علق الفؤاد بالذي ليس كمثله شيء فمرتبة عليا لا يوصل إليها إلا بالكدح والكفاح والهمة .. وقبل ذلك كله .. بالتوفيق والرضا من صاحب الأمر كله ..
ولهذا أدرك العارفون أن هذا أمر لا يمكن الوصول إليه إلا ركوعًا وسجودًا وابتهالًا وعبادة وطاعة وخضوعًا وخشوعًا وتذللًا وتجردًا .. وأن هذه مرتبة لا تُنال بشهادة جامعية ولا بماجستير أو دكتوراه أو تحصيل عقلي .. ولكنه منزلة رفيعة لا مدخل إليها إلا بالإخلاص وسلامة القلب وطهارة اليد والقدم والعين والأذن .. ولا سبيل إليها إلا بخلع النعلين .
تخلع جسدك ونفسك ..
وليس مقصود القوم هنا هو الزهد الفارغ والتبطل ..
وإنما أن تخلع حظك وأنانيتك وشهوتك وطمعك وشخصانيتك وأن ترتد إلى الطهارة الأولى اللاشخصانية التي تعطي فيها وتحب دون نظر إلى حظ شخصي أو عائد ذاتي ..
فهي حالة عمل وعطاