" لحن الحياة " ( أبو القاسم الشابي ) لحن الحياة إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ ***** ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ: إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ... وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ ***** وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت: أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ? أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ! ***** وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ, لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ? فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ: يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ, ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ, تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ, وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ, وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ - لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ ***** ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ, وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً, مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ, وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـرْ? وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق? ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــرْ? وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ? وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــرْ? ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ! ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ! ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ, يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ! ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ, وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــرْ? هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ |
التعديل الأخير تم بواسطة ǻ ץ Ł ı ļ ● ; 08-07-2013 الساعة 10:31 PM |