عرض مشاركة واحدة
  #173  
قديم 09-05-2013, 10:18 PM
 
الجزء الثامن عشر ( حيث لم يصل ضوء المصابيح الزيتية الباهت , هناك تتركز الظلمة ! )


وسط عريشة من الازهار جلست وابتسامة مسترخية ترسم على شفتيها , السماء كلها مشرقة بألوان جميلة براقة و البحيرة أمامها كوشاح رقراق من ألوان الهدوء والكمال و موسيقى الطبيعة و الطيور تتردد بنعومة في أذنيها .. اراحت ظهرها على جذع الشجرة وهي تتنهد , كم هي جميلة , الطبيعة الأم الساحرة ..
انسدل شعرها الاسود الحريري المتماوج جانباً و اغمضت عينيها ببطء تستنشق العبير الندي في جو السلام و الجمال..
سمعت همساً بجانبها ففتحت عينيها بهدوء لتراه يجلس بقربها وقد حياها بكلمة وحيدة .. كان قريباً و يده على العشب الندي قرب يدها .. ظلت تنظر مسحورة طويلاً بلون عينيه الفريد وكيف تنعكس عليها الأضواء تصبح قصة أخرى طويلة من السحر , بينما شعره الأسود قد طال قليلاً لأسفل عنقه , أنفه المثالي كحد السيف, شفتيه الرقيقتين المطبقتين حدة و كبرياء وسكون ملامحه , ترسلها الى عوالم غريبة لا يمكن أن يكون مخلوق باهر الجمال , وكامل تقريبا بكل شيء ... ما عدا...
ما عدا ذلك الشيء الرهيب الذي يعتصر قلبها و يهز أوتاره ليل نهار... هو... لا يمكنه رؤية شيء... سوى الظلام...
..لم ولن يراها !.. ولن يرى هذا الجمال ولن يرى كم تحدق به عينيها وكيف تحرك يديها وكيف يمكنها أن تنطق بالكلمات و الانفعالات ترتسم في أنحاء وجهها .. كيف تعبس و كيف تضحك و كيف تسبل عينيها لتنام...!
لمست طرف وجهه متشجعة فلتفت هو ببطء نحوها ليتقابلا قريبين لكن بعيدين بشكل ما... همست هي بألم :
_ سيدريك , لماذا ... عرفتك ؟!... لماذا جئت إلي ؟!!... بدأت أرى بوادر العذاب...!
فتحت عينيها فجأة وهي تتنفس بشكل حاد غريب , حدقت بلا وعي تام بالسقف الخشبي فوقها و ظلت مسمرة ثوان طوال قبل أن تدرك بأنه كان حلما... غريبا... طرفت بعينيها , حقا...! لما جاء سيدريك لحراستها..؟! والدها لم يختره , بل هو أتى .. لماذا ...!
ثم دخلت السيدة تالين وهي تقول بلطف : صباح الخير عزيزتي , لقد تأخرت بالنوم , فيما كنتِ تحلمين ؟! , ظنك سيدريك مستيقظة لأنك ناديته فجأة قبل الفجر بقليل!.
التفتت مارسيلين مصدومة و وجهها يشتعل احمراراً , هل نادت سيدريك بحلمها !. يالا الأحراج وهو قد سمعها طبعا و ظنها تحتاج لشيء ما...!
وضعت يديها على وجهها وهي تغطيه من الخجل... آووه كم كان ذلك محرجاً مربكاً..!
بدلت ثيابها و نزلت بهدوء للمطبخ بينما ضربات قلبها متوترة بين سريعة قلقة و هادئة منتظره... لكن ما أن رأته يقف قرب المدخل , بقميص أبيض ذو ياقة مفتوحة قليلاً و بنطال أسود والسيف المعلق بحزامه الجلدي , ارتفعت ضرباتها مجدداً , كان ينظر بعيداً , ثم التفت نحو صوت خطواتها بهدوء و لاحظت بأنه يسبل رموشه قليلا نحو وجهها , أنه يعرف طولها وشكلها تقريباً ..
وقفت تحدق به كالبهاء بينما بدا هو كأسطورة قديمة قد أحيت بكامل جمالها ..
_ صباح الخير سيدتي , هل نمتِ جيداً ؟!
وجدت صوتها بعد ثوان لترد بارتباك غريب وهي تتذكر حلمها : آه صصـ صباح الخير سيدريك , بخير..!
اسرعت للمطبخ وهي تجلس على أقرب كرسي , أتت السيدة تالين مبتسمة وهي تحضر بعض الشاي الساخن و بعض الطعام لأجلها , تمتمت برقة : لقد مرت العاصفة بخير , لكن الغيوم لا تزال تدور , ربما ستكون هنالك عواصف أخرى قريبة..
ماذا ؟!, فكرت بعبوس لكنها تود لو تذهب لرؤية غاردينيا...قالت بصوت خافت خامل : ... لكني أود الذهاب للقصر...
_ بالطبع يا عزيزتي ستعودين لقصر والدك , لكن العاصفة...
صححت الأميرة جملتها بسرعة : ..أعني , أريد رؤية الاميرة غاردينيا مجدداً , نحن كنا.. نعرف بعضنا في طفولتنا..
التفتت نحوها السيدة تالين قائلة بحماس ودهشة : حقا ! , اعتقد هذا , لأني خدمت في القصر قليلا عندما كان سيدريك مدرباً للقادة هناك , آووه الأميرة غاردينيا مسكينة للغاية و مريضة و ضعيفة لا تكاد تبرح قصر والدتها , لكن حمدا لله جلبها الملك هنا و قالوا بأن صحتها تتحسن بشكل جيد.. كونكما تعرفان بعضكما قبلاً هذا رائع جداً..
ابتسمت مارسيلين بسعادة , ثم سمعت صوت خطوات سيدريك يدخل من خلفهم طرفت بعينيها الخضراوين كالزمرد لترى الزهرية قد وضعت بها أزهار جديدة , أزهار القرنفل البنفسجية وبعض الزنبق الأبيض والأزرق...
تنهدت بأسى وهي تتذكر الحلم , لا تدري , لكنها بدأت تتحسس بشدة من كون سيدريك ضرير لا يرى , أصبحت تشعر و كأناً يدا قابضة على قلبها , وجع يكاد يصل عينيها لتبكي ... أغمضت عينيها ببطء وهي تتألم .. لا تتذكر ما نطقت بالحلم , لكنها قالت شيء عن ألم قريب ... ربما عقلها الباطني يشعر بأمر هي لا تعرفه...!
بعد الافطار بقليل خطر ببالها شيء ما , يجب أن تجربه , يجب أن تعرف بنفسها , ... كيف هو الشعور بذلك , بما يشعر سيدريك...!
قالت السيدة تالين بتوجس وهي ترتدي وشاحاً حول عنقها : سأذهب لأجلب بعض الامور التي تنقصني , أتحتاجين لشيء معين عزيزتي ؟!.
أجابت الأميرة بهدوء شديد : لا أبداً , أشكرك سيدة تالين..!
قالت السيدة تالين بريبة وهي ترمقها بدقة : أأنت متأكدة عزيزتي ؟ , تبدين لي هادئة جداً هذا اليوم ؟! هل تشعرين بألم ما ؟!
خجلت مارسيلين وهي ترد بلطف و ابتسام : آه لا .. لا أبداً , أني بخير..
نظرت نحوها السيدة بتعاطف شديد وهي تشد على يديها قائلة مشجعة : ربما أنت قلقة على والدك , ليس عليك هذا حبيبتي , كل شيء سيكون بخير .. سأخرج قليلا و سأعود بسرعة , ثم ستذهبين للقصر أن أردت قبل حلول العاصفة...
