جاء بني البُكير إلى رسـول اللـه فقالوا: زوِّج أختنا فلاناً فقال لهم: أين أنتم عن بلال؟
ثم جاؤوا مرّة أخرى فقالوا: يا رسول الله أنكِح أختنا فلاناً فقال لهم: أين أنتم عن بلال ؟
ثم جاؤوا الثالثة فقالوا أنكِح أختنا فلاناً فقال: أين أنتم عن بلال؟ أين أنتم عن رجل من أهل الجنة ؟) فأنكحوهُ
وأتى النبي امرأة بلال فسلّم وقال: أثمَّ بلال؟ فقالت: لا،
قال: فلعلّك غَضْبَى على بلال! قالت: إنه يجيئني كثيراً فيقول: قال رسول الله، قال رسول الله
فقال لها رسول الله: ما حدّثك عني بلالٌ فقد صَدَقكِ بلالٌ، بلالٌ لا يكذب، لا تُغْضِبي بلالاً فلا يُقبل منكِ عملٌ ما أغضبتِ بلالاً.
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى،
ونهض بأمر المسلمين من بعده أبو بكر الصديق،
وذهب بلال إلى الخليفة يقول له: يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله يقول:
أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله قال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال؟
قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت قال أبو بكر: ومن يؤذن لنا؟
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع: اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله قال أبو بكر: بل ابق وأذن لنا يا بلال
قال بلال: ان كنت قد أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد، وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له
قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال ويختلف الرواة في أنه سافر إلى الشام حيث بقي مرابطا ومجاهدا،
ويروي بعضهم أنه قبل رجاء أبي بكر وبقي في المدينة فلما قبض وولى الخلافة عمر، استأذنه وخرج إلى الشام.
روى أبو داود بسنده عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب،
فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق
فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت
فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت يا لباه فتجهمني
وقال لي قولا غليظا وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر قال: قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك
فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس
حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي
فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي وهو فاضحي فأذن لي
أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني فخرجت حتى إذا أتيت منزلي
فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشر فقد جاءك الله بقضائك"
ثم قال: "ألم تر الركائب المناخات الأربع" فقلت: بلى فقال: "إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة
وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك" ففعلت فذكر الحديث ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد
فسلمت عليه فقال: "ما فعل ما قبلك" قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء قال: "أفضل شيء؟"
قلت: نعم قال: "انظر أن تريحني منه فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه" فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة دعاني
فقال: "ما فعل الذي قبلك" قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقص الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني
قال: "ما فعل الذي قبلك" قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك
ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه.
وكان آخر آذان له يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم،
وعندما زار الشام عمر بن الخطاب توسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة،
ودعا عمر بن الخطاب بلالا، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها،
وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن،
بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا، وكان عمر أشدهم بكاءً.
توفي بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد ودفن تحت ثرى دمشق سنة عشرين للهجرة،
ويوجد قبر ومدفن ومقام للصحابي الجليل بلال بن رباح في دمشق. كما انه في المملكة الأردنية الهاشمية
يوجد ضريح له في حي الفقراء في منطقة وادي السير.
حينما أتى بلالا الموت، قالت زوجته : وا حزناه فكشف الغطاء عن وجهه
وهو في سكرات الموت وقال : لا تقولي واحزناه، وقولي وا فرحاه ثم قال : غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه