عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-02-2013, 12:46 PM
 







*الفصل الأول ج1

" في منتصف الليل "


"أحزان تليها أحزان تليها فقدان "


هذا ماكنت أسمعه دائماً من أخي تسوباكي عائلتي الوحيدة في هذه الحياة ،كنت أتنصت ليلاً الى همساته الحزينة يشتكي هموم الحياة ومتاعبها ..تخنقه العبرة


حتى أخاله بأنه سوف ينتهي بهذه اللحظة ...


وأحياناً لا اكترث لألمه وبكائه ظناً مني بأن هذه عادة لديه !!


وتارة أخرى اقتحم باب الغرفة ليحتضنني بين ذراعيه النحيلتين ويرغم ابتسامته على التسلق الى شفتيه وأنا أشعر بالحزن الذي يعتصر فؤاده ...


يقبل جبهتي ويحثني على النوم مبكراً ...لم أجدّ منه أي سوءٍ إطلاقاً !!






بعد تجاوزي للمرحلتين الأبتدائية والأعدادية لم أعدّ أحتقر حزنه بل في كل مرة أسمع أوتار صوته الحزينة أتألم بداخلي وبشدة فهو المسؤول عن كل شيءٍ في حياتي ..


لم أفلح يوماً بالوصول الى قلبه وسماع مايحزنه فهو يقابل سؤالي هذا بأبتسامة حتى أخاله مجدداً بأنه كان يتدرب على دور مسرحي فقط !!


وكأن دموعه تأبى أن تتساقط أمامي متحجرةً في مقلتيه ثم يجيبني بصوته اللطيف الدافئ :-




"ليس البكاء هو الألم"




أستفسر عن كلماته في مخيلتي ولايشفق على دهشتي العارمة بتوضيح صغير لما يعنيه فأنا أعلم بأن البكاء عبارة عن أحزان متجمعة على قطرات دموع تنزل على الخدّ ساخنة !!


.....



في تلك الليلة فقط علمت ماهية الألم الذي كان يعانيه أخي "تسوباكي" ...


كانت الساعة تشير الى الثامنة مساءاً عندما خرجت من غرفتي بعد ساعات طويلة من الأستذكار الجاد وخصوصاً أن مستواي الدراسي متأرجح بين فكيّ الفشل




بخطوات متكاسلة نزلت من الدرج قبل أن أصل الى غرفة المعيشة تناهى الى سمعي همسات بدت لي مضطربة ومتشنجة ...توقفت عند الباب ومن فتحته أستطعت أن أبعد التشويش الذي كان يعيق تنصتي ..




زاد أهتمامي بالحوار الذي يجري عندما

سمعت صوت تسوباكي يتحدّث بحدّة :-


"الشركة سوف تفلس ...لكن أنا وإيما قطعة واحدة لن تنكسر "




تراجعت الى الخلف غير مستوعبة الفكرة التي عناها أخي بشكل دقيق فأرتقيت الدرج ودلفت الى الغرفة وأنا أعيد أيقاع كلماته في عقلي الذي أستطاع أن يلتقط موجات تنذر بالسوء




أصبحت قادرة على التعمق في حياته إنه الآن يعاني من أزمة مالية صعبة استناداً الى كلماته التي أزالت كتلة الأسئلة في رأسي ..




سحبت كرسياً وجلست عليه وقد أدركت يقيناً بأن تسوباكي سوف يكون سعيداً بدوني "يجب عليّ ألا أسبب المشاكل لأي أحد " همست بهذا لنفسي قبل أن أصطدم بقامة تسوباكي من الخلف




التظاهر بالدراسة سوف تكون كذبة غير مناسبة فالكتب قد رُتِبت في أمكانها ولا وجود لأي آثار دراسية على الطاولة ..حدّقت به وأنا أتفحص ملياً شعره الذهبي المتناثر بفوضوية على جبهته والذي جعله أقرب الى شاب أوروبي ،محيط عينيه الزرقاوان القابعان خلف نظارته أرى فيه أنعكاس سعادتي المجتمعة في داخله ..




أنتبهت الى كفه التي تربت على كتفي فقال بلهجة تحمل بين ثناياها اللطف والمودة :-




"إيما ...هل تبلين بلاءً حسناً في دراستك ؟! "




لست متفاجئة أبداً من سؤاله بل توقعت بأنه المقدمة التي سيبدأ بها تسوباكي لذلك جاء ردّي سريعاً بنكهة مرحة :-




"أنا ذكية بطبعي"




ابتسم إبتسامة حتى لاحت أسنانه ناصعة البياض ووجدّت فيها الترياق السحري لتبديد أحزاني ثم غادر الغرفة بصمت متطابق مع دخوله !!





