part 25
كنت أسير بسرعة معهم و ألهث بتعب في الوقت نفسه ..!
عيناي كانتا مسلطتان عليه و قد كان فوق السرير المتحرك و ثلاثة ممرضين يدفعونه بعد أن وضعوا له قناع الأكسجين ..!
ها نحن في قسم الطوارئ بالمدينة الطبية الكبيرة ..!
دخلوا به إلى غرفة و منعوني من الدخول ..!
لذا استندت على الجدار بتعب .. أرجوا أن أكون قد وصلت إلى هنا في الوقت المناسب ..!
لا أعلم كم إشارة قطعتها و كم حادث كدت أتسبب به وفي النهاية .. لا أعرف ما المبلغ الضخم الذي ستأخذه مني شرطة المرور كغرامة !!..
كل ذلك .. لأنني كنت أشعر بأنه سيموت إن لم نصل للمشفى بأسرع وقت ..!
يستحيل أن أفقده بعد أن عثرت عليه !!.. لن احتمل ذلك ..!
رأيت أحد الممرضين الثلاثة قد خرج من الغرفة و فور أن وقعت عينه على ممرضة كانت تسير في ذلك الممر حتى صرخ : أستدعي الدكتور مارفيل في فوراً !!.. حالة طارئة ..!
بدا عليها الفزع لكنها استدارت و راحت تركض حتى وصلت إلى هاتف على الجدار خاص بالممرضين لاستدعاء الأطباء و قد وضع في قسم الطوارئ في كل زاوية ..!
الدكتور مارفيل .. أليس من المفترض أن يستدعي الدكتور ليبيرت ؟!!.. فهو طبيب ريكايل ..!
لكن .. لحظة ..!
تذكرت شيئاً .. صباح الأمس حين قدمنا إلى هنا .. قال ريكايل للدكتور ليبيرت .. أوصل سلامي للدكتور مارفيل ..!
أهو طبيبه أيضاً ؟!..
القلب !!!.. لا شك أنه طبيب القلب !!!..
أجل .. هل يعني أن قلبه في خطر بسبب الصدمة التي تلقاها ؟؟!..
أنهرت أرضاً و أنا أستند إلى الجدار ..!
لم أعد أحتمل .. كل شيء حدث في يوم واحد !!..
أغمضت عيني .. و كثير من الأمور تتصادم في رأسي مختلفة في الأهمية إلا أنها جميعاً كونت عاصفة قد تفجر دماغي ..!
الخالة آنا توفيت ..!
ميشيل منهارة تماماً ..!
جوليا في حالة صعبة ..!
ريكايل بين الحياة و الموت ..!
تمنيت للحظة لو أضرب رأسي في الجدار لأوقف هذا الصداع الذي داهمني ..!
لكني حينها سمعت صوت خطوات متسارعة تضرب في أرض هذا الممر ..!
فتحت عينياي فرأيت ذلك الرجل الذي أسرع للدخول إلى الغرفة التي تحتضن أخي ..!
كان يرتدي معطفاً أبيض .. هل هو الدكتور مارفيل ؟!!..
رغم أني رأيته للحظات فقط .. إلا أني أستطيع وصفه ..!
كان ذا شعر بني باهت و طويل قليلاً .. يربطه إلى الخلف بينما ترك بعض الخصل إلى الأمام .. بشرته برونزية .. طويل القامة و عريض بعض الشيء .. يمكنني القول أنه في الخامسة و الثلاثين .. لم يكن وسيماً لكنه كان يملك شيئاً يجذب إليه .. بدا شخصاً جدياً مع نظراته الطبيبة و قد رفع أكمام قميصه و معطفه الأبيض حتى ما تحت المرفقين بقليل ..!
أمسكت برأسي بين يدي .. فتذكر شكله أتعبني !!!..
أجل .. أشعر بأني سأجن عما قريب ..!
لكن .. أنا قلق على ريكايل .. لذا لا وقت لي لأفكر بأمر الجنون ..!
هل سيكون بخير ؟!!..
لقد كان الممرضون الثلاثة خائفين حين رأوا وجهه ..!
يا إلهي ساعده ..!
مضى بعض الوقت .. حتى مرت عشرون دقيقة ..!
الساعة الأن هي الثانية عشر و النصف ليلاً ..!
أرجوا أن لا تكتشف أمي أمر مغادرتي المنزل حتى لا تقلق ..!
كان التوتر قد بلغ مبلغه و أكثر مني .. فمرور كل هذا الوقت دون خروج أحد من الغرفة أرعبني ..!
لكن .. يبدو أن الطبيب شعر بي و أشفق على حالي لذا خرج من الغرفة و ما إن فعل هذا حتى وقفت مسرعاً لأتجه إليه : عذراً أيها الطبيب ..!
التفت ناحيتي و نظر إلي بعينيه اللتان تطابقان لون الخشب القاتم : ماذا هناك ؟!!..
بتوتر قلت : كيف حال ريكايل ؟!!..
بدا عليه الاستغراب : أنت قريبه ؟!!.. لا بل .. شقيقه ؟!!..
- أنا .. أنا صديقه ..! هل هو بخير ؟!!..
ابتسم لي ابتسامة مطمئنة : أنت تشبه إلى حد كبير ..! لا عليك .. إنه بخير .. لقد تجاوز مرحلة الخطر فقد تمكنا من إنقاذه .. و حالته مستقرة الآن ..!
لحظتها .. انهرت أرضاً بعد نفس عميق قد أخذته : هيه أيها الفتى .. أأنت بخير ؟!!..
كان هذا ما قاله بقلق و قد جثى أمامي ..!
وضعت يدي على جبيني محاولاً إيقاف الصداع : أجل .. لكني مرتاح الآن فقد كنت قلقاً بشأنه ..!
وقف حينها و سألني : أتستطيع الوقوف ؟!!..
أومأت إيجاباً فمد إلي يده لأمسكها و أقف : شكراً لك ..!
- أيمكنني التحدث إليك ؟!!..
- أجل لكن .. في ماذا ؟!!..
- أريد أن أسألك بشأن ما حدث مع ريكايل .. لنذهب للمكتب ..!
أومأت موافقاً فسار بين ممرات قسم الطوارئ حتى وصل إلى مكتب أعتقد أنه خاص بالمناوبين و يبدو أن الدور اليوم في المناوبة على الدكتور مارفيل هذا .. دخل و دخلت خلفه .. جلس أمام مكتبه و طلب القهوة على الحال لنا الاثنان : أنت تبدو متعباً .. و القهوة ستريح أعصابك ..!
هذا ما قاله بابتسامة هادئة .. واضح أنه طبيب محترف و لا أعلم لما لكنك تشعر بهذا ما إن تتحدث معه ..!
جلست أمامه على المقعد بجوار المكتب : شكراً .. بالفعل أنا مرهق ..!
أخذ ينظر إلي للحظات قبل أن يقول بجد : أنت تشبه ريكايل إلى حد كبير جداً .. ألا توجد صلة قرابة بينكما ؟!!..
أومأت سلباً بتردد : لا .. نحن صديقان منذ فترة وجيزة .. لكننا صرنا مقربين من بعضنا بسرعة ..!
- حسناً .. لم نتعارف بعد .. أنا الدكتور ادوارد مارفيل .. متخصص في أمراض القلب ..! يبدو أنك تعلم بأمر مرض ريكايل رغم أنه كان شديد الحرص على اخفائه ..!
- أجل .. لقد علمت بأمر مرضه بقصور في القلب ..! تشرفنا دكتور مارفيل .. أنا لينك مارسنلي ..!
قطب حاجبيه باستغراب : لم أصدق هاري حين قال أن وريث مارسنلي صديق ريكايل ..! لكن يبدو أنه كان صادقاً ..!
يبدوا أن الدكتور ليبيرت حدث الدكتور مارفيل عني ..!
- هل الأمر غريب إلى هذا الحد ؟!..
- ليس كثيراً .. لا تشغل بالك ..! عموماً أيمكنك أن تخبرني عن السبب الذي جعل ريكايل يتعرض لهذه النوبة الحادة ..! هل تلقى صدمة أو أفزعه شيء أم ماذا ؟!!..
أخذت نفساً عميقاً قبل أن أقول بهدوء : في الحقيقة .. قبل أن نأتي للمشفى كنا قد قمنا بزيارة المرأة التي تولت تربية ريكايل منذ طفولته فهو يتيم الوالدين و قد كان يعيش في ملجأ أيتام ..! لكن .. لقد صدم بخبر وفاتها حين ذهبنا إلى منزلها .. فقد كانت مريضة منذ فترة و يبدو أن حالتها تدهورت دون أن نعلم ..!
بدا الهدوء على الطبيب حينها : هكذا اذاً .. تعازي الحارة ..!
- شكراً لك .. لكن ربما عليك تقديمها لريكايل فهو أحق بها ..!
- سأفعل ذلك بالتأكيد ..! حسناً .. هل يمكنك أن تخبرني إن كانت هناك أمور حدثت مسبقاً .. فقياسات نبضه كانت مشككة و كأنه كان ضعيفاً من قبل تلقي تلك الصدمة ..!
تذكرت حينها أمر النوبة التي تعرض لها حين كنا في لندن آخر النهار : لقد عدنا هذا المساء من لندن .. و هناك كان قد تعرض لنوبة فنقلته للمشفى و عندها علمت بأمر مرضه ..!
- ما سبب النوبة ؟!!..
- لقد كنا مع بعض الاصدقاء في متحف الشمع .. و بعد أن دخلنا إلى غرفة الرعب فقد وعيه و نقلناه للمشفى فقال الطبيب أن قلبه اضطرب للمناظر المفزعة التي رآها ..! كان هذا حوالي الساعة الخامسة اليوم ..! كما أنه كان طيلة اليوم قلقاً على اخته بالتربية فهي لم تكن تجيب على هاتفها و لا على هاتف المنزل ..! لذا عدنا إلى هنا لنطمئن عليهم لكننا صدمنا بوفاة السيدة ..!
بدا على الدكتور مارفيل الجد وهو يسجل بعض الملاحظات على أوراق أمامه : هذا يعني أن قلبه كان مجهداً من الاضطرابات و الضغوط طيلة اليوم .. و في النهاية كانت القشة التي قسمت ظهر الجمل ..! أن لديه قوة تحمل نادرة فمن في مثل حالته كان قد يدخل لغيبوبة كأقل ضرر بعد كل هذا إن لم يصل الأمر إلى الموت .. خاصة أنه تعرض لنوبتين في يوم واحد ..!
كلامه أشعل الرعب في قلبي : دكتور مارفيل .. هل حالة ريك خطيرة إلى هذا الحد ؟!!..
نظر إلي و ابتسم ابتسامة مطمئنة : ليس كثيراً .. قلبه قوي بالنسبة لمرضه .. خاصة أنه يتناول أدويته بانتظام ..!
بلهفة سألت : هل يعني هذا أنه قد يشفى ؟!!..
اختفت ابتسامته حينها : يؤسفني القول أنه مرض مزمن ..! لكن مادام حريصاً على صحته و يتناول الأدوية في وقتها و فهو سيكون بخير ..!
شعرت بالإحباط حينها .. رغم أن كلامه يدل على أن حالة أخي أفضل من غيره ..!
طُرق الباب حينها .. أذن الطبيب للشخص بالدخول فدخلت ممرضة تحمل القهوة : دكتور ادوارد .. إنها القهوة التي طلبتها ..!
ابتسم لها حينها : شكراً لك انيتا .. أتركيها على المكتب ..!
لقد كانت ذات الممرضة التي استدعته من أجل ريكايل .. كانت تبدو في الثلاثين من عمرها ..! تركت القهوة على المكتب و حينها نظر إلي الطبيب الشاب و قال : أعرفك بانيتا .. و هي الممرضة التي تهتم بريكايل في كل زيارة ..!
وقفت حينها و صافحتها : شكراً لك على الاهتمام بريك آنسه انيتا .. أنا لينك مارسنلي ..!
بابتسامتها اللطيفة قالت : تشرفنا .. أنا أنيتا مارفيل ..!
اخذت لحظات حتى استوعب اسمها : مارفيل ؟!!..
ضحك ذلك الطبيب بخفة : أجل .. إنها زوجتي !!!..
عدت أنظر إليها مجدداً .. كانت صغيرة الحجم فهي أقصر مني بقليل رغم أنه من الواضح أنها قد تجاوزت التاسعة و العشرين .. ذات بشرة بيضاء ساطعة ولها فاحم و لامع تجمعه ككرة في رأسها و عينان بلون التوت الأزرق .. كانت تبدو صغيرة بالنسبة للدكتور مارفيل الذي يمكنني أن أصفه بضخم الجثة فهو كان طويلاً نوعاً ما و عريض الكتفين قليلاً ..!
لم أعلق على الأمر لكن الدكتور بدأ يتحدث إلى زوجته تلك بشأن أخي فقد أخبرها بأنه سيبقى لفترة و بقي يملي عليها بعض التعليمات التي عليها تطبيقها من مواعيد الأدوية و نوعية الغذاء و أشياء كتلك ..!
و فيما كانا يتحدثان شربت أنا فنجان قهوتي الذي اعاد إلي شيئاً من الهدوء ..!
بعد أن أنهيا حديثهما انصرفت الممرضة بينما نظرت إلى الطبيب : دكتور مارفيل .. اريد البقاء مع ريكايل هذه الليلة ..!
بهدوء قال : لن تستفيد شيئاً .. عد لمنزلك و تعال في الصباح فأنا أضمن لك أنه لن يستيقظ قبل ذلك ..!
بجد قلت : أرجوك .. هذه الليلة فقط .. لا استطيع تركه في هذه الحالة الحرجة ..!
تنهد حينها : كما تشاء لكن الليلة فقط .. سوف يبقى عدنا بضعة أيام ستمتد من خمسة على الأقل و سبعة على الأكثر حتى نراقب حالة و نطمئن عليه ..! سيبقى هذه الليلة في غرفة الملاحظة التي هو فيها الآن ..!
وقفت حينها : شكراً لك دكتور .. و الآن استأذنك ..!
- لو شعرت بأي شيء غير طبيعي أو حدث ان استيقظ ريكايل فاضغط زر الجرس قرب السرير ..!
- حاضر ..!
غادرت بعدها المكتب تركاً ذلك الطبيب يقوم ببقية أعماله من مراجعة لملفات مرضاه ..! بينما اتجهت أنا إلى الغرفة التي كان فيها ريكايل منذ قليل ..!
.................................................. .....
كانت الساعة تشير إلى الثالثة و النصف فجراً .. و أنا لم يغمض لي جفن بعد ..!
شعرت بمدى سوء الأوضاع عندي فريكايل ممد أمامي الآن ولا يبدو أنه بخير ..!
كان هناك قناع أكسجين على وجهه .. و كذلك هناك بعض الأسلاك موصولة بجسده لقياس النبض و غيره .. و أيضاً هناك أنبوب المغذي الموصول بذراعه ..!
أسندت رأسي على ظهر الكرسي الذي أجلس عليه و أغمضت عيني .. كيف هي ميشيل الآن ؟!!..
.
(( أمي لم تمت !!.. يستحيل أن تموت !!.. ))
.
قفزت جملتها تلك في ذهني و تذكرت حالتها المزرية كيف كانت لدرجة أنها قامت بخلط الأمور سوية ..!
لكن .. لقد قالت الكثير اليوم ..!
.
(( منذ عرفتك و المصائب تطاردني !!.. أرجوك أرحل و اتركني لقد تعبت منك !!.. ))
.
(( لما أرى صورتك أمامي أينما ذهبت ؟!!.. لما تظهر لي في كل ليلة داخل أحلامي ؟!!!.. حتى أمي كانت تنادي عليك في آخر لحظاتها !!!.. ))
.
كان واضحاً من خلال كلامها ذاك أنني مصدر تعاسة لها ..!
لكن .. ذلك لم يكن كل شيء !!..
.
(( لا !!.. ابقى فيها ..! ))
.
(( لأني صرت أفكر فيك طيلة الوقت !!.. لقد صار طيفك يتبعني في كل مكان !!.. لذا .. يجب أن تبقى !!!.. لا اعلم لماذا أبكي كلما فكرت فيك ؟!!!.. إنه مؤلم .. مؤلم أكثر مما تتخيل !!.. ))
.
تريد مني أن ابقى في حياتها .. رغم أن الأمر يؤلمها !!..
يصعب علي تفسير سبب هذا ..!
مع ذلك .. يخيل لي أن السبب كان مرتبطاً بهذه الجملة ..!
.
(( لينك لما أحببتك ؟!!!.. ))
.
قالت أنها احبتني .. و لكن .. لا أعلم إن كانت لا تزال كذلك أم لا ؟!!.. فلا شيء واضح من هذه الناحية ..!
لذا .. لا أريد التعمق في موضوع ميشيل ..!
عدت أنظر لريكايل و الألم يقتلني في كل لحظة .. إنها صدمة قاسية تلك التي تعرض لها ..!
لقد كانت الخالة آنا بمثابة أم له .. لذا أنا قلق للغاية ..!
كان التعب و الارهاق واضحاً على ملامحه و كذلك الانزعاج ..!
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |