لفصل الثاني عشر
حول طاولة العشاء، في ذلك المنزل الفسيح، تحلق ستيفن وزوجته وابنه ليتناولوا طعام العشاء، فقال موري:
-لقد اشتقت إلى يارا كثيرا. إلى أين ذهبت بالضبط؟ ومع من؟ فأنا لا أرجو أن تكون مع ذلك الجاك.
ضحك والداه، ثم قال ستيفن:
-لا تقلق، جاك موجود برفقة هاناي في أحد المطاعم.
تنهد موري بارتياح تلقائي ثم واصل أسئلته:
-إذن هل هي وحدها أم بمرافقة أحدهم؟
فأجابت والدته:
-إنها مع أحد أصدقائها، وأظنه يدعى هيرو.
-المهم أنها ليست مع جاك الأحمق.
نظر كل من ستيفن وزوجنه إلى بعضهما باستغراب، ثم ما لبثا أن ابتسما رغما عنهما.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
خرج كيفن من مكتبه وأسرع الخطى ليغادر لكن استوقفه صوت فتاة يقول:
-ظننت أنك غادرت منذ مدة.
التفت إلى الخلف ليرى شانا تقف مبتسمة، فابتسم بدوره وقال:
-ظنن ذات الشيء عنك.
ثم أضاف وهو يستدير للمغادرة:
-هيا أسرعي، سأوصلك في طريقي.
هزت رأسها نفيا وهي تقول شاكرة:
-شكرا لك. هذا ليس ضروريا. سأستعمل إحدى سيارات المنظمة.
وأسرعت لتغادر لكنه استوقفها بلهجته الصارمة التي لم تعهدها منه:
-لا نقاش.
اتسعت عيناها دهشة وهي تراه يمسك بيدها ويسير نحو سيارته. فتح لها الباب فركبت دون كلمة تذكر. وركب بدوره بجانبها، أمام المقود، وشغل السيارة لينطلق بها نحو المدينة التي تبعد ميلين عن موقع المنظمة.
أثناء الطريق كانت تختلس النظر إليه بين الفينة والأخرى. تتأمل مدى وسامته. ليته فقط ينتبه إليها. ليته يحس بمشاعرها. ولكنها توقفت عن التفكير عندما لاحظت توقف
السيارة في مكان ما. واتسعت عيناها دهشة وهي تراه ينزل من السيارة ليفتح لها الباب فقالت وهي تنزل:
-لم يكن هناك داع لذلك. شكرا لك.
ولكنها بترت عبارتها بعدما انتبهت أنها ليست أمام منزلها. فهذا المكان لا يشبه بشيء الحي الذي تعيش فيه. فقالت بنبرة ترجمت دهشتها:
-أين نحن؟
ابتسم كيفن وهو ينحني عليها، ثم قال:
-لا بأس بدعوة على العشاء، أليس كذلك؟
أومأت برأسها تلقائيا، فقد كان خروجها مع كيفن حلمها الأول والأخير، وهي لن تمانع أبدا إن تحقق. سارت معه دون أن تشعر. ودخلا المطعم ليحتلا طاولة لشخصين. فجاء النادل ليقدم لهم لائحة الطعام، فقال كيفن مبتسما:
-ماذا تريدين أن تآكلي.
ازدردت ريقها وهي تقول:
-أي شيء.
فأومأ كيفن وأمر النادل بإحضار الطبق الرئيسي لهذه الليلة والذي تكون من دجاج محمر وسلطة وحساء الكاري اللذيذ.
وما أن غادر النادل، حتى انتبه كيفن إلى شرود شانا فابتسم وهو يتمعن في قسماتها. إنها حقا جميلة الملامح. بشعرها البني وعينيها الزرقاوتين. إنها فاتنة.
انتبهت شانا لنظرات كيفن، فاحمرت وجنتاها رغم عنها مما زادها جمالا. فابتسم الشاب لردة فعلها التي دلت على مدى براءتها وعفويتها.
مرت فترة من الوقت، كان الصمت فيها هو المسيطر إلى أن قطعه النادل بقدومه وقد أحضر ما طلبه كيفن، فأومأ هذا الأخير شاكرا بينما اكتفت شانا بالابتسامة. فقد كان الكلام آخر ما قد تفكر فيه. فهي تخشى أن ينقشع حلمها إذا ما نطقت بحرف واحد.
ولكنها لم تتمكن من رفع بصرها عن كيفن الذي انهمك في الأكل ضنا منها أنه لن يكتشفها. لكنها أخطأت فقد رفع عينين لتتشابك نظراتهما، فرأت فيهما لأول مرة ما عجزت على أن أن تترجمه الشفاه. قرأت فيهما الحب واللهفة اللذان تمنت أن تراهما منذ أول يوم تقابلا. فنزلت دمعتان من عينيها دليلا على سعادتها.
اتسعت ابتسامة كيفن وهو يرى خجلها الفائق، وأمسك بيديها وقال بصوت اجتمعت فيه كل معاني الحب والحنان:
-شانا، نحن نعرف بعضنا منذ عامين تقريبا. كنت الوحيدة التي أثق بها، سواء في العمل أو خارجه. لذا...........
ثم صمت برهة من الزمن، لكنه أضاف بعد أن استجمع شتلت إصراره:
-لذا، أنا أطلب موافقتك للزواج بي.
اتسعت عيناها دهشة وهي تسمع وترى ما تمنته. ظنت أنها تعيش هذه اللحظة في خيال لا في حقيقة. ولكنها أبعدت تلك الأفكار عنها وقالت محاولة أن تخفي ارتباكها:
-أنا موافقة.
انفرجت شفتا كيفن عن ابتسامة حانية عبرت عن مدى سعادته وامتنانه. ولكنها قالت بارتباك هذه المرة:
-وماذا عن ابنتك؟
-ستوافق بالتأكيد.
كانت هذه إجابته لكن شانا لم تطمئن للأمر. فهذه الفتاة كانت متعلقة بأمها، وواقع أن فتاة أخرى قد تحتل مكانها لن يرضيها إطلاقا.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اغتنمت يارا فرصة عدم وجود عمل لها، للخروج للتسوق، فلئن كانت تكرهه إلا أنها مجبرة حاليا، فقد نسيت تماما طلب إرسال ملابسها. تنهدت بملل وقالت:
-يبدو أنني مجبرة على أن أستقل سيارة أجرة.
ثم رفعت يدها لطلب سيارة، لكنها تفاجأت بيد تمسك يدها لتنزلها برفق، فالتفتت لصاحبها. فرأت هيرو من دون الشعر المستعار يقف أمامها. فقالت بحدة وقد قطبت جبينها:
-لم فعلت هذا؟
-ليس هنالك داع لذلك، فأنا من سيأخذك للمكان الذي تريدين.
فقالت بسخرية محاولة استفزازه:
-أنت هنا لحماية كاتيا لا لتأمين حراستي.
فقال ببرود كأن سخريتها لم تؤثر عليه:
-ربما، لكنك قد تحتاجين الحماية أيضا، خاصة وأنه لا أحد يعرف والدك هنا على ما أظن. كما أن فرنسا شاسعة وقد تتوهين.
عقدت حاجبيها بتذمر وقالت بحدة:
-هل تظنني صغيرة؟ أستطيع تدبر أمري بنفسي. وآخر شيء قد أفكر به هو طلب مساعدتك.
وجه لها نظرات جافة ثم التفت عنها ليسير نحو المرآب وهو يقول:
-من الأفضل أن تتبعيني.
ففعلت ذلك رغما عنها، فلئن كانت ترفض مرافقته ظاهرا إلا أنها ترغب فيها بشدة باطنا. ولم ينتبه أي منهما إلى الفتاة التي اشتعلت غضبا وهي تراقبهما من نافذة غرفتها بالفندق.
في السيارة، لم يختلف الأمر عما كان يحدث سابقا، فكل منهما فضل الصمت على الشروع بالمشاجرات.
توقفت السيارة أمام المركز التجاري، فنزلت يارا مسرعة دون انتظار هيرو الذي عقد حاجبيه متذمرا، ولكنه ما لبث أن لحق بها. فمنذ أن عادت لدخول حياته ثانية، لم يعد بإمكانه إبعادها لحظة عن عينيه.
نهاية الفصل الثاني عشر