اهتم الإسلام بالوقت أيما اهتمام وقد أقسم الله تعالى بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح للمؤمنين،وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين،فقال الله تعالى : (والعصر إن الإنسان لفي خسر). وأقسم سبحانه وتعالى بالليل والنهار لكي يبين لنا أهمية الوقت في كل زمان ومكان فقال تعالى : (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى)، وأقسم بالفجر ولا يوجد شيئ أنفس منالعمر وعمر الإنسان قصير إذ لا يتجاوز عشرات من السنين فسيسأل عن كل لحظة فيه وعن كل وقت نام فيه عن عبادة الله وعن كل عمله فيه،فقال تعالى : (والفجر وليال عشر) وغيرها من الآيات التي تبين أهميةالوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله،وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به؟"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك
الآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضييعه في أعمال قد تجلب علينا الشر وتبعدنا عن طريق الخير، فالوقت يمضي ولا
يعود مرة أخرى. ولقد طبق مفهوم أهمية الوقت في صدر الإسلام تطبيقا صارما.
روي أن أبا الدرداء، رضي الله عنه، وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه "أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد؟ قالوا : نعم، قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون!فقالوا : دلنا على زاده؟فقال: (حجوا حجة لعظائم الأمور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يوما شديدا حره لطول يوم النشور).
وتدبروا أخوتي المسلمين معي ما قاله هذا الحكيم "من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم أقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه".
لذلك علينا أن نستغل الأوقات وأن نجعل حياتنا كلها لله فلا نضيع من أوقاتنا مانتحسر عليه يوم القيامة فالوقت سريع الانقضاء وهو يمر مر السحاب.
فلتحسنوا أخوتي المسلمين استغلال وقتكم فيما يعود عليكم وعلى أمتكم بالنفع في الدنيا ولآخرة فما أحوج الأمة إلى رجال ونساء يعرفون قيمة الوقت ويطبقون ذلك في الحياة. الوقت فيه العبر .. الوقت فيه العظات .. زمن تحصيل الأعمال الصالحة
.
أيها الغافلون : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌوَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِكَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌوَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّامَتَاعُ الْغُرُورِ). (الحديد).
إن وقت المسلم في هذه الدنيا قصير وأنفاسه محدودة وأيامه معدودة.فمن استثمر هذه اللحظات والساعات في الخيرفطوبى له. ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمنا لا يعود إليه أبدا. وفى هذا العصر الذي تفشى فيه العجز والميل إلى الدعة والراحة. جدب في الطاعة وقحط في العبادة وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة .
ونلاحظ في زمننا هذا الجهل بقيمة الوقت والتفريط فيه. أصبح الوقت زمن الدعة، زمن الكسل، هذا العصر الذي ماتت فيه الهمم، وخارت فيه العزائم، تمر الساعات والأيام ولا يحسب لها حساب.
ومن جهلَ قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين من الدهر يدرك فيه قيمته وقدره وأنفاسه، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى : (وجاءت سكرة الموت بالحق فذلك ما كنت منه تحيد) وفى هذه يذكر القرآن موقفان يندم عليهما الإنسان :
الأول : ساعة الاحتضار حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى منح شيئا من الزمن وأُخر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويدرك ما فاته.
الثاني: في الآخرة حيث توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنةأوهل النار النار حيث يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف فيعمل عملا صالحا غير الذي كان يعمل. حيث إذا جاء الموت قال (ربى ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت) هيهات هيهات لما يطلبون.(كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء. (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك هم الذين خسرواأنفسهم وفى النار هم فيها خالدون).