تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام الجزء الثاني عشر حمد الله الذي اقل نعمه يستغرق أكثر الشكر، والصلاة على نبيه المصطفى محمد وآله ما نطق لسان بالذكر وبعد .
1- معنى زكاة الفطر:
أْي الزكاة التي سببُها الفطر من رمضان، وتسمى أيضا صدقة الفطر، وبكلا الاسمين وردت النصوص.
وسُمِّيت صدقة الفطر بذلك لأنها عند الفطر عطية يُراد بها المثوبة من الله، فإعطاؤها لمستحقيها في وقتها عن طيب نفس يُظهر صدق الرغبة في تلك المثوبة. وسميت زكاة لما في بذلها - خالصة لله - من تزكية النفس وتطهيرها من أدرانها، وتنميتها للعمل، وجبرها لنقصه.
2- تاريخ مشروعيتها والدليل عليها:
وكانت فرضيتها في السنة الثانية من الهجرة - أي مع رمضان - وقد دلّ على مشروعيتها عموم القرآن، وصريح السُّنة الصحيحة، وإجماع المسلمين؛ قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } (1) أي فاز كل الفوز، وظفر كل الظفر، مَن زكى نفسه بالصدقة فنماها وطهرها.
وقال عكرمة رحمه الله في الآية : "هو الرجل يقدم زكاته بين يدي - يعني قبل - صلاته - أي العيد. وهكذا قال غير واحد من السلف رحمهم الله في الآية : هي زكاة الفطر.
وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عند ابن خزيمة وغيره. وقال مالك رحمه الله: هي- يعني زكاة الفطر - داخلة في عموم قوله تعالى: { وَآتُوا الزَّكَاةَ } (2) .
وثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه: « فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر » (3) . وأجمع عليها المسلمون قديما وحديثا، وكان أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها.
_________
(1) سورة الأعلى , الآية : 14
(2) سورة البقرة , الآية : 43 .
(3) أخرجه البخاري (1504) ومسلم (984). عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
3- حكمها:
حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على وجوبها، وقال إسحاق رحمه الله: "هو كالإجماع".
قلت: ويكفي في الدلالة على وجوبها - مع القدرة في وقتها - تعبير الصحابة رضي الله عنهم بالفرض كما صرَّح بذلك ابن عمر وابن عباس، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر . . . الحديث" (1) . وبنحوه عبر غيره رضي الله عنهم.
_________
(1) سبق تخريجه صفحة (68).
4- حكمة مشروعيتها:
شرعت زكاة الفطر تطهيرا للنفس من أدرانها، من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتكميلا للأجر وتنمية للعمل الصالح، وتطهيرا للصيام مما قد يؤثر فيه ويُنقِص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناءً لهم عن ذلّ الحاجة والسؤال يوم العيد.
فعن ابن عباس مرفوعا: « فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين » (1) . رواه أبو داود والحاكم وغيرهما.
وفيها: إظهارُ شكر نعمة الله تعالى على العبد إتمام صيام شهر رمضان وما يسَّر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.
وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.
_________
(1) أخرجه أبو داود (1609) وابن ماجه (1827). والدارقطني (2 / 138) والحاكم (1 / 409). والبيهقي (4 / 163) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وقال الدارقطني: ليس فيهم مجروح. وقال الألباني في الإرواء (3 / 332): حسن.
وغدا ان شاء الله سناتي على من تجب الفطرة |