عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 09-24-2013, 10:49 PM
 


الجزء الرابع

بداية ونهاية

يقول أحد مغسلي الموتى : جيء بميت فلما ابتدأنا بتغسيله انقلب لونه كأنه فحمة سوداء ، وكان قبل ذلك أبيض البشرة ، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فوجدت رجلاً واقفاً فقلت:ما هذا..هذا الميت لكم ؟ قال : نعم ، قلت : أنت أبوه ، قال : نعم ، قلت : فما شأن ميتكم ؟! قال الأب : إنه لم يك من المصلين ..إنه لم يك من المصلين ..فقلت له : خذ ميتك فغسله أنت ..أما حكم الله ورسوله في مثل هذا فهو لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يحمل على الأكتاف بل يجر على وجهه وتحفر له حفرة في الصحراء يكب فيها على وجهه (وَمَا ظَلَمْنَاهُم وَلَكِن كَانُوْا أَنْفُسَهُم يَظْلِمُوْن) .. فهل نرضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!! فهل نرضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!!

هذا من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الغواية ..




أما من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الهداية.. فيقول أحد مشايخنا : دفنا شاباً بعد صلاة الظهر .. كان داعية ..كان شاباً مواظباً ومحافظاً على الصلاة في المسجد .. لما


غسلناه وكفّناه استنار وجهه وأشرق ..فلما أتينا القبر وكنت ممن نزل في قبره لإنزاله .. قلت: بسم الله وعلى ملة رسول الله .. فإذا به أُخذ مني واستقبل القبلة قبل أن أنزله ..قلت لصاحبي : شعرت بما شعرت أنا ، قال : سبحان الله .. أُنزل من يدي قبل ان أُنزله أنا في القبر .. فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك .. فداخلني الخوف بأن يكون حياً وأنا الذي غسلته وكفنته .. فسبحان من وفق لحسن الختام أقواماً وخذل أقواماً .. (وَلَا يَظْلِم رَبُّك أَحَدا )



قال ثابت البناني : كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلا متقنعاً باكياً ..

واليوم اشهد الجنائز ترى عجب العجاب ..

قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعزى فيها لكثرة الباكين ، وإنما كان بكاءهم على أنفسهم لا على الميت..


واليوم نشهد الجنائز وكثير من الناس يضحكون ويتحدثون ونداء ربهم يقرع مسامعهم (
اقْتَرَب لِلْنَّاس حِسَابُهُم وَهُم فِي غَفْلَة مَّعْرِضُون )


اعلمى رعاكِ الله أن من حمل الجنازة اليوم سيُحمل غداً .. وأن من رجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع إليها غداً ..

اللهم لا تدعنا في غمرة ، ولا تأخذنا في غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين ..

لا تظن أن الأمر بالموت قد انتهى بل هناك بداية ونهاية أخرى ..





نعم ..سيبعثر ما في القبور ، وسيحصل ما في الصدور ..

فهيا ننتقل من خبر إلى خبر .. تعالي ننتقل إلى موقف عظيم ألا هو موقف الحشر .. والحشر هو جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم .. الحشر هو جمع الناس أولهم وآخرهم ليوم لا ريب فيه ...سماه الله يوم الجمع (

يَوْم يَجْمَعُكُم لِيَوْم الْجَمْع ذَلِك يَوْم التَّغَابُن) ..


وقال سبحانه : ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوْعٌ لَّهُ الْنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُوْدِ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَا لِأَجَلٍ مَّعْدُوْدٍ ).

وقال جل في علاه : ( إِنَّ الْأَوَّلِيْنَ وَالْآخِرِيْنَ لَمَجْمُوْعُوْنَ إِلَىَ مِيْقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُوْمٍ ) ..

تأمل حالهم ( يَوْم يَخْرُجُوْن مِن الْأَجْدَاث سِرَاعا كَأَنَّهُم إِلَى نُصُب يُوْفِضُوْن ، خَاشِعَة أَبْصَارُهُم تَرْهَقُهُم ذِلَّة ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُوْا يُوْعَدُوْن) ..
فلا إله إلا الله على يوم مثل هذا ..
قدرة الله أحاطت بهم فلا يعجزه شيء حيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ..إن هلكوا في أجواء الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، إن أكلتهم الطيور الجارحة ،أو الحيوانات المفترسة ،أو أسماك البحار ، أو غيبوا في قبورهم في الأرض ..
تأمل في قوله (أَيْنَمَا تَكُوْنُوْا يَأْتِ بِكُمُ الْلَّهُ جَمِيْعَا إِنَّ الْلَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ ) .



وكما ان قدرة الله محيطة بعباده يأتي بهم حيثما كانوا فكذلك علمه محيط بهم فلا ينسى منهم أحداً ولا يضل منهم أحد ولا يشذ منهم أحد ..لقد أحصاهم ولن يغادر منهم أحد ( إِن كُل مَن الْسَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آَتِي الْرَّحْمَن عَبْدِا ، لَقَد أَحْصَاهُم وَعَدَّهُم عَدّا ، وَكُلُّهُم آَتِيْه يَوْم الْقِيَامَة فَرْدا ) ،( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدا)

الناس فيه سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.. أسكرتهم الشدائد والأهوال ..

قال قتادة : (يَوْمَ يَقُوْمُ الْنَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِيْنَ ) قال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا منها أكلة ولم يشربوا فيها شربه تدنى الشمس من رؤوسهم مقدار ميل فيغرقون في عرقهم ..

كيف سيكون الحال؟!!..




عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إن الكافر يلجم يوم القيامة بعرقه من طول ذلك اليوم .. وقال علي رضي الله عنه : من طول القيام حتى يقول ربي أرحني ولو إلى النار ..

فلنا أن نتخيل أنتِ وأنا لا محالة من بينهم ... والناس منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء حتى إذا بلغ المجهود من الخلائق منتهاه وطال وقوفهم لا يُكلمون ولا يُنظرون في أمورهم ..
فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار .. ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم وموسى وعيسى كلهم يقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولنيغضب بعده مثله ..
فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول نفسي نفسي .. فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها ،

وصدق الله حين قال (

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَّفْسِهَا ) ، قال سبحانه ( وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفا ، فَيَذَرُهَا قَاعِا صَفْصَفا، لَا تَرَىَ فِيْهَا عِوَجَا وَلَا أَمْتَا ، يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُوْنَ الْدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلْرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسَا ، يَوْمَئِذٍ لَّا تَنْفَعُ الْشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الْرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلَا، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيَهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيْطُوْنَ بِهِ عِلْمَا ، وَعَنَتِ الْوُجُوْهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّوْمِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمَا) فلا إله إلا الله على أهوال يشيب له الولدان وتذهل المرضعات عن الأطفال وتضع الأمهات الأحمال ..





كيف سيكون حالي وحالك (إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّا دَكّا ، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا ، وَجِيْءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الْذِّكْرَىْ) لا إله إلا الله يؤتي بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ،
لو تركت على أهل المحشر لأتت على برهم وفاجرهم ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِّنَ مَّكَانِ بَعِيْدٍ سَمِعُوْا لَهَا تَغَيُّظَا وَزَفِيْرِا) فإذا نظرت إلى الخلائق فارت وثارت وشهقت وزفرت نحوهم وتوثبت عليهم غضباً لغضب ربهم ( إِذَا أُلْقُوا فِيْهَا سَمِعُوْا لَهَا شَهِيْقا وَهِيَ تَفُوْرُ ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ ، قَالُوْا بَلَىَ قَدْ جَاءَنَا نَذِيْرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الْلَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلا فِيْ ضَلَالٍ كَبِيْرٍ ، وَقَالُوْا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيْ أَصْحَابِ الْسَّعِيرِ) فتتساقط الخلائق حينئذ على ركبهم جثاة حولها قد أسبلوا الدموع ، ونادى الظالمون بالويل والثبور ( لَا تَدْعُوَ الْيَوْمَ ثُبُوْرَا وَاحِدَا وَادَّعَوْ ثُبُوْرَا كَثِيْرَا ) ثم تزفر ثانية فيزداد الرعب والخوف في القلوب ، ثم تزفر الثالثة فتتساقط الخلائق علىوجوههم ويشخصون بأبصارهم وهم ينظرون من طرف خفي خوفاً أن تبلغهم أو يأخذهم حريقها .. أجارنا الله منها ..

فتصوري وتخيلي أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كل واحد منهم بنفسه يقول : نفسي نفسي فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي .. فيا هول ذلك وأنتِ تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه ..




إنه يوم قد بدأ وسوف ينتهي لكن كيف ستكون النهايات وإلى أين المصير؟!

ما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم والشكور نوح والخليل إبراهيم والكليم موسى والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله وعظم قدر منازلهم عند ربهم ..كل ينادي نفسي نفسي .. هذا حال أتقى البشر ، فكيف سيكون حالي وحالك !!! وكيف يكون خوفي وخوفك!!! ..

حتى إذا آيس الخلائق من شفاعتهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم لها وقال : أنا لها .. أنا لها ..

عند الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي " .

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى (

عَسَىَ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَا مَّحْمُوْدَا) سُئل عنها فقال : " هي الشفاعة " فينطلق صلى الله عليه وسلم إلى العرش فيخر ساجداً فيفتح الله عليه من محامده والثناء عليه ما هو أهله ..ذلك كله بمسمعي ومسمعك وأسماع الخلائق أجمعين .. فيقال : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطَ واشفع تشفع ..فيقول يا رب : أمتي أمتي .. فيجيبه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم..( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُوْنَ لَا تَخْفَىْ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِيْ غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُوْنَ) ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُوْنَ ) (أَزِفَتْ الْآَزِفَةُ، لَيْسَ لَهَا مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ كَاشِفَةٌ ، أَفَمَنْ هَذَا الْحَدِيْثِ تَعْجَبُوْنَ،وَتَضْحَكُوْنَ وَلَا تَبْكُوْنَ،وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ، فَاسْجُدُوْا لِلَّهِ وَاعْبُدُوْا ).


__________________
ليلى
رد مع اقتباس