عندما ينحاز الزوج لأهله ضد زوجته
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... المناسبات الإسلامية
أما بـــــــــعد
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته
أخوتي و أخَواتي في الله
أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال
عندما ينحاز الزوج لأهله ضد زوجته
من المؤسف حقاً أن يكون سبب الخلاف بين الزوجين غير ناشئ أحياناً من داخل البيت الصغير، وإنما ناجم عن تدخل أحد أطراف الأسرة الكبيرة، ونعني بها أسرة الزوج أو الزوجة، غير أنه إذا كانت أسرة الزوجة تحرص دائماً على عدم التدخل في شؤون البنت المتزوجة حرصاً منها على استقرار بيت الزوجية فإن أسرة الزوج كثيراً ما تسعى إلى أن تكون طرفاً في توجيه مسار الحياة الزوجية للابن المتزوج، وهذا ما يتسبب غالباً في مشكلات بين الزوجين تنجم ـ بشكل طبيعي ـ عن عدم رضا الزوجة بنفوذ والدي الزوج داخل عش الزوجية الذي هي طرف رئيس فيه، بل يبلغ الأمر بالزوجة إلى الإحساس بأن أم الزوج تسحب بساط السلطة الزوجية التي لها نصيب فيها تفرغه في تسيير وتدبير الأسرة الصغيرة.
ومعلوم لدى الجميع أن أمهات الأزواج غالباً ما يندفعن ـ بتلقائية غرائزية ـ إلى الخوض في شؤون الحياة الزوجية والعائلية لأبنائهن بدافع الاعتقاد بأنهن يحرصن على مصلحتهم وحمايتهم من سوء تصرف وتدبير زوجاتهم. وأمام هذا الواقع لا يملك الزوج الابن ـ الذي قد لا يكون له بعد نظر ـ إلا أن يقتنع بحسن تصرف الأم وصواب موقفها الهادف إلى إيقاظ نوازع الحذر والريبة لديه، معتقداً أن الأم ـ في مثل هذه الأحوال ـ لا يمكن إلا أن تسعى إلى تحقيق مصلحته وسعادته، ما يتسبب في الإيقاع بالعلاقة الزوجية التي تجمعه بزوجته في خندق المشكلات والخلافات.
أما الزوج اللبيب الحريص على أن تكون علاقته بزوجته سليمة صافية وشفافة فهو الذي يحتفظ بنصائح أمِّه وتوجيهاتها وتحذيراتها في نفسه ولا يفشها لزوجته التي إن علمت بتدخل حماتها في حياتها الزوجية لا يسعها ـ إن كانت قليلة الصبر والحلم ـ إلا أن تبادر إلى المواجهة والمخاصمة مع الزوج أولاً ثم مع أمه، فتتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه من الجدال والتراشق بالتهم، مما يزج بالعلاقة الزوجية في متاهة الخلاف والشقاق وقطع الأرحام بين أسرتي الزوجين. إن انحياز الزوج إلى أهله ضد زوجته أمر يسهل الوقوع فيه إذا لم يكن هناك حزم وضبط وتوجيه سليم لطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربط بين الزوجة وحماتها.
وهذه مهمة تعود بالدرجة الأولى إلى الزوج الذي عليه أن يوفِّق بين المواقف ويقرِّب الأنظار ويحبب الحماة والزوجة بعضهما إلى بعض. أما إذا لم يتخذ المبادرة المناسبة لتطبيع العلاقة بين زوجته وأهله وأخذ يميل إلى مجاراة أبويه في موقفهما السلبي تجاه زوجته، فإن هذه الأخيرة سرعان ما تكتشف الأمر فتسعى إلى التصدي له ومجابهته، فيمتلئ قلبها حقداً وحنقاً على حماتها فتبادر إلى التعبير عن ذلك لزوجها، فتنشأ بذلك الخلافات والنزاعات، ويزداد الأمر سوءاً عندما لا يضبط الزوج نفسه فتراه يسارع إلى إخبار أهله بكل ما يجري بينه وبين زوجته، فتتوتر الأمور وتتجاذب مختلف الأطراف الفاعلة في الأسرتين الكبيرتين المواقف المضادة ويسعى كل واحد إلى الدفاع عن موقفه والتبرير له بأوهى التبريرات.
وليعلم الأزواج الذين ينحازون لأهلهم ضد زوجاتهم أن سِير الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم لم تعرف شيئاً من هذا القبيل، ما يعني أن المجتمع الصالح ينبغي أن يكون بعيداً عن مثل هذه الآفات خاصة وإن كثيراً من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة تحض على أن تكون العلاقة بين الزوجين مبنية على المودة والسكن والرحمة والتعاطف والتراحم، قال - تعالى -: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة...) الروم: 21.
وينبغي على أهل الزوجين أن يعلموا أنهم بتدخلهم في شؤون الحياة الزوجية لأبنائهم وبناتهم يقعون في المحظور. وقد يكونون سبباً في تشتت الأسرة وانفساخ عرى ذلكم الميثاق الغليظ الذي عبَّر عنه الله - تعالى -بقوله: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
من جهة أخرى ينبغي للزوجة إذا ما لاحظت انحياز الزوج إلى أهله عندما تنشأ بعض الخلافات الطبيعية أن تعرف كيف تتعامل مع هذا الوضع بالصبر والرفق والأناة، وعليها أن تعلم أن الله - تعالى -يجازيها عن صبرها بما يجعل الزوج يشفق عليها ويعيد النظر في موقفه غير العادل، وهذا من حسن تبعل المرأة لزوجها كما حض عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وعلى الزوجة أن تعلم أيضاً أن من حق الزوج عليها إكرام أبويه وحسن معاملتهما كما عليها احتمال إساءتهما وسعيهما الطبيعي ـ إلى التدخل في شؤون بيتها، فالنار لا تُطفأ بالنار، بل بالماء. والرفق لا يكون في شيء إلا زانه.
أما الزوج فعليه أن يتغلب على أنانيته ويقاوم، ميله إلى مواقف أهله تجاه زوجته، كما عليه أن يتبين ويتثبت فيما تبلغه من أخبار وما يصله من أسرار، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وبذلك ينال الجميع رضا الله - تعالى -وحسن ثوابه، فتعظم الزوجة في عين زوجها ويقدرها ويحترمها، كما يحوز هو عطف زوجته ومودتها.
الكـاتب : بسمة عزوزي
أدعو الله عز و جل بأن يجعل لي و لكم قبل الموت توبة
و عِند الموتِ شهادة
و بعد الموتِ مغفرةً و رحمة
ودي و حبي في الله
الحياة الأسرية
|