تبسمت الاميرة و شكرتها مجدداً , وبعد خروج السيدة تالين , التفتت نحو الخلف لتجد سيدريك يضع الصدرية السوداء الجلدية فوق قميصه الأبيض ثم يربط الخيوط , بدا جذاباً جداً .. فارس حقيقي .. وبشكل ما أصبحت تلمح كل حركاته وسكناته , كلها تثير أهتمامها الشديد..!
تنفست بعمق وهي تمر من جانبه نحو الردهة الصغيرة , نظرت حولها جيداً لترى قطع من المناديل مصفوفة جانباً فوق منضدة صغيرة , اسرعت لواحدة منها , اخذت واحدة كبيرة و التفتت خلفها لترى سيدريك لا يزال بمكانه وقد وقف بصمت هادئ ..!
فيما يفكر , تكاد تموت لتعرف , عندما يقف هادئا هكذا.. بما يفكر ..؟! مالذي يشغل باله في وقت عادي كهذا... تحيرت مارسيلين قليلاً .. لكنها على وشك الكشف تقريباً , عن غموض و فقدان لحاسة ما...
كانت الدرجات على الجانب الأيسر , و سيدريك عند باب المطبخ بعيد عن الطريق قليلا... الطريق الذي رسمته جيدا بعقلها .. أمسكت بالمنديل و بلا تردد عقدته على عينيها المغمضتين, فأصبحت لا ترى شيئا .. كل شيء أظلم...
تنفست بعمق , كل شيء أسود الآن , يجب أن أتحرك لأصل لغرفتي... معصوبة العينين...!
سوف أعرف مالذي يشعر به سيدريك.. بفارق رهيب وهو... أنها تعرف الاشياء و ألوانها... وهذا شيء لا يمكنها أن تجرب فقده...
تحركت ببطء , واستغربت شعورها بالقلق و أن قلبها بدأ يسرع بالنبضات .. جرت قدميها جراً .. ويديها بلا شعور قد ارتفعتا أمام جسدها تتحسس الهواء , همست بقلبها تشجعه .. لا زلت في الغرفة , المدخل قريب , و الدرج كذلك...
مشت خطوتين صغيرتين تسحبهما سحباً... وهي تتحسس الفراغ , قالت بنفسها , لا شيء أمامي.. لا شيء.. لا بأس..
الشعور الذي راودها أنها تشعر بفراغ دائم حيث الهواجس بدأت تتكون .. و التخيلات أصبحت غريبة , كما أن وقع الصمت ثقيل متعب..
هل خرجت من الردهة ؟!... سألت نفسها بتوتر... مشت خطوتين و يديها معلقتان أمامها في الظلمة , وهي لا تمس شيئا أبداً .. هل وصلت للباب ؟! هل تجاوزته قليلا ؟!... هل يمكن أن الدرج قريب , كم خطوة يكون... هل ....؟!
أخذت الاسئلة تزدحم برأسها و قلبها يضرب بقلق مرتفع , بينما تتنفس هي بقلق , هذا المنزل هي تعرفه وليس بالشيء الصعب , كيف يفعل سيدريك ذلك ؟!... كيف يسير بثقة رهيبة ورأسه مرفوع ... بغض النظر عن كونه مقاتل بارع !!
اصطدمت قدمها بالجدار فجأة فشهقت بقوة مرتعبة وهي تضم جسدها , مالذي حدث , لا شك بأنها اخطأت بالطريق...؟! ارتجفت .. أرادت أن ترى .. لكن لا , يجب أن تصبر قليلاً...
_ سيدتي ؟!.
أتاه صوته من الخلف , ثم تابع يسألها بنبرة عميقة بطيئة لمست فيها الحيرة : مالذي.. تفعلينه ؟! أأنت بخير ؟!.
تنفست بسرعة لا يجب أن يعلم مالحماقة الجديدة التي تخوض بها الآن !, ستجرح مشاعره أكثر و أكثر...!!
هتفت بصوت يرتجف فجأة : لا...لا أعني.. بخير , بخير... لا تتحرك سيدريك أرجوك.. لا تتحرك..
