الفصل الخامس عشر
نظر صوبها باستغراب وقال متسائلا:
-حقا؟
أومأت برأسها وقالت مفسرة:
-لقد ورد في الرسالة أنه سيهاجم كاتيا لاختطافها بعد خروجها من قوقعتها... مما يشير إلى أنه سيهاجمها... الآن...
قالت هذا وأسرعت تنهض لتغادر قاعة العرض بمرافقة هيرو الذي استوعب الأمر أخيرا... فقال:
-و“لن تعلو سماء باريس سوى نجمة واحدة“ تدل على كون المجرم شخصا مشاركا بالعرض.
هزت رأسها إيجابا... وقالت:
-هذا مؤكد...
ولكنها توقفت عن الحديث فجأة... وأشارت إلى الحارسين الملقيين على الأرض... لم يعلق هيرو على ما حصل بل قال بلهجة باردة:
-هل تجيدين استعمال المسدس؟
ومن دون أن ينتظر إجاباتها... أعطاها مسدسا رمادي اللون بدا من نوع (سكيلز) وحمل بيده مسدسا من ذات النوع... وانطلق إلى خارج المبنى بعد أن طلب من يارا مرافقته... لم تتحرك خطوة واحدة وهي تراه يغادر... أيطلب منها استعمال المسدس؟ هذا من سابع المستحيلات... إنها لم تمسك سلاحا في حياتها... لكنها انتبهت لأمر هام فجأة...
يجب أن تلحق به قبل أن يصيبه مكروه... لم تفكر في سلامتها... فالأهم الآن هي سلامة هيرو...
ترددت قليلا ثم أسرعت تركض وراءه... يجب عليها أن تساعده...
خرجت من المبنى لترى هيرو يوجه فوّهة المسدس نحو رجل يوجه بدوره المسدس إلى كاتيا حيث كان يمسك بيدها بقوة... ما أن لمحها هيرو حتى نظر إليها طالبا منها استغلال الفرصة...
فهمت ما عناه... فأمسكت بالمسدس بقوة في يدها ثم قامت بثلاث شقلبات هوائية لتشتيت انتباه المجرم ومرافقيه... وقد نجحت في ذلك إذ أن جميعهم حاولوا الإيقاع بها... وهاجموها من كل جانب... ولكن الأمر لم يكن سهلا كما ظنوا... فقد قامت يارا بشقلبة ورائية لتتواجد بالقرب من أحدهم... فضربته بمرفقها لتكسر أنفه...
أسرع الاثنان الباقيان إلى مهاجمتها لكنهم لم يفلحوا في بلوغها... فطلقات مسدس هيرو كانت أقوى حاجز منعهم من لمسها حتى..
اتسعت عيناها دهشة وهي تراهما جثتين هامدتين... كادت أن تصرخ فزعا... لكن كاتيا سبقتها...فقد أحكم المجرم المتبقي قبضته عليها وقال:
-خطوة أخرى وأقتلها...
جحظت عينا كاتيا خوفا... بينما اتسعت عينا يارا دهشة وهي ترى شخصا ما تعرفه... إنه ذات الشاب الذي التقته على الشاطئ... كان متكئا على أحد الجدران وهو يبتسم بمكر... لكنه ما لبث أن ابتعد ليختفي ثانية...
لاحظ هيرو شرودها فقال بصوت حاد:
-انتبهي...
لكن الأوان كان قد فات... فقد أصيبت بطلقة في قدمها... لذا لم تعد قادرة على الوقوف... فوقعت على الأرض متألمة...
ابتسم المجرم بمكر... فاستغلت كاتيا الفرصة لتركل قدمه... ثم هربت باتجاه هيرو...
لاحظ هيرو أن المجرم قد وجه فوهة المسدس إلى كاتيا... فأسرع باتجاهها ليحميها... ولكنه صار في مرمى الهدف...
اتسعت عينا يارا فزعا... والتقطت المسدس الذي كان ملقى بجانبها... ودون أن تشعر وجهته نحو الرجل...ثم ضغطت الزناد... يا الهي ما الذي فعلته؟
ظل الجميع جامدا في مكانه بعد أن سقط المجرم جثة هامدة... نظرت كاتيا بفزع إلى يارا التي كادت تنهار من أثر الصدمة... لقد قتلت إنسانا...
لم تستطع الصراخ حتى... أحست بجفاف في حلقها... وأحست بعينيها يغشاهما الدمع... فأسقطت المسدس من يدها... ولكنها وجدت نفسها قريبة جدا من هيرو...
رفعت بصرها إليه... لتراه يمسك بوجهها بين يديه ويقول متسائلا:
-هل أنت بخير؟... أجيبي...
هزت رأسها لا شعوريا... لكنها لم تلبث أن أغمي عليها بين يديه.
بقيت كاتيا تنظر صوبهما بحقد... أيتركني من أجل هذه الفتاة؟... إنها حتى ليست بمقدار جمالي...
ظلت هذه الأفكار تدور في ذهنها... وقد نسيت تماما ما حصل لها قبل قليل... نسيت الخطر الذي أحدق قبل قليل... لم تفكر إلا فيما يمكنها فعله للتخلص من هذه الغبية كما دعتها...
وصل الدعم أخيرا... وقد مان متمثلا في بقية العملاء الذين حضروا معهما... فنُقلت يارا إلى أقرب مستشفى بالمنطقة... لتلقى الإسعاف اللازم...
-------------------------------------------------------------------------------------------
أمام تلك الغرفة المغلقة... وقف هيرو يضرع الممر جيئة وذهابا... يا الهي أرجو أن تكون بخير... كان علي أن أحميها... إنها المرة الثانية التي تنقذني فيها...
خرج الطبيب من الغرفة ليتجه نحوه هيرو ومن رافقه من عملاء، فقال الطبيب:
-لا داعي للقلق... لقد أخرجنا الرصاصة... وهي تحتاج لبعض الراحة... وبإمكانها المغادرة غدا... فالرصاصة لم تصب موضعا حساسا في قدمها... لذا ستتمكن من السير عندما تستيقظ...
تنهد الجميع براحة لسماع هذه الأخبار المفرحة... وأحس هيرو بدقات قلبه القلقة قد تلاشت تماما... ابتسم بهدوء وظل ينظر إلى باب الغرفة بشرود... فأيقظه صوت أحد العملاء الذي قال:
-المعذرة سيدي... هل ننتظركما أم نغادر...
نظر هيرو إليه بهدوء ثم قال ببرود عملي:
-لا بأس... بإمكانكم العودة إلى المنظمة... وسنوافيكم غدا صباحا... وإذا كان الآخران بخير... فليغادرا معكم...
-أمرك سيدي.
ثم انحنى احتراما وغادر المكان تاركا هيرو يعود إلى شروده...
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تنهدت هاناي التي جلست في كافيتريا المدرسة وقالت بملل:
-ألم تأت يارا حتى الآن؟فقالت سيما مصطنعة الغضب:
-ما هذا ألم لن تعجبك المدرسة؟
ابتسم جاك وأجاب بدلا من هاناي:
-إنها رائعة.
وأضافت هاناي:
-أجل رائعة. بما أنها ملك لكيفن... فيجب أن تكون كذلك.
ابتسمت سيما... ولكنها قطبت فجأة وقد لاحظت شرود لورا... فقالت متسائلة:
-لورا... ما الأمر؟... هل من مشكلة؟
تنهدت لورا... قالت بحدة:
-هل هناك من يعرف هيرو... ولا تكون لديه مشكلة؟
استغرب الجميع انفعال لورا لكنهم فضلوا الصمت حتى لا تصب غضبها عليهم... فيبدو أن المشكلة خاصة وعويصة.
رن الجرس معلنا انتهاء فترة الاستراحة.... فغادر جميع الطلاب الكافيتريا متوجهين إلى أقسامهم...
كان فصل هاناي قريبا من الفصل الذي تدرس به لورا وسيما... فسرن معا في الرواق... وفجأة قالت لورا:
-انظرا... إنه الأستاذ بيتر.
وقالت سيما مردفة:
-أليس وسيما؟
علم بيتر أنهن يتحدثن بشأنه... فالتفت إلى حيث توقفن... لتلتقي نظراته بنظرات أرجوانية لفتاة يعرفها.... اتسعت عيناه دهشة وهو يرى هاناي أمامه... بينما اكتفت الفتاة بالالتفات عنه ومغادرة الرواق...
ظهرت علامات التعجب على وجهي كل من سيما ولورا... ورفعا حاجبيهما استغرابا عندما سمعا بيتر ينادي:
-هاناي...
ثم لم يلبث أن لحق بها... متجاوزا كل التلاميذ الذين كانوا في طريقه...
لحق بها أخيرا... فأسرع يمسكها من ذراعها... وقال بحدة وهو يديرها باتجاهه:
-إلى أين تذهبين؟
نظرت له والدموع تنهمر بغزارة من عينيها... فنزعت النظارتين لتمسحها... ثم قالت:
-أتركني وشأني.
ابتسم بلطف وقال:
-أأنت غاضبة لأنني تركت الكاراتيه.
نظرت نحوه بدهشة... ثم أومأت برأسها إيجابا... فقال:
-لم يكن الأمر بيدي... فقد كانت دراستي الجامعية هي الأهم بالنسبة لي... فقد كان يجب أن أحقق ما كنت أطمح إليه... ما كنت لأبتعد عنك لحظة واحدة لو كان الأمر باختياري...فدراستي منعتني من مواصلة التدريب... ولم أجد طريقة للتواصل معك بعدها... فقد غيرت رقم هاتفك... وكذلك فعلت أنا... أرجوك تفهمي موقفي...
نهاية الفصل الخامس عشر