لقد مرت مراسم الجنازة و الدفن بمشاعر مليئة بالحزن و الألم ..!
الجميع كان هناك .. أفراد رافالي و أدريان و ماثيو و تيموثي و روز و ليديا و حتى لوي الذي حضر مسرعاً مساء الأمس ..!
رغم أنهم كانوا جميعاً حولي إلا أني لم أشعر بوجود أحد ..!
رايل كان يقف بقربي طيلة الوقت و لم يفارقني لحظة .. رغم ذلك لم استطع أن أخفف من الألم في داخلي ..!
حاولت جاهداً أن أكون قوياً اليوم أمام ذلك الجمع الذي حضر جنازة أمي من بعض اصدقائها و اصدقاء أبي و مدراء شركات أخرى ..!
كانت دموعي تسيل أحياناً لكني حاولت قدر الامكان كتمها ..!
لقد تم دفن والدي و جيسكا في قبرين متجاورين و بالقرب منهما كان قبر أبي أيضاً ليكون بجوار أمي مجدداً ..!
و بعد أن أنتهى كل شيء و تمت عملية الدفن بدأ الجميع بمغادرة المقبرة ..!
حتى أنا سرت مغادراً و رايل بجواري و قد سأل : هل نعود لقصر مارسنلي الآن ؟!!..
بتردد أومأت إيجاباً ..!
ركبت تلك السيارة السوداء و رايل بجانبي يتولى القيادة .. و قبل أن نحركها كان أحدهم قد فتح الباب الخلفي : أيمكنني أن آتي معكم ؟!..
لقد كان لوي .. أخبره ريكايل بأنه مرحب به فصعد في الحال و هنا حرك ريك السيارة ..!
مضى بعض الوقت بصمت قبل أن يقطعه لويفان بسؤاله : رايل .. لم أرى خالتكم اليوم .. ألم تحضر ؟!!..
أجابه الآخر دون أن يلتفت إليه : صباح الأمس كان لديها رحلة إلى الهند .. و ستعود قبيل مساء اليوم ..!
لم يعلق ذلك الآخر .. بالنسبة لي فقد أغمضت عيناي بتعب و أنا أشعر بأن رأسي سينفجر ..!
بعد بعض الوقت وصلنا إلى قصر مارسنلي الذي بدا لي موحشاً من الوهلة الأولى ..!
توقفت السيارة في مكانها فنزل رايل و لوي و أنا من خلفهما و اتجهنا إلى الباب الرئيسي ..!
حين دخلت إلى المنزل .. أخذت انظر إلى تلك الردهة الواسعة التي بدت فارغة تماماً ..!
لطالما دخلت إلى هنا لكني لم استوعب كم تلك الردهة واسعة .. ربما لأن وجود الأشخاص فيها كان يملأها سابقاً ..!
بلا شعور حينها نطقت : حين أصل للمنزل .. تستقبلني جيسكا دائماً .. مهما كان الوقت .. بوجهها البارد الذي لم تتغير تعابيره منذ عرفتها .. و حينها تقول لي " أهلاً بك سيد مارسنلي " .. إنها الجملة التي كنت أسمعها كلما دخلت بيتنا ..! و فوراً أرد عليها " أين أمي ؟!.. " ..! و إجابتها تكون " في مكتبها تنهي بعض الأعمال " .. أو تكون " لم تعد بعد من الشركة " ..! و حينها اظهر انزعاجي " إنها لا تمل من العمل " ..! هذا الحوار كان جزءاً من روتين يومي ..! كلما دخلت المنزل أبدأ بهذا الحوار ..! وبعدها أذهب إلى مكتب والدتي لألقي التحية عليها و أطلب منها ترك ما بيدها و أخذ قسط من الراحة فتجيبني أنها ستفعل بعد دقائق ..! لكن الآن .. لا جيسكا و لا أمي هنا لتجيباني ..!
سرت حينها بلا شعور ناحية مكتب والدتي ..!
