اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي بسم الله وما توفيقي الا بالله وبعد . في كتاب اقتضاء العلم العمل للامام العلامة الخطيب البغدادي رحمه الله قال نشكر الله سبحانه على ما ألهمنا ، ونسأله التوفيق للعمل بما علمنا فإن الخير لا يدرك إلا بتوفيقه ومعونته ، ومن يضلل الله فلا هادي له من خليقته ، وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين ، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين ، وعلى من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين ،
ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه ، وإجهاد النفس على العمل بموجبه ، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة ، وليس يعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا ، وقيل : العلم والد والعمل مولود ، والعلم مع العمل ، والرواية مع الدراية فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل ولكن اجمع بينهما ، وإن قل نصيبك منهما ، وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته ، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته . والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة ، وتمم على عبده النعمة ، فأما المدافعة والإهمال وحب الهوينى والاسترسال ، وإيثار الخفض والدعة والميل مع الراحة والسعة ، فإن خواتم هذه الخصال ذميمة ، وعقباها كريهة وخيمة ، والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة ، فإذا كان العمل قاصرا عن العلم ، كان العلم كلا على العالم ، ونعوذ بالله من علم عاد كلا ، وأورث ذلا ، وصار في رقبة صاحبه غلا ، قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل ، والعمل غاية العلم ، فلولا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل ، ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه ، وقال سهل بن مزاحم : الأمر أضيق على العالم من عقد التسعين ، مع أن الجاهل لا يعذر بجهالته ، لكن العالم أشد عذابا إذا ترك ما علم فلم يعمل به ، قال الشيخ : وهل أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد ، والعمل الصالح ، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا . وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي ، والرضى بالميسور ، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم ؟ وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب ؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما ؟ وهل المغرم بحبها إلا ككانزهما ؟ وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها ، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها ، وراعى واجباتها فلينظر امرؤ لنفسه ، وليغتنم وقته ، فإن الثواء قليل والرحيل قريب ، والطريق مخوف ، والاغترار غالب ، والخطر عظيم ، والناقد بصير ، والله تعالى بالمرصاد ، وإليه المرجع والمعاد ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره |