الفصل الثاني والعشرون
..
..
كان اليومان التاليان عاديان ومملان... المدرسة... والبيت... والمنظمة... ولكن التحضيرات لحفل الخطوبة انتهت أخيرا... وصار الجميع متلهفين لموعدها.
وفي اليوم الحافل... التقت يارا بمارك أمام المركز التجاري كما هو مقرر... بينما التقت سيما بهاناي في صالة التجميل... فقالت هاناي وهي تدخل إلى أضخم مركز تجميل بالمدينة: لم نحن هنا بالضبط؟.
فقالت سيما بمرح: للاهتمام بك.
نظرت إليها هاناي وقد رفعت حاجبها استغراب... فتقدمت سيما لتتقدم الفتاة ذات النظارتين خلفها... استقبلتهما سيدة بدت في الثلاثين وأشارت إلى إحدى مساعداتها لتهتم بهاناي بعدما شرحت لها سيما ما يجب أن تقوم به...
دخلت هاناي مع المساعدة إلى غرفة بدت لها غريبة... فقد كانت مظلمة... أضاءت المساعدة المصباح لتكتشف الفتاة أنها غرفة لتغيير الملابس... ثم قدمت لها ثوبا أزرق اللون... وقالت: أرجو أن ترتديه من فضلك.
كان هذا الثوب مخصصا ليرتديه من يرتاد هذا المركز... حتى لا تتسخ ملابسه.
أومأت هاناي برأسها إيجابا... ونفذت ما طلبته المساعدة منها... بينما جلست سيما على أحد المقاعد منتظرة مصففة الشعر.
..
..
وفي المركز التجاري... كانت يارا تختار بعض الملابس لمارك في كل متجر يدخلونه... فقال مارك: ألم تتعبي؟
هزت رأسها نفيا وهي تقول: الفتيات لا يتعبن من التسوق.
تنهد بملل... ثم واصل تجريبه لكل لباس تختاره يارا.
..
..
لم يبقى سوى ساعة واحدة على البداية... فبدأ المدعوون يتوافدون على القصر... وبدأت الفتيات الأربع بتجهيز أنفسهن بغرفة سيما...
قالت هاناي بارتباك وخجل: هل سأعجبه؟
فقالت لورا بمرح: بالطبع... فأنت رائعة.
كانت هاناي هذه المرة من دون نظارات... فقد ارتدت مكانهما العدسات اللاصقة... وصار شعرها –بعد بعض اللمسات من مصففة الشعر- قصيرا يصل إلى كتفيها... وضعت عليه وردة بيضاء صناعية... مكملة للثوب البني الذي ارتدته... والذي علت صدره وردة بيضاء صغيرة.. .كانت باختصار فاتنة.
وارتدت لورا ثوبا أخضر اللون... بلون العشب... طويلا يصل إلى أسفل ركبتيها وأسدلت شعرها الطويل على كتفيها... ليضفي عليها مظهرا ساحرا...
خرجت الفتيات من الغرفة... ونزلن الدرج... ثم دخلن إلى القاعة الواسعة المخصصة لإقامة الحفل... –والذي بدأ منذ ربع ساعة... وما أن دخلن... حتى
توجهت
جميع الأنظار نحوهن... فقد كن جذابات بأتم معنى الكلمة... سيما بثوبها الأزرق القصير وحذائها الأزرق ذو الكعب العالي وشعرها الذي علاه تاج ذهبي بسيط... ويارا بثوبها الأسود القصير... وقلادتها الماسية... وشعرها المربوط ببساطة إلى الأعلى كذيل حصان... وحذائها الطويل ذو اللون الأبيض...
لم يتمكن جاك من إبعاد نظره عن سيما التي وقفت بجانبه... فقد كانت ساحرة...
وهنا توسط والد هيرو القاعة... وقال باستعمال مضخم الصوت: أرحب بكم جميعا بيننا، أيتها السيدات والسادة... أردنا منكم هذه الليلة أن تشاركونا فرحتنا بخطوبة...
وهنا توقف عن الكلام ... وقال بعد فترة صمت قصيرة: إليك الكلمة.
استغرب الجميع هذا التصرف... وتعالت الهمسات المتسائلة عن السبب... بينما تقدمت سيما من مكان وقوف والدها وأخذت الميكروفون: أعتذر عن هذا الانقطاع... فقد حدث تغيير في الخطة... فحفل الخطوبة هذا... هو للورا ومارك.
شهقت لورا دهشة بينما تقدم مارك منها وأمسك يدها يحثها على التقدم... فتعالت التهاني... وانتشر التصفيق الحار...
تجمد هيرو في مكانه بينما تقدمت منه يارا بمرح وقالت: ألن تبارك لهما؟
هز كتفيه بلا مبالاة... لكنه تقدم باتجاه مارك وقال: تهاني... وشكرا لك.
نظرت إليه لورا بحقد وقالت وقد لمع الخبث في عينيها الزرقاوتين: أظنني سأصر على زواجنا يا هيرو.
لم تتغير ملامحه بل ظلت كما هي جامدة وباردة... تنهدت لورا بتذمر... فقال مارك متداركا الموقف: أنت لن تفعليها... صحيح؟
نظرت إليه لورا بطرف عينها وهزت كتفيها عشوائيا وهي تقول: ليس هناك فتاة... قد تقبل الزواج به عندما تعلم حقيقته.