و حين دخلت إليه نظرت إلى ذلك المقعد الفارغ ..!
شعرت بالاختناق حينها : لقد كانت تجلس هنا معظم وقتها ..! تراجع ملفات و توقع أوراق ..! أخبرتني بأنها تحب هذا المكتب أكثر من مكتبها في الشركة لأن أبي كان يجلس هنا دائماً ..! حتى أنها لم تغير أثاثه .. بل أبقته كما هو لأنه كما قالت ذوق جاستن الذي أحبته ..!
سرت بخطوات بطيئة ناحية المقعد الكبير و جلست عليه .. لا زالت رائحة عطرها هنا ..!
ابتسمت حينها حسرةً على نفسي و قد سالت دموعي و انا أتمتم : من يصدق أنها صباح الأمس كانت تجلس هنا .. و صباح اليوم .. في القبر ..!
رايل و لوي كانا يقفان قرب الباب .. لكني لم أنظر إليهما ..!
بل لم أرفع رأسي خشية أن تتضح دموعي التي فاضت لحظتها ..!
أخذت أنظر إلى بعض الأوراق على المكتب .. لقد كان توقيعها في أسفل كل ورقه ..!
كنت أشعر أنها لا تزال هنا .. لا تزال أثار وجودها تنتشر في المكان ..!
لكن .. أنا لا أراها ..!
لم أعد أستطيع رؤيتها ..!
بل .. لم يعد بإمكاني ذلك ..!
لأنها .. اختفت من حياتي للأبد ..!
شعرت بأحدهم يربت على كتفي .. إنه رايل .. أعرف يده حين تربت علي ..!
بنبرة متألمة واضحة قال : يكفي يا أخي .. أنت متعب و يفضل أن تأخذ قسطاً من الراحة ..!
لم أرد عليه بل رفعت يدي و مسحت دموعي ..!
ثم وقفت مع رايل و سرت بجواره أجر خطواتي ..!
لوي أيضاً بدأ بالسير قربي حتى وصلنا إلى المصعد .. ركبت مع ريك الذي أخبر لوي أنه سيوصلني إلى غرفتي و طلب أنه أن يسبقه لغرفة الجلوس ..!
و بالفعل .. حين وصلنا إلى الدور الثالث و وصلنا إلى مفترق الطرق نظرت إلى اليمن و اليسار .. غرفة أمي هناك و كذلك غرفة جيسكا ..!
شعرت بأن المكان صار موحشاً بدون وجودهما ..!
حتى جيسكا التي لم تكن تعني لي شيئاً في الماضي ..!
لم أعتقد أني سأفتقدها إلى هذا الحد ..!
تابعت السير ووصلت إلى غرفتي ..!
أوصلني ريكايل إلى سرير ثم أخرج ملابس مريحة من الخزانة و هو يقول : بدل ملابسك و نم قليلاً .. أعلم أنه لم يغمض لك جفن منذ الأمس ..!
لم أجبه .. لكنه حينها نظر إلي للحظات و همس : لينك .. هل هناك شيء يمكن أن أفعله لأجلك .!!
رفعت رأسي إليه لأجد نظرة حزن و يأس في عينيه ..!
أجبته حينها بعد صمت : لا .. أنت تبذل ما بوسعك رايل .. سأكون أنا بخير بعد أن آخذ قسطاً من الراحة ..!
لا أعلم كيف قلت هذا لكن رايل تنهد بتعب و هو يقول : سأتركك الآن لترتاح .. تأكد من تبديل ملابسك ..!
أومأت إيجاباً فخرج هو من الغرفة بينما ألقيت أنا بجسدي على السرير بإرهاق ..!
حينها انتبهت لتلك الصورة التي كانت على الخزانة الصغيرة قرب السرير ..!
لقد كانت صورة لي حين كنت في الخامسة عشر و في يوم تخرجي من الاعدادية و قد التقطت هذه الصورة لي مع أمي التي كانت ابتسامتها تلك مليئة بالأمل ..!
