الجزء السابع عشر/ عواصف متعبة ! لقد رأت بعينيه الرماديتين أمراً مقلقاً خفياً , لكنها لن تعرف قط أن بقيت جامدة هكذا لن تنطق , انتظرت "أليكسس" ليأتي هل كان عليه أن ينسى رمز جيشه الخاص !. و لكن لم يفعل هذا على أية حال , ستثنيه عن دخول المعارك ..
جلس اللورد ذا العباءة السوداء على أريكة فردية مقابلا لها , و تحدث أخيراً بعد الصمت الثقيل الذي أطبق يخنق الدقائق الطويلة :
_ قلتِ بأن جدك يدعى ستيلار , يا سيدتي . لكنك تحملين لقب بيوتاليس !.
أومأت أنابيلآ و قلبها يدق ضارباً ضلوعها من شدة توترها , مالذي يخفيه هذا الفارس أو اللورد مهما كان .
دخل خادم ما يحمل كؤوساً من العصير و وزعها بهدوء شديد , ثم غادر في لحظة دخول أليكسس وقد بدل ثيابه لملابس أكثر عملية و قد تقلد بسيفه أيضاً!
تحدث بهدوء وهو يقترب من حيث يجلسون : آمل أنك لم تكن ثقيل الظل إلى أنابيلآ , فهي متعبة كفاية.
أخذ بيده كأس العصير الخاص به ثم جلس بهدوء على الأريكة التي تجانب أريكتها , رد "دايمنـد" ببطء هادئ و نظرة عميقة إلى الأميرة : أخشى أن بالأخبار المؤكدة التي أحملها .. ربما تكون ثقيلة الوقع , لكنها اراحتني في الواقع !
أخذت الأميرة تتنفس بصعوبة وهي تترقب .. بينما ضاق جبين أليكسس و قال بضيق واضح : أرجوك دايمنـد جد أسلوباً هادئاً للحديث .. لا تتحدث بشكل مباشر.!
رد دايمنـد ببرود : آني آمل أن يكون خبراً طيباً , لا يمكنكما القلق بهذا الشكل .
فجأة تحدثت أنابيلآ بصوتها الناعم لكن المتوتر : أبدأ بأي شيء سيدي , أنك تذكر اسمي كثيراً .. هو شيء متعلق بعائلتي صحيح , تحدث أرجوك.
تنهد دآيمنـد بينما أليكسس يرمق أنابيلآ بنظرات قلقة متشككة .. قد تنهار بأي شيء , لأن روحها تعبت بما فيه الكفاية .
_ أنكِ .. , لست ما تظنين , أنت لست ابنة ذلك الرجل المدعو كورس الذي يلقبونه بالملك , والدك الحقيقي توفي و أمك حاملاً بك , ثم أخذها الملك الجائر إلى جواريه و عينها الملكة لأنكم أسرة عريقة نبيلة الأصل حقا .. و تلقبون بـ كماندر والدك اللورد ساينر و جدك حقاً هو الدوق ستيلآر , أعرفكم بسبب المخطوطات الكثيرة التي خطها والدي عن أخلاص عائلتك و صدق صداقتكم له .. إذن ذلك الرجل اللعين الذي يلاحقك و يعذبك لم يكن والدك أيتها الأميرة .. والديك توفيا عائلتك تدمرت بسببه لم يبقى سوى وريثها الوحيد هو أنت...
نهضت غير قادرة على التحمل , مالذي يقوله ؟! , مالذي تسمعه ! , هذا غير حقيقي ! , أهذا حقيقي...؟!
تهدج صوتها مرتجفاً : لم يكن !... أعنى هو قال لي.... أن اسم جدي ... كان...
_ أنابيلآ أرجوك... أهدئي...
وقف معها أليكسس بقلق خائفاً أن تسقط مغشيا عليها لما بدا عليها من شحوب شديد و لمعان الدموع بعينيها و ارتجاف شفتيها.
تحدث دآيمنـد بنفس الهدوء وهو لا يزال مسترخٍ بمقعده : هذا صعب و أنت كبرت هكذا على كذبة منحوتة بعقلك , أتفهم هذا يا أميرة ... ولكن...
_ لستُ أميرة !! كما تقول أنت !! كما تقول أنني أنا في وضع خاطئ من البداية .. منذ أن تربيت و كبرت أنا... !!..
أجلسها أليكسس واضعاً يديه بإحكام على كتفيها , ثم التفت إلى صديقه و قال بحده : ألم أقل تحدث برفق ! أتريد الشجار معي ! , أنك تصدمها , ثم أظهر دليلاً و أبدأ بهدوء , أنني نفسي لا أصدق !.
تنهد اللورد و نهض واقفاً ليتقدم منهما خطوتين ثم قال : والدي صنع هدية من سوارين مرصعين منقوشين بمهارة بيده لأنه كان صائغا أيضاً , واحدةٌ لأمي و واحدة أهديت لوالدتك صديقة أمي.. و هذه هي بمعصمك يا سيدتي .. و منقوش عليها الحرف الأول من اسماء أمهاتنا معاً .. و الأسورة الثانية أملكها لدي لكنها بالقصر الآن لو كنت أعلم بوجودك لجلبتها معي ..
حدقت به بعيون ذهبية لآمعة واسعة , ثم رمشت كثيراً وهي تخفض بصرها ليدها .. الأسورة التي كادت تبيعها عندما مرت بالصعاب !!
نزعتها ببطء ثم أخذت تتأملها بدهشة و رأت أخيراً نقش ناعم رقيق صغير في بطن الأسورة , حرفين " ر , س "
همس دآيمند بهدوء : والدتي تدعى رولينا .. و اسم والدتك سليفيا يا أيتها النبيلة.
مؤكد بأن كلآمه صحيح , لكنها سألت بجمود : أخبرني بأي سنة صنعت إذن !
_ قبل عشرون عاماً تماماً .. لقد نقش التاريخ أيضاً .
نظرت الى التاريخ المنقوش , آوه أنه محق .. محق جداً ... رفعت عينين دامعتين نحو أليكسس , ثم نظرت إليه و قالت بصوت باكٍ شاهق : إذن .. ظننت بأني .. قد أرى الرحمة منه ... و لكنه... لم يكن والدي حتى ... طوال الوقت .. طوال الوقت أعرفه كـ والدي ... كنت أصبر كثيراً .. و أترقب ... حنانه ... ربما... يوما ما.... ربما.... آآه ..
كان يحاول بيعها كسلعة رخيصة , لم تكن هي شيئا منذ البداية...! منذ البداية لم يكن هنالك أمل...!
_ هشش آنابيلآ ..
حاول أليكسس أن يهدئها , لكنها انفجرت بالبكاء غير قادرة على التماسك , مسح برقه على كتفها و رمق رفيقه بنظرات حارقة , ضاق جبين دآيمند و عبس , ثم فتح فمه لينطق ..
_ لا تتحدث أكثر " قاطعه الأمير ببرود يخفي حدة عينيه
غضب دآيمنـد قليلا ثم قال ببرود : حسنا هذا مؤلم و متأخر جداً قصة قديمة جداً حكاها لي الحكيم فلآيز , لكن ليس لي ذنب أيضاً فلم أكن أعرفك ربما عشت بمكان ما بخير ... لكن الشكر لله أن من ينوي أليكسس قتله هو ليس بوالدك الحقيقي .. أليس كذلك أيها الأمير ؟!
كشر أليكسس بوجهه وكاد ينطق , لكن أنابيلآ رفعت رأسها وهي تمسح عينيها قالت موجة كلآمها لـ اللورد :
_ بالفعل , كان... آه متأخراً.. لكن شكراً لك يا سيدي.. لا أظنني سأصدم بأي شيء بعد الآن..
رقت نظرة دآيمنـد إليها , بينما وجه أليكسس شاحباً متجهماً , قال اللورد وهو يرمق الأمير من طرف عينه :
_ حسنا أظن بأنني سأخرج الآن لدي الكثير من المشاغل , آسف لألمك سيدتي , و متأكد بأن الوضع سيصبح أفضل , أليس كذلك أليكسس ؟!.
رد أليكسس ببرود : بالطبع .. أتريد من الحراس مرافقتك ؟!
_ لا , أشكرك . أرجوك أن تهدأ أنت أيضاً ..
ثم همس له , بينما أنابيلآ منشغلة بمسح دموعها من على خديها : لأنني و سيدتك الرقيقة نملك شيئا مشتركاً نحن نبلاء , لا أدري لما هذه النظرات المميتة تظهر منك .. لكني كنت حلقة جيدة أليس كذلك ^^؟!
_ دآيمند عندما أطلب منك أن تكون مباشراً فأنت تفعل العكس , هلا خرجت الآن قبل أن أركل ساقك !
_ رويدك ها أنا خارج , أتمنى أن تشعر بالألم من دوني...!
_ أنا لن أفقدك أنت أيضاً , كن حذراً بطريقك ..!
_ أنت ستذهب الى الملك قريباً من أجلي , أليس كذلك ؟!
_ تبدو مزهواً بكونك تثير الفوضى هناك , لكني سأحاول من أجلك أن أرى بلاطه المتعفن كما تقول !.
ألتمعت عيون اللورد الرمادية وهو يهمس بجدية : لا أريدكما أنت و برآيس مكشوفين , لا يجب أن تتعرضا للخطر!
تنهد أليكسس هامساً : اطمئن لن أخاطر بنفسي من أجلك !
_ تعجبني روحك الجدية حقاً , و أنا أيضا لن أخاطر عندما تبدأ نيران معركتك بالاشتعال !
و خرج دآيمنـد تعلوه ابتسامة رضى , بينما عاد أليكسس للجلوس بجانبها مراقباً ملامحها التي هدأت شيئا فشيئاً ..
شعرت بجموده المتوتر قربها فالتفتت نحوه راسمة ابتسامة شاحبة وهمست : تبدوان مقربين جداً .
تبسم لها بعمق و رد بهدوء : أجل , لكنه يحب أن يثير الفوضى .. آسف لتلك الحقيقة .
ردت طارفة بعينيها برقة : لا بأس علي .. الجراح تشفى غالباً..
توترت قليلا من عينيه الزرقاوين اللتين لا تطرفان , كادت أن تنطق مجدداً , لكنه أوقفها وهو يمسك بيدها بهدوء :
_ تظاهري كيفما تشائين أنابيلآ .. لكن ... ليس أمامي أرجوك , لقد فقدتُ ثقتك لكني أود استرجاعها...
نظرت ليده و صدمت لوجود الخاتم حتى الآن , فحاولت سحب يدها , لكنه تمسك بها قائلا بضيق : آها , شيء ما طرأ بعقلك , أخبريني مالأمر ؟! لن أعرف شيئا أن بقيت تتصرفين بصمت و حدة هكذا... أرجوك..
ردت بضيق وهي تشيح ببصرها عنه : و لن أسمح بأن تعرف , هذا مؤلم , لكني احاول جمع ذرات كبريائي المنثور...
رفع يدها إليه و قبلها بصمت فالتفتت نحوه بوجه متوهج , قالت وهي تسحب يدها بعدما تركها : لا تفعل هذا , كما أنك متزوج !
رفع رأسه و ضاقت عيناه , ثم تدارك الأمر , قال بعبوس : لستُ متزوجاً .. لقد قطعت زواجي و فررت هارباً كجبان يلاحقه شبح الموت !
فتح فمها صدمة , أهو يمازحها , لكن .. تذكرت حديثهما قبل أن تدلف القاعة ! أنه صادق !...
قالت بضيق بينما هو شارد الذهن و عابس : أنظر للخاتم الذي بيدك..
نظر نحوها و قال وهو يتأمل الخاتم : آه ..أنه هدية من أمي , لقد اهدتني أياه في الفترة الأخيرة ..
اخفى بصعوبة ابتسامة وهو يقول لها متأملا وجهها المشتعل أحمراراً : أنه ليس خاتم زواجي أنابيلآ .. آسف لأرباكك هكذا !
شهقت صدمة وهي تكاد تبكي غضباً , كان يجب أن تصفعه و طوال الوقت وهي هكذا معه وهو لم يوضح الأمر ثم لم يضع خاتماً هدية بأصبع يده اليسرى !! هذا معروف للمتزوجين فقط هنا ! أهو أحمق أيضاً..
سألت بعيون ذهبية واسعة ومصدومة : و لماذا قطعت زواجك ؟! أأنت بوعيك أليكسس ؟!
تململ و نزع عينيه بصعوبة عن عينيها لينظر بعيداً جداً , تمتم كاذبا ببرود : لأني غير مرتاح ..!
_ هل تود تدمير سمعتك كـ أمير ! ملك المستقبل ؟!
لم تفهم لم هو عابس هكذا , قال ببرود : أنا أفعل ما أشاء !. لدي أمور أهم...
حركت رأسها استنكاراً و اسعدها وجود شيء غامض يبعدها عن صدمة اليوم .. فتحت فمها لتقول : لكن مـ...
دخل حارس يرتدي ملابس مميزة مختلفة و انحنى وهو يمد بالرسالة بينما أليكسس يقف
_ سيدي ! , أنها رسالة متعجلة من حاكم الشرق الملك ..
همس أليكسس بتعجب وهو يستلمها : ليلياك ؟!.. لكن أود الاجتماع به من قبل... أرجو أن يكون خبراً جيداً...
غادر الحارس و التفت الأمير نحو أنابيلآ التي تنظر نحوه بهدوء غريب بها , قال محاولاً الابتسام : آه , يجب أن أجلس قليلاً بمكتبتي كي أرى هذه الرسالة .. أستكونين بخير , أم ما رأيك أن تجلسي معي هناك ...!
نهضت بهدوء و هي تقول بابتسامة شاحبة : لا أريد ازعاجك , أريد أن أتمشى وحدي قليلاً ..
نظر نحوها أليكسس وكاد يتحدث لكنها خرجت لوحدها بالفعل ..
راقبها من الشرفات وهي تجلس بالحديقة و الشمس تشرق ببطء وقد وضع الرسالة جانباً لم يفتحها .. كانت هادئة و جامدة لا تتحرك بينما رأسها ملتف ينظر إلى أحواض الأزهار الصغيرة , لم يستطع رؤية ملامحها و عينيها , عينيها الذهبيتين الساحرتين التي يجذبانه حتى الغرق بعسلهما , ضاقت به أرضه .. فنهض و ذهب الى شرفة أخرى تطل على منظر وجهها الأخاذ.. .
و أطل من تلك الشرفة ليرى عينيها , لكن صدم لرؤية خطوط الدموع الصامتة تسيل بلا توقف من عينيها اللامعتين .. لم ينتظر هبط من سلم الشرفة بسرعة , كم هو أحمق , فلا يجب أن يتركها حتى ان قالت أريد أن أكون لوحدي .. فهي لا يجب أن تكون وحيدة أبداً بعد كل ما حدث ..
بقيت جامدة لا يتحرك بها أي شيء حتى مقلتيها , سوى الدموع الحارة واحدة تلحق الأخرى , لقد عاشت على كذبة و طاردتها هذه الكذبة طويلا حتى كادت تموت , ثم كذبة آخرى نبعت من قلبها و طاردتها حتى أرادت أن تموت ..
لكن قلبها صدق بشيء واحد .. أن حبها لـ أليكسس لن يتغير بل سيزداد عمقاً .. و ما عساها تفعل.. |