يسكننا خوف ورعب من التغيير، أياً كان هذا التغيير، فحتى لو كان التغيير على المستوى الشخصي لعالم من العلماء أو داعية فإن هذا يثير القلق في أوساط المتديّنين، مع أنّ التغيير قد يكون في بعض الأحيان إلى الأفضل، أو على الأقل في إطار المقبول شرعاً. مجرد التغيير ليس مشكلة، ولم يكن كذلك على مرّ العصور، منذ فجر التاريخ الإسلامي والناس تتغير جماعات وأفراداً.. التغيّر استجابة طبيعية لحركة الفكر والعلم.. وتعبير حقيقي عن قصور العقل البشري – الفردي والجمعي - عن إدراك الأمور على حقائقها وواقعها، وقصور نظره عن الإحاطة بالأشياء من كل زواياها.. وفي غالب الأحيان يكون تغيّر المواقع سبباً في تغيير الأفكار.. وليس هذا نفاقاً ولا تراجعاً ولا نكوصاً كما يتصور البعض.. على سبيل المثال: كثير منا يكون له موقف في التعامل مع أمر معيّن، فإذا تسنّم منصباً وأصبح مسؤولاً - بشكل ما- غيّر موقفه، ليس ذلك بالضرورة نكوصاً ولا ردّة، ولكن المنصب والمسؤولية زاوية أخرى تُرى منها الأمور بشكل مختلف.. ومثل ذلك التغيير في المجال الشرعي.. الفتاوى والآراء الفقهية والاجتهادات ومثلها الأنظمة والقوانين المبنية عليها في الجانب الاجتماعي والسياسي هي أيضاً قابلة للتّغيير.. فإن عوامل الزمان والمكان لها تأثير في الزاوية الّتي ينظر من خلالها الفقيه وأصحاب السياسة الشرعية للأمور، لا يلزم أن يكون التغيير إنكاراً وتخطئة للسابق؛ فالحكم على المرحلة السابقة ليس مهماً في عملية التغيير البنّاء، بل المهم هو الحالة الّتي تعيشها الأمة ويعيشها الإنسان الفرد.. |