عرض مشاركة واحدة
  #86  
قديم 08-12-2013, 11:23 PM
 




.
.
.

حين أعلن رئيسها عن وقت الإغلاق عادت ألين إلى شقتها بخطواتٍ منهكة بطيئة , فتحت باب الشقة وارتمت على الأريكة بإنهاك..


التاسع من يناير | ألِين تروي حكايتها..


أذكر جيداً كيف كنتُ أكافِح البرد الشديد في تلك الليلة حين دخلتُ المقهى الدافئ في أمل وتوجهتُ نحو صاحبه الثلاثيني..

_مساء الخير عمي..


التفت نحوي بابتسامة حَانية ..

_أهلاً صغيرتي ألِين..


ثم سألني عن سبب خروجي في جوٍ باردٍ كهذا , فطَمأنته بسرعة ثم قُلت..

_أحتاجُ مساعدتك في أمرٍ ما..


_أي شيء لابنة الغَالي..

سألتُه عن والدي والذي سَافر إلى لندن مُنذُ ما يقارب الشهر , وطلبتُ منه رقم هاتفه فأجاب بأسف..

_ آه والدك .. لقد ذهب دون أن يخبرنا حتى .. آسفٌ صغيرتي .. لا أستطيع مساعدتكِ بشيء..


ارتديتُ قبعتي الصوفية مجدّداً وسمعتُ صوته الرخيم ..

_يمكنكِ سؤال العم سفيريو..


شكرته بابتسامة واتجهت إلى منزل المدعو سفيريو ..

وعندما ذهبتُ إلى هناك .. أطلت زوجته مُرحبة , أذكُر أنها كانت امرأة لطيفة , فطلبت مني الدخول .. ورغم أنني كنتُ في عجلة من أمري لكنني دخلتُ بعد إلحاحها وتحججها بأنني سأصابُ بالبرد..


أخبرتها عن مُبتغاي فقالت..

_تريدين سفيريو إذاً.. أمهليني بضع دقائق..


ذهبت الامرأة البشوشة بعدما وضعت كوب حليب ساخن أمامي, وما هي دقائق حتى أتى سفيريو..


صافحتُه وابتدر الرجل النحيل قائلاً..

_كيف حالكِ ألين؟ , وكيف هو شون؟

_بخير .. في الواقع هذا ما جئتُ لأسألك عنه.. أنا في حاجةٍ ماسةٍ إلى أبي.. وليس لدي ما يُوصلني إليه..



تعجب الرجل لبرهة ثم قال وهو يخرج هاتفه..

_سأرى إن كان بإمكاني الاتصال به..

شعرتُ بشيء من الراحة إلا أنه بدّدها تماماً بقوله معتذراً..

_أوه .. لا أملك رقم هاتفه .. يمكنكِ أن تنتظري عودته ألِيْن..


شكرته ثم خرجتُ من المنزل وقد حاولتُ ألا أبكي قدر المستطاع وأنا أتذكر كيف أن والِدتي حزمت أغراضها وخرجت من المنزل غير آبهة بشيء , الأمر ليس مُستغرباً منها , فهي عالِمة فيزياء لا تبقى في المنزل سوى بضع أيام في الشهر , دائمةُ الشِجار مع أبي على أتفه الأسبَاب , الأخير سافر منذ اسبوع وهي قد رحلت بحُجة أنها سئمت البقاء معي , سئمت زوجها , وسئمت حياتها في هذا المنزل المُتواضِع ..


أنا لم أستسلم من فوري .. أقسِم أنني انتظرتُ والدِي بثِقةٍ من عودته..


لكن أمي لم تعُد إلى المنزل بعدها .. لم تأتِ للاطمئنان علي..

لم أستغرِب هذا أيضاً , فهي حين تهتمُ بي تتركني أقضي اليوم مع جدتي , وأحياناً مع الفتيات في الحي المجاور..

لم أكن أحبهن لأنني شعرتُ بأنهن مدللات للغاية بملابس أنيقة وغرور على لا شيء طبعاً..


فتاة واحِدة جذبت انتباهي..

كانت مختلفة عنهن , من النوع الهادئ الذي يرد فقط بلا أو نعم..

ورغم أنها تُشاركني الصف ذاته ,, فأنا لا أذكر أنها تحدّثت معي بل كنتُ أنا التي أبدأ معها الحدِيث والذي ينتهي غَالباً بسرعة..



كانت فتاة غريبة.. لم تبدُ معتادة إلا على المقربين منها , لكنها أظهرت لطفاً في قليل من المواقف..

مع هذا فأنا لم أرها كصديقة قط.. أو حتى زميلة .. كانت مُنافستي..

فهي التي خطفَت مِني المركز الأول على الصف ..



أذكر أول مرة تحدثت فيها هي إلي , في اليوم المُمطِر الذي عُدتُ فيه بعدما يئستُ من البحث..

حين قالت بشبه ابتسامة وهي تضع مظلتها فوقي..

_مرحباً


لم أكن أرغب بالحديث مع أحد لذا قلتُ بفظاظة مُزعِجة..

_ماذا تُريدين؟

أظنها انتبهت لاحمرار عيني لذا سألت..

_في الواقِع.. لقد أقلقني غيابكِ المستمر عن الصف ..

عُذراً.. هل كنتِ تبكين؟



_ أنا لا أبكي , اتركيني يا أنتِ !

فابتسمت ببراءة وكانت هذه أول مرة أرها تبتسم بشكلٍ واضِح..

_أدعى سام وليس أنتِ , أخبريني .. لمَ كنتِ تبكين؟



ودّدت لو أطلب منها أن تتركني لوحدي , فقد كنتُ على وشكِ البكاء لذا صرختُ بغضب..

_قلتُ لا شيء .. فقط اتركيني..

لم أنظر إلى وجهها حينها , لكنني كنتُ واثِقة أنها قد شعرت باستياء وندمت ألف مرة على قدومها..



لكن الأمر الغريب أنها قالت مُمازِحة..

_ أجيبي وإلا التهمتك !

لم أستطع كتم دموعي فبدأتُ أبكي ولا أعلم إن ميزت كلماتي حين قلت..

_ لن تفهمي .. أبداً! , ألا يُمكِنكِ الابتعاد فحسب؟ ، أنا لا أحتاجُ شفقتك..


لا زالت كلماتها محفورة في عقلي وقلبي , عبارتها البسيطة ذات الأثر الكبير.. بنبرة صوتها الهادئة ..

حين عانقتني قائلة بفرنسِية لطيفة..

_لستُ أفهمُ مقصدكِ ، لكنني معك .. فقط لا تبكي..



انتهى



أغمضت عيناها وهي تهمهم بابتسامة

"كم أسيء الحُكم على الآخرين.."





__________________
وأنا على عَهدِك ووَعدك ما استَطَعت، حتَى آتيك بقلبٍ سليم و نفسٍ مُطْمئنة..




التعديل الأخير تم بواسطة Angelic ray ; 08-13-2013 الساعة 03:05 AM