نم يا صغيري إنّ هذا المهدَ يحرسهُ الرجـــاء
من مقلةٍ سهرت لآلامٍ تثورُ مع المســــاء
فأصوغها لحناً مقاطعهُ تَأَجَّج في الدمـــاء
أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكـــاء
وأمد كفّي للسماء لأستحثّ خُطى السمـــاء
*****
نم لا تشاركنــي المـــرارةَ والمِحـــــن
فلسوف أُرضعـكَ الجــــراحَ مع اللبــــن
حتى أنال على يديكَ منىً وهبت لها الحيــــاة
يا من رأى الدنيا ولكن لن يرى فيها أبـــاه
*****
ستمرّ أعوامٍ طوالٍ في الأنينِ وفي العـذاب
وأراكَ يا ولدي قويّ الخطو موفـور الشبـاب
تأوي إلى أمٍّ محطّمـةٍ مُغَضـَّنَةِ الإهــاب
وهنا تسألني كثيراً عن أبيـك وكيف غــاب
هذا ســؤالٌ يا صغيري قــد أُعدّ لهُ الجــواب
*****
فلئــن حييتَ فسـوف أســردهُ عليــك
أو مُتَّ فانظـر من يُسـِرُّ به إليـــك
فإذا عرفت جريمـة الجاني وما اقترفت يـــداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئـاً من دمـــاه
*****
غدكَ الذي كنّا نؤمّلُ أن يُصــــاغ من الـــورود
نسجوه من نارٍ ومن ظُلمٍ تدجــّجَ بالحديـــد
فلكل مولودٍ مكـــانٌ بين أســــــرابِ العبيــــد
المسلمينَ ظهورهم للسوطِ في أيدي الجـنود
والزاكمينَ أُنوفهم بالتربِ من طول السجــــــود
*****
فلقــد ولــدتَ لكي تــــرى إذلال أمــّـــة
غفلت فعاشــت في دياجيــــر الملمـّــــة
مات الأبيُّ بها ولم نسمع بصوتٍ قد بكــــاه
وسعوا إلى الشاكي الحزين فألجموا بالرعبِ فـــاه
*****
أما حكايتنا فمن لونِ الحكايــاتِ القديمـــة
تلك التي يمضي بها التاريخ دامية أليمـــة
الحاكم الجبّار والبطش المُسلّح والجريمــــة
وشريعةٌ لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومــة
ما عاد في تنّورها لحضارةِ الإنسانِ قيمــة
*****
الحــــرُّ يعــــرفُ ما تُريــــد المحكمـــــة
وقُضاتــــُها سلفـــــــــاً قـد ارتشفــوا دمه
لا يرتجي دفعاً لبهتانٍ رمـــاهُ بهِ الطُغـــــاة
المجرمونَ الجالسونَ على كراسيّ القُضـــــاة
*****
حكموا بما شاءوا وسيقَ أبوكَ في أغلالــــه ِ
قد كانَ يرجو رحمـــةً للنــاسِ من جـــلّاده ِ
ما كان يرحمه الإلــــه يخون حب بـــلاده
لكنّهُ كيـد المُذلّ بجنـــدهِ وعتـــاده ِ
المُشتهي سفك الدمـــاء على ثـــــرى روّادهِ
*****
كذبوا وقالوا عـــن بطولتـــهِ خيانـــة
وأمامنا التقريــر ينطـق بالإدانــــة
هذا الذي قالوهُ عنهُ غداً يُردَّد عـن ســواه
ما دمت تبحث عن أبِيٍّ في البلاد ولا تــراه
*****
هو مشهدٌ من قصّةٍ حمراء في أرضٍ خصيبـــة
كُتبت وقائعها على جُدرٍ مضرّجةٍ رهيبــــة
قد شادها الطغيانَ أكفاناً لعزتنا السليبـــة
مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبـــة
والناس في صمتٍ وقد عقدت لسانهم المصيبـة
*****
حتى صدى الهمَسـات غشّـاهُ الوهــَـن
لا تنطقــوا إنّ الجـــدارَ لـــــه أُذن
وتخاذلوا والظالمون نعالهــم فوق الجبــاه
كشياه جزّارٍ وهل تستنكر الذبح الشيــــاه؟ ؟
*****
لا تُصغي يا ولــــدي إلى ما لفّقــوهُ وردّدوه
من أنّهم قاموا إلى الوطنِ السليب فحـرّروه
لو كان حقاً ذاك ما جاروا عليه وكبّلــــوه
ولِما رموا بالحُرّ في كهفِ العــــــذاب ليقتلــوه
ولِما مشوا بالحقِّ في وجهِ السلاح ليُخرســوه
*****
هذا الذي كتبـــوه مسمـــوم المـــذاق
لم يبقَ مسموعــــاً ســـوى صوت النفـــاق
صوت الذين يُقدّسونَ الفـــــردَ من دون الإلـــه
ويُسبّحونَ بحمدهِ ويُقدّمونَ لهُ الصـــلاة !!