بعيداً عن ضجيج الحفل و سطوع الأضواء الذهبية القوية , ركنٍ لغرفةٍ هادئة صَامتة , نهض الرجل على قدميه مدهوشاً ومحدقا بالشخصين الواقفين خلف الأميرة " غاردينيا " ..
قال هو بهدوء شديد و نظر مركز على الشخصين : أهلا , بما أخدمكم أسيادي ؟!.
تبسمت الاميرة غاردينيا بهدوء : إن هذا اللورد والأميرة يريدان الحديث معك , وقد أتيا خصيصاً لرؤيتك سعادة المستشار !.
أومأ "برآيس" موافقاً : بالطـبع .
_ إذن اعذروني سأخرج قليلاً .
تبسمت لهم غاردينيا و خرجت , بينما تقدمت الأميرة وهي تنزع الغطاء عن شعرها و من خلفها تقدم سيدريك .. تعرف من تكون مباشرة , فـ الأميرة مارسيلين دونسـآر معروفة أكثر من غيرها , بينما هو يعرف تماما من يكون .. "سيدريك لاندار" .
تحدث برآيس وهو يقف بأدب : أرجوكما أن تجلسا , سمو الأميرة , أيها اللورد.
ترددت الاميرة قليلا , ثم جلست ,بينما تقدم سيدريك خطوات قليلة ثم قال بصوته العميق الهادئ : نحن قدمنا من أجل معلومات مهمة عن جماعة قتلة تحاول الغدر بالملك و اسقاط المملكة بأكملها .. و لقد حاولوا بالفعل اختطاف الأميرة يا سيدي , هل يمكنك أخبارنا بأي معلومات عن جماعة "كريستيس" ؟!
فهم "برآيس" ما يجري , فقال بهدوء و لطف: أولاً حمدا لله على سلامتك سمو الأميرة , و أنا سأبذل كل جهدي لمعرفة ما يكونون و أين موقعهم و ما مقدار قوتهم أيضاً .
شكرته الأميرة بسعادة : آوه أشكرك جداً يا سيد برآيس .
تبسم بعمق ثم سألها : هل قابلتهم من قبل ؟! , هل لاحظتِ أي علامة مميزة بهم أو سمعت اسم شخص منهم ؟!.
فكرت الأميرة بعمق و حاولت التذكر , لكنهم كانوا يرتدون الاسود .. قالت بيأس : لا اتذكر شيئا مميزاً .. فقط مسماهم ..
ابتسم لها راداً : آوه هذا ممتاز جداً , لقد كشفوا عن انفسهم ,و سنجدهم سريعاً , أني سأتحرى عنهم ببعض رجالي .. لكن ما كان آخر موقع لهم , إن تتذكرين ؟!
فكرت مارسيلين ببؤس , كانت بكوخ وسط الغابة و قد غابت عن الوعي فترة ما .. لكنها خرجت قرب منتصف الليل و كانت هناك حتى وقت متأخر جداً .. ولكنها أرادت الاتجاة إلى الشرق ..
أخبرته بهذا و بقي هو بعض الوقت صامتاً يقلب بلفافات من الورق أمامه .. تمتم بلطف بعد دقيقة :
_ يجب أن يكون بيننا تواصل دائم , أنت ماكثة هنا سموك ؟!
احمرت خجلاً جميلا وهي لن تصرح أبداً أين تقيم , لكنها أومأت بهدوء برأسها , تبسم المستشار بحنان و قال
_ : إن استجد شيئا ما سأبعث برسولي إلى اللورد سيدريك , أنك ترافقها أليس كذلك سيدي ؟!.
تكلم سيدريك بصوته العميق الهادئ : أجل سعادة المستشار , أرجو أن تخبرني بهذا . سنكون بالانتظار و لكنني بهذا الوقت أنا الحارس الخاص بالأميرة و سنبقى هنا بحدود المملكة .. في القرية الشرقية.
أومأ المستشار قائلاً : بالطبع , سأسجل أنا كل المعلومات التي قلتموها و ثقوا بي سأعرف هؤلاء فوراً و نحن حلفائكم ما يهددكم يهدننا أيضاً .. أرجوكم أن تذهبوا للاستمتاع بالحفلة الآن...
شكرته مارسيلين بارتياح شديد .. لكن سيدريك تحدث : يجب أن يبقى هذا سرياً سيدي , بيننا فقط !.
ظهرت ابتسامة غامضة على محيا المستشار وهو يهز رأسه هامساً : بالتأكيد أيها اللورد.
حدقت الأميرة بالحارس قليلاً , لقد ذكر الوزير ربما عن كون سيدريك قائداً للقوات فترة ما .. ولكن لم ترك مهمته هذه و أصبح مجرد حارس لها .. شكت بأنها أن سألته سيجيب مباشرة !. هل تعود لتطلب من المستشار الذي من الواضح أنه يعرف سيدريك أن يخبرها شيئا عنه أيضاً...
*****
أتى اليوم الثاني للأميرات , مشرقاً بهدوء و الرياح ناعمة أيضاً تسير ببطء ماسةً أطراف السهول المستوية و مداعبة الشجيرات برفق , حتى العصافير على الأغصان و الحيوانات تبدو هادئة متكاسلة في أماكنها , بينما يسمع صوت خرير الجدول الصغير من أول الغابة ...
يبدو الجو هادئا بنحو مريب خافت , و كأن شيئا ما متوشح برداء أسود يخفي الخطر و يسير بهدوء..
تربعت الأميرة الشقراء الجميلة وسط غرفتها المقفلة وبحجرها الصندوق المكعب الصغير وهي تديره تارة و تحاول أن تضغط عليه تارة أخرى لعله يفتح بأس شكل كان ..
عبست و قطب جبينها الندي
_ لقد آلم يدي و لم يفتح منه أي شيء ! .. ما هذا حقاً ! أتمنى أن تحوي شيئا ثميناً إذن بعد كل هذا العناء ><!
طرق الباب مرة أخرى , فهتفت الأميرة بضجر : قلت بأني أريد البقاء وحدي !!
لكن أتى صوت الخادمة المتوتر : يا مولاتي .. أن الملك يطلب رؤيتك منذ الصباح , أنه يرغب برؤيتك حالاً .. أرجوك أخرجي... أرجوك !
نهضت الأميرة غاردينيا رغما عنها فوالدها عنيد و قد يأتي شخصيا أن رفضت مجدداً , أخفت الصندوق تحت اغطية سريرها , ثم رتبت نفسها و خرجت , كان الملك يرغب برؤيتها و التحدث معها و مداعبتها قليلا, ثم تمشيا بالحديقة وهو يسألها عن صحتها أن كانت تشعر بأي سؤ .. لكنها كانت بصحة ممتازة .. و هذا بفضل الدواء الغامض الذي تخفيه !
نظرت للسماء فوجدت الغيوم تتجمع قليلا .. قال الملك وقد لاحظ نظرتها : لهذا الأجواء تبدو هادئة جدا اليوم .
_ آه ماذا تعني أبي ؟!.
_ هنالك عاصفة قادمة الليلة .. أريد منك البقاء بغرفتك بدفء و أمان و سآتي للاطمئنان عليك بالطبع.
تبسمت غاردينيا قائلة : آوه العواصف لا تخيفني كثيراً .
و هي تتذكر عاصفة مريعة قد مرت بها في قصر قابعٍ بالمجهول مع فارس الظلام سيء الطباع حتى وهو مصاب بشكل خطير ... فتبسمت لهذه الذكرى و أحمرت وجنتيها .. كانت ليلة مريعة اتخذت بها قرار لن يتخذه أي مجنون !!..
_ مالذي تتبسمين لأجله حبيبتي؟!
نظر نحوها والدها بفضول و ابتسام , فردت خجلة : آه , لا شيء .. فقط أود أن نشرب معاً شيئا دافئاً هذه الليلة .
ضم يديها بين يديه موافقاً ثم انحنى مقبلاً رأسها , : بالطبع حبيبتي .. بالطبع..
../ و حان المساء سريعاً و بدأت غاردينيا تسمع صوت الرياح يتخبط في الأورقه و الأبراج .. الجميع أوصدوا كل الأبواب و جمعوا كل الأشياء للداخل , بينما الملك بأحد اجتماعاته مع وزراءه في القاعات الداخلية , أخذت غاردينيا تتمشى وهي تفكر .. كان عليها أن ترى المستشار برآيس و تطمئن على أحوال "مارسيلين" أكثر .. لكن بما أنه يصطحبها ذلك الحارس الغامض الجميل المفتول العضلات فلا خوف عليها , يجب أن تراها قريباً و أن تتحدثا كثيراً ..
توقفت عن السير و نظرت حول نفسها , أنها بممر طويل في الطابق الثاني يؤدي الى البرج الجنوبي .. المكان خالٍ , لكن لفتها صوت خبطٍ في الخارج , ربما شيء ما سقط من مكان عالي بسبب الرياح , أنها لم تبدأ تمطر بعد ..
اسرعت لأقرب نافذة و فتحت الجزء المعدني و حدقت من خلف الزجاج .. رأت الغابة و خلف الغابة ... توسعت عينيها .. الشيء العالي هناك .. أهو برج ؟! ... لكنه ليس برجاً تابعاً للقصر .. أنه وحيد بعيد قليلا ..!
برج داكن بعيد لم يكن عالياً جداً .. بعلو ثلاث أو أربعة أدوار , ظلت تحدق به , لم أره من قبل .. ما هذه الجهة .. الجنوبية , آوه لزمتها الحيرة قليلا.. لكن سمعت صوتاً صهيل حصان نقل الريح صوته إلى هنا .. رأت حصاناً أسوداً ضخما مسرجاً بأشياء سوداء... و عرفته و كيف لم تعرفه ... ضربت صاعقة ما في الجو و كذلك قلبها و كأن صاعقة ضربته !!!
دآيمنــد ... ! هناك ..!
لكن مالذي يفعله ؟! عند البـر..... و توالت الأفكار سريعا كوقع المطر الذي هبط خارجاً .. الصندوق , البرج , الرسالة , و البحيرة .. إن كانت هناك في الغابة بحيرة... فالحلول ستبدأ من هناك .. و ستعرف الآن...
ركضت لغرفتها , وضعت رداءا جلديا عليها و دست الصندوق معها و الرسالة , ثم اسرعت تهبط الدرجات .. اختفت عن انظار الخدم و الحراس فهم مشغولين بحماية القصر من العاصفة , انسلت هي ببساطة خارجاً .. أحد البوابات لم تقف جيدا فانسلت منها و ضرب المطر القوي و الرياح الشديدة وجهها و كادت تقلعها من قدميها , لكنها ثبتت أكثر و اسرعت الى البرج ..
ما أن تدخله ستكون بخير .. أنه برج آمن .. لكن .. دايمنـد أهو هناك ؟! , ربما لا .. و ربما نعم لكنه .. فكرت بقلق , هذه فرصة أن تسلمه الرسالة التي باسم والده .. حسنا لن يقتلها على الأقل...
تعثرت بطريقها و زلقت بسبب الأوحال لكنها وقفت سريعاً قبل أن تغمر تماماً و تتبلل أكثر من هذا ... كادت تسقط وسط البحيرة الصغيرة التي وجدتها أمام البرج تماماً ... و شهقت قائلة : هذه هي ... بحيرة القمر... هل كانت هنا المعركة ؟!.
فجأة ضربت صاعقة قوية و اشتدت الرياح لتقتلع الجذور و الصخور , هدر صوت مخيف من الأعلى فحدقت مصدومة عالياً نحو جزء من صخور البرج انهارت إليها كالموت السريع..!!
صرخت برعب بينما شيء يصطدم بها بقوة و يرتميان بعيداً عن الانهيار المميت .. شعرت بالألم في أنحاء جسدها و بالثقل وشيئا ما لطيف تحت رأسها و جسد أسود يطل عليها و ارتفع ثم بالكاد حركت عينيها لتقابل عينين رماديتين غاضبتين في ظلام الجو !!
اتخذت ثوان حتى تفهم ما حدث , كادت تموت لكن دآيمند انقذها ... و للمرة ال... توقفت عن العد عندما هدر بها وهو يبتعد
_ لا أعلم أي شيطان أخرجك من غرفتك , لكني أود لو اقطعك الآن !!
فكرت بألم قدمها التي ألتوت ربما , أنه هو الشيطان الذي خرجت ! لكن هي ليست مرتعبة لرؤيته , في الواقع ... أحمرت خجلاً وسط البرد والمطر و الظلام و الألم... بينما قلبها المجنون يتألم بنبضاته صورته تتعلق بعقلها دائما .. مهما كان الوضع ...!
_ هات يدك . تبا , بدأت أكره العواصف بسببك !
قالت بصوت يرتجف من أسباب كثيرة وهي جالسة وسط الأوحال و البلل : لا .. اسـ .. استطيع , قدمي... آه مؤلم...
كان يحدق بها و ظله الكبير فوقها , انحنى و انفاسه الدافئة تتسرب بين البرودة : سوف تموتين أقسم بهذا , لكن لا أدري أي حظ تملكين ..
شعرت بشيء من الزهو والفرح لأنه أراحها و حملها بين ذراعيه القوية وهو يلف عباءته فوق رأسها
_ أنت مبلله بالكامل ! , سأٌقتلك بيدي إلا ان تخبريني مالذي أخرجك و الويل لك إن كذبت سأعرف هذا...
بينما قلبها لا يزال مجنوناً بنبضه , شعرت بالرغبة في البكاء , دآيمند بعيد كما السماء .. و هائجا مخيفا كالعواصف..
دخلا البرج القديم النصف متهدم لكنه قد يحمي قليلا من الرياح و المطر , وضعها على منضدة منخفضة و ألقى على وجهها كامل عبائته بعدما نزعها من كتفيه , اشتمت عبقه الخفيف وشعرت بدفئ جسده القوي ..!!
رأته أشعل النيران بالمدفئة , ثم التفت نحوها , بملابس سوداء كلياً سيف بحزامه و خنجر مربوط بفخذه , كان طويلا و الظلال تعطيه منظرا مقلقاً قليلاً ...لكن عينيه الرماديتين كانتا هادئتين قليلا ..
نزع قفازيه الأسودين الطويلين و عقد ذراعيه يحدق بها بعيون ضيقه منتظره , ابتلعت ريقها بالكاد ثم تحدثت بتوتر :
_ آوه مالذي تفعله هنا ؟! لقد رأيتـ...
قاطعها ببرود : هذا ليس من شأنك , لكن هل خرجتِ لأنك رأيتني فقط ؟!
شعرت بوجهها يحترق , كيف يقول هذا مباشرة هكذا .. هذا الرجل ! , ردت بسرعة : رأيت حصانك .. آعني و...
قاطعها مجدداً : مهما يكن .. أتسأل أين ذهب عقلك ! , لما خرجت في هذا الظرف ! أنت مريضة و سوف تموتين سريعاً ..
آه كم هو قاس كلامه !! , دائما يذكر موتها ! و كأنه يأمل بهذا . همهمت ببرود : حسنا .. كانت هناك تساؤلات بعقلي... و أني أسعى خلف أمور أهتم بها حقاً .. أموري السرية !.
رفع أحد حاجبيه بسخرية , ثم ببرود : و أمورك السرية تتضمنني !, أؤكد لك بأنك لن تصلي لشيء .. أعرف أنك تحاولين حشر أنفك الصغير هذا بأمور الكبار , لم تفلحي مع والدك فأخذت تبحثين عني !.
أحمرت كثيراً و توترت , أنه يستنتج سريعاً , هذا مربك .. قالت غاردينيا بخجل غلبها : آه .. حسنا .. لدي .. آه لدي....
و اخذت تفتش قليلا في ثوبها , أين الصندوق...؟! قالت برعب .. لقد فقدته !!! ربما عندما وقعت !!
_ أتبحثين عن هذا ؟!.
نظرت نحوه بصدمة !!... كان الصندوق المكعب الصغير بيده التي يرفعها قليلا... مال برأسه وهو يقلب الصندوق بين يديه ثم نظر نحوها و قال ببرود : هذا الشيء ينتمي إلي , لقد آلمني عندما سقطنا معاً , سأبقيه معي...
شعرت بالغضب .. هي تريد فك سر هذا الشيء .. قالت : لكنني أنا من وجدته ! لقد تعبت حتى وجدته . أعلم بأنه ينتمي إليك , لكنه كان بحوزتنا مؤكد بأن هنالك سبب ونحن جزء من هذا السر..
رد دآيمنـد بكسل : لن يمكنكم فتحه , أنه فقط خاص بالوريث الأخير وهو أنا !.
زفرت بضيق فالفضول ينهش بداخلها و رغم الدوار الذي انتابها .. لكنها تذكرت الرسالة , فقالت بعيون ماكرة : حسنا أيها المغتر بنفسه , لدي شيء آخر ولكنه لا يخصك فقط .. بل له علاقة بشخص آخر لا أعلم من هو... المرسل و هكذا .. كما أنني أعلم بأن هذا برج بحيرة القمر .. لكن لا شيء كثير...
تغيرت نظرة دآيمنـد للحدة و الخطر , قال وهو ثابت بمكانه قرب المدفئة القديمة : أهي رسالة ؟!. هاتها !
بدأ يتأمر ! .. هزت كتفها وهي تتمايل بجلستها قالت تتصنع الضجر : لا أدري , لكنها كانت موجهة للسيد مارسيز .. وذكر بها معركة ما...
اقترب منها دآيمنـد خطوتين سريعتين ففزعت , و ضرب البرق فجأة مع صبيب المطر المتواصل جعل عيناه كون البرق الحاد .. قال بعبوس : هاتها !
قالت كاذبة : آه ربما فقدتها ..
_ غاردينيا ستتأذين حقاً أن حاولت اللعب ..!
كشرت بوجهه القريب قائلة : لا يمكن أن أتأذى أكثر من ذلك !
وقد وقعت بحبه بالفعل , هذه صدمة لها , لكنها لم تستعد بعد .. ألم يكن هناك أحد غيره , بأساً !! لا شك .. لا شك بأنه شعور كاذب.. حدثت نفسها بخوف !!
قرب وجهه فجأة منها قائلا بنعومة خافتة : أعلم أين تخبئينها , لكني أتساءل , مالذي تريدينه مني مقابل هذا , يا أميرة ؟!.
شعرت بأن قلبها يدق في أذنيها كالطبول نبرته هذه , وهي غارقة بعينيه المعدنيتين اللامعتين حتى في الظلمة و انفاسه الساخنة القريبة , لا يدري مالذي يسببه لها .. درات بها الأجواء و انتفضت بموجة ألم اصطدمت بصدرها .. لتقع جانباً مغمضة عينيها بألم و النجوم تتساقط في عقلها و بين جفنيها !!
_ آه ماذا بك الآن ؟!.
أخذت تتنفس بصعوبة غريبة , و الدموع بدأت تحرق عينيها , مالذي يجري لي...! فكرت بألم هل أكلت الدواء اليوم ... لا ... ليس المرض هو السبب ربما ...
_ .. أنظري لنفسك , لقد نسيت أنك مبلله بالكامل .. تعالي إلى هنا !
حملها بذراع واحدة من على المنضدة المنخفضة الى قرب المدفئة وهو يتمتم بغيض : كل هذا بسبب ثرثرتك و محاولة ازعاجي ! لكن أنظري كيف انتهى بك الأمر .. يجب ان تنزعي ملابسك المبللة هذه و إلا لن تفيقي إلا في السماء !
صرخت برعب : ابتعد عني !.
ابعد يده عنها قليلا مندهشاً وهو يرى انفاسها تتسارع , كانت صريعة ملتوية هكذا أمامه ببساطة ترتجف و تتنفس بسرعة و وجهها يشحب أكثر و أكثر , لقد ضربتها الحمى بالفعل بقسوة ..
شيئا ما , لم تعجبه أبداً كلمتها تلك !!... انحنى قليلا فوق رأسها , همس بضيق : تماسكِ قليلا...
تلفت حوله لقد ترك حصانه في الجزء الخلفي , و هذا البرج قديم و قد ينهار فوق رؤوسهم إن استمرت العاصفة بقوة هكذا , صعد الدرجات إلى أعلى البرج حيث الاجزاء المتهدمة الخطرة , بحث في الصناديق القديمة و وجد الأقمشة , ثم هبط إليها ..
_ هآي اهدئي قليلاً... سأجلب الحصان لأعيدك للقصر...
نزع عباءته التي اصبحت باردة ثم عبائتها المثلجة أيضا , و لف فوقها كل الأقمشة و الملابس القديمة الجافة التي وجدها , نهض واقفاً وهو يتمتم : سأجلب الحصان ..
لكن فجأة قبضت على قدمه قبضتها الصغيرة وهي تتنفس : لا تتركني وحدي..
انسدلت رموشه قليلا وهمس وهو ينحني مجدداً ليحملها : لا تزالين تدفعينني الى حافة الجنون , غاردين..
حاول تغطيتها تماماً و ركض بها بسرعة الى حيث يقف حصانه , قفز فوقه و ثبت جيداً بالرغم من بلل ثيابه وقد ترك عباءته في البرج , انطلق سريعاً في هذا الظرف السيء و وسط السيول التي بدأت تجري بقوة , لكن بمهارته الشديدة و قوة حصانه الضخم استطاع بالفعل تخطي اسوار القصر , لكن حارساً ما ركض منتبهاً إليه..
اقترب الرجل قائلا بدهشة و قلق : أهذا أنت !! سيدي اللورد ؟!
_ أمّن لي التغطية جرآي .. ثم ابتعد من هنا بسرعة !
أومأ الحارس و انطلق , لكن كانت هناك عيناي تنظران من شرفة عالية في القصر , في لحظة دخول الحصان الأسود !
تسلق شرفتها وهو يمسك بها فوق ظهره , ثم أصبح بهدوء وسط الغرفة الدافئة الجافة , وضع غاردينيا على سريرها بكل الملابس و البلل , لن يجازف بتركها هكذا الآن .. مد يده إلى المصباح و اطفأ النور .. ثم نزع المعطف الذي تلبسه فوق ثوبها و سقط شيء ما .. امسك بالرسالة يتحسسها بالظلام و عرف ما تكون ...
تمتمت الأميرة بلا شعور وهو يلف حول جسدها المعطف الجاف الدافئ : لا.. تذهب..!
طرف بعينيه مرتين وهو يجعلها تسترح على الوسادة دس الرسالة تحتها , مس وجنتها برقة وهو لا يقدر على أبعاد عينيه عن وجهها الملائكي الهادئ النائم .. همس : سأعود ..
سمع صوتاً يقترب , فاسرع و قفز من الشرفة وسط ضوضاء العاصفة و ألمتاع البرق و زمجرة الرياح و هدير المطر الخاطف ... |