بلا شعور مددت يدي و قلبت الصورة إلى الناحية الأخرى فأنا لا احتمل فكرة أنها لن تتمكن من رؤيتي أتخرج من الثانوية كما انتظرت دائماً ..!
وقفت حينها بسرعة و قررت أن أبدل ملابسي و أحاول أن أنسى ما بي من هم قليلاً حتى يهدأ ألم رأسي الذي لم يعد يحتمل ..!
.................................................. ...........
شعرت بيد على جبيني .. يد دافئة ..!
لم أرد أن تبتعد أبداً .. لكني لم أعلم يد من هذه ؟!..
فتحت عيني بهدوء و رأيت .. شعر أشقر ..!
أمي ؟!.. لا يا لينك .. أمك رحلت إلى الأبد ..!
لكن .. هذا الاحساس يشبه احساسي بيدها الدافئة : حرارته مرتفعة قليلاً ..!
ركزت أكثر في صاحب الشعر الأشقر الذي نطق هذه الجملة .. إنه أخي ريكايل ..!
فتحت عيني تماماً حينها و أنا أقول بصوت مبحوح : كم الساعة الآن ؟!..
أجابني شخص أخر : إنها الثانية عشر .. من الرائع أنك تمكنت من النوم طيلة الساعات الثلاث الماضية ..!
نظرت إلى الشخص الآخر فلم يكن سوى لويفان الذي كان يقف و هو يحمل كأس ماء بيد و كرت أقراص بيد أخرى و قد اردف بقلق : لينك .. حرارتك مرتفعة قليلاً ..! ربما من الجيد أن تأخذ هذا الدواء كي تنخفض ..!
ساعدني ريك على الجلوس و أخذ قرصاً من لوي : أرجوا أن تنخفض بالفعل .. فأنت لا تبدو بخير و هي ستزيد حالك سوءاً ..!
أخذت الحبة من يده و ابتلعتها ثم ناولني لوي كأس الماء فشربت بالمقدار الكافي لدفعها ..!
بدا رايل قلقاً للغاية : لينك .. هل استدعي لك طبيباً ؟!.. وجهك أصفر و شاحب للغاية ..!
أومأت سلباً : اطمئن .. مجرد إرهاق بسيط ..!
- اذاً يجب أن تأكل شيئاً ..!
- ليس لدي رغبة بالأكل ..!
- لينك إنه أفضل لصحتك حتى لا تسوء ..!
- أرجوك ريك .. قلت أني لا أشعر برغبة بتناول أي شيء ..!
- أرجوك أنت .. صدقني ستمرض أكثر هكذا ..!
- لا أريد ..!
جلس لوي على حافة السرير وهو يقول : لينك لا تعاند .. كلام أخيك صحيح ..! هيا من الأفضل أن تأكل شيئاً ..!
وقف رايل حينها و هو يقول : سأحضر لك بعض الشطائر .. و ستأكلها ..!
استلقيت مجدداً على السرير : افعل ما تشاء ..!
تنهد هو بتعب و خرج من الغرفة بينما قال لوي : سيحضر الجميع في الساعة الثانية .. يجب أن تأكل شيئاً لتستجمع قواك ..!
لم أرد عليه بل أغمضت عيني و أنا أشعر بأن المرض بدأ يحتل جسدي ..!
ربما من الأفضل أن أتناول شيئاً يرد إلي جزءاً من طاقتي ..!
.................................................. .......
في الساعة الثانية و النصف ظهراً ..!
كنت قد بدلت ملابسي و عدت ببدلتي الرسمية ..!
و في غرفة الجلوس الكبيرة كنت أجلس هناك على يميني الخالة كاثرن و على يساري العم رونالد ..!
لقد كان كلاهما يتحدث عن ما يجب علي فعله كي اتجاوز هذه الصدمة .. لكني لم أجبهما حتى بإشارة ..!
كان معنا في ذات الغرفة دايمن و أندي و كذلك ميرال .. لوي .. ليديا .. ماثيو و سورا .. حتى أدريان الذي كان أكثرنا قوة في مواجهة هذا الموقف فقد بدت الصرامة عليه و قد تقبل تلك الصدمة بسرعة ..!
جميعهم كانوا هناك .. حتى ريكايل إلا أنه كان يقف قرب الباب و يوجه نظراته القلقة الخائفة علي ..!
كان هناك الكثير من الأشخاص الذين أتوا لزيارتي و تقديم التعازي .. كان بعضهم متواجداً في المقبرة هذا الصباح لكني لا أعلم من هم ؟!.. في النهاية أخبرني أدريان أنهم موظفون من شركتنا و من فنادق و مطاعم مارسنلي ..!
لقد تعرفت فقط إلى كاترين سكرتيرة مكتب والدتي التي كانت الدموع تسيل من عينيها ..!
ليست وحدها بل هناك الكثير منهم بكى و بالأخص النساء منهم ..!
هذا أثبت للجميع كم هي كبيرة مكانة أمي إلينا في قلوب موظفيها ..!
لطالما كانت رحيمة بمن حولها حتى أصغر موظفي الشركة ..!
بالنسبة لي فقد كنت صامتاً طيلة الوقت و لم أذرف أي دمعة حينها فقد كنت فقط أحاول المحافظة على رباطة جأشي ..!
مضى بعض الوقت و الناس يتوافدون و يخرجون من قصرنا و الجميع يقدم التعازي لي و لأدريان و لآل رافالي فقد كنا أكثر المقربين من الفقيدة ..!
حين كانت الساعة هي السادسة مساءاً .. ظهر أشخاص لم أتوقع رؤيتهم ..!
تقدمت بضع خطوات حين رأيت أنيتا الممرضة الشابة و زوجها الدكتور إدوارد مارفيل ..!
كانت هي ترتدي ثوباً أسود بينما هو ارتدى بدلة رسمية سوداء بدا مختلفاً فيها عن شكله بالمعطف الأبيض ..!
ربتت هي على كتفي و هي تقول : تعازي الحارة في وفاة والدتك ..!
بنبرة جادة قال زوجها : كن قوياً مارسنلي .. لا تدع هذه الحادثة تحطم حياتك ..!
أومأت له إيجاباً فظهر شخص آخر من خلفه .. إنه الدكتور هاري ليبيرت ببدلته الرسمية السوداء التي زادت من وسامته و قد قال هو الآخر : أقدم لك أحر التعازي في وفاة السيدة مارسنلي ..!
بصوتي المبحوح أجبتهم : شكراً لكم جميعاً على حضوركم .. أقدر لكم هذا ..!
بنبرة هادئة رد الدكتور ليبيرت : هذا أقل الواجب مارسنلي ..!
كان عمي و خالتي قد وقفا بجانبي و قد قال العم رونالد حينها : لم تعرفنا بهؤلاء الضيوف يا لينك ؟!..
قبل أن أجيبه بشيء سمعت صوت أحدهم : لينك ..!
حولت نظري إلى الأمام .. و هناك كانت تقف هي بفستان أسود يصل لمنتصف ساقيها ..!
شعرها البني الطويل قد تركته حراً و عيناها الخضر كانتا تذرفان الدموع ..!
ريكايل كان يقف بقربها و ينظر إلي بهدوء ..!
بالنسبة لي .. فقد دمعت عيناي لا شعورياً حين رأيتها .. رغم أني أخفيت دموعي هذه طويلاً ..!
تقدمت خالتي ميراي ناحيتي بسرعة و حين وصلت إلي عانقتني في الحال و هي تبكي ..!
أزداد ألمي حينها .. فذلك العناق يشبه عناق أمي لي ..!
عموماً ميراي هي خالتي .. و هي شقيقة أمي نيكول .. لذا من الطبيعي أن أشعر بهذه المشاعر اتجاهها ..!
قد تكون صغيرة .. و لكنها مهما كان تشبه أمي ..!
سالت دموعي حينها و بادلتها ذلك العناق ..!
لقد كانت هي تبكي بصوت مسموع .. من يراها يشعر بأنها متألمة على فقدان إلينا أكثر مني ..!
لكن مالا يعلمه أحد هو أنها لا تبكي من أجل إلينا بل من أجلي أنا ..!
أجل .. تبكي على ابن اختها الذي فقد أمه مرتين ..!
شعرت بأنها هي من تحتاج أحداً يواسيها و ليس أنا ..!
حاولت استجماع قواي و همست لها : خالتي اطمئني .. أنا بخير .. أرجوك لا تبكي .. لا تبكي ..!
بدا انها تأثرت بكلامي فشدت علي أكثر للحظات حتى توقفت عن البكاء ..!
ابتعدت عني برفق و قد غسلت الدموع وجهها المحمر ..!
لقد راقب كثير من المتواجدين هذا الموقف ..!
و بالأخص السيد و السيدة رافالي اللذان بدا عليها التعجب من هذه الشابة التي عانقتني و التي لا يعرفانها أطلاقاً ..!
لكن ميراي ربتت على كتفي و هي تقول : عزيزي لينك .. أعلم أن ما حدث صعب عليك .. لكن أرجوك كن بخير .. أنا لا أحتمل يحدث لك شيء ..!
أومأت إيجاباً و قلت : لا تخافي .. سأكون بخير ..!
- عدني بذلك لينك .. عندي بأن تكون قوياً في مواجهة هذه الصدمة ..!
- اعدك بذلك .. اطمئني فأنا سأكون على ما يرام قريباً ..!
كان معها صديقتها ديانا التي بدا الحزن في عينيها : تعازي الحارة في وفاة أمك لينك ..!
يبدو أن خالتي شرحت لها القصة كاملة فهي في السابق لم تكن تعلم بأني وريث مارسنلي ..!
أجبتها بهدوء : شكراً لك انسة ديانا ..!
بقيت أتحدث معهما قليلاً و قد استأذن الدكتور مارفيل و زوجته و الدكتور ليبيرت بالذهاب ..!
كانت الشمس في منتصف الغروب .. و بعد بعض الاحاديث تقدم مني العم رونالد : لينك .. لم تعرفنا إلى هذه الآنسة ..!
كان يقصد خالتي ميراي ..!
لم أكن أنوي أطلاقاً إخباره بالحقيقة ..!
لذا اكتفيت بالقول : شخص مهم بالنسبة لي ..!
لم يرد هو فقد فهم رغبتي في اخفاء العلاقة بيني و بين ميراي و التي بدت مبهمة بالنسبة له ..!
الشيء الذي استغربته هو عدم الحاح الخالة كاثرن كي تعرف الحقيقة .. لكن يبدو أنها بالفعل تقدر بأني لا اريد لأحد أن يعلم ..!
.................................................. ...........
كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءاً .. لم يبقى هنا سوى الخالة كاثرن و خالتي ميراي إضافةً إلى دايمن و آندي و ميرال و كذلك لوي الذي سيبيت هنا ..!
بالطبع كان علي أن أجد حلاً لمشكلة عدم معرفتهم بميراي لكن لوي أنقذني حين قال بأنها كانت جارتي حين كنت أعيش في ادنبره ..!
فقد خشيت بأن يبحثوا في أمرها أكثر ..!
لقد خرج ريكايل من غرفة الجلوس قبل قليل و لا أعلم إلى أين ذهب ..!
وقفت السيدة رافالي و اتجهت إلى ابنائها الثلاثة : هيا يا أولاد يجب أن نعود للبيت .. دايمن اتصل بالسائق و قل له أن يجهز السيارة ..!
أومأ موافقاً فعادت خالتي إلي ..!
وقفت حينها فربتت على كتفي : لينك .. الأفضل ان تذهب الآن و ترتاح فأنت بالتأكيد مجهد بعد كل هذا العناء .. سأكون هنا في الصباح من أجلك ..!
بهدوء أجبتها : شكراً لك خالتي ..!
حملت حقيبتها التي كانت على الأريكة ثم سارت و معها ميرال خلفهما دايمن و آندي بعد أن ودعني كلاهما ..!
بعد خروجهم رميت بجسدي على الأريكة مرهقاً و أغمضت عيني ..!
شعرت بكف أحدهم على جبيني : عزيزي لينك حرارتك مرتفعة .. الأفضل أن تتناول خافضاً ..!
فتحت عيني فرأيت خالتي ميراي التي بدا القلق في عينيها : لقد تناولت الخافض قبل نصف ساعة .. سيظهر مفعوله قريباً ..!
تقدم لوي ناحيتي و جلس بجواري : لينك الأفضل أن تذهب و ترتاح كما قالت السيدة رافالي ..!
أومأت إيجاباً لكني سألت : أين ريكايل ؟!..
أجابني لوي : لقد تلقى اتصالاً و خرج من الغرفة قبل أن يجيب .. لا شك أنه سيكون هنا بعد لحظات ..!
فور أن أكمل لوي جملته سمعت صوت أحدهم : لينك .. جاءك ضيوف ..!
التفت ناحية الباب فرأيت ريك و من خلفه فتاتان ..!
كانتا ترتديان ملابس سوداء .. و الحزن العميق متضح عليهما ..!
الأولى ذات شعر بني طويل تركته منسدلاً .. أما الأخرى فقد كان شعرها البني يصل لما تحت كتفيها بقليل ..!
إنهما الأختان جوليا و ميشيل ..!
لم أركز كثيراً في جوليا بل صوبت نظراتي ناحية ميشيل .. لقد بدا الحزن العميق في عينيها ..!
تقدمتا ناحيتي فوقفت و حين وصلتا قالت جوليا بحزن : تعازي الحارة في وفاة السيدة مارسنلي ..!
بهدوء أجبتها : شكراً لك .. جوليا ..!
نظرت للأخرى فكانت تطأطأ رأسها دون أن تنطق بشيء ..!
لكن اختها تحدثت بالنيابة عنها : لقد صدمنا كثيراً حين علمنا بالخبر .. لكني أرجوا أن تكون قوياً لمواجهة هذا الموقف لينك .. لقد ساعدتنا كثيراً حين توفيت والدتي لذا نحن نريد أن نساعدك الآن .. إن كنت تريد أي شيء فأخبرنا فقط ..!
لقد فاجأني كلامها فقد بدت جوليا متأثرة للغاية : أقدر لك هذا .. كل ما أريده هو أن تكونا بخير ..!
هنا بدأ أحدهم يبكي .. إنها ميشيل ..!
لقد طأطأت رأسها و بدأت تبكي بالفعل فاحتضنتها جوليا بهدوء : يكفي عزيزتي .. لقد جئنا إلى هنا لمواساة لينك و ليس ليواسينا ..!
تقدمت بخطوات بطيئة ناحيتها و بلا شعور ربت على كتفها ..!
التفت ناحيتي و هي تحاول كتم عبرتها فابتسمت بصعوبة ابتسامة صغيرة : ميشيل .. أمي أخبرتني منذ فترة بأنها أحبتك .. و قد أرادت أن تأتي دائماً لزيارتنا ..!
صمت للحظات ثم تابعت : كوني قويةً من أجلها .. أعلم أن الأمر صدمك و أزعجك كما فعل بالجميع ..! لكن يجب علينا أن نتعاون لتجاوز هذه الصدمة ..!
أومأت هي إيجاباً دون أن تضيف حرفاً آخر ..!
بينما تمنيت حقاً أن استطيع تحقيق من نطقت به قبل قليل ..!
.................................................. .....
__________________ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم |