08-03-2013, 01:05 PM
|
|
البارت 222222222 | | | | فأزعجني مسمعها وخيل الي وهي صادرة من اعماق نفسه , كأنني اسمع رنينها في اعماق قلبي و قلت : ان الفتى مريض و لا يوجد احد بجانبه من يقوم بشأنه وقد بلغ الامر مبلغ الجد فلا بد لي من المصير اليه فتقدمت لخادمي (امره به ) ان يقدمني بمصباح حتى بلغت منزله وصعدت الى باب غرفته فأدركني من الوحشة عند دخولها ما يدرك الواقف على قبر يحاول ان يهبطه ليودع ساكنه الوداع الاخير , ثم دخلت ففتح عينيه عندما احس بي و كأنما كان ذاهلا او مستغرقا , فأدهشه ان يرى بين يديه مصباحا ضئيلا و رجلا لا يعرفه فلبث شاخصا الي هنيهة و لا ينطق ولا يطرف فاقتربت من فراشه و جلست بجانبه وقلت : انا جارك القاطن هذا المنزل وقد سمعتك الساعة تعالج نفسك علاجا شديدا و علمت انك وحدك في هذه الغرفة فعناني امرك فجئتك علي استطيع لك عونا على شأنك , فهل انت مريض .. فرفع يديه ببطء و وضعها على جبهته , فوضعت يدي حيث وضعها فشعرت برأسه يلتهب التهابا فعلمت انه محموم , ثم امررت نظري على جسمه فاذا خيال سار لا يكاد يتبينه رائيه واذا قميص فضفاض من الجلد يموج فيه بدنه موجا فأمرت الخادم ان يأتيني بشراب كان عندي من أشربة الحمى فجرعته منه بضع قطرات فاستفاق قليلا ونظر الي نظرة عذبه صافيه وقال : شكرا لك فقلت: ما شكاتك ايها الاخ ؟ قال: لا اشكو شيئا فقلت : فهل مر بك زمن طويل على حالك هذه ؟؟ قال : لا اعلم , قلت: انت في حاجه الى طبيب فهل تأذن لي ان ادعوه اليك لينظر في امرك ؟؟ فتنهد طويلا و نظر الي نظرة دامعة وقال انما يبغى الطبيب من يؤثر الحياة على الموت , ثم اغمض عينيه و عاد الى ذهوله و استغراقه , فلم اجد بدآ من دعاء الطبيب رضي ام ابى , فدعوته فجاء , متأففا متذمرا يشكو – من حيث اني اسمع شكواه – ازعاجه من مرقده و تجشيمه خوض الازقة المظلمة في الليالي الباردة , لم احفل بتعريضه لأنني اعلم طريق الاعتذار اليه , فجس نبض الفتى المريض و همس في اذني قائلا : ان عايلك يا سيدي مشرف على الخطر و لا احسب ان حياته تطول كثيرا الا اذا كان في علم الله ما لا نعلم , و جلس ناحية يكتب ذلك الامر الذي يصدره الاطباء الى عمالهم الصيادلة ان يتقاضوا من عبيدهم المرضى ضريبة الحياة , ثم انصرف لشأنه بعدما اعتذرت اليه ذلك الاعتذار الذي يؤثره و يرضاه فأحضرت الدواء وقضيت بجانب الفتى المريض ليلة ليلاء ذاهلة النجم بعيدة ما بين الطرفين اسقيه الدواء مرة وابكي عليه اخرى حتى انبثق نور الفجر , فاستفاق و دار بعينيه حول فراشه حتى رآني فقال: انت هنا؟؟ قلت : نعم وارجو ان تكون احسن حالا من ذي قبل قال: ارجو ان اكون ذلك قلت : هل تأذن لي يا سيدي ان اسألك من انت ؟؟ و ما مقامك وحدك في هذا المكان ؟ و هل انت غريب في هذا البلد او انت من اهليه ؟ و هل تشكو داء ظاهرا ام هما باطنا فقال: اشكوهما معا قلت : فهل لك ان تحدثني بشأنك و تفضي اليه بهمك كما يفضي الصديق الى صديقه , فقد اصبحت معنيا بأمرك عنايتك بنفسك ؟ قال : هل تعدني بكتمان السر ان قسم الله لي الحياة , و بأمضاء وصيتي ان كانت الاخرى قلت : نعم قال : قد وثقت بوعدك فان من يحمل في صدره قلبا شريفا مثل قلبك لا يكون كاذبا و لا غادرا انا فلان ابن فلان , مات ابي منذ عهد بعيد و تركني في السادسة من عمري فقيرا معدما لا أملك من متاع الدنيا شيئا , فكفلني عمي فلان فكان خير الاعمام و أكرمهم و أوسعهم برا و أحسانا و أكثرهم عطفا و حنانا فقد انزلني منزلة لم ينزلها احد قبلي غير ابنته الصغيرة , وكانت في عمري او اصغر مني قليلا و كأنما سره ان يرى بجانبها اخا بعدما تمنى على الله ذلك زمنا طويلا فلم يدرك امنيته فعنى بي عنايته بها و أدخلنا المدرسة في يوم واحد فأنست بها انس الاخ بأخته , و احببتها حبا شديدا و وجدت في عشرتها من السعادة و الغبطة ما ذهب بتلك الغضناضة التي لا تزال تعاود نفسي بعد فقد ابوي من حين الى حين فكان لا يرانا الرائي ألا ذاهبين الى المدرسة او عائدين منها او لاعبين في فناء المنزل او مرتاضين في الحديقته او مجتمعين في غرفة المذاكرة او متحدثين في غرفة النوم حتى جاء وقت حجابها فلزمت خدرها و استمررت في دراستي و لقد عقد الود بين قلبي و قلبها عقدا لا يحله الا ريب المنون فكنت لا ارى لذة العيش الا بجوارها و لا ارى السعادة الا في فجر ابتساماتها ولا اؤثر على ساعة اقضيها بجانبها جميع لذات العيش و مسرات الحياة وما كنت أشاء ان ارى خصلة من خصال الخير في فتاة من أدب و ذكاء او حلم او رحمة او عفة او شرف او وفاء الا وجدتها فيها واني استطيع , وانا في هذه الظلمة الحالكة من الهموم و الاحزان ان ارى على البعد تلك الاجنحة النورانية البيضاء من السعادة التي كانت تضللنا معا ايام طفولتنا فتشرق لها نفسانا اشراق الراح في كأسها ,وان ارى تلك الحديقة الغناء التي كانت مراح لذاتنا و مسرح آمالنا و أحلامنا...
ردودكم الحلوة
:glb::glb::glb::glb::glb::glb::glb: | | | | |
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة تيتو كلاين فولبان ; 08-03-2013 الساعة 02:01 PM |