صمت رن في رأسها , ثم أتاها جوابه من الخلف هادئاً : حسنا , أنا باقٍ في مكاني..
ازدردت لعابها و شفتيها تجفان بسرعة , الظلام و الهدوء , لن تستدل على أي شيء.. بما أن صوته خلفها , هذا يعني بأنها خرجت من الردهة , و اصطدمت بالجدار لأنها تسير بشكل مائل قليلاً .. بطيء كثيراً...لكن تشجعت.. ثم مضت خطوة... خطوة...
لكنها دخلت إلى أرضية غريبة غير مفروشة , خشبية مصقولة .. توترت , ما هذا المكان ؟!... أين دخلت ..؟! هناك غرفة أخرى قرب الردهة , لكن هل كان بابها مفتوح...؟ عليها أن تتذكر و تحفظ كل خطوة و تركز على الاتجاهات..

مشت خطوتين مرتجفتين و يديها أمامها .. يا ألهي !, قالت بنفسها , أني لا أعرف شيئا .. لكن أهذا ما يشعر به سيدريك ؟!. لكنه بخير الآن .. ربما قبلاً... عندما كان صغيراً, لا شك بأنه يكاد يجن بكل ما يسمعه ولا يراه .. كم مرة ارتطمت ساقيه بالأشياء , كم مرة ظل الطريق , حتى ولو في بيته , ربما ظل طريق غرفته , ربما شعر بالعطش مرة ولم يجد أين يكون الماء !
هل كان يسير بفم جاف نصف مفتوح و يديه أمامه تتحسسان و قدميه تجران جراً , تمسحان الأرض و ضربات قلبه تكاد تنفجر و تنفسه سريع متوتر , و كأنه ألقي وحيداً في المجهول...!
مشت قليلا مرتجفة وقد ضمت أحد يديها لصدرها و الأخرى أمامها ترتجف تحاول مسح الفراغ و ابعاده عن عينيها.. اصطدمت ركبتها بشكل مفاجئ بشيء خشبي , طاولة ربما , تأوهت بألم غريب ضربها و كأن الصدمة هزت كيانها و توازنها كله...

أنه الخوف , أنها مرعوبة للغاية من الظلام .. لا تكاد تعرف مالذي يجري حولها.. تنتفض خوفاً من داخلها..
تحسست الطاولة بألم و الدموع تهدد بالانفجار , ثم حاولت المشيء من جانبها لكن فاجئها الكرسي , عضت شفتيها , يجب أن يكون الكرسي إلى داخل الطاولة من الذي اخرجه ليجعله في
الطريق ؟!! - سالت أحد الدموع الحارقة – أنها أنا من نهضت و تركت الكرسي هكذا...!
بكت شاهقة بألم , أنها ترتكب أخطاء رهيبة دون مراعاة المشاعر , سواءً من قبل أو حتى الآن... فقدت توازنها وهي تتحرك من حول الكرسي لتصدم بمنضدة صغيرة على زهرية ما و كادت تقع معها كلها بعدما أدركت أنها دخلت المطبخ ..!
كادت تصرخ لكن الصرخة خرجت شهقة خوف طويلة ~
توقفت عن التنفس لثوان , شيء ما يمسك بها , كان الظلام لا يزال يحيط عينيها , لكنها تشعر به , تشعر بكل شيء منه , هاهي الرائحة الخفيفة العطرة , وهو يمسكها بذراعيه قريبا من صدره , وكانت تمسك بساعديه بقوة وهي شبة منزلقة...
اعتدل هو ببطء مبقياً إياها بين ذراعيه , وضعت يدا على صدره لتستند وهي لا تعرف أي شيء يدعمها سواه !
هو الوحيد الذي تشعر به الآن ..!
شهقت دموعها وهي تحاول التماسك , كيف دخل بسرعة ليعرف بورطتها و وضعها ليمسكها بشكل محكم جداً , شعرت بضربات قلبه القوية تهز يدها , ضربات قلبه سريعة قليلاً .. و جسده ساخن , تنفست بسرعة وهي تشعر بحركة ذراعه نحو وجهها , لمس وجهها برقة و حذر شديد , و تحسس القماش الرطب حول عينيها ~
ارتفع صدره بتنفس عميق و زفره بحده خفيف , شعرت بالدوار وهي لا تصدق بأنها بين ذراعيه قريبة من قلبه... أخذت تتنفس مجاهدة للهواء...
لكنه هو من .. همس ببطء وصوته العميق المميز يطرب اذنيها :
_ لا يمكن , أنك.. تفعلين هذا... آه أرجوك..!!
همسه هكذا و بالرجاء اذاب قلبها حزناً و أعتصر الألم كامل جسدها وهي تشهق بصوت متقطع :
_ أريد .. أريد.. أن أعرف...
_ لا , ليس عليك أبداً...
لكنها استمرت باكية وهي متمسكة بذراعيه : ليس ذلك فقط !.. أنا.. أنا خائفة جداً .. لم أصل لغرفتي حتى.. أردت أن ..
عضت شفتيها المنتفختين وشكلها المزري هكذا معصوبة العينين رافعة عنقها إليه..
_ ...أردت أن أعرف ما تشعر ... سامحني .. سيدريك.. أنـا لم اقصد ارباكك أو تجريح احساسك أنا ...
قاطعها بصوت رقيق كنهر صافي و يديه حول وجهها المبلل المحمر :
_ لا أكاد أصدق ما تفعليه من أجلي مارسيلين !, صوتك فقط يعلمني الحياة.. أنني أتعلم بالفعل منك.. أنتِ ما تدور حوله حياتي الآن..
شهقت باكية بشدة ... هل كل شيء بخير , لكنها لا تزال متألمة...! لا يزال قلبها يصرخ متفجراً... مهلاً هل نطق اسمها مجرداً ؟! , هل هي تتخيل ؟! أم هذا حقيقي...! , هل هو سيدريك , من يتحدث معها الآن , أنه .. رقيق جداً توقعت هذا... لكن هنا درجة لم تتوقعها من نبله و رقته...!!
قربها منه حتى اتكأ رأسها على صدره و لف ذراعيه من حولها , لا تكاد تصدق , أهو يعانقها ؟؟. يجب أن ترى هذه اللحظات , لكن سيدريك لا يراها ! , هذا غير عادل... سوف تبقي العصابة و لتتألم كما تشاء...
لفت ذراعيها حول وسطه و أخذت تنصت لأنغام قلبه وهي تذرف الدموع الحارقة ببطء.. هل هما يتصافيان , هل هذه صفحة جديدة لها لأجل سيدريك...!
رفع يديه و فك العصابة من الخلف ثم ابعدها قليلا عنه , ارتجفت وهي تنظر نحوه متألمة بعيون منتفخة لامعة , لا أرجوك...
سبقها قبل أن تنطق ليقول بهدوء ناعم : هذا غير عادل لك .. لا تفعلي هذا , أنا أعيش بهذه الحياة منذ ولادتي , لكنك رأيت النور و تريدين فقدانه بنفسك هكذا .. أرجوك لا تفعلي هذا مجدداً .. أني لم أخف في حياتي قط من أي شيء .. سوى خوفي عليك , و للتو افزعتني فزعا رهيبا , كيف خطر شيء كهذا ببالك ؟!.. أرجوك.. أن تستمعي إلي...
كان منحني نحوها وهي تنظر في عينيه اللامعة البنفسجية كالفجر البراق تتموجان محدقاً في عينيها هي وكأنه يراها ويديه حول وجهها ..
لقد كاد أن يفجر قلبها بالفعل , لقد جن وخرج عن سيطرته .. لقد جلبت له الجنون و هذا الألم... كان يعرف... قلبها بأنه قد وقع متألما في عشق هاتين العينين , في حب هذا الأنسان الوحيد الفريد الذي يمنحها أروع شعور , بالحياة.. !

اخرج منديلا آخر ليجفف وجهها بلطف, ثم لاحت ابتسامة.. فغرت فمها لا تكاد تصدق... أهو يبتسم , ابتسامة خفية لطيفة لم يستطع اخفائها .. ابتسامة ساحرة خلابة أضاعت عقلها..
شعرت بأنها خرساء غير قادرة على قول أو التفكير بأي شيء.. لقد غرقت تماماً في حبه... همس هو بصوت ناعم و الابتسامة الرقيقة تظهر اسنانه الؤلؤية :
_ .. رغم هذا... اسمحي لي بقول , أني معجب بك سيدتي الذكية مرهفة الاحاسيس جداً ونقية القلب تماماً .. أني أشعر بالدفء لقربك , منذ أن أتيت لحراستك , أهو النور من يجلب الدفء , أأنت نوري الذي بقربي ؟!.
هل يريد أن يفقدها وعيها , لقد أضاع كلماتها تماماً لا تدري ما تقول , مالذي تنطقه شفتاه ؟! , من أي عالم أتى سيدريك ؟!. ربما هو ليس بشري ! , أن روعته لا تصدق ؟!. رقيق دافئ وحنانه لم تعرفه من قبل أبداً..
حركها قليلاً لتجلس على الكرسي وهي لا تزال صامتة مدهوشة شبة غائبة عن الوعي ,إن حياته تدور حولها , أنه يقول بأنها الدفء القريب منه , و هو يقول بأنه معجب بها , أ.. أهذا معقول ؟؟, الناس حولها و خاصة والدها الملك غير معجب أطلاقاً بتصرفاتها !! وهي لا تسبب الدفء بل الصداع !
شهقت غير قادرة و أخذت الدموع تسيل مجدداً , كلماتها تعثرة تخرج من بين شفتيها : أنا !!.. حمقاء !, لا شيء أجلبه سوى المشاكل , لا أقصد هذا .. لكنه يحدث , سيدريك أنا... أريدك بقربي كي تحميني من تلك الأمور الغبية التي أفعلها.. أرجوك لا تتركني وحدي...
_ لا , أنظري إلي سيدتي..
نظرت نحوه بتردد كبير وهي تضم يديها معا لتوقف ارتجافهما , قد تكون متسرعة التصرفات جداً و لا تطيق التقييد أبداً , لكنها رقيقة جداً و تتلهف لمعرفة مشاعر الأخرين ..
صدمت وهي تراه يركع أمامها على ركبة واحدة و انحنى رأسه قليلا بتحية ثم وضع يدا على قلبه وهي يقول بجدية هادئة أقلقتها
_ أنا سيدريك لاندآر , أتعهد إليك يا سيدتي الأميرة مارسيلين دونسار بالحماية الأبدية و الخدمة التامة طوال حياتي لا لأي شخص سوى لك يا سيدتي , أنا رهن اشاراتك و كلماتك , سأكون درعك , سلاحك طوال الطريق سأكرس قوتي وجهدي و معرفتي كلها لأجلك .. أنا سأكون خادمك حارسك وكل ما تحتاجين . لن أكون مستمعاً سوى إليك..
رفع رأسه لترى عينيه اللتين بلون البنفسج داكنتين قليلا وعميقتين , همس مكملاً بهدوء : .. لكن أن اردت المزيد من الحراس فلا تبعديني , علتي هذه لن تكون عائقا لي لحمايتك , ثقي بي يا أميرة..
نهضت واقفة لا تصدق , تبعده ؟! تفضل أن تموت على هذا !! لا يستحيل أن تعيش دون أن ترى هاتين العينين وهذا الكيان المثالي الجذاب الساحر اللامعقول !!.. ارتجفت شفتيها وهي تهمس : لا , أرجوك.. أريدك معي دائماً أنا أيضا... لا أريد أي أحد غيرك..!