[ بَيْنَ النَّصَحِيَّةِ وَالتَّأْنِيبَ ! ]
النصيحة:
إحسانٌ إلى من تنصحه بصورة الرحمة له, والشفقة عليه, والغيرة له وعليه ,فهو إحسانٌ محضٌ يَصدرُ عن رحمةٍ ورقةٍ , ومراد الناصحِ بها وجه الله ورضاه , والإحسانُ إلى خلقه ؛ فيتلطّفً في بذلها غايةَ التلطُّفِ ,ويحتملً أذى المنصوحِ ولائمته , ويعامله معاملةَ الطبيبِ العالمِ المُشفقِ المريض المُشبَعِ مرضاً ؛ وهو يحتمل سوءَ خُلقه وشراسته ونفرته ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن فهذا شأن الناصح ! .
وأما المؤنب
:
فهو رجلٌ قصده التعيير والإهانة ,وذم من أنّبه وشتمه !في صورةِ النصحِ , فهو يقول له: يا فاعلَ كذا وكذا !يا مستحقَ الذم والإهانة ؛ في صورةِ ناصحٍ مشفقٍ ! وعلامةُ هذا أن لو رأى من يحبه ويحسن إليه على مثل عمل هذا أو شرٍ منه لم يعرض له , ولم يقل له شيئاً! ويطلب له وجوه المعاذير , فإن غُلِبَ قال: وإنى ضُمِنت له العصمة ! ؛ والإنسانُ عرضةً للخطأِ ! ؛ ومحاسنه أكثر من مساويه , والله غفور رحيم !ونحو ذلك .. فيا عجباً ! كيف كان هذا لمن يحبه دون من يبغضه ؟ وكيف كان ذلك منك التأنيب في صورة النصح ,وحظ هذا منك رجاء العفو والمغفرة وطلب وجوه المعاذير ؟!
* ومن الفروق بين الناصح والمؤنب:
أن الناصِحَ لا يعاديكَ إذا لم تقبل نصيحته! وقال قد وقع أجري على الله ! قبلتَ أو لم تقبل , ويدعو لك بظهر الغيبِ ,ولا يذكر عيوبك ولا يبينها في الناس والمؤنب بضّدِ ذلك .!
[ ابن القيم - الروح 257 ]