رفع يده قليلا يقاطعها بلطف هادئ : حقيبتك تقول بأنك مستعدة للذهاب بعيداً , كما أن اؤلائِك اللصوص نادوكِ بصيغه المذكر !. لا يمكن أن تكوني فعلت كل هذا... و وحدك ؟!.
شعرت بالعجز أمامه .. حسنا أنه ذكي جداً و قد استنتج الكثير , و خشيت بشدة أنه قد .. يعيدها للقصر و والدها ... سيقتلها !.
قالت بيأس حاد تدافع عن نفسها : أني .. أنا أريد الذهاب .. في رحلة حول العالم , أهذا من المحرمات ؟!.
ضاق جبين سيدريك قليلا وهو ينصت لأنفاسها السريعة الغير منتظمة .. مال قليلاً باتجاهها .. قائلا بهمس :
_أنا لن أقف بوجهك , سيدتي ! , و إذا ما أتوا رسل الملك للبحث عنك ؟!.
_لا تتحدث إليهم و أنا سأختبئ !.
ضاق جبينه بوضوح وهو يقول متحيراً : أني لا أفهمك , صعب عليك هذا العالم و لن تحبي المكوث في الأكواخ .. يا أميرة...
_ نادني مارسيلين .. فقط .. أرجوك سيدريك .
قالت بيأس وهي تضع رأسها بين يديها , أنه محق بعض الشيء .. لكن .. المسألة في اعتيادها , هي لم تعد تحب القصور !!
اطبق سيدريك شفتيه هادئا , همست بحزن : أني أشعر بالألم في قلبي , كرهت القصر و... والحراسة المشددة .. و... والأوامر الصارمة , والدي يحيا براحة ولديه زوجته , ليلياك يعيش سعيداً حاكماً لمقاطعته الخاصة ولديه حياته أيضاً .. هم لا يرون ما أعاني .. فقط... إن والدي يوبخني... هو يحبني لكنه مستاء مني جدا... لا أريد العودة الآن .. لا أحب أن أتقيد هناك...
شهقت دون قصد وهي تمسح عينيها المبتلتين بالدموع .. , بقي هو صامتاً جدا, حتى هدأت مارسيلين و بدأت تتنفس جيداً ..
بهدوء شديد همس : الآن يمكنك البقاء هنا كيفما تشائين , وعندما تريدين المغادرة سأوصلك أنا لأي مكان.
ردت بتعب : أريد البقاء هنا قليلاً لأستطيع التنفس ..
همس فجأة بنبرة غريبة مسلية : حسناً , إذن .. هل ستخبريني عن سيفك و خنجرك !.
التفتت نحوه بخفقات عميقة طرقت قلبها , و بقي يرتفع طارقاً ضلوعها بحرارة متزايدة ولأنه مال برأسه إليها و وجهه يقابل وجهها , بقيت تحدق بعينيه البنفسجيتين كالزهر , والعميقتين كالبحر .. لاحظت تلك الخطوط الزرقاء الضعيفة تتموج بعينيه .. و كم بدت جذابة لحد مدوخ .. ابعدت بصرها بصعوبة جمة عن عيونه الساحرة , أنه لا يدرك مدى غرابتها و وحدانيتها !
كما أنه يملك شخصية غامضة أيضا كعينيه .. أنها لا تعرف عنه أي شيء...!
تلعثمت عندما تغيرت ملامح وجهه وكأنه شعر بأنفاسها تتخبط قربه , تذكرت كلامه بصعوبة و ردت لتوها بتوتر : أنا... آه السيف .. أنه .. لقد اشتريته بالطبع . وكذلك الخنجر.
فتذكرت البائع الغريب و تصرفه معها , قاطع فكرها صوت سيدريك المبحوح الخافت : لقد قمت بكل هذا , ولكنك لا تدرين ما وجهتك.
شعرت بنبرته توبيخ خفيف , فأحمر وجهها كثيراً .. قالت بنفس منقطع : قلت لك بأني أجوب العالم !. ثم لا شأن لك بوجهتي !!.
_ آسـف يا سيدتي .
_ أني لست سيدة !! , أحسبني عجوزاً... قل مارسيلين فقط , أو لا تقل شيئا أفضل !.
و أرادت النهوض و قلبها يضخ بقوة تطن بأذنها , لكنها تألمت فنهض سيدريك سريعاً بخفه و أمسك بذراعيها معاً .. هدأها :
_ لا تؤذي نفسك , سآخذك للداخل أن اردتِ .
شعرت بالسعادة لاهتمامه البالغ بها , سألته وهي تلف يديها حول عنقه و تراقب عينيه المضيئتين بجمال : إذن , مالذي تفعله غالباً , سيدريك.
شعرت بأنها متطفلة رهيبة , لكن بعد ثوان أجاب ببطء : الآن , لا شيء سوى الاهتمام بك ..
أجلسها على السرير المتواضع القديم , فكرت بقلق بوالدها .. فقالت بتوتر : كيف يمكنني أن أطمئن على أبي من هنا ؟! أريد أخبارك عن تلك المجموعة الذين يحاولون قتلي ..
شعرت به يتجمد قليلا ثم التفت نحوها بهدوء .. قال بجدية هادئة وهو يأتي ليجلس على أحد ركبتيه أمامها وكأنه على وشك ألقاء قسم الولاء لها : نعم ! , أخبريني أرجوك ..!
أخبرته مارسيلين بكل شيء و هي تتأمل ملامح وجهه التي بدأت تتغير و عينيه تلمعان قلقا عليها ..
قال بنبرة مبحوحة قلقة و سريعة قليلا بعدما انتهت تأخذ أنفاسها : يا ألهي الرحيم ! , كم مرة كدت تموتين ! , هل كان علي تركك...؟!
ونهض ببطء وكأنه يلوم نفسه .. قالت بسرعة و توتر : لقد أرسلت لأبي من عند ذلك العجوز الذي باعني السيف و لا أعرف مالذي يحدث ؟!. أود أخبار أخي ليلياك أيضاً ولكن كيف... أني أكاد أموت قلقاً عليه.
أجابها بهمس : ذلك الرجل الذي باعك السيف يعرفني جيداً .. وهو من يملك الطير .. سوف أرسل إليه كي يرسل ما يصله من أجابة.
_ حقا أنت تعرفه ؟!.
_ أنه .. صديق قديم .. لكنه بعيد الآن أتعرفين أننا بداخل حدود مملكة الملك كرايسيس مورفيوس . كما أن قصر الملك غير بعيد !
حدقت به طويلاً .. ثم قالت ببلاهة : آه , أننا نعرف هذه المملكة , لكن أين مملكة أخي ..
أشار سيدريك بيده بعيداً و قال هامساً : بعيدة , خلف الجبال . يستغرق الارسال إليهم أسبوع ذهابا فقط ..
تأوهت ببؤس : آووه و ماذا أفعل ؟!.
_ سنبعث رسالة إلى جايمن الحداد. لن يستغرق سوى يومين للنسر ..
حدقت به بدهشة و رددت : نسر ؟!... أتملك طائراً جارحاً سيدريك ؟!.
كان ثابتا قليلا , ثم حرك رأسه قائلا : أجل .. ربيته صغيراً وهو يزورني بعض الاحيان ..
رأته لاحقاً كيف يقف قرب الباب المفتوح , أصدر من بين أسنانه صفيراً عالياً ناعماً وغريباً بجمال ~
لم تمر ثوان حتى رُد الصفير بصوت مثله , ثم سمعت رفرفة قوية و ظل خاطف يمر بسرعة لا تدركها من قرب النافذة .. ثم هبط نسـر أبيض رمادي ضخم بخفة الريش على ذراع سيدريك الممدودة ..
دخل سيدريك الكوخ و همس للنسر الرائع : هذه الأميرة مارسيلين , ألق التحية و الولاء ..
كانت الأميرة مبهورة تماماً وهي ترى النسر يحدق بها بعينيه الذهبيتين , ثم رفرف قليلا بجناحيه وهو يصدر صوتاً خفيضا ناعماً ..
قال سيدريك بنعومة هادئة : هو يقول مرحباً .
فابتسمت بسعادة ... قدم لها ورقة و ريشة خطوا بها إلى الحداد أن يبعث مع النسر الرسائل التي تأتيه ..
ارسلوا الطائر قبيل غروب الشمس .. ثم ساعدها على العودة في الفراش و النوم ..
لكن سألته بتوتر وهي ترفع الغطاء فوقها : أ... أين تنام سيدريك ؟!.
بينما هو يهدئ ضوء السراج , ظل صامتاً ثم همس بهدوء كالليل : أنام خارجاً ..
_ في البرد !!.. قالت بانزعاج شديد ..
_ يمكنك النوم هنا .. في الداخل , أرجوك , لا أريد مضايقتك أبداً.
قاطعها بلطف : الجو غير بارد بالنسبة لي . أني أنام قليلا فقط قرب الاحصنة أمام الكوخ , لا تقلقي بشأني .
تأوهت : لا .. أرجوك ..
اطفأ السراج و عم الظلام الهادئ , وهمس هو برقة مست قلبها : سأبقى قليلا قربك أن أردتِ !.
و أرادت بشدة أن يجلس عندها هنا و تنام هي و صورة وجهه آخر ما تراه عيناها .. كان هذا مغرٍ جداً .. فهمست خجلة :
_ هل سـ... ستبقى قليلاً لأجلي...؟!
_ سأفعل مولاتي .
رأت ظله وهو يقترب قليلا ثم انحنى ليتكأ على الجدار بجانب سريرها و رأسها , فلتفتت وهي ترتاح على الوسادة ظلت تنظر حتى اعتادت عينيها على الظلام ... ثم تحقق ما أرادته .. نامت و صورته مطبوعة في ذهنها .. من حسن الحظ أنه لا يراها تحملق به طوال الوقت بهاتين العينين الواسعتين.
آوه سيدريك ما أروعك .. لا تدري هل همست بهذا بصوتٍ عالٍ ..! |