تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام الجزء الرابع عشر الحمد لله على نعمه ، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله . وبعد :
8 - وقت إخراج الزكاة:
لإخراج زكاة الفطر وقتان:
الأول: وقتُ فضيلة، ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى العيد، وأفضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد. لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: « فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر . . . » الحديث. وفيه قال: وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (1) . وتقدَّم تفسير - بعض السلف - قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى }{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } (2) أنه الرجل يقدّم زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته.
الثاني: وقتُ إجزاء، وهو قبل العيد بيوم أو يومين لما في صحيح البخاري رحمه الله قال: « وكانوا - يعني الصحابة - يعطون - أي المساكين - قبل الفطر بيوم أو يومين » (3) . فكان إجماعا منهم.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: « فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات » رواه أبو داود وغيره (4) .
قال ابن القيم رحمه الله: "مقتضاه أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد". قلت: يعني من غير عذر وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة.
وقال شيخ الإسلام : "إن أخَّرها بعد صلاة العيد فهي قضاء، ولا تسقط بخروج الوقت".
_________
(1) سبق تخريجه صفحة (68).
(2) سورة الأعلى , الآيتان: 14 ,15
(3) أخرجه البخاري (1511). قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده. الموطأ (1 / 285).
(4) سبق تخريجه صفحة (68).
وقال غيره: اتفق الفقهاء على أنها لا تسقط عن من وجبت عليه بتأخيرها، وهي دين عليه حتى يؤديها، وأن تأخيرها عن يوم العيد حرام، ويقضيها آثما إجماعا إذا أخَّرها عمدا.
9 لمن تعطى صدقة الفطر؟:
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: « فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين » (1) . ففي هذا الحديث أنها تُصرف للمساكين دون غيرهم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم".
ويجوز أن يعطي الجماعة أو أهل بيت زكاتهم لمسكين واحد، وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة. ولكن ينبغي أن تسلم لنفس المسكين أْو لوكيله المفوض في استلامها من قبله.
_________
(1) سبق تخريجه صفحة (68).
10 إخراج قيمة زكاة الفطر:
لا يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر بدلا عنها، لنص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على أنواع الأطعمة مع وجود قيمتها. فلو كانت القيمة مُجزئة لبين ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وكذلك فإنه لا يُعلَم أن أحدا من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أخرج زكاة الفطر نقودا مع إمكان ذلك في زمانهم - وهم أعرف بسنته وأحرص على اتباع طريقته. وأيضا فإن إخراج القيمة يفضي إلى خفاء هذه الشعيرة العظيمة، وجهل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها.
قال الإمام أحمد : "لا يعطي القيمة". قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؛ قال: يَدَعُونَ قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ويقولون: قال فلان. وقد قال ابن عمر : « فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زكاة الفطر » (1) .
_________
(1) سبق تخريجه صفحة (68).
11 نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر:
الأصل أن الشخص يدفع زكاة فطره لفقراء البلد الذي يدركه عيد الفطر وهو فيه، وهي إنما تجب بغروب الشمس ليلة العيد، ونقلها إلى بلد آخر يفضي إلى تأخير تسليمها في وقتها المشروع، وربما أفضى إلى إخراج القيمة وإلى خفاء تلك الشعيرة، وجهل الناس بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فيها، ولم يثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم - فيما أعلم - أنهم نقلوها من المدينة إلى غيرها.
وبناءً عليه فنقلُها في هذا الزمان من مجتمع إلى آخر، والذي يدعو إليه بعض الناس ويرغب فيه، معدود من الأعمال المحدَثة التي يجب الحذر منها والبعد عنها، وتنبيه الناس على ما فيه من المخالفة. والله المستعان.
أما كون الإنسان يوكل أهله أن يخرجوا الزكاة في بلدهم وهو في بلد آخر فليس من هذا الباب، فإن الكلام في نقل زكوات بعض أهل بلد إلى بلد آخر، فإنه هو الذي قد تترتب عليه المحاذير السابقة.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم. تقبل الله صيام الجميع بمزيد الاجر والثواب والمغفرة وكل عام وانتم بخير وعافية والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته |