المقدمة:
الحمد لله الذي خلق الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم في هذه الحياة ثم أصلي وأسلم على سيد المرسلين محمد الصادق الأمين ..... وبعد
فلم يعد مدرس اليوم مجرد ملقن للمعلومات, كما أنه لم يعد مجرد ضابط للنظام في الفصل, بل أنه اليوم فرد همه الأول النمو الكلي والتوافق المتكامل للأطفال . فهو يهتم بأن يجعل تلاميذه يكتسبون المعرفة والمهارات, كما يهتم بصحتهم وبتوافقهم الشخصي والاجتماعي, وبآمالهم وأهدافهم وطموحاتهم .
والقول القديم بأن (المدرس مطبوع لا مصنوع) قد يكون فيه ذرة من الحقيقة, وربما كان مفيداً في اختيار المدرسين في الماضي, إلا أنه في عالم اليوم قول مضلل وغير سليم . وأحد العلوم ذات العلاقة الكبيرة ببرامج تدريب المعلمين هو علم النفس التربوي, إذ يحتاج المدرسون في عملهم إلى فهم المبادئ النفسية الأساسية التي تحكم سلوك الأطفال .
ومن خلال بحثي هذا فقد اخترت موضوع "علم النفس التربوي" لأهمية هذا العلم وقد حاولت أن أوضح من خلال بحثي هذا تعريفات هامة لعلم النفس التربوي وأهمية هذا العلم وسوف أتطرق إلى الإطار العام لهذا العلم وكذلك خصائص علم النفس التربوي وأهدافه .
تعريفات علم النفس التربوي:
لقد توصل العلماء والباحثون إلى أكثر من تعريف لعلم النفس التربوي, فتفاوت هذه التعريفات في تفسيراتها لماهية هذا العلم, إلا أنها مجملة تضع علم النفس التربوي قبل كل شيء في خدمة الإصلاح التربوي, وربما يعود السبب في ذلك إلى كثرة الاجتهاد التي عرفت هذا العلم إلى التصور الشمولي لموضوع علم النفس التربوي, من حيث كون هذا الموضوع يشكل مزيجاً من موضوعات متناثرة مختلطة, ينتمي معظمها إلى فروع علم النفس الأخرى, وسوف أتطرق إلى بعض تعريفات العلماء والباحثين لعلم النفس التربوي فيما يلي:
أولاً: تعريف الدكتور عبد الرحمن عدس:
علم النفس التربوي هو مجموعة الدراسات الموجهة لمعرفة كيف يحدث التعلم, وكيف أن التدريس يساعد على حدوثه .
ثانياً: تعريف الدكتور جابر عبد الحميد جابر:
يقول إن لعلم النفس التربوي معنيان:
الأول: وقد عفا عليه الزمان مؤداه أنه تطبيق لنتائج علم النفس في ميدان التربية .
الثاني: أنه ذلك الفرع من علم النفس الذي يدرس المشكلات التربوية باستخدام طرق نفسية وأساليب ومفاهيم وضعت لخدمة هذا الغرض .
ثالثاً: تعريف الدكتور فؤاد أبو حطب:
علم النفس التربوي هو الدراسة العلمية للسلوك الإنسان الذي يصدر خلال العمليات التربوية .
ويعرف الدكتور أبو حطب علم النفس التربوي في المصطلح بأنه: ((هو واحد من المقررات الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين في كليات ومعاهد التربية, وإعداد المربين والموجهين في برامج التدريب والتأهيل بمختلف أنواعها ومستوياتها, وإعداد الاختصاصين النفسيين والاجتماعيين العاملين في المجال المدرسي, بل وقد يمتد إلى كل المجالات التي تعد الأفراد للعمل في أي مكان يسعى إلى التحكم في السلوك الإنساني وتعديله (كالطب والإعلام)(1) .