ظهر الألم في عيني هيرو... فمع أنه يعلم أنها لم تقصد سوى المزاح... إلا أنه تأكد من أن يارا... لا يمكن أن تقبله.
ابتعد عنهما من دون قول شيء... فظهر الندم في عيني لورا... التي تمنت لو أن الأرض انشقت بها قبل قبل النطق بما قالته.
..
..
وقفت هاناي تبحث بنظرها عن شخص ما... لكنها أحست بيد على كتفها... فاستدارت إلى الخلف لترى بيتر يقف أمامها بزي الحفلات الرسمي... فارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها... وظهرت السعادة على وجهها... وقالت وهي تسحب بيتر نحو وسط القاعة ليبدآ الرقص:لقد تأخرت كثيرا... ظننت أنك لن تأتي...
وصلا إلى حلبة الرقص... فأمسكها بيتر من خصرها وضمها إليه متمتما: لمن سأترك هذا الجمال إذا لم آتي.أحست هاناي بخجل شديد... فتوردت وجنتاها... وأنزلت عينيها حتى لا تلاقي عينيه... لكنه أمسك ذقنها برفق ليرفع وجهها ويقول بصوت ملأه الحب والهيام: هل أخبرتك من قبل أنك فاتنة؟.
كادت أن تقول شيئا... لكنها لم تستطع... فقد ضم بيتر شفتيه إلى شفتيها... ليسرق منها قبلتها الأولى... فهذه أول مرة يقبلها... مع أنها صديقته منذ سنوات...
..
..
أحست يارا بالملل وهي ترى جاك يرقص مع سيما... فقد اعتاد على الرقص معه ...لهذا... رفضت كل من طلب منها الرقص ... ولكنها في ذات الوقت أحست بالسعادة من أجل لورا وهي تراها تحلق في سماء الحب مع من اختاره قلبها....
الجميع وجد توأم روحه... والجميع تمكن من جذبه... ولكنها لم تقدر... فهيرو يكرها... تنهدت بحزن عميق عبر عن جرحها الذي لم يشفى بعد... ولكن فجأة وجدت نفسها وسط الثنائيات الراقصة... فقد سحبها هيرو من دون طلب إذنها حتى... وقبل أن تقدر على قول شيء ما... أحاطها هيرو بيده... وقربها منه...
لم تعلم ما عليها فعله... لكنها ما لبثت أن استسلمت له... وشرعت في الرقص وهي تقول بهمس: لم فعلت هذا؟
فأجابها بصوت جمع فيه الحنان والحب... ولكن يارا لم تنتبه إليهما: لأنني لو طلبت إذنك... لما وافقت كما فعلت مع الجميع في هذه القاعة.
رفعت رأسها إليه مستغربة... فاتقت عيناها بعينيه الزرقاوتين... ولكنها أشاحت بوجهها... وقالت بارتباك: ربما ما كنت لأرفض.
ابتسم بسخرية... وقرب وجهه من وجهها لدرجة أنها أحست بأنفاسه الحارة تلفح خديها... وقال: وما الذي يجعلك توافقين؟.
فهمت مراده... فأبعدت يده عن خصرها برفق وهمت بالابتعاد... لكنّ هيرو أمسكها بقوة... ليعيدها إلى مكانها وهو يقول بحدة وتهديد: لا داعي لهذا التصرف... لأنه لن يعود عليك بالخير.
أحست بجسدها يرتجف خوفا... فقد بدا هيرو جادا... كما أنه على حق... فهو ابن الرئيس... وإذا تركته فتاة ما في الحفل... ما كان الأمر ليمر على خير....
ازدردت ريقها بصعوبة... وأومأت برأسها... ثم واصلت الرقص معه... دون أن ينطق أحدهما بكلمة...
..
..
أما سيما فقد كانت تشعر بسعادة لا توصف... وهي ترقص مع جاك... الذي كان يبدو جافا في معاملتها طوال الوقت... لكنه هذه الليلة مختلف... فقد أبدى إعجابه بجمالها... كما أنه دعاها إلى الرقص... كانت تدعو طوال مدة رقصها ألا تستيقظ من هذا الحلم الذي تعيشه... لكنها أفاقت من شرودها وهي تسمع صوت جاك الذي قال بلهجة لم تخلو من البرود كما لم تخلو من اللهفة: هلا خرجنا إلى الحديقة... فأنا لا أحب الازدحام.
أومأت برأسها إيجابا دون أن تعلم ما عناه... لكنها تبعته دون اعتراض... فالمهم عندها هو ألا تستفيق من هذا الحلم... -إذا كان حلما-... فهي تتمنى أن يستحيل إلى حقيقة...
خرجا إلى الحديقة حيث الهواء العليل... والعطور المنعشة... شردت سيما وهي تنتظر تعليقا من جاك... لكنها استفاقت وهي تراه قريبا جدا منها... كان يتلاعب بخصلات شعرها... أحست أنه يريد قول شيء ما لهذا سألته قائلة: ما الأمر؟... هل هناك خطب ما؟
..
..
نهاية الفصل الثاني والعشرون