<b> 3 - أين الجزيرة؟ " أذن بقاؤك هنا ممكن". قال جيك بهدوء وكأنه يستمع الى رجع كلماته وأضاف: " وأن بقيت كما تقولين , ستكونين بحاجة الى مكان تقيمين فيه , والبيت نصفه ملكي". " لكن يمكننا أن نتوصل الى أتفاق ما". ونظرت حولها مشيرة بيدها ومضيفة: " بشأن هذا المركب , مثلا , أو تلك الجزيرة.....". كانت تحاول جس نبضه. " لكن قد لا أرغب في بيع حصتي بالبيت ". قاطعها بهدوء , شيء ما في لهجته لم يعجبها. " لكن كنت تتوقع مني ذلك". قالت مذكرة أياه بما عرض عليها سابقا. " صحيح". وهز رأسه : " لكنك تعرفين أن الأمر يختلف". غريب جدا ما قالته , لم تقصد أن تقول ما قالت , فالحياة بالنسبة اليها لندن , وعرض الأزياء , والحياة الآمنة الهادئة مع الخال فيليب وبعض الأصدقاء , حياتها لا تكون هنا على هذه الجزيرة التي تحرقها الشمس مع غرباء , بعضهم لطفاء , ومع هذا الرجل العدائي نحوها بصراحة , ومع شبح رجل لم تعرفه يوما .... والدها. لكن ليس بمقدور لوغان أن يفطن الى كل ذلك , كل ما يعرفه أنها قد تنفذ ما تقول , ترى لماذا تحاول أغاظته؟ لم تكن هيلين تعرف , حتى لم تكن تدرك أن فكرة البقاء أصبحت لها جاذبية معينة وكأنها حلم يقظة , في أي حال لن تدعه يعرف أن فكرة بقائها في هذا المكان ما هي ألا حلم. " لا أرى أن الأمر يختلف". أجابته ببطء. " حقا؟ أنا أعيش هنا منذ ثماني سنوات , وأنت؟ كم مضى عليك من الوقت هنا؟ أثنتا عشرة ساعة؟". كان التعنيف في صوته الأجش واضحا , كذلك التهكم المرير. " الكثير من القرارات يمكن أخذها في أثنتي عشرة ساعة". أطفأ سيكارته وشرب ما تبقى من القهوة في فنجانه وقال وهو يهم بالوقوف: " حسنا أذن , أنت لا تريدين البيع , ولا أنا أريده , أنتهينا , أتريدين المزيد من القهوة؟". " لا شكرا , أين الجزيرة؟". توقف وهو يهم بالدخول من باب المطبخ: " كنت أتساءل متى يصل الدور اليها". " حقا! هل هي بعيدة من هنا؟". أن كان يريد أغاظتها فلن ينجح وأحست هيلين بالأهانة أكثر من الغضب عندما قال لها تلك الأشياء التي لن تغفرها له أبدا وصفعته.... لن تدع ذلك يتكرر , كانت جالسة تراقب البخار المتصاعد من فنجان قهوتها , لم تكن تتصور الأشياء التي حصلت معها بعد ذلك , والتي غيّرت أفكارها , لا بل حياتها كلها وقلبتها رأسا على عقب , فنجان قهوتها لم يكن كرة الكريستال السحرية , وهي لم تكن قارئة بخت , ثم هناك أشياء من الأفضل عدم معرفتها مسبقا. " مدة خمس ساعات بالمركب , وساعة واحدة في الطائرة". " الطائرة , هل يمكنني أن أذهب اليها في الطائرة؟". " لا". وضحك مختفيا في المطبخ. " " فقط لأعطيك فكرة عن المسافة , فقد طرت من سانتو الى هنا". " أجل , وفي المركب ؟ هذا المركب أعني؟". خرج من المطبخ وهو يجفف يديه بسرواله : " ممكن". " متى أستطيع الذهاب؟". " ولم العجلة؟". " لست مستعجلة". لن تثيره , لن تدعه ينجح في أغضابها , وأبتسمت له , كانت تعرف تأثير أبتسامتها هذه على الرجال , لكن عليه.... يظهر أنها لم تترك أثرا , أخذ نفسا عميقا ثم زم شفتيه وقام ثانية الى المطبخ حيث سمعت هيلين صوت قدح ينكسر تبعته لعنة . أرتجفت شفتا هيلين وهي تحاول كتم ضحكة كادت تفلت منها. , طبعاً ردة فعله ليست بالمستوى المطلوب لكنها أفضل من لا شيء في أية حال. لحقته الى المطبخ لتراه يلم اقطع المكسورة ويضعها في كيس , ثم يضع أصبعه في فمه ويمصها , صدر عن هيلين صوت متعاطف: " جرحت أصبعك؟". سألته , وأستغربت شعورها بالشماتة أتجاهه , نظر اليها بغموض مخرجاً أصبعه من فمه ليجيبها: " لا , لكنني أحب مص أصبعي, ألم تلاحظي ذلك؟". لكنها رأت جرحا عميقا الى جانب الظفر وشهقت: " أليس من الأفضل تغطيته أو وضع دواء ما عليه؟". " بعد أن أكمل لم القطع المكسورة". " سأفعل ذلك أنا". أكتشفت لحظة دخولها أن المكان يتسع لأثنين بصعوبة , وندمت على تبرعها بالمساعدة , لم تكن تحب الأقتراب منه كثيرا بهذا الشكل , وكأنه شعر ذلك , فخرج الى الحجرة تاركا هيلين وحدها , لم يكن شعورها بعدم الراحة عندما لمس جسمه جسمها وهو يخرج من صنع خيالها , فهو أيضا أحس بذلك حتى لو لم يقل شيئا , وتنهدت بعمق. لا تستطيع فهم هذا الرجل ولا فهم ردة فعلها نحوه . لم تكن في حياتها متحفزة هكذا أتجاه أي رجل وكان هذا الشعور مزعجا ومخيفا الى حد ما. بضع ساعات فقط مكنت هذا الرجل أن يوقظ فيها الوعي الكامل لوجودها , ولوجوده هو أيضا , لم يكن أحساسها هذا خاليا من المتعة , أمر عجيب ومحير فقد كان هذا الرجل رمزا لكل الأشياء التي تكرهها , المزاج المتقلب , العنف , وفوق هذا كله مطاردة النساء. أنحنت هيلين لتلتقط بقية قطع الزجاج المتناثرة على الأرض بحذر شديد كي لا تجرح أصابعها , ترى لماذا لم يجب على سؤالها عن الجزيرة ؟ وعادت الى الحجرة لتراه يضع ضمادة على الجرح. " هل بأمكاني أستئجار مركب؟". " ولماذا؟". " لأذهب الى الجزيرة". " لا أظن ذلك ممكنا". " أستطيع أستعمال هذا المركب , أذن؟". ترى هل يضع العقبات في طريقها عن قصد؟ " لا , فهو بحاجة الى أوفرهول". نظرت حولها قائلة: " أراه بحال جيدة". رفع اليها عينين متهكمتين : " وماذا تعرفين عن الآلآت؟". " لا شيء.... لكنه مركب جديد". " في الواقع عمره ثلاث سنوات , قضى فيه والدك ساعات جميلة , ذهب في رحلات , أحيانا وحده وأحيانا بصحبة بيل أو بصحبتي لتصيد السمك أو لمجرد التصوير , أنه مركب جميل , ( جنية البحر) بالفعل مركب جميل". أرادت أن تعرف المزيد عن والدها , لكن ليس من فم جيك لوغان , ربما من بيل أو من هانا , وليس من هذا الرجل العدائي , الذي يعقص مهما قال ويهينها بكلامه .... لا لن يكون الأمر مريحا". " متى ستكون حاضرا للرحلة أذن؟". " عندما يتوفر لدي الوقت". وقرأت التعبير على وجهه وهو يستدير ليعيد العلبة الى الخزانة , أنه يتسلى بها ولا تستطيع عمل أي شيء , هذا ما يقلقها , شعور مخيف بالعجز وكأنها تقاتل عدوا شبحا لا شكل له وبدون أن تراه. نعم هو عدوها ويكرهها لظنه أنها صائدة ثروة وأنها جاءت الى هنا فقط لترى ما تستطيع أخذه , ما من شيء تستطيع قوله أو فعله لتقنعه بعكس ذلك , ولماذا تفعل؟ فقط لو يعلم أنها لم تكن تريد المجيء الى هنا , وأن الخال فيليب هو الذي أصر على مجيئها وأقنعها , قال لها أن الواجب يفرض عليها ذلك فلو لم يكن والدها يرغب في ذهابها لما ترك لها كل تلك الأشياء. الشيء الوحيد الذي أرادت هيلين فعله هو أعلام المحامي برغبتها في تحويل النصف الذي تركه لها والدها لذلك الرجل لوغان فقد كان يعرف والدها جيدا وله نصف الأملاك ويملك الحق في أمتلاك النصف الآخر , لكن الخال فيليب لم يوافق. وها هي الآن هنا على هذه الجزيرة الجميلة والأجمل بكثير مما تصورت , لكن وجود هذا الرجل قربها يفسد كل شيء. " هل أنت مشغول الى هذه الدرجة؟ أعني متى تستطيع...؟". لكنها لا تريد أن تذهب الى الجزيرة بصحبته , وبدأت فكرة ما تتوضح في رأسها , وملأها أحساس غريب. أراح جيك لوغان يديه على الطاولة ونظر اليها: " نعم , أنا مشغول , علي الأهتمام بالحديقة فالعشب فيها طال كثيرا , كما أن هناك أشياء أخرى , لكني سأبدأ العمل على ( جنية البحر) حالما أنتهي من كل ذلك , هل يرضيك هذا؟". " هل يرضيك أن تكون وقحا؟". سألت بحدة. " وهل كنت وقحا ؟ لم أنتبه لذلك". وأنقبض وجهه. " أجل , وأجرؤ على القول أنه ذلك طبيعي عندك يا سيد لوغان". أخذت منه الكفاية والآن جاء دورها لقول بعض الأشياء له , ولم تتوقف لتفكر لماذا تفعل هذا: " في كل حال , أن حدث أن جابهك أحدهم لا تتورع عن ضربه , أليس كذلك؟". أنفجر بالضحك وكأنها كانت تسليه: " حقا؟". قال أخيرا: " هل أخبروك ذلك ؟ أقصد هل تقول الأشاعة أنني أقوم بضرب الرجال والنساء كيفما تحركت؟ هيا, قولي!". " لا أدري, أنت تعرف لكن لن يفاجئني ذلك". قالت هذا بتحد واضح. " أذن ماذا تفعلين معي على هذا المركب بالله عليكِ؟ ألا تقومين بمخاطرة؟". ونظر اليها بحدة وكأنه يقيسها من أعلى الى أسفل: " أن كنت وحشاً بهذا الشكل , أليس من الأفضل أن تنتبهي للأشياء التي تقولينها؟". " لا , لا أخافك , أنا أقوى مما يدل عليه مظهري". وأبتسم بمكر: " حقا؟ هل نجرب ونرى؟". ربما كان يمزح لكن من يدري فهي لا تفهم الرجل. هزت رأسها : " أكره العنف , أنه بشع , مخيف". " أوافق , والآن بعد أن قلت كل ذلك , أخبريني أيتها القديسة كاربتنر , لو كنت رجلا وصادف أن كنت تعبرين ممرا مظلما وسمعت أستغاثة أمرأة , نظرت فرأيت رجلين يمزقان ثيابها ويضربانها , ماذا كنت تفعلين؟". لهجته القوية , ومضمون حديثه أسكتا هيلين , فزم شفتيه بسخرية: " ماذا؟ هل ربط لسانك؟". " أذهب و.... أظنني أذهب للمساعدة". " حسنا , هكذا حصلت على هذه". ورفع الغطاء الأسود كاشفا أمامها منظر عينه الرهيب . " كان عندي الخيار بين أستعمال السكين وبين هذه , لكني أبعدت السكين جانبا وهذا ما حصلت عليه ومضت المرأة في سبيلها , لم تكن تلك المنطقة مناسبة لأية أمرأة محترمة لكن ذلك لم يكن عائقاً بالنسبة ألي , وتركت الرجلين يهتمان بلآثار اللكمات وعدت الى بيتي , أنت تكرهين العنف , عظيم , وأنا أيضا , لكن هل كان عندي الخيار؟". " أين حصل هذا؟". " في جزيرة أخرى تبعد عشرين ميلا من هنا , كنت هناك منذ يومين ,لا تسألي لماذا , هي مكان لصيد السياح , فيها علب الليل والكثيرات من النساء اللواتي لا يتورعن عن شيء". نظرت هيلين اليه. " وماذا تريدني أن أقول؟". " لا شيء , فقط أصحح لك بعض المعلومات , مارشا وهانا والآخرون لا يعرفون كل شيء". " ولماذا تشرح لي أنا كل هذا؟ لم أكن أظنك تعير رأيي فيك أدنى أهتمام". ضحك قائلا: " صحيح , فقط أردت مراقبة وجهك وأنا أخبرك ذلك , أحيانا هذا القناع الملوكي المهذب يسقط عنه , يجب أن تدعيه يسقط مرات أكثر , هكذا تبدين كأنسان". " لا شيء يجبرني على تحمل أهاناتك , أنا ذاهبة". " سيدتي! لم أبدأ معك بعد!". لاحقتها كلماته وهي تصعد الدرجات المؤدية الى ظهر المركب , كان لها صدى ينذر بالسوء. كانت هيلين لا تزال متعبة بتأثير السفر فأستلقت قليلا بعد أن تناولت غداء خفيفا من فاكهة الأناناس الطازجة وبعض الخبز والزبدة , كانت ما تزال ترتجف بعد مواجهتها مع لوغان وأنزعاجها كان كبيرا لأنها سمحت له بالتأثير عليها بهذا الشكل , لم ينجح أحد من قبل في تعكير صفائها مثل ما يفعل هذا الرجل بكلمات قليلة منتقاة. أخذت تتقلب في سريرها بدون راحة وهي تستعيد الموقف على المركب وكلماته الأخيرة التي كانت تنذر بالسوء وكأنها تهديد , سرت القشعريرة في جسمها وعادت صورته تلاحقها , وجهه القوي , والذي تعترف بوسامته عندما يخلع عنه تلك الرقعة السوداء , خصوصا تلك الجاذبية البدائية حوله , رجل يحصل على ما يريد معظم الأحيان , هكذا تصورت وكان ذلك مزعجا أيضا لكن بطريقة مختلفة. غلبها النوم في النهاية , وعندما أستفاقت كان الجو ألطف , نظرت الى ساعتها : الخامسة والنصف تقريبا , وقريبا يحل الظلام , قامت هيلين من فراشها ووضعت عباءة عليها ومشت الى المطبخ لتعد القهوة , قررت أن تزور بيل وهانا , عليها أن تسرع. الخطة التي خطرت ببالها على المركب أصبحت واضحة الآن ’ تريد التحدث الى بيل في الموضوع , وتحس أنه يميل اليها وطبعا هي تميل اليه والى هانا أيضا , ثم هناك مئات الكتب والمجلات في بيتهما وستحتاج هيلين الى ما يساعدها على النوم تلك الليلة وعلى مواجهة الوحدة , وغدا عليها شراء بعض الحاجيات وأرسال الرسائل الى أنكلترا خصوصا الى الخال فيليب , ربما حمام شمس أيضا ومشوار على الشاطىء , وقد تسبح. تعرف هيلين جيدا أنها بحاجة الى بضعة أسابيع من الراحة فقد كانت مرهقة كثيرا ومتشنجة قبل قدومها الى هنا بقليل , فمهنتها متعبة ومثيرة للأعصاب , لذلك عليها أقصاء هذا الرجل جيك لوغان عن تفكيرها والأسترخاء للتمتع بعطلتها , لكن وكما ثبت لها لاحقا كان من السهل قول هذا , أما تنفيذه..... جاء صوت هانا عاليا: " أدخل , الباب مفتوح". ودفعت هيلين الباب الخشبي ودخلت , جاء صوت هانا ثانية: " أنا في المطبخ , من هناك؟". " هيلين كاربتنر". " أوه , أهلا". وخرجت هانا من المطبخ الى القاعة المجاورة. " كنت أصنع بعض الخبر البيتي , أتريدين بعض الشراب؟". " نعم , من فضلك". وتبعتها الى المطبخ المدهون بالأبيض وراقبتها وهي تسكب كأسين من عصير اليمون وتضع فيهما قطع الثلج. " هل تريدين بيل؟ لن يتأخر كثيرا". " نعم ولا". وأبتسمت هيلين: " في الواقع جئت للزيارة ولأستعارة بعض الكتب". " الكتب! بأمكانك أنتقاء ما تريدين , تقريبا كلها كتب بيل ودائما أهدده بألقائها كلها في القمامة , وبين وقت وآخر أتخلص من بعض الكتب التي أعرف أنه لن يفتقدها , تفضلي وخذي ما تشائين". ورق وجه هانا بأبتسامة أستجابت لها هيلين : " أشكرك , صممت أن أقرأ قليلا اليلة , فقد نمت بعد الظهر وأخشى أن لا أستطيع النوم بسهولة". " ستعتادين على الجو هنا سريعا , أنه