بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى = فنائِلُهُ بَدْءٌ ونَيْلُكَ مُنتَهى
قد أفنيتَ آمالي بجودِكَ والمُنى = وجودتني حتى غنيتُ عن الغِنى
وصيرتَني من بعدِ ما كنتُ واقفاً = أقولُ لدهري كلّما جاءَ ههنا
فودَّ نزارٌ لو يَسُرُّ ربيعةً = بأنّكَ أضجرتَ الأفاقِرَ باللُّها
وأنكَ لا تنفكُ تحت عَجاجَةٍ = تُقطَّعُ فيها المشرفيةَ بالطُلى
ثَنَتْها من الصخرِ السنابكُ فاغتدتْ = تَردُّ عن الفرسانِ عاديةَ الظُبى
إذا يئستْ عُقبانُها من خَصيلة = رفعتَ إليها الدارعينَ على القَنا
سيوفُكَ أمضى في النّفوسِ من الرّدى = وخوفُكَ أمضى من سيوفِكَ في العِدَى
وليلُكَ صُبْحٌ ما يَحولُ من الظُبى = وصُبحكَ ليلٌ ما يضيءُ من الثّرى
وأنتَ الذي لوْلاهُ ما عُرِفَ النّدى = ولا كانتِ الدُنْيا ولا خُلِقَ الوَرى
فتىً يتجافى لذةَ النومِ جفنُه = كأنّ لذيذَ النومِ في جَفنهِ قَذَى
أطرفُكَ شاكٍ أمْ سهادُكَ عاشِقٌ = يَغار على عينيكَ من سِنَةِ الكَرَى
ومن سهَرت في المكرُماتِ جُفونُهُ = رعَى طرْفُهُ في جوِّها أنجُمَ العُلا
وليس ينامُ القلبُ والجفْنُ ساهرٌ = ولا تغمُدُ العينانِ والقلبُ منتضى
ألا إنّ عينَ المرءِ عُنوانُ قَلبهِ = تُخبِّرُ عنْ أسْرارِهِ شاءَ أمْ أبى
رأيتُ كريماً يأكلُ الناسُ زادَهُ = إذا سَئِموا أزوادَهُ سَئِمَ الطّوَى
يَرى ما تَرى أبصارُهُمْ وهو مُطْرِقٌ= و ما لا تَرى أبصارُهُم عينُه تَرى
فقلتُ سحابٌ أسْتَظِلُّ بظِلّه = ولا امترى غيرَ المودةِ والهَوى
فلم أرَ عيشاً قبلَهُ متزهِّداً = ولا صادِياً قبلي يَفِرُّ منَ الحَيا
لرأيكَ سيفَ الدولةِ الهمُ دونَه ال = عزيمةُ والوعدُ الذي دونَهُ النّدى
فلا زلتَ تُبلى جِدّةَ الدّهْرِ باقياً=وتلبس أثْوابَ الحياةِ بِلا مَدَى
ابن نباتة السعدي