(( وأحتضنت القمر ...!!! )) كالعادة آتي دائما متأخرا
بعد اخوتي ...
في كل مرة يسبقونني لخدمتها
وتقديم المساعدة لها
جئتها زائرا قبل المساء
واغلب الظن أني سأعود
في ذات الليلة ... المؤذن فرغ من الأذان
ولم يبقى في الفضاء سوى كلمة
تتردد وتملأ الزمان والمكان
لا إله إلا الله ذهبت إلى الصلاة قبل أن اراها
وعدت سريعا
المجال مفتوح لرؤيتها ..؟؟
بعد أن أُذِن لي بالدخول عليها
كانت لا تزال جالسة على سجادتها
قبلت رأسها وجلست جوارها
الألم والارهاق مرسوم على ملامحها
كل ذرة في جسمها تشعرك بألم يختزلها ..
هالة من الحزن والتعب
تغشى وجهها الطاهر
شعرت وكأني لا أجيد الكلام
خنقني حزني وتاهت كل الكلمات
عندما رأيت الألم يرتسم على محياها وبين هذه المشاعر ووسط هذه
الملامح ... قلت كيفك بشريني ..؟؟
قالت برضى : الحمد لله وبدأت تصف لي ليلتها الماضية
لم أكن معها سوى بجسدي
خيالي وفكري يعود بعقارب الزمن
إلى الخلف .. إلى ليلة لم ارها
ليلة كنت أتقلب فيها في النعم
ليلة كان أولها بالنسبة لي هدوء وأمن
وفي ختامها عافية وسكينة
وبين أولها وآخرها كانت غاليتي
تتقلب على فراش المرض كم نحن مسرفون في البعد عن احبتنا
آه كم هي ساعات الالم التي تمر باحبابنا
ونحن لاهون ساهون
كنت أحاول العودة الى تلك الليلة
لأعيش تفاصيلها مع غاليتي
لأعيش ألمها وأتصور حجم الآلام
التي تمر بنا وتصبح أثرا بعد عين حزينة كانت نبرتها
كانت تأخذ قليلا ثم تقول :
آه يا ولدي الله لا يوريكم ما جاني
الله لا يبتليكم بما جاني حضرت احدى الاخوات
وقالت هيا يا امي تأخذين
العلاج حتى نجهز لك العشاء
كانت لم تأكل منذ ليال ولم تنم
حاولت أن احضر لها اي شي
كي تأكل ولكن قطعت علي الطريق
وقالت والله يا ولدي حتى الماء
لا اشتهيه ولا طعم له
مر وكأني اتجرع العلقم
حضر عشاءها المعد بعناية لحالتها
ولكن هيهات ...
في هذه الأثناء خرجت وتركتها
كي ترتاح قليلا إلى صلاة العشاء كنت افكر
بحجم الألم الذي تحمله كلماتها
هل هذه الكلمات حقيقة يمكن أن
نتصورها بخيالنا ...
جبل الصبر الذي قضيت في ظلاله
ثلاثة عقود ... ما الذي يهزه
كانت مدرسة في الصبر ولا زالت
تذكرت كلمتها التي كانت ترددها
فتنقلني بين عالم الخيال والواقع آه يا ولدي الله لا يوريكم ما جاني
الله لا يبتليكم بما جاني
دعوت الله لها بالثبات والشفاء الذي
لا يغادر سقما ... كنت على موعد مع مشاهد لا تنسى
مشاهد لم أرها من قبل
عندما ودع الأخوة المنزل وأهله
وبقيت وإحدى شقيقاتي بجوارها
كان في حسباني أن زيارتي
ستنتهي بعد قليل
وبحكم أني الآخر وصولا فأردت أن
أكون آخر المنصرفين وبينما
أنا بجوارها وقد أخبرت أهلي أن يأخذوا
جهازهم لنغادر
كان ما حاولت قبل قليل
اجهاد مخيلتي في تصوره .. واقعا
رأيت الألم بدون حجاب
رأيت الوجه الحقيقي للمرض
آهٍ كم انت قاس ايها المرض
لولا انك مأمور
لقلت انك بلا قلب ولا تعرف الرحمة
كانت تتطوى من الألم وتتلمض من التعب
تنشد الراحة مستلقية فما يلمس
السرير جنبها إلا وثبت هاتفة يا ربي
ياربي .. لا إله إلا الله
وما إن تستقر جالسة حتى تنطوي
هاتفة بنفس مقالها
يا الله : جبل الصبر يهتز
كهذه المشاهد لم أرى من قبل ..!! عندما ترى أعز الناس يتلوى أمام
ناضريك .. ولا تملك له حولا ولا قوة
تصاب بالخيبة وتشعر بالاحباط
عندما يقع حبيبك خارج حدود قدرتك
وخلف اسوار حولك
فلاتملك سوى الالم بصمت
يكاد الاسى يحرقني وتكاد العبرات تخنقني
كنت كمن يرى قرة عينه من خلف
شاشة تلفاز يراه يغرق
في بحر لجي
يحاول الدخول إليه .. ويحاول نجدته
لكن دون جدوى
قريب منه نعم ... بالمشهد والمنظر
ولكنه هناك هناك خلف اسوار قدرته
لاتملك إلا ان ترقب المشهد بأسى
أو تصرف نظرك كي لا يستمر العذاب سرقت نفسي إلى الخارج
وهاتفت اهلي وأسررت لهم بالمبيت
كنت وأنا أجر خطاي بالمغادرة
أتذكر قوله تعالى :
[ .. قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً .. ] كم نحن ضعفاء وكم نحن مساكين
معاشر البشر يضن أحدنا في ساعة
من الساعات أنه قوي عزيز
يغره شبابه وتغره فتوته وتغريه قوته
فيظن الأمر أمره والحكم حكمه
ولو داهمه صداع أو قرحة أو غيرها
من الأدواء البسيطة لرأيت القوة تفر
والشباب يذهب والفتوة تتلاشى
فكيف بألم يهد الجبال مسكين أنت أيها المغرور
يهبك الله قوة كي تصرفها في طاعته
فتتكبر عليه
ويرزقك الله عقل كي تعرفه به
فتحتال عليه
ويعطيك الله مال كي تنفقه في أمره
فتبخل به عليه
مسكين أنت يا أبن آدم تطغيك نعمة زائلة
وتغرك دنيا مائلة وتفتنك شهوة حائلة
كنت أقرأ عن سكرات الموت
فأعجب لها وتهتز روحي فرقا منها
والآن كأني والله أشاهدها رأي العين
لايمكن لحروف كاتب ولا للسان بليغ
أن يصف المشهد ...