وهناك تعريف آخر لعلم النفس التربوي بأنه: هو فرع نظري و تطبيقي من فروع علم النفس يهتم أساسا بالدراسات النظرية و الإجراءات التطبيقية لمبادئ علم النفس في مجال الدراسة و تربية النشء و تنمية إمكاناتهم و شخصياتهم و يركز بصفة خاصة علي عمليتي التعلم و التعليم و التدريب و الأسس النفسية لعمل المدرس(2) . الإطار العام لعلم النفس التربوي:
علم النفس هو الدراسة العلمية السلوكية, وعلم النفس قد تفرع في وقت مبكر كي يتمكن من دراسة الإنسان في مجال نشاطه الطبيعي, ويتبع في دراسته للظواهر السلوكية منهجاً علمياً معيناً . يعتمد على الوقائع الجزئية والمشاهدات والملاحظات بقصد الكشف عن القوانين التي تخضع لها هذه الجزئيات, وأن أحد فروع علم النفس هو علم النفس التربوي الذي يبحث في مشكلات النمو التربوي كما تمارسه المدرسة من حيث أنها المؤسسة التي اصطنعها المجتمع للإشراف على تربية الناشئة .
لقد أفردت الجامعة العربية أقسام لعلم النفس التربوي, وكان لزاماً علينا أن نضع إطاراً عاماً يشمل موضوعات هذا العلم ويحدد نواحي نشاطه .
الموضوع العام لعلم النفس التربوي هو الدراسة العلمية لعملية النمو التربوي, فالمدرسة, وقد أصحبت معلمة رئيسية لحضارة القرن العشرين ومجتمعاته المتقدمة والنامية على حد سواء, تمارس مهمتها في النمو التربوي على ضوء فلسفة ما وبطريقة ما .
إن المدرسة هي مؤسسة اجتماعية اصطنعها المجتمع لممارسة عمليات النمو التربوي عند الناشئة في مرحلة زمنية معينة عن طريق التأثير المنظم في سلوك هؤلاء الناشئة, عادة ما نقسم النظام التعليمي إلى مراحل, وقد تنوعت المرحلة الواحدة تبعاً لمقتضيات معينة فينشأ لنا مثلا المدرسة الثانوية العامة والمدرسة الثانوية التجارية والمدرسة الثانوية الزرعاية .. وهكذا وغالباً ما يصيغ هذه الأهداف علماء أصول التربوية أو فلسفتها .
من هنا يبدأ عمل عالم النفس التربوي, فلا بد أن تترجم هذه الأهداف التربوية العامة والخاصة إلى أسلوب المقومات السلوكية, لأن المدرسة بجميع هيئاتها الفنية والإدارية تمارس عملية تغيير في سلوك الناشئة, والمقومات السلوكية هي الوحدات الكبرى من العادات السلوكية معرفة إجرائياً التي تعبر عن الأهداف التربوية, وبذلك ينقل علم النفس التربوي الأهداف التربوية إلى السلطات التربوية المهنية والتعليمية المسئولة عن تربية الناشئة في أسلوب ما يعدل من السلوك, وما يكتسب من عادات ومهارات حتى يمكن لهذه السلطات من ممارسة واجباتها بطريقة واضحة وصريحة , وحتى يتيسر لعملية تقويم المرحلة أن تتم بطريقة موضوعية بعيدة عن التحيز(1) .
أهداف علم النفس التربوي:
إن هذا العلم كشأن العلوم الأخرى له أهداف يسعى إلى تحقيقها وتتمثل فيما يلي:
1. فهم السلوك الإنساني وتفسيره .
2. التنبؤ بما سيكون عليه السلوك الإنساني .
3. ضبط السلوك الإنساني والتحكم فيه بتعديله وتحسينه إلى ما هو مرغوب فيه . ولا يمكن لهذا العلم تحقيق هذه الأهداف إلى من خلال الحصول على الحقائق والقوانين والمبادئ التي يخضع لها السلوك الإنساني بطريقة علمية موضوعية .
