[اقتضاء الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم ]
[
قد بعث الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه و سلم بالحكمة التي هي سنته ؛ وهي الشِرعة والمِنهاج الذي شرعه له ! فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين ! , وأمر بمخالفتهم في الهديِ الظاهرِ , وإن لم يظهر لكثيرٍ من الخلقِ في ذلك مفسدة !
لأمور منها
:
أن المشاركة في الهديِ الظاهرِ تورثُ تناسُباً وتشاكلاً بين المتشابهين ! يَقودُ إلى الموافقةِ في الأخلاقِ والأعمالِ !, وهذا أمرٌ محسوس , فإنّ اللابسَ لثيابِ أهلِ العلمِ مثلاً , يَجدُ من نفسه نوعَ انضمامٍ إليهم ! , واللابسُ لثيابِ الجُندِ المقاتلةِ مثلاً , يَجِدُ في نفسه نوع تخلقٍ بأخلاقهم ! , ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع . !
ومنها
:
أن المخالفة في الهديِّ الظاهرِ تُوجِبُ مباينةً و مفارقةً ؛ توجبُ الانقطاعَ عن موجبات الغضبِ , وأسبابِ الضلالِ , والانعطافِ إلى أهل الهُدى والرضوانِ , وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين , وأعدائه الخاسرين ! وكلما كان القلبُ أتمَّ حياةً وأعرفَ بالإسلامِ الذي هو الإسلام
-
لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً, بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة
-
كان إحساسه بمفارقةِ اليهودِ والنصارى باطناً و ظاهراً أتم ! , وبعده عن أخلاقِهم الموجودة في بعض المسلمين أشدُّ ! . ومنها
:
أن مشاركتهم في الهديّ الظاهرِ , توجب الاختلاط الظاهر !, حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين , وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية . ! هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً , لو تجرد عن مشابهتهم , فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبةً من شعبِ الكفرِ ! فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم , فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له والله أعلم
]
[ ابن تيمية-اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة اصحاب الجحيم ]