جائت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل والقلق والحزن يلف الدار ووالدا حياة لا يعرفون ما يفعلون من فرط التوتر فقد شُل ادراكهم وبقيت لهم الهواجس تأخذهم من فكرة سيئة لأسوء عما حدث لحياة ، لم يدع الجيران هذه العائلة وحيدة بل ظلوا بجانبهم وابلغ احدهم الشرطة لتتصرف ما إذا حدث حادث اختطاف لحياة واعطوا الشرطة گـل التفاصيل عن حياة وعن حادثة اختفائها ، اثناء نحيب والدة حياة وتخبط والدها ومواساة الجيران سمعوا صوت دق في الباب ليفتح احدهم ليرى من الطارق لتندفع حياة ومعها فتاة بائسة معدمة ليس معها الا ردائها الممزق والمهترء وجوعها گـل ما لديها ، لم يصدق احد ما يرى بحتى الام والاب تسمروا في مكانهم من الاستغراب الشديد الذي اعتراهم نحو موقف حياة وشعورهم بالشفقة ازاء تلك الفتاة التي على ما يبدو تصغر حياة حوالي ثلاثة اعوام ، نطق احدهم معاتبا لحياة على اختفائها المفاجئ ودب الرعب في اواصر والديها المسكينان الطيبان ، لتكسر بذلك العجب لتخبرهم السبب الذي ادى الى اهتزازها الشديد ومن ثم الغياب ساعات طويلة في غمرة الليل ووحشة الازقة انها اسفت لحال تلك الفتاة المسكينة التي وجدتها عن احد الزوايا المهمشة لبناء عتيق لا يصلح الى لسكنة الاشباح فيه كان بجانب السوق الذي قصدته مع صديقتها (ضياء تلك الصديقة الوحيدة لحياة) والتي شعرت بشعور مماثل لحياة ازاء تلك الفقيرة المعدمة التي وضعتها الحياة بين ازقة البيوت تارة وبين الاماكن المخيفة تارة اخرى مما جعل ضياء تنكسر لحالها فتأخذها معها للمنزل لتتصل بعد ذلك بحياة وتخبرها ان والدتها لم تحبذ بقائها معهم واصفة اياها بالكتلة القذرة لتبدأ بعدها حدة غضب حياة لتقرر اخذ الفتاة الفقيرة من منزل ضياء لمنزلها واختارت الخروج من النافذة البعيدة عن القاع رغم احتمالية وقوعها ولقاء حتفها الاكيد لعدم مواجهة والداها لانهم سيمانعون خروجها مرة اخرى وفي وقت متقدم في الليل رغم ان الوقت كان يشير الى السابعة والنصف مساءً ولكن حرص والداها تعدى الحرص نفسه عندما يأتي المساء ، اخبرت حياة گـل التفاصيل لجميع الحضور وكانت ردات الفعل للحضور تتفاوت بين متفهم ومعارض لموقف حياة فيما يتعلق بخروجها من غير علم والداها والنزول من نافذتها عن طريق الشجرة الى القاع ، خرج الناس بعدما اطمئنوا على حنين ووالداها تاركين الثلاثة في الدار مع الظيفة الجديدة والتي بدت مثيرة للاشمئزاز من قبل والدا حنين وخصوصا الام التي بدأت ترمق حياة بنظرات الغضب والحدة ولكنها تماسكت نفسها لكنها لم تلبث الا ان انفجرت في وجه حياة بعدما قالت الاخيرة للفتاة المشردة انا سأحممك واتولى گـل شؤونك عزيزتي ، قائلة كيف تسمحين لنفسك ان تأتي بهذه الفتاة الغريبة الى هنا ؟!، استرسلت حياة في دموعها وقالت بضعف وانكسار ارجوكي يا امي دعيها تبقى معنا ولا تكوني قاسية مثل والدة ضياء ، كاد الموقف ان يزداد سوأ لولا تدخل الاب الحكيم في تهدئة زوجته وخصوصا بعدما بصقت الفتاة على الارضية النظيفة لتهب حياة بمناداة الخادمة( لوسي )التي كانت كثيراً ما تتعمد تجاهل حياة مع اوامرها كره شديد لها لان الاخيرة كانت كثيرا ما تسيء معاملتها بدون قصد فكانت تظن ان الجميع من الواجب عليهم تدليلها واطاعة اوامرها ولكن هذه المرة اختلف الحال فقد ابدت حياة استعدادها للاعتناء بالظيفة الجديدة او بمعنى اصح المقيمة التي بدت توشك ان تفرض نفسها بخجلها وسذاجتها وشيئاً ما بقذارتها التي جلبتها معها من الشارع ، جائت لوسي ورأت منظر الفتاة المريع لتضع يداها على فمها مع شهقة تنم عن فزعها مما ترى امامها ، امرت حياة لوسي تنظيف الفتاة وحتما لم تطق لوسي هذا الامر عند سماعه فكيف الحال بتنفيذه ، نفذت مجبرة تنظيف الفتاة لتقوم بضربها بين الحين والآخر لتفريغ غضبها بها من حياة وتوعدت بحياة تلك الفتاة المدللة التي اضحت كقديسة بين ليلة وضحاها !.