ويتبين لنا من هذه الأهداف أن علم النفس بمعناه العام يبحث في سلوك الإنسان وعلاقته ببيئته من أجل تفسير ظواهر هذا السلوك تفسيراً أساسه المنهج العلمي الدقيق بوسائله ومناهجه المعروفة(1) .
موضوعات علم النفس التربوي:
إن خير ما يعرفنا بموضوع هذا العلم هو محتوى المؤلفات التي كتبها الباحثون والعلماء حول هذا العلم . فقد قام بال Ball عام 1971 بتحليل محتوى مائة كتاب في علم النفس التربوي, ووجد أن أكثر الموضوعات تكراراً في هذه الكتب هي:
1. النمو المعرفي والجسمي والانفعالي والخلقي والاجتماعي .
2. عمليات التعلم ونظرياته وطرق قياسه وتحديد العوامل المؤثرة فيه كالنضج والتدريب والاستعداد وطرق التدريس وتوجيه التعلم وتنظيم الموقف الصفي .
3. قياس الذكاء والقدرات العقلية وسمات الشخصية والتحصيل وأسس بناء الاختبارات العقلية التي تقيس هذه القدرات أو السمات .
4. التفاعل الاجتماعي بين أطراف عملية التربية (التلاميذ والمعلمين والمدرسة) .
5. الصحة النفسية للأفراد وتوافقهم الاجتماعي والمدرسي .
ويشمل كل موضوع من هذه الموضوعات على موضوعات فرعية مرتبطة به . ويمكن الاستنتاج مما سبق أن علم النفس التربوي هو مزيج من الموضوعات المتناثرة المختلطة بعضها ببعض, والتي ينتمي معظمها إلى فروع علم النفس الأخرى, مما يؤكد على شمولية موضوع علم النفس التربوي, فهو يشمل كل موضوع تربوي وكل موضوع نفسي إلى درجة أن أوزوبل Ausubel تساءل: هل يوجد حقاً ميدان يسمى علم النفس التربوي(1) .... ؟
ويفيد تصور العملية التعليمية كمنظومة في تحديد موضوع علم النفس التربوي, وتتألف هذه المنظومة كما وضعها جليزر Glaser من أربع مكونات أو عناصر رئيسية تعد الموضوعات الرئيسية لعلم النفس التربوي وهي:
1. الأهداف التربوية .
2. المدخلات السلوكية .
3. عمليات التعلم وأساليبه .
4. التقويم التربوي .
وهذه العناصر مرتبة بشكل يجعل أولها يؤثر فيمن بعده لتحقيق الهدف العام أو جملة الأهداف لعملية التعلم .
المنظومة الأساسية للعملية التعليمية عند روبرت جليزر
(الموضوعات الأساسية لعلم النفس التربوي)
تغذية راجعة Feed back
أهمية علم النفس التربوي للتربية:
ما هي وظيفة النفساني من التربية ؟
إن هذه الوظيفة لا تزيد على كونها وظيفة الخبير الذي يبين الوسائل التي يجب إتباعها للحصول على النتيجة المرغوب فيها بأكبر درجة من الكفاية . ومن هنا كانت أهمية دراسة علم النفس بالنسبة للمعلم .
يهدف علم النفس التربوي على وجه العموم إلى تحقيق غرض مزدوج هو تطوير وتطبيق أسس علم النفس العام من أجل تحسين العملية التربوية .
ولكي يحقق علم النفس هذا الغرض فإنه ينهل من ميادين علم النفس الأخرى وبخاصة ميادين التعليم والنمو الفروق الفردية والصحة النفسية . ومن هذه الميادين كما سنرى بنيت الأسس التي يمكن تطبيقها على نواحي التربية الرئيسية .
ومن المعروف أن احتياجات التربية ونظرياتها تتغير بتغير المجتمع, ولذلك فإن على النفسانيين أن يقوموا بتقويم مبادئهم باستمرار وأن يلائموا مفاهيم مع التغيرات التي تحدث في المجتمع وذلك حتى يستطيعوا الإسهام بشكل أكثر فاعلية في الاحتياجات الحالية للمجتمع .
كان الغرض الأساسي من المنهج المدرسي هو تعليم التلاميذ القراءة والكتابة والحساب والمعلومات العامة وما إلى ذلك من ألوان المعرفة . وإذ تطور المجتمع تغيرات احتياجات التعليم, وأصبحت هناك حاجة ملحة إلى الاهتمام بالنواحي العلمية والصناعية في المجتمع كما أن الاهتمام الكبير بالشئون الدولية والحاجة الملحة للدراسة العلمية للموارد الطبيعية بما في ذلك الموارد البشرية حول الاهتمام نحو الكفاية العلمية .
وهذه التغيرات الأساسية في المجتمع لابد أن تتبعها تغيرات أساسية في التربية, وبعض هذه التغيرات يتعلق بمشكلة المادة الدراسية إذ أن من المستحيل وضع منهج يتضمن كل المعلومات, ولذلك فإن من واجب المدرسة أن توجه اهتمامها نحو تعليم التلاميذ طريقة التفكير الصحيحة .
إذن مما سبق يتضح لنا أن علم النفس التربوي أحد المجالات التي تمد المدرس بالعناصر الأساسية في التدريب اللازم لمواجهة تحديات العصر (1).
علاقة علم النفس التربوي بفروع علم النفس العام:
تتضح مكانة علم النفس التربوي بين العلوم الإنسانية من خلال دراسة العلاقة التي تربط هذا العلم بالعلوم الإنسانية, ومن أبرزها علم النفس العام ممثلاً بمدارسه ومذاهبه المتشعبة, والتي يعتبر علم النفس التربوي فرعاً منها, وأيضاً من خلال استجلاء علاقة علم النفس التربوي بالعلوم الأخرى .
علاقة علم النفس التربوي بمدارس علم النفس العام ومذاهبه:
لقد تشكلت الفلسفة مع الزمن, ومن ثم وبطريقة النمو الطبيعي أخذ ينفصل عنها علم النفس وغيره من العلوم, كذلك نجد أن علم النفس ذاته قد نما نمواً طبيعياً وتشكلت مكوناته والمعروف أن علم النفس يهدف في غايته القصوى إلى فهم السلوك البشري الذي لا يقتصر على ميدان واحد بل يمتد إلى العديد من الميادين المختلفة .
إن علم النفس التربوي له حد مشترك مع التربية, وآخر مع علم النفس, وحقيقة فإن الخلاف في وجهات النظر ما زال قائماً حول هل علم النفس التربوي هو جزء من التربية أو جزء من علم النفس ؟
ويشير الدكتور جابر عبد الحميد إلى أن هذه القضية مطروحة على الساحة العربية ويثيرها مجموعة ليست قليلة من علماء النفس الذين يعملون في كليات الآداب, والاتجاه الشائع بينهم إخراج المشتغلين بعلم النفس التربوي من زمرة المتخصصين في علم النفس, وموقع علم النفس بين هذين التخصصين يتطلب من المشتغلين به أن يتقنوا أساسيات كل من المجالين لأنهم يفيدون منها معاً, كما يتطلب منهم اتقان لغتين هما لغة علم النفس ولغة التربية, وبغير اتقان اللغتين يصعب عليهم التفاهم والتعامل مع التربويين من ناحية ومع السيكولوجيين من ناحية أخرى .
إن علم النفس التربوي يمثل واحد من فروع علم النفس التطبيقية, إلا أنه منفصلاً عن الفروع الأخرى لهذا العلم, سواءً كانت أساسية أو تطبيقية .
وفيما يلي بعض الشروحات لهذه العلاقات بين علم النفس التربوي وبين فروع علم النفس العام الأخرى(1):
1. علم النفس التجريبي:
يهتم بدراسة المشكلات ذات العلاقة بالظواهر النفسية, وتتركز اهتماماته على السلوك الحيواني والظواهر الفسيولوجية مما جذب انتباه المهتمين بمشكلات التربية بتلك البحوث النفسية التي أجريت في معامل علم النفس, وخاصة ما تقدمه نتائجها من حلول لمشكلات التعلم المدرسي مثل التعليم المبرمج وآلات التدريس . إن الإسهام الأكبر لعلم النفس التجريبي يتمثل في تنمية الاتجاهات العلمية والتجريبية عند المهتمين بمشكلات التربية .
2. علم النفس الاجتماعي:
إن المعلم بحاجة إلى ما يقدمه علم النفس الاجتماعي من نتائج تزيد من فهمه لديناميات الجماعة وآثارها في سلوك أعضائها, ولذلك نجد في الوقت الحاضر اتجاهاً متزايداً لدى عدد من علماء النفس التربويين نحو اعتبار ميدانهم من قبيل علم النفس الاجتماعي التطبيقي ما دام علم النفس الاجتماعي يفيد الربط بين عناصر الموقف التربوي في إطار وظيفي .
3. علم نفس النمو:
يتناول هذا العلم التغيرات التي تعتبر السلوك الإنساني في مختلف مراحل الحياة, ويهتم بدراسة نمو الأطفال والمراهقين وهم أعظم المستهلكين للعملية التربوية التي يهتم بها علم النفس التربوي, كما أن أكبر الإسهامات التي قدمها خبراء هذا الميدان جاءت من بحوث النمو المعرفي والانفعالي وميدان التعليم الاجتماعي, كما أفاد في التعرف على الاتجاهات المبكرة والظروف البيئة التي تؤثر تأثيراً ظاهرا في تنمية القدرات العقلية وسمات الشخصية عند الأطفال والمراهقين والراشدين .
4. علم النفس الإكلينيكي:
كثيرا ما يستعين علماء النفس المختصون بمجلات التوجيه والإرشاد النفسي والخدمات الاجتماعية والصحة النفسية بالكثير من البحوث ذات المنهج العيادي (الإكلينيكي) الذي يعتمد على جمع ملاحظات عن السلوك للأفراد الذين هم بحاجة إلى مساعدة فردية بسبب الصعوبات الانفعالية, وقد أفادت بعض هذه البحوث في استيعاب المشكلات والصعوبات ذات العلاقة بالسلوك الانفعالي في المواقف التربوية سواء كانت تتصل بسلوك المعلمين أو المتعلمين.
القياس النفسي والقياس التربوي:
لقد أسهمت القياسات النفسية, مثل قياس الذكاء والقدرات العقلية وسمات الشخصية, أسمت إسهاماً ملموسا في تحديد ميدان علم النفس التربوي منذ البداية, ثم زاد الاهتمام بالقياسات التربوية بصفة عامة سعياً وراء تحقيق أحد مطالب العلم الهامة وهو الدقة الكمية وبناء عليه فقد ظهرت البرامج الكمية التي تركز على ما يمكن قياسه من التحصيل الدراسي, مثل حفظ المعلومات واكتساب المهارات, وقد تمكن علماء القياس النفسي مؤخراً من ابتكار الأساليب التي يمكن أن تستخدم في قياس بعض جوانب السلوك المعرفي والتي تبدو مستعصية على القياس (كالتفكير والابتكار) بالإضافة إلى قياس جوانب السلوك الانفعالي والمزاجي والاجتماعي .
إن علم النفس التربوي لم يقف عند حدود التحقيق من صحة تطبيق المبادئ التربوية فحسب, بل أنه استطاع أن يكوّن العديد من المناهج الخاصة ببحث المشكلات التربوية والتي لم تحظ بالاهتمام المطلوب من علم النفس العام, ومثال ذلك تلك الأنواع الحديثة من مناهج النشاط والمشروعات وتشخيص الصعوبات التعليمية وعلاجها, وكذلك تدريس المواد المختلفة وأيضاً الطرق المستخدمة لتقدير التحصيل التعليمي, وتحسين أساليب التدريب في مدارس الحضانة والتوجيه العلمي, وتعليم الكبار, فكل هذه هي ميادين للمتخصصين في علم النفس التربوي, وهي ميادين لم يمسها علم النفس العام إلا مساً محدوداً (1).