,*


*~ تسوباكي




أعلن صوت المنبه عن قدوم يوماً آخر أكثر صعوبة من الأيام الأخرى صدقاً لم أنوي العزم على الأستيقاظ مبكراً وأنا أتخيل الحال الذي سوف نؤول إليه أنا وشقيقتي الصغرى "إيما"




إنها مفتاحي للسعادة ...ابتسامتها تغنيني عن ثراء الدنيا بأكمله ..


تكورت كتلة الأسئلة التي تحمل شراً مرعباً في كوامنها ..




كيف سيصبح حالها ؟! أذا علمت بطريقة مباشرة أو بأخرى عن الظروف التي أزامنها الآن والتي تعتمد على أختياري لأحد الأختيارين ...




"الزواج من أيكو؟! "




"أعلان أفلاس الشركة والرضوخ للعمل في الشركة التي تفوح منها رائحة الفساد ؟! "




كلا الأختيارين يتحتم على قلبينا التجرع من الألم والقسوة والتي لن يستطيع قلبها الصغير تحملها ..




نفضت الغطاء عن رأسي وزفرت بضيق من حالتي التي كانت نتيجة الصفقة الفاشلة ناهيك عن أفلاس الشركة المحتمّ ..




بعد الأنتهاء من الأعمال الروتينية توجهت الى إيما التي كانت تمنع خصلات شعرها البني من التبعثر في كل الجوانب ،شعرت بالتردد لأعلمها بالحقيقة التي فتكت بي ولكن امتنعت عن ذلك عندما استدارت لتحطمني بأبتسامة جميلة سوف تتبخر قريباً عن ناظريّ




وقفت بجانب الباب أراقب شقيقتي بنظرة حزينة وهي تغادر المكان وأعينها البنيتين تحمل الكثير والكثير من الأسهم التي تجعلني طريح الألم ...




ارتديت معطفي وخرجت من المنزل هائماً على وجهي ...أعاد انتباهي توقف سيارة ذات لون مميز بجانب الرصيف ...فاستدرت ببطء لألمح وجهاً مألوفاً لدي ..اندفعت الى سيارته



وقلت بسعادة مصطنعة :-




"ناتسومي- سان- "




فتح زجاج النافذة غامزاً ودعاني للصعود ...حاولت الرفض ولكنّ صيغة الأقناع التي يمتلكها تعجزني عن الأستمرار في أعذاري الواهية ،صعدّت معه على متن سيارته الحمراء الفارهة بتصميمها المريح الذي بعث بدواخلي نسائم من الراحة المؤقتة ..




ناتسومي هو الشاب الذي لازمني منذ أن رآني في أحد المحلات التجارية حيث كنت أعمل وأدرس بنفس الوقت بسن الرابعة عشرة ...لا أذكر السبب الرئيسي الذي جعله يقربني الى قلبه كثيراً




ولم أحاول معرفة مشاعره اتجاهي فقط كنت أعامله كصديق وفي مخلص ...فلقد ساعدني على تجاوز بعض العقبات وتحسين أداء الشركة التي ورثتها عن والدي ...ربما أرجع سبب نجاحي وتفوقي أليه بدون طرف آخر ...




قطع سيلان أفكاري دخان سيجارته الذي انتشر بالأرجاء فكان دافعاً ليلفت نظري أليه ...شاب أنيق وسيم بشعره البرتقالي وأزرقاق عينيه ذا جاذبية مفرطة ....بمكانته المرموقة استبعدت قدرته على النزول الى مستواي مباشرة وأمام الجميع ليقدّم الدعم لشركة مازالت نكرة في عالم الأقتصاد ...




مرة أخرى بترسيلان أفكاري اللآمتناهية صوته الرجولي ذي البحة المميزة وهو يشير ألي بسيجارته :-




"تسوباكي ...هل أنت بخير ؟! "




لم أكنّ مستعداً على تلقي سؤاله بفجائية مزلزلة استدرت ببط لأقابل نظراته محاولاً أزاحة بعض التوتر على لهجتي :-




"بالتأكيد...و..و "




للمرة الألف استطاع ناتسومي أرعابي بشكل حقيقي بقوله الحازم :-




"أنت تمرّ بأزمة مالية أليس كذلك ؟! "




قبضت على سترتي وسمحت لدمعة أن تفر من سجن عيني وتنزل بسخونة تذيب غلاف السعادة على خدّي ...اتسعت عينيّ دهشة عندما أوقف سيارته وضمني أليه مضيفاً صوتاً لطيفاً لم أعتاده :-




