| | | | فعجبت !! لكلمة لم اسمعها منها قبل اليوم ...... و قلت : بلى يا سيدتي أعلم مكانه , و ما كنت اعلم شيئا , ولكني اشفقت على هذا الخيط الرقيق الباقي في يدها من الامل ان ينقطع فينقطع بانقطاعه آخر خيط من خيوط أجلها , فقالت : الا تستطيعين ان تحملي اليه رسالة مني من حيث لا يعلم أحد بشأني ؟ , قلت: لا أحب الي من ذلك يا سيدتي ... فأشارت ان آتيها بمحبرتها فجئتها بها فكتبت اليك هذا الكتاب الذي تراه فلما اصبح الصباح خرجت أسائل الناس عنك في كل مكان و أتصفح وجوه الغادين و الرائحين علي أراك و ارى من يهديني اليك فلم اظفر بطائل حتى انحدرت الشمس الى مغربها فعدت الى المنزل و قد مضى شطر من الليل فما بلغته حتى سمعت الناعية فعلمت ان السهم قد بلغ المقتل , وان تلك الوردة الناضرة التي كانت تملأ الدنيا جمالا و بهاء و قد سقطت آخر ورقة من ورقاتها ، فحزنت عليها حزن الثاكل على وحيدها ، وما رئي مثل يومها يوم كان أكثر باكية و باكيا وكان أكبر ما اهمني من أمرها ان كل ما كانت ترجوه في الساعة الأخيرة من ساعات حياتها ان تراك ، ففاتها ذلك و سقطت دون أمنيتها , فلم ازل كاتمة أمر الرسالة في نفسي ولم ازل أتطلب السبيل اليك حتى وجدتك .. فشكرت لها صنيعها و اذنتها ب الانصراف فانصرفت ... فما انفردت بنفسي حتى شعرت ان سحابة سوداء تهبط فوف عيني شيئا فشيئا حتى احتجب عن ناظري كل شيء ، ثم لا أعلم ماذا تم بعد ذلك حتى رأيتك .... وما وصل الفتى من حديثه الى هذا الحد حتى زفر زفرة خلت ان كبده قد ارفضت ( ارفض الشيء : تفرق و ترشش ) و ان هذه أفلاذها .. فدنوت منه و قلت : ما بك يا سيدي ؟ ؟ قال لي : اني أطلب دمعة واحدة أتفرج بها مما انا فيه فلا أجدها ... ثم صمت ساعة طويلة ، فشعرت انه يهمهم ببعض الكلمات فأصغيت اليه فأذا هو يقول : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "اللهم انك تعلم اني غريب في هذه الدنيا لا سند لي فيها و لا عضد ، واني فقير لا املك من متاع الحياة ما اعود به على نفسي و اني عاجز مستضعف و لا اعرف السبيل الى باب من ابواب الرزق بوجه ولا حيله ، وان الضربة التي أصابت قلبي قد سحقته سحقاً فلم يبقى فيه حتى الذماء (بقية النفس ) و اني استحيّك ان امد يدي الى هذه النفس التي أودعتها بيدك بين جنبي فأنتزعها من مكانها و القي بها في وجهك ساخطاً ناقماً ، فتول انت امرها بيدك و استرد وديعتك اليك و انقلها الى دار كرامتك ، فنعم الدار دارك ، ونعم الجوار جوارك " ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ثم امسك رأسه بيده كأنما يحاول ان يحبسه عن الفرار و قال( بصوت ضعيف و خافت ) : أشعر برأسي يحترق احتراقاً و قلبي يذوب ذوباً ، ولا احسبني باقياً على هذا ، فهل تعدني ان تدفنّني معها في قبرها و تدفن معي كتابها ان قضى الله في قضاءه ؟ قلت: نعم ، و اسأل الله لك السلامة ، قال : الآن أموت طيب النفس عن كل شيء ....... ثم انتفض انتفاضة فاضت نفسه فيها لقد هون و جدي على هذا البأس المسكين اني استطعت إمضاء وصيته كما اراد ، فسعيت في دفنه مع ابنة عمه ، و دفنت معه تلك الرسالة التي دعته فيها ان يوافيها فعجز عن ان يلبي نداءها حيا فلباها ميتاً ... و هكذا اجتمع تحت سقف واحد ذانك الصديقان الوفيان اللذان ضاق في حياتهما فضاء القصر فوسعتهما بعد موتهما حفرة القبر..... | | | | | |