موضوعات علم النفس التربوي:
يتسع مجال علم النفس التربوي ليمتد إلى موضوعات تبدأ من تعديل السلوك إلى إدارة الصف الدراسي إلى دراسة الدافعية في الصف ودراسة النمو الاجتماعي, وأيضاً إلى علم النفس المعرفي للمواد الدراسية, وقد يكون بحثاً أساسياً أو قد يكون تطبيقا في خدمة المشكلات وإيجاد الحلول لها .
لقد قامت محاولات عديدة لتحديد موضوعات علم النفس التربوي, وكانت النتائج كلها تشير إلى أن هذا العلم هو ميدان متنوع, ووسط هذا التنوع والتباين يوجد قليل من الاتفاق .
ومن أبرز المجالات التي جرت بحثا عن الموضوعات والمفاهيم الأساسية لعلم النفس التربوي هي محاولة (انجلاندر Englander - ) عام 1976, حيث طلب من مدرسي علم النفس التربوي أن يرتبوا (75) مفهوم واتضح أن جميع المستجيبين اختاروا المفاهيم التالية باعتبارها موضوعات علم النفس التربوي:
1. تعديل السلوك باعتباره مفهوما أساسيا له مركز الصدارة .
2. مجموعة من مفاهيم النمو كالاستعداد ونظرية النمو عند (بياجيه) والدوافع الداخلية المنشأ والخارجية المنشأ .
3. مفهوم الذات ومستوى الطموح .
ومن جانب آخر نجد (آرثر جتس Arther. Gates ) في كتابه الذي وضعه عام 1923 بعنوان (علم النفس لطلاب التربية) يحدد أربعة موضوعات رئيسية لعلم النفس التربوي بمعاونة ثلاثة من زملائه الذين اشتركوا معه في تأليف هذا الكتاب بصورته الجديدة, وهذه الموضوعات الأربعة هي:
1. نمو الفرد في مختلف مراحله, من حيث النمو العقلي, والجسمي, والانفعالي من الولادة إلى النضوج .
2. الصحة النفسية من حيث تكيف الشخصية ونموها وطرق تشخيص سوء التكيف وعلاجه, ومشكلات التلاميذ المتخلفين والصحة العقلية للتلميذ والمتعلم .
3. المقاييس والاختبارات, قياس الذكاء الخاصة وتشخيص العيوب الخاصة وتقدير التقدم في التعليم وتقويمه .
4. عمليات التعلم, والتفكير والاستدلال, وفن التدريس وأساليبه, ومشكلات تنظيم المناهج (1).
خصائص علم النفس التربوي:
من أبرز خصائص علم النفس التربوي ما يلي:
1. الاستقلالية:
إن هذا العلم يقوم بتقديم تطبيقات لمبادئ علم النفس العام على التربية . وعلم النفس التربوي والجهود التي بذلت للارتقاء به قد أفضت إلى تغيرات ملموسة في طبيعة هذا العلم . فعالم النفس التربوي أصبح لا ينتظر حتى تظهر له الأسس النافعة من الدراسات التي تبحث في أغراض أخرى ولكنه سرعان ما يبحث في الجوانب النفسية لكل المشاكل التربوية بحثاً مستقلاً, مستخدما في ذلك أي مبدأ أو منهج من مناهج البحث المستعملة في الدراسات النفسية الأخرى إذا تأكد أنها تفي بغرضه .
هذا يعني أن علم النفي التربوي أصبح يقف موقف الناقد المدقق من كل رأي ينادي بأن تطبيق أي مبدأ من المبادئ النفسية على موقف تربوي لا يعني أكثر من اتباع طريقة معينة .
2. استخلاص النتائج التربوية العملية من مختلف النظريات والمبادئ النفسية:
هذه الخاصية تكسب الباحث التربوي نوعاً جديداً من المهارة التبصرة في نفس الحقائق .
3. التخصصية:
أصبحت التخصصية واحدة من الخصائص التي يمتاز بها علم النفس التربوي الذي لم يعد محوراً في وظيفة التحقيق من صحة تطبيق المبادئ التربوية فحسب, بل استحدث طائفة من المناهج الخاصة ببحث المشكلات التربوية التي لم تنل المعالجة الشافية من علم النفس العام .
4. مبدأ التجريب والبحث العلمي:
لم يقف علم النفس التربوي في تطبيقاته التربوية عند نقطة الاكتفاء بالمفاهيم النظرية, بل تعدى ذلك إلى مرحلة قيام الدليل العلمي على مدى صحة هذه التطبيقات, متخذا من التجريب وسيلة للتحقيق من تطبيق علم النفس على التربية .
الفرق من حيث المنهج:-
يظهر الفرق بين علم الاجتماع وباقي العلوم الاجتماعية أذا ما تناولنا دراسة ظاهرة اجتماعية معينة «كالانتحار» مثلاً، فالاقتصاد يرجع أسبابها إلى الفقر، وعلم النفس يرجعها إلى خيبة في حب أو مفاجأة عصبية أو تهوس، والسياسة ترجعها إلى الإخفاق في الميدان السياسي، والدين يرجعها إلى فساد الخلق، والجغرافيا إلى اثر المناخ أو البيئة أو غير ذلك. وبالرغم من توصل هذه التفسيرات إلى جانب من حقيقة الانتحار، إلاّ أن كل منها على حدة لا يستطيع ان يقدم سبباً كافياً يمكن الاعتماد عليه، لأنه لم يدخل في تبيان الخصائص الرئيسية للانتحار ونوع الأشخاص المنتحرين وفترات الزيادة والنقص في الانتحار وتوزيع نسب المنتحرين في المجتمعات المختلفة. والذي يستطيع أن يقدم السبب الكافي ويقوم بكل هذه الأمور هو علم الاجتماع. وهذا لا يعني أن هناك قطيعة بين علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى، فنظريات كارل ماركس الاجتماعية كان لها اكبر الأثر على الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية على السواء. إلاّ أن علم الاجتماع ـ دون العلوم الاجتماعية الأخرى ـ يدرس الظواهر الاجتماعية في تفاعلها بعضها مع بعض وفي اثر كل منها على الأخرى والوظائف التي تؤديها والارتباط بينها. فهو أذن علم تركيبي شامل يحوي بين دائرته مختلف العلوم الاجتماعية الأخرى.
الخاتمة:
عرفنا بأن علم النفس التربوي فرع نظري و تطبيقي من فروع علم النفس يهتم أساسا بالدراسات النظرية و الإجراءات التطبيقية لمبادئ علم النفس في مجال الدراسة و تربية النشء و تنمية إمكاناتهم و شخصياتهم و يركز بصفة خاصة علي عمليتي التعلم و التعليم و التدريب و الأسس النفسية لعمل المدرس .
إذن فعلم النفس التربوي هو علم يهتم بفهم الطلاب وعملية التعلم والتدريس, ولذلك فإن له مكاناً حيوياً في تطوير التربية كعلم وكفن .
ومن هنا يمكن القول بأن علم النفس التربوي له وظيفة مزدوجة:
أ. ترجمة المعرفة السيكلوجية المعاصرة في مجالات علم النفس المختلفة إلى الظروف التي يحدث التعلم في ظلها .
ب. القيام ببحوث ودراسات منظمة على مشكلات المدرسة من وجهة نظر المتعلم وخصائصه, وعملية التعلم والتدريس .
__________________
.
|