قصة القناص رائعة و مميزة ادخلوووووووو وتمتعووووووو والله جميل ادخلوو وشوفو بانفسكم القنــــــاص
كنا نعتبر الجندي جميل أقل الزملاء ذكاءا .. على مستوى الفصيلة .. دائما ما كنا نسخر منه .. أو نتخذه موضوعا للتنكيت والتسلية في أوقات الراحة .. كان ينال منا النصيب الأكبر من المقالب ، والخدع .. والغريب في الأمر أنه في كل مرة كان يستجيب لمكائدنا ، ولا يتعظ أو يتعلم .. وكان رقيب الفصيلة يختصه بتنفيذ المهام الشاقة ، المرهقة .. لانصياعه ورضوخه دون تردد أو اعتراض .. بل كان يبذل جهدا كبيرا لإنجاز هذه المهام ، وكان يجد متعة في ذلك .. خاصة الواجبات الشاقة مثل حفر الخنادق وحفر الأسلحة ، وتكسيتها .. أو تطهيرها من الرمال .. وفي بعض الأحيان عندما يكلف أحدنا بواجب ما .. كالحفر .. او الحراسة .. أو ما شابه ذلك .. يقوم الجندي جميل به نظير جزء من الطعام الذي نجلبه معنا في العودة من الأجازة الميدانية .. أو نظير سيجارة ، أو مبلغا بسيطا من النقود .. لم يكن يعترض أو يتبرم .. بل كان صبورا .. واسع الصدر .. كان يشاركنا ضحكنا رغم أننا كنا نسخر منه .. يضحك معنا في بلاهة لا ندري إن كانت فيه ، أو يتظاهر بها أمامنا .. كان معظم وقتنا نقضيه باحتلال موقع الفصيلة على الضفة الغربية لقناة السويس ، أو التجمع في منطقة خلفية قريبة ومستورة لتنفيذ طوابير التدريب على القتال .. وكنا دائما على أهبة الاستعداد في أي وقت وأي مكان .. وكان جميل تسليتنا الوحيدة .. التي نكسر بها حالة التأهب المستمرة .. والتي كانت تصيبنا في بعض الأوقات بحالة من الملل والزهق .. خاصة عندما تطول فترة الانتظار للاشتباك مع العدو بالنيران .. فعملية التحفز ، والتأهب دائما ما تجعل أعصابنا مشدودة .. وحواسنا يقظة .. وأعيننا زائغة .. وآذاننا مصغية لوقت طويل .. فإذا استمرت هذه العملية طوال اليوم لك أن تتخيل مدى الإرهاق ، والمعاناة ، والإحباطات التي تصيبنا ، واليأس الذى ينتابنا .. لا يخرجنا من هذا كله إلا تصرف أحمق يقدم عليه جميل .. أو عبارة بلهاء يطلقها .. لا ندري إن كان عفويا أو متعمدا .. المهم أنه كان يثير حفيظتنا فنتحول من حالة الإحباط التي سببتها عملية الانتظار والترقب وقتا طويلا .. إلى حالة من الاسترخاء والتحرر من التشنج والتيبس الذي كبل حواسنا .. الغريب أن جميل دائما يسعد بذلك .. وتنتابه حالة من الانشراح والسرور .. مما كان يزيد من حماسنا للسخرية منه ومداعبته .
في أحد الأيام وصلت إشارة للفصيلة باختيار العريف سعد رامي البندقية القناصة .. لحضور دورة تدريبية في معاهد التدريب بالقاهرة لمدة شهر .. مما سبب مشكلة كبيرة لقائد الفصيلة فلابد أن يختار أحد أفراد الفصيلة لحمل البندقية القناصة بالإضافة لتسليحه الشخصي .. وكان لابد أن يكون مدربا تدريبا جيدا على استخدام هذا السلاح الوحيد على مستوى الفصيلة .. حيث له أهمية كبرى في اصطياد الرتب والوظائف المؤثرة في صفوف العدو .. ولكن لسوء الطالع كان الفرد الوحيد البديل والمدرب على استخدام القناصة مصابا في المستشفى ، ولا يرجى شفاءه قريبا .. احتار قائد الفصيلة في إيجاد حلا لهذه المشكلة العويصة فالبندقية القناصة مثل باقي الأسلحة الرئيسية الأخرى في الفصيلة .. كالمدفع الماكينة ، والقواذف المضادة للدبابات .. لا يجوز تخزينها بأي حال من الأحوال .. بل لابد أن تكون على أهبة الاستعداد للاستخدام .. أو على الأقل تكون في حوزة أحد الجنود .. وهو عبئ إضافي .. حيث يكون عليه أن يحمل سلاحا إضافيا بذخيرته مهما كان الوزن .. يصطحبه معه أينما تحرك .
جمع القائد أفراد الفصيلة .. وطلب منهم متطوعا لحمل البندقية القناصة .. ولكن لم يحرك أحدا ساكنا .. كرر طلبه .. أذهله أن يتقدم الجندي جميل الصفوف وحده متطوعا .. بوغت القائد وأصابته الحيرة .. أسقط في يده ، وقام بتسليم القناصة له ، فالأمر أصبح سواء .. وجميل سيكون مجرد أداه لحمل السلاح .. وإذا استدعى الأمر لاستخدامه يقوم قائد الفصيلة نفسه بذلك ، لذا أمر جميل أن يظل قريبا منه دائما ، ليكون طوع بنانه وقت الحاجة .. لم يسلم جميل من سخرية زملائه .. بل ازدادت بعد استلامه القناصة .. حتى أن البعض حثه على استخدامها .
كثرت غيابات جميل عن موقع الفصيلة .. ولكن سرعان ما كان يظهر عائدا من اتجاه جزيرة الفرسان المجاورة للموقع والتي يحتلها جنودا كويتيين .. كان جميل يختار فترات اختفائه وغيابه عندما يكون قائد الفصيلة مشغولا بأمر ما في قيادة السرية .. أو في فترات حضوره المؤتمرات واللقاءات مع القيادات الأعلى .
في أحد الأيام اشتد قصف مدفعية العدو على جزيرة الفرسان بشكل غير مسبوق .. وكانت الجزيرة عبارة عن غابة من الأشجار السامقة الكثيفة .. حتى أن النيران حولتها إلى جحيم لا يطاق .. انتهي القصف بعد فترة طويلة .. وأطفئت النيران في الجزيرة .. وانتهت حالة التأهب والاستعداد للفصيلة التي تتحول إليها مع كل اشتباك مع العدو .. أو عند قيامه بالبدء في القصف ، ولكن شوهد جمعا من الجنود يهرولون في اتجاه موقع الفصيلة يسبقهم الجندي جميل والقناصة في يده .. لاذ بملجأ قائد الفصيلة عله يعصمه من هذه المطاردة الشرسة .. استقبل القائد المجموعة مندهشا .. كانوا جنودا كويتيين ومعهم قائدهم برتبة ملازم .. كانوا في حالة غضب وصخب .. استطاع القائد من تهدئتهم ، وقام باستضافة قائدهم في الملجأ الميداني ليستطلع أسباب الهياج والغضب .. اشتكى له الملازم الكويتي بأن الجندي جميل تكرر تسلله إلى الجزيرة .. حيث يقوم باحتلال موقع مستتر في غفلة منهم .. ويشتبك بقناصته مع العدو قبل أن يتخذ الكويتيين حذرهم .. فكان العدو يرد عليهم بالقصف المدفعي قبل أن يتواروا في الخنادق والملاجئ .. واليوم تسبب القصف المعادي المكثف في إحداث خسائر كبيرة في صفوفهم .. بالإضافة إلى الحرائق التي شملت أنحاء الجزيرة .. غضب قائد الفصيلة من تصرفات جميل ، وإقدامه على هذا العمل الأرعن الغير مخطط .. ووعدهم بمعاقبة الجندي جميل عقابا رادعا ، كما وعدهم بعدم تكرار ذلك مستقبلا .
سحب قائد الفصيلة البندقية القناصة من جميل وأنذره للعرض على مكتب قائد السرية لاقترافه هذه المخالفة الجسيمة .. ولكن وصلت إشارة إلى الفصيلة بعرض رامي قناصة الفصيلة على قائد الفرقة فورا ومعه قائده المباشر .. ندم قائد الفصيلة ندما شديدا لاختياره جميلا لحمل القناصة ، وهو يعلم أنه غير مدرب على استخدامها .. كان من الأوفق أن يعرض الموقف على قائد السرية لندب فردا آخر مدربا على هذا السلاح لحين عودة المستخدم الأصلي من الدورة التدريبية .. ولكنه غامر وقامر ، ولم يتوخ الحذر فجانبه التوفيق .. وها هو اليوم .. بسبب هذا القرار .. يتعرض لتوقيع عقوبة عليه من قائد الفرقة ، وإلا لماذا طـُلِب القائد المباشر مع الفرد القناص !! ..
اصطحب قائد الفصيلة الجندي جميل إلى قيادة الفرقة .. انتظر خارج المكتب والقلق يكاد يقتله .. لم يتوقف عن لوم نفسه ومحاسبتها .. وقد تملكه التوتر من طول انتظار .. وبعد فترة سُمِح لهما بالدخول إلى مكتب قائد الفرقة .. الذي كانت قسماته جامدة .. لا تعبر عن شيء .. راح قائد الفرقة يقلب نظراته النارية بين قائد الفصيلة ، والجندي جميل .. سأل بصوت رخيم .
ــ أين رامي القناصة ؟ ..
أجاب قائد الفصيلة في وجل ..
ــ في دورة تدريبية يا فندم ..
زاغت نظرات قائد الفرقة وهو يستطرد ..
ــ إذا .. من الذي أصاب قائد العدو ؟ ..
أجاب جميل دون تردد ..
ــ أنا يا فندم ..
قطب قائد الفرقة حاجبيه ، وضاقت عيناه وهو يسأل ..
ــ من أنت ؟ ..
تدفت الدماء في عروق قائد الفصيلة .. وعادت الحياه إلى وجهه ، ودبت الروح في صوته وهو يجيب ..
ــ إنه القناص البديل يا فندم ..
وقف قائد الفرقة خلف مكتبه .. ومد يده إلى الجندي جميل وهو يصافحه في حرارة قائلا ..
ــ برافو عليك .. لقد اقتنصت شخصية هامة في الجيش الإسرائيلي ..
علت البسمة وجه جميل ، وراح يقلب وجهه بين قائد الفرقة وقائد الفصيلة في فرحة غامرة .. أردف قائد الفرقة ..
ــ تم ترقيتك إلى درجة الرقيب ..
عاد جميل إلى الموقع مع قائد الفصيلة الذي جمع الأفراد جميعا في صورة طابور .. وأعلن عليهم قرار قائد الفرقة .
وأصبح جميل رقيبا للفصيلة وسط دهشة وخشية الجميع ...
ــــــــــــــــــــ |
__________________ |