مريح , أنام كطفل هنا , وعندما أسافر أتعذب كثيرا". ثم ودون أن تغير من لهجتها قالت وهي تقطع العجين بأشكال مختلفة: " لقد قابلت جيك لوغان طبعا؟". " نعم". وبلعت هيلين العصير البارد اللذيذ. " جاء مساء أمس ليعطيني مفتاح البيت , وهذا الصباح أراني المركب". " وكيف تجدينه؟". " لم يعجبني , والشعور متبادل , لقد صرح بأنه يظن أنني هنا لأخذ ما أستطيع أخذه فقط". " لا أستغرب ذلك". قالت هانا وهي تضع بعض الزبدة في الصينية: " فأنا أعرفه جيدا وكم أتمنى أن يلتقي يوما بمن يستطيع الوقوف في وجهه وبحضوري أيضا". لكن هي لكن هي لين لم تكن راغبة في التحدث عن جيك لوغان , أرادت التحدث عن الجزيرة ومعرفة رأي هانا بخطتها قبل أفضائها الى بيل: " أريد الذهاب الى جزيرة العواصف التي كان يملكها والدي , هل تعرفين عنها أي شيء؟". سألت هانا التي تطلعت الى بعيد وكأنها ترى المكان ثم أجابت: " ذهبت مرة اليها مع بيك ووالدك , ذهبنا في ( جنية البحر) , أنها مكان جميل , طبعا هي جزيرة صغيرة بالنسبة الى هذه الجزيرة , ولا يسكنها أنسان للأسف , أشجارها محملة بالفاكهة اللذيذة , وهناك أنواع كثيرة من الطيور تعشش في أغصانها , آه ستكون مفاجأة لك يا عزيزتي". " هذا ما أريد أن أكلمك عنه , كيف أصل الى هناك؟ حدثت جيك لوغان بالموضوع , وكان شعوره واضحا فهو لا يريدني أن أذهب اليها , يقول أن ( جنية البحر) بحاجة الى أصلاح وذلك يستغرق وقتا...". وتوقفت عن الكلام عند رؤيتها التعبير على وجه هانا وسألت: " هل بك شيء؟". " هكذا أذن ؟ لا تصدقيه فالمركب في أحسن حال , كل ما في الأمر أنه يأمل أن تنسي الموضوع أن أعتذر هو عن أخذك , ثم لا أستغرب أن يحاول شراء حصتك في الأرث!". أعترفت لها هيلين: " أجل , يريد ذلك , لكنني لا أريد أن أبيع , لماذا؟ لا أعرف , كل ما هنالك أنني بحاجة لبعض الوقت للتفكير". " بالطبع يا عزيزتي , لا تصغي اليه , لك كل الحق في ذلك ولا تتركيه يستعجلك في أي شيء". " كنت أتساءل أن كان بأمكان بيل أخذي الى الجزيرة , كما تعرفين أنا أملك نصف المركب ولي الحق في أستعماله , ثم أظن أن السيد لوغان أستعمله في الأسابيع الماضية". " أجل , كان يستعمله". أجابت هانا: " أسألي بيل عندما يعود , لكن كوني لبقة في ذلك فهو وذلك الرجل , لوغان ... أصدقاء". ضحكت هيلين وقالت: " سأحاول". وشعرت بسرور وراحة , جميل أن تكون هانا الى جانبها , فهي غريبة ووحيدة هنا , ثم أن هانا تملك قلبا طيبا برغم مظهرها الجاف. تحدثتا قليلا في أمور عامة عن الجزيرة , وعن والد هيلين , روبرت , وكونت هيلين عن والدها صورة واضحة ... رجل طيب , محبوب من الجميع , ولم يكن أبدا يتكلم عن حياته في بريطانيا , وكان يظهر أنه قد أندمج كليا في حياة الجزيرة وأستقر في بيته الصغير المريح. أنتهت هانا من خبز الكعك , وتناولتا بعضا منه مع القهوة , ثم قامت هانا باحثة في صندوق للصور القديمة , أخرجت منه أثنتين وناولتهما لهيلين : والدها على ظهر ( جنية البحر) , وفي أحدى الصورتين ظهر جيك لوغان , قالت هانا: " لم ألاحظه من قبل... أنظري اليه يحاول أخفء وجهه بيده , أنه لا يحب أن تؤخذ صوره....". وتطلعت هيلين مرة ثانية , بالفعل فهو يحاول رفع يده نحو وجهه تماما مثل المشاهير الذين يحاولون الترب من الجماهير , خامر هيلين نوع من الشك في وقت لاحق , أما في تلك اللحظة فقد كان كل همها أن ترى الرجل.... والدها , الذي كان غريبا عنها رغم كونه السبب في وجودها. كان تماما كما تصورته : طويلا , نحيلا , شعره أشيب , وذا وجه طيب ولطيف. " أيمكنني الأحتفاظ بهذه؟". سألت هيلين والبريق في عينيها . رق وجه هانا لها : " طبعا , لذلك فتشت عنها في صندوق الصور , في الواقع كنت أنوي فعل هذا ليلة أمس عندما كنت معنا لكنني نسيت , سأفتش لك عن مغلف تضعينها فيه , وبينما أفعل ذلك تختارين أنت الكتب والمجلات التي تريدين , ها هو بيل , سمعت صوت البوابة الخارجية يغلق". ثم سمعتا بيل يقول: " أنه أنا!". " هيلين هنا". نادته هانا ثم قالت لهيلين بصوت منخفض: " أسأليه وهو يقوم بتوصيلك الى البيت , ذلك أفضل". دخل بيل حاملا ثلاث سمكات بيضاء تصيّدها , وبدأ بتنظيفها قائلا: " سأعطيك واحدة منها يا هيلين , أنها لذيذة". " شكرا بيل لكن لا أعرف كيف أطبخها". " سأريك عندما أوصلك الى البيت , على كل فهي أطيب ما تكون مشوية مع بعض الزبدة .... يسيل لعابي عندما أتصورها جاهزة للأكل". وضحكوا .... بقيت هيلين معهما أطول مما كانت تتصور , صحبتهما مسلية جدا , مع أن هيلين كانت نصف غائبة خلال الحديث , فقد كانت تخطط للطريقة التي ستطلب منه فيها أخذها الى جزيرة العواصف. وفي الطريق الى البيت بينما كانت تحمل كل تلك المجلات وبيل يحمل الكتب والسمكة قال لها شيئا سرها كثيرا لدرجة نسيت معها أنها كانت تمر في تلك الطريق المظللة بالشجر الكثيف والتي كانت تخيفها في وضح النهار , قال لها: " كم أنا مسرور لأن هانا أحبتك هكذا , فهي كما تعلمين وحيدة ولا أصدقاء لها , لكنها مرحة ومتألقة منذ أن وصلت". " أنا سعيدة بهذا , أنها أمرأة طيبة , آمل أن تستمر صداقتنا , مع أنه كان عندي أنطباع خاطىء من ...". وتوقفت متنهبة أن ما كانت تنوي قوله لم يكن لائقا. " من من؟ مارشا أو جيك؟". سأل بيل بمرح وأضاف: " لا بأس , لا تقولي شيئا , على كل فهي لا تتفق مع أي مهما.... الأسباب مختلفة , بالطبع". " أستطيع فهم ذلك .... أقصد لوغان , فأنا لا أعرف مارشا جيدا". ضحك بيل وقال : " وتظنين أنك تعرفين جيك؟". " ليس كثيرا , لكن ما أعرفه فيه لا أحبه". قالت بصوت منخفض فقد أقتربا كثيرا من البيت , لم ترد أن يسمعها جيك مع أن الموسيقى العالية الآتية من بيته لن تمكنه من سماع أي شيء , ثم أكملت: " هو نفسه لا يحاول أبدا أخفاء ما يفكر فيه... عني". ودخلا البيت. وضعت هيلين الكعك والمجلات على الطاولة وتناولت الكتب من بيل الذي ذهب الى المطبخ , تبعته قائلة: " أريد أن أرى جزيرة العواصف , لكنه رفض أخذي اليها , بيل .... هل تأخذني ( بجنية البحر)؟". لم تقصد أن تقولها هكذا , كانت تخطط لغير ذلك , لكنها قالت ما قالته بطريقة عفوية , وبيل سيفهم بالطبع. كان يضع السمكة في الثلاجة وأستدار اليها , وعلى وجهه شيء من الأستغراب. " بدون أن يعرف- حضرته – تقصدين؟". أشارت بالأيجاب . صفر صفرة طويلة مارا بأصابعه فوق ذقنه: " سيدتي .... هل حقا تعنين ما تطلبين؟". " أظن ذلك". ورفعت ذقنها بتحد وأضافت : " نصف المركب لي , ثم أنه يستعمله , أليس كذلك؟". " بلى.... لكنك لم تريه في أحدى فورات غضبه .... هه؟". " لا , لكنه لا يخيفني". أجابت بسرعة , وضحك بقوة: " ربما لا , فهو لا يشاجر أمرأة , ثم أنني لا أحب الوقوف ضده". " أذن , ترفض؟". وأحست بصدمة , لكن بيل رفع حاجبيه السوداوين قائلا: " لم أقل ذلك , لكنني بحاجة الى التفكير في الموضوع, بالطبع لك الحق في أستعمال المركب , متى تريدين الذهاب؟". أرتفعت معنويات هيلين , وعرفت أنها كسبت , لكنها لم تعرف ما كان بأنتظارها... " بأسرع ما يمكن, غدا ؟". " أيه .... مهلا , لا سبب للعجلة , الرحلة تستغرق عشر ساعات , وأن كنا ننوي القيام بها بهدوء – تعرفين ما أقصد –علينا الأنتظار حتى يوم الأربعاء أو الخميس , عندما يكون جيك في سانتو , ثم يجب ملؤها بالوقود , والماء , وتحضير بعض الطعام". " أن أستطعنا الذهاب في غيابه , فلن يعرف أبدا". وبرقت عيناها. " أنت لجوجة , أتعرفين ذلك ؟ سنرى , هذا كل ما أعدك به". وأبتسم فقالت: " ستحتاج بعض النقود لشراء الوقود , معي الكثير.....". رفع يده قائلا: " توقفي يا آنستي , سأشتري كل شيء , ثم أخبرك , لست بحاجة الى النقود الآن , تعرفين يا هيلين , أنا متشوق جدا للقيام بهذه الرحلة.... أحس وكأنني مثل تلميذ مدرسة يخطط لشيء ما....". وقهقه بحرارة وهو يهز رأسه متابعا: " حسنا , دعيني أريك الآن كيف تحضرين السمكة". وتوجه الى الفرن ساحبا منه صينية الشواء , وبدأ يشرح لها , حاولت أن تركز , لكن ذهنها كان في مكان آخر , أنها ذاهبة الى الجزيرة أخيرا , بعض الحظ فقط ولن يعرف جيك لوغان بذلك ! ذهب بيل بعد أن أراها كيف تحضر السمكة وكيف تشعل الراديو والفونوغراف , حضرت القهوة , وأدارت أسطوانة لبيري كومو ثم أستلقت على المقعد وبجانبها رزمة من المجلات وبعض الكعك , الساعة بعد العاشرة بقليل , لم تتوقع أن تنعس باكرا هكذا خصوصا بعد نومة بعد الظهر الطويلة , لكن الحروف أمام عينيها بدأت تهتز وتتراقص , أكملت قهوتها ثم أقفلت الفونوغراف , في الصباح ستقوم بشراء بعض الحاجيات , ستذهب في نزهة , وربما تذهب الى الشاطىء لترى( جنية البحر) ثانية. تأكدت هيلين من أن الأبواب مغلقة بأحكام وذهبت لأغلاق النوافذ في غرفة الجلوس. كان الظلام حالكا و, في الخارج , وقفت قرب النافذة تتطلع الى الأشجار العالية , وفجأة أحست بالفرح لقدومها الى هذا المكان. ثم سمعت شيئا , باب يغلق وصوت فتاة تضحك , وبسرعة وبحركة غريزية أبتعدت عن النافذة , أطفأت النور وعادت تقف في مكانها بهدوء وحذر , رأت شبحين في العتمة , رجل وفتاة يخرجان من بيت لوغان ويسيران في الممر المؤدي الى القرية , أستطاعت هيلين أن تميز الثوب الذي رأته في الصباح , أنها سيرينا , سمعت صوتها بوضوح في هدوء الليل , ثم صوت جيك لوغان الأجش العميق , أستدارت هيلين مبتعدة عن النافذة , لقد أفسد مزاجها الفرح... أبتعدا لكن صورتهما بقيت معها , ولم تستطع التخلص منها ولا من شعورها المزعج , ولم تستطع النوم ألا بعد وقت طويل.
|
</b>
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة darҚ MooЙ ; 12-17-2014 الساعة 01:05 PM |