كانت تغط لثوان فتصحو وتقول
لا إله إلا الله .. ياربي ياربي
يا الله لا تـُشمِت بي يا رب
سمعتها غير مرة تقول :
اللهم الهمني الشهادة
يا رب ثبتني .. يا رب اختم لي بخواتم الخير
ثم تغط وتصحو ساعة تذهب ثقيلة ... وتأتي أخرى
ببرود وكأنه لا يعنيها شيء
عجيب هذا الوقت
كيف يتحكم في مشاعره ويضبطها في احدى المرات قالت كلمة
هزتني وأنا أخافت حولها بالدعوات
واقرأ عليها بعض الآيات
أرهقها الألم فقالت وقد رفعت سبابتها :
يارب لا تـُشمِت بي يارب
يارب تجعله مع النوم يارب تجعله مع نومي
فتناثرت العبرات وتفاقم المصاب كنا نجول في البيت يمنة ويسرة
حقا : ما اطول الليل على من لم ينم
وفعلا : لا يعرف الألم الا من يكابده
في الصالة جلستْ وكنا مقابلين لها
قالت : ادعوا لي يا اولادي ادعوا لي
قمت وجلست بجوارها واحتضنتها
وضعت يدي اليسرى من خلفها
ويدي اليمنى على صدرها
في داخلي لهب يشتعل
تحاملت عليه واستجمعت كل قواي
في محاولة للبوح تغلبت على صمتي
وتمكنت من الحديث قائلا الصبر يا امي الصبر
يبتلى الناس على قدر ايمانهم
وانت صاحبة ايمان نحسبك ان
شاء الله ...
والله ما بيدنا شيء الا الدعاء
واغرورقت العينان
وسكت اللسان
فلا تسمع الا همسا
نظرت الي وقالت ادري يا ابوية
فديتكم كلكم ...
هب نسيم من السكينة والهدوء
اغمضت عيناها وهدأت نفسها
سكون عجيب وهدوء مفاجئ
شعرت بالنوم يتسلل الى جسدها المنهك
الذي لم يذق للنوم طمعا منذ ثلاث
ولم يذق للزاد طعما منذ ثلاث
ارتخى جسدها الطاهر ونامت بين يدي لحظات قليلة في حساب الزمن
كانت عندي تساوي عمرا
كل اسى الساعات الماضية مر كأن
لم أذقه عندما شعرت بدفء السنين
واحتضنت القمر ... لحظات وانا امسكها ثم استيقظت
وكأنها نامت لأشهر نظرت الي بوجه
مليء بالتعب والألم قالت :
دعني استلقي .. وما ان لمست الفراش
حتى تمكن النوم من جسدها ونامت وقفت على رأسها وامنيتي ان اغوص
في داخلها لانتزع ذاك الالم
الذي انهك جسدها الضعيف
واقض مضجعها
ولو كان الثمن ان اغرسه في داخلي
وقفت جوارها دقائق اتأمل حالها
كلي سرور وغبطة أنها نامت
وفي داخلي صدى يتردد
يكاد يعصف بي
اللهم اجعله مع نومي دقائق ولم تصحو
ما زالت نائمة ...
اشرت الى شقيقتي بالهدوء
قامت واغلقت الانارة
وسكن الجميع
ذهبت الى الغرفة المجاورة
وجلست في مكان مقابل لها اراقب
سريرها ... وبعد دقائق تبسمت
سرورا وحمدت الله على استقرار حالها
اخذت فراشي واستلقيت بهدوء
لحظات وانظر .. الحمد لله
ما زالت نائمة .. وهكذا في كل مرة
حتى غشاني النوم
ونامت عيوني اما قلبي فهناك
ساعتين تقريبا وانا في عالم النائمين
خفق قلبي بقوة انتفضت وقمت بفزع
رفعت رأسي فنظرت
آه ليست على الفراش قمت مسرعا الى الغرفة الأخرى
قلبي يسبقني ونظري ينكسر خوفا من الواقع
نظرت بهدوء من زاوية الباب
يارب سترك وعفوك
لا حول ولا قوة الا بالله
ها هي جالسة والحال كما كان يا الله يا ارحم الراحمين
اللهم لا راد لفضلك
ولا معقب لأمرك
اللهم لارب سواك فندعوه
ولا اله غيرك فنرجوه
اللهم يا الله يا الله يا الله يا ارحم الراحمين
فرج قريب يا الله اقتربت منها بهدوء
لا حول ولا قوة الا بالله
هاه ما زلت على نفس الحال
قالت : باقي والله كأنها نار تشب
في داخلي .. حاولت القراءة والدعاء
والحال كما هو .. معاناتها تزداد
رحمتها والله واشفقت
ولكني تذكرت رسالتي التي ارددها
دائما لأحبتي تذكيرا لهم بالله
حال مرض قريب او حبيب لأحدهم
هذه الكلمات حفظتها من أحد
الدعاة كان يكررها دائما في مواساته
لاخوانه عند مصابهم باحبابهم :
يقول ان كنت تظن انك ارحم به
من الواحد الاحد فقد وهمت واخطأت
فكنت اردد في نفسي :
لله ارحم بها مني بل هو ارحم بها من نفسها
وما أخر شفاءها الا لسبب يعلمه جل في علاه
ونحن لا نعلمه .
استمر بنا الحال وبين ساعات الليل
كان يقدم الوالد ويتردد علينا
فينظر فاذا الحال كما هو يحوقل
ويولي قائلا : فرج الله قريب
فرج الله قريب هنا يقدم الوالد كعادته ليوقظنا
لصلاة الفجر فيجد الجميع
كما تركهم ...
يسلم ويقترب ثم يقف
ويقبض كفيه وينظر
ما استراحت باقي ...
قلنا باقي كما هي حوقل واسترجع
وقال مقالته فرج الله قريب
ثم قال الصلاة الصلاة وولى خارجا مشاعر الكبار كبيرة بحجمهم
لا يسمح لهم كبريائهم بالبوح
يكاد يقضي عليهم الاسى ولكنهم صامدون
فان ضعفوا هم فمن يقوينا ...؟؟
كنت اشعر لدى دخول والدي
بهالة تصحبه من المشاعر
دفء يعم المكان وينجلي حال خروجه
الكبار فقط يستطيعون الحفاظ
على المشاعر وقت الازمات بعد ان فرغنا من الصلاة كان
لابد من حل ومحاولة جديدة
لبذل سبب جديد
فقررنا الذهاب لمستشفى آخر
هو الخامس في ترتيبه
تم الاتفاق على ذلك وكان موعد
الاقلاع السابعة
حتى موعدنا كانت تتألم وتتنقل
بين غرفة واخرى وسرير واخر
واحدنا يرافقها
حين اشرقت الشمس خرجت
للخارج جلست بجوار احواضها
الريحان والاشجار والنخلة
كأني باشجارها تلتفت إليها وتسأل عنها
فلم ترها منذ مرضت
لم تجد الري ولم تلامس الاكف الحانية
منذ اقعدها الالم
نظرت الى احواضها وتبسمت قائلة
الله ... من ليلة المطر ما شفتها
من بعد المطر ما قدرت اسقيها
ولا كأنها موجودة قد نتخلى احيانا عن كثير من اشيائنا
ليس كرها بقدر ما هو شعور
بالضعف يجعلنا لا نستطيع الوفاء لها
مؤلم هذا الشعور عندما ترى
ما تبنيه لزمن يتهاوى امامك
وانت لا تملك له ضرا ولا نفعا
عندما ترى حلمك وامانيك
تنهار او تتلاشى وانت عاجز
عن مد يد العون نظرت نظرة الى السماء
وهتفت تناجي خالقها
يا الله اني امامك يا رب يا الله
يا رب فرج لنا يا رب
يا الله فرجك
الحين كيف اقدر
اجلس بين النساء
يا الله لا تبلاني يا رب
قلت لها توكلي على الله
تفرج ان شاء الله
نظرت الي واشارت بسبابتها
الى السماء ثم همست :
بلغة الواثق لا المتألي لابد ربي يفرجها
ان شاء الله ربي يفرجها
بينما كلمتها تتردد داخلي
مر امامي مشاهد سريعة
صورة والدي يقبض كفيه موليا يقول
فرج الله قريب
صورة صغيرتي تطوي بطنها
بيدها الصغيرة وتولي بوجهها تقول حتى يفزع ربي بالفرج سبحانك يا الله لقد علم الصغير
والكبير أن الفرج لا يأتي الا من عندك
وان فرجك قريب
اللهم فرج هم المهمومين حسن القرني
الثلاثاء
١٩ / ٧ / ١٤٣٢
السابعة صباحاً
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |