ارتدى القناع وأطلّ من تلك الفوهة الضيقة ثم شمرّ ساعديه وأطلق زئيراً مدوياً استقبلته الجماهير المحتشدة بوابل من الهتاف والتصفيق المجنون مما جعله يطلق ضحكة عالية ضاعت وسط الحشود ثم رسم على وجهه حزمة من الصرامة وبدأ يطلق رصاصات من فمه تصيب قلوب محبيه " .. نحن شهداء تمشي على الأرض , فلا تحزنوا ولا تهنوا فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار , أنتم الأعلون وهم في الدرك الأسفل اقتلوهم حيث ثقفتموهم, فنحن أهل الحق وهم على الباطل .." .
وقبل أن يتم كلامه التحم الجمعان ودارت رحى الحرب وجلجلت قعقعة السيوف واختلطت الدماء وهو ينظر من فوهته الضيقة بعين تبرق في الظلام وهو ممسك بعصاه وكأنه قائد أوركسترا يعزف لحن الموت .
اقتلع قناعه كالفهد وارتدى آخراً حزيناً وهو يتابع موجات الأكفان تصطف أمامه فأخفى عصاه وأمسك مسبحته وعيناه تذرفان زخات من دموع التماسيح والقوم يتمسحون في لحيته البيضاء يطلبون البركة والدعاء فينظر اليهم قائلاً " استووا يرحمكم الله " .
تنفس الصعداء ثم بدأ يزيل أقنعته الواحد تلو الآخر حتى أنهكه التعب فارتشف ما تبقى من قهوته وهو يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته ثم أغلق حاسوبه وارتمى على سريره وهو يردد أذكار النوم .
التعديل الأخير تم بواسطة فارس الاحزان ; 10-07-2013 الساعة 09:20 PM |