" لقد علّمت بالأمر كاملاً ...أشجعك على الأختيار الذي سوف تختاره "




دفعته بقوة لتتدافع دموعي في مقلتي وأتحدّث بلهجة شبه باكية :-




"كيف ؟! بماذا علمت ؟! "




تقابلت أعيينا بطريقة بثت موجة من الخوف المتزامن ثم أجاب بعد صمت وجيز :-




"عيناك تحدثت أليّ خلال هذه الدقائق "




انتشلت حقيبتي وفتحت باب السيارة لأخرج منها لكنه كان أسرع حركة مني في خروجه من السيارة وأمساك معصمي قبل أن أبتعد عن موقف السيارات ..




أبت عيني النظر أليه وأنا بحالة من الضعف الحاد ..لم أعدّ أحتمل ...أردت التملص من قبضته إلا أنها كانت قوية جداً ومضت فكرة النباح عليه في عقلي لكن ...مهلاً ..لست مصدقاً ..


ربما أتوهم فقط ..




ناتسومي يبكي ...إنه يذرف دموعاً غزيرة أشعر بحرارتها على يديّ ...ركزت على صوته الأجش وهو يقول :-




"أنت لاتثق بي ...ربما كنت مجردّ شوكة في طريقك "




صمت لحظات وأنا مخدرّ بذهول الموقف تحدث مجدداً بنبرة مترددة :-


"أ..أ ..يما ...أذا كنت قلقاً بشأنها بمقدوري التكفل بها "




قاطعته بحدّة :-


"أخرس "




وانطلقت بعدها متحرراً من قبضته ،سامحاً لحقيبتي التملص من يدي ،كنت على يقين بأن تصرفي موحشاً ولكني أصبحت أضعف مخلوق في هذه اللحظة .



,*


*~ ناتسومي


تسوباكي ...محور تفكيري أثناء دخولي الى المنزل الخاص بي ...قذفت بمعطفي بعيداً وتهالكت على الأريكة واضعاً حقيبته على مقربة مني ..




خطفت نظرة على الحقيبة السوداء التي كنت أظنها مهمة قبل أن تصلني رسالة منه تدّل على عدم أهميتها ...تمنيت لو أقضي بعضاً من الوقت معه لأستخرج كل مايخفيه ..فما قلته بالسيارة كان صوت الشكوك التي تساورني ...والتي أثبت يقينها جراء ماحصل اليوم في سيارتي !!




خطأ فادحاً اقترفته بذكري لشقيقته الصغرى التي يعاملها كجوهرة نادرة لاتعوض في هذا العالم الكبير ...أعجابي مثار حول صلابته بالرغم أنه مازال يافعاً على تولي المسؤولية




لقد واجه الكثير والكثير من الصعاب كان أشدها ألماً موت والديه وفوق كل هذا أستطاع وضع قدميه على الأرض بقوة تفوق الفولاذ ..




انتشلت هاتفي من سترتي وترددت قليلاً قبل أن أكبس زرّ الأتصال ...5 مرات من المحاولة لم يشفق تسوباكي على اتصالاتي وهذا مازادني ضيقاً ..








,*


*~ إيما







وصلت متأخرة الى المنزل وذلك بسبب الحصص الأضافيه التي أُجبرت على دراستها ...كنت منهكة لدرجة الموت وخصوصاً بعد أضاعة بطاقة القطار والمشي على قدمي مجدداً وكل هذا ماكان سوف يحدث مع وجود مصروفي ..




اقتحمت باب المنزل وأنا أصغي الى أنفاسي اللآهثة

ثم رفعت صوتي بصخب :-




"مرحباً ...لقد عدّت الى المنزل "




كل شيء كان مظلماً...الظلام دامس ،لا أسمع سوى وقع خطواتي المتوترة ...فتحت باب الغرفة ثم ارتقيت الدرج محاولةً إيجاد تسوباكي فليس من عادته التأخير هكذا !!




استقر نظري على هاتفي بعد أن أنرت الغرفة ثم ابتسمت آملة بأن يجيب تسوباكي على مكالمتي ...




سماع صوت هاتفه بالقرب مني بخرّ كل السعادة المتكومة في داخلي وكل مشاعر حسنة ..أصبحت متيقنة من وجود سبب خطير دعى تسوباكي الى العجلة ونسيان هاتفه هنا ..




أثناء نظري الى الطاولة سرّت رعدة خفيفة بجسدي على ماوقعت عليه يديّ !!










_يرجى عدم الردّ_









__________________
/