البارت 3:
نهضت واقفة وتذكرت الدعوة التي أحضرت لها لتحضر معرض لفنان مشهور بكل ما يرسمه, توجهت نحو غرفتها
أخرجت من خزانتها ملابس متناسقة وشبه رسمية,انتهت من إعداد نفسها ولم تنسى نظارتها تلك التي تحاول بها أن تخفي بعض من كآبتها اللامعة بعينيها...
ودعتهن خارجة ,انطلقت بسيارتها مبتعدة عن كل شيء,فتحت المذياع وانطلقت الموسيقى الكلاسيكية التي خففت من رتابة الصمت المطبق داخل السيارة, حاولت ان تسترخي حتى تستطيع أن تشاهد اللوحات باسترخاء وتمعن..
وقفت أمام المعرض وجدت السيارات مكتظة والناس يدخلون إلى داخل بمجموعات كبيرة, دخلت بخطوات واثقة بهدوء, لم تتعرف على احد لأنها لا تختلط بأحد,أخذت تتمعن باللوحات بالدقة وأعجبها كثيرا طريقة رسمه وضربات فرشاته العشوائية على اللوحات,لكن الغموض يدور حول كل لوحة,الفنان نفسه من يعرف قصة كل لوحة من لوحاته
ونحن جميعا نخمن ما هي القصص أو ما الذي فهمناه منها...
توقفت أمام لوحة جعلتها تصدم ,تدهش,حدقت بها ووجدت الزمن من قد حولتها توقف..
"لا ..لا يعقل, كيف رسم القصر الذي اسكن به, هل ذهب إليه مسبقا, لكن إنها منطقة بعيدة لا يصلها إلا القليلون,
حتما من يراها سيسأله عنها, أريد شراءها بأسرع وقت ممكن, لا أريد أن ينكشف السر, أو ان يؤذى احد,
يا الهي أتمنى أن يبيعوها لي, وإلا لا اعلم ماذا سيحدث, والذي أدهشني انه رسمها بكل دقة, حتى بكل كآبتها..!!
طلبت من المشرفين على المعرض شراء اللوحة, لكن الذي صدمها, انه لا يمكن بيعها لان الفنان الذي رسمها لا يريد بيعها,ثار غضبها أرادت شراءها بأي ثمن لكن هكذا يرفض بيعها, لم ترد أن تكمل مشاهدة باقي اللوحات وقعت اسمها على السجل وكتبت بعض الملاحظات وخرجت...
قادت سيارتها بسرعة جنونية,ربما تخفف من حدة غضبها الهائج..
"سيبقى ذاك القصر يلاحقني حتى بحين ابتعادي عنه,لا أدري لماذا اشعر بأن مصيري معلق به..!,يا الهي
ستحل اللعنة عليه لأنه رسمه فقد منعت عن رسمه واللوحة التي حاولت رسمه بها أحرقت وهاجت النار بها,انه غبي لأنه يريد الاحتفاظ بها,لا شيء مميز بها, سأحاول مرارا حتى احصل عليها لن يوقفني عن شراءها أي شيء مهما كلف الثمن,قد يظن بأنه سيحتفظ بها للذكرى لا إنها ستحول حياته جحيما لا يطاق,عناده بعدم بيعها سيدمره, نعم سيصل به إلى الهاوية.....؟!
............................................
قطع عليها غضبها الصامت..رنين هاتفها الخلوي..
ـ: هل حدث شيء جديد..؟
: نعم سيدتي..إنهم جعلوا الموعد غدا والمدة البعيدة أصبحت قريبة..
ـ: ماذا لا يعقل, إنهم يريدون إرباك مخططاتنا,بتقديم الموعد..
ـ: من الآن بدأنا الاستعداد..
ـ: جيد وكونوا حذرين..؟
ـ: لا تقلقي سيدتي نحن متيقظون لكل شيء الى اللقاء..
ـ: إلى اللقاء..
وصلت القصر بسرعة قياسية, لم يخفها الظلام الذي يدور حولها, دخلت صاعدة إلى الطابق الأعلى وجدت منال جالسه وبحضنها طفلتها الصغيرة..
ـ: مرحبا..
ـ: مرحبا لم تتأخري..
ـ: نعم لأنني علمت أنهم قدموا الموعد إلى الغد..
بدهشة,ـ: ماذا.......؟
ـ: دهشت حين اخبروني بذلك..وسيسير كل شيء كما خطط له لا تقلقي اخلدي إلى نوم مطمئنه..
ذهبت لتخلد إلى نوم ناظرة إلى طفلتها نظرة وداع وخوف عليها من مستقبل مجهول...
استيقظت وبأحضانها طفلتها قبلتها قبلة حنونة,نهضت واغتسلت واستبدلت ملابسها,خرجت مبتسمة وجدت رحيق جالسه لم تذهب بعد إلى شركتها..
ـ: صباح الخير..ظننتك قد ذهبت إلى شركتك......
ـ: لا لم اذهب كل شيء يسير على ما يرام ,ولم يتبقى على الحدث الكبير سوى ساعات معدودة
ـ: دعيني اذهب معك إلى هناك..
ـ: وطفلتك؟
ـ: ستبقى مع ساندي..
ـ: حسنا ستأتين معي...
أطبق الصمت على أجواء المكان وأخذت كل واحدة تفكر بما سيحدث بعد ساعات معدودة..
.................................................. ...
جاء موعد سريعا وهرولت الساعات بخفة, كانت الشرطة موزعة حول المصنع كما خطط له, ورحيق ومنال ينظرن من داخل السيارة بتوتر,ينتظرن قدوم الأشخاص الذين خططوا لتدمير رحيق..
ببطء وحذر قدمت شاحنة وراء أخرى وتوقفت أمام المصنع,نزل منها أشخاص بحدود العشرة فتحوا المصنع بحذر
ودخلوا بعد أن أشعلوا الأضواء,فصلوا الكهرباء عن الماكنات, واخذوا بوضع الماكنات ماكنة وراء أخرى بالشاحنتين الكبيرتين..
,وبدأ احدهم يسكب مادة المشتعلة حول المصنع وحين انتهى, اخرج علبة الكبريت وقبل أن يشعل عوده الحاقد المنتقم...
شعر بفوج غفير حوله, امسكوا به بعد فوات الأوان بعد أن رمى بعوده الحاقد وتفاعل مع المادة المشتعلة..
ركضت رحيق إلى داخل المصنع متحدية كل الأوامر ,أسرعت باحثة عن منال التي كانت تقف بجانبها وهي تراقب
من بعيد...
وجدتها تصرخ وممسك بها شخص بشدة من عنقها وقتلها وهو يصرخ................
"خائنة...تستحقين الموت, الموت هو الحل الوحيد لتبتعدي عن طريقنا ولا يكشف أمرنا...,غلطتي أنني أحببتك بجنون وشاركت بكل هذا لأحصل على المال ونتزوج
ونحيا حياة سعيدة, لكنك خائنة خنتِ الوعد الذي قطعتيه معنا, قتلك ارحم من ان يعذب قلبي بهواك...!!
أسرعت رحيق إليها بعد أن ابتعد وأغلق باب المصنع خلفه, وتركها ونيران تشتعل من حولهما ودخان يتصاعد, ورحيق تصرخ باسم منال ولم تستيقظ, فقدت الوعي من كثرة الدخان المتصاعد ودخلت بغيبوبة ألا وعي..
بوسط غيبوبتها وصية منال تتردد بعقلها الباطن ,وهناك صوت يصرخ لا تموتي يا رحيق, لا..استيقظي, لم تنتهي
الحكاية هنا, السر لم يكتشف بعد, الطفلة تحتاجك, جورجيت تتعذب, فرشاتك بحاجة إليك لوحاتك تحتاجك, كل من يعمل لديك بحاجتك,استيقظي يا رحيق, هناك أشخاص يعيشون بعذاب وهم بحاجتك, رحيق حياتك غالية الثمن,
أغلى من كل كنوز الأرض, لا تدعيهم يستمتعون بانتقامهم, لا....... يا رحيق, انهضي إن جورجيت تحترق لأجلك
أرجوك ...أرجوك....أرجوك...
.................................................. .....
فتحت عيناها ببط, وجدت نفسها بمكان غريب , رائحة المعقم يفوح بأرجاء الغرفة,ومن حولها لا احد, ترددت على مسامعها تلك الكلمات التي كانت تسمعها بصوتها العجيب,تذكرت ما حدث بالأمس, نهضت بسرعة من سريرها
باحثة عن منال, جاءت الممرضة لها حالا...
ـ: سيدتي عودي إلى فراشك أنتِ بحاجة للراحة...
ـ: لا لن أعود دعيني اذهب إلى منال..
ـ: لا يمكنك..
صرخت ـ: لماذا...؟, وأكملت بإلحاح.. أريد رؤيتها...؟
ـ: لأنها انتقلت إلى رحمة الله...
ـ: ماذا ...وصرخت بـــ لا وغابت عن الوعي مجددا...
تجمهر من حولها الأطباء والممرضات لمعالجتها, دخلت الإبرة بخفة بمعصمها ونامت بهدوء لا يقطعه شيء...
يجلس على الأريكة مغلقا عينيه يفكر, بهذه الحياة التي يعيشها, حياة خطر وهروب وابتعاد, محاولات قتله عديدة,
ماضي يطغى على حاضره, يؤرقه كثيرا, يخنقه بشدة, يطعنه طعنات متتالية بلا رحمة, يسخر منه ومن عدم تناسيه
كل شيء,صعب جدا أن تحيى بحاضر ملطخ بدماء الماضي, صعب جدا ان تكون وحيدا بحياة موحشة, صعب جدا
أن تثبت للجميع قوتك وهناك ماضي يضعفك....
همس أخيرا....
تبا لهذا الماضي الذي لا يكاد يفارقني, ألا يكفي جميع من يحاولون قتلي, ألا يكفي أنهم يحاولون تحطيمي بأي طريقة
وذاك الموعد اللعين الذي سأقابلهم فيه بعيدا عن أعين الناس حتى نتوصل لحل, ولا يريدون مني إحضار أي حراسه وإلا قتلت,صعب جدا أن تذهب إلى موعد موتك بنفسك, لم احصل على ثروتي وأملاكي الكثيرة إلا بجهدي وتعبي,
والآن لأني أقف عقبة بطريقهم يريدون إبعادي إنهم حتما يحلمون حلما مستحيلا...
نهض متجها نحو الخارج بخطوات متناسقة وواثقة,رافعا رأسه بنظرة ثاقبة, أغلق الباب خلفه بهدوء, انطلق بسيارته
قاطعا الشوارع بكل خفة وسرعة,يديه على المقود متمكنة , ينظر إلى هنا وهناك بلا اكتراث,يبتسم بسخرية على عجلة الحياة المسرعة دائما, تذكر بأنه لم يقرأ اليوم الصحف وأخبار المدينة, توقف بمكان قريب, وعاد بعد دقائق ممسكا بجريدته, أراد تقليب صفحات لكن استوقفه خبر...بعنوان " حادثة مفجعة"
حدث حريق مفجع في مصنع رحيق للمرأة العصرية في يوم أمس..وأدى إلى إصابة السيدة رحيق... وفقدانها الوعي جراء استنشاقها كميات كبيرة من الدخان..نتمنى لها الشفاء العاجل....توقيع الجريدة..
طوى الجريدة ووضعها جانبا,أخذ يفكر بهذا الحريق الغريب, حتما بأنه مقصود لتدميرها, إنهم بشر حاقدون, أمثال أولئك الذين يلاحقونه دائما لتخلص منه بأي طريقة كانت................
أكمل سيره بغموضه العجيب يحاول إيجاد خيوط الحياة ربما يجمعها يوما ويستطيع فهم ألغازها وأسرارها المعقدة...
نهضت رحيق مجددا, فتحت عيناها ببطء تذكرت كل الذي حدث انهمرت دموعها البلورية, مسحتها برقه بكفيها الناعم, نهضت من سريرها, واتجهت إلى الحمام, اغتسلت وجهها ونظرت الى نفسها بالمرآة وجدت وجهها شاحب,
ابتعدت خارجة وجدت الممرضة تنتظرها..
نظرت إليها من ثم تفوهت..ـ: أريد رؤية الطبيب لأنني سأخرج الآن..
ـ: لا لن تخرجي الآن... لأنك لم تتعافي بعد ستبقين لأيام معدودة هنا..
ـ: لا..لن أبقى..ابلغي الطبيب بأنني أريد رؤيته...
ذهبت الممرضة لتستدعي الطبيب وجلست رحيق تنتظر الطبيب..حضر الطبيب بابتسامة بشوشة ..
ـ: كيف حال مريضتنا اليوم..؟
ـ: بخير..أريد الخروج من هنا..
ـ: أنت بحاجة للراحة والعناية وخروجك سيضعفك أكثر الأفضل أن تبقي هنا..
ـ: لا استطيع سأخرج على مسؤوليتي ..
ـ: إذن سنقوم بفحص نهائي حتى نطمئن عليك وبعدها ستخرجين..
ـ: حسنا أنا موافقة..
خرجت من المشفى وجدت أن سيارتها مركونة بالخارج كما طلبت, صعدتها مبتعدة عن كل شيء, وبذهنها هدف واحد هو احتواء الطفلة وتربيتها وتعويضها عن والدتها التي تركتها لهذه الحياة الموحشة لوحدها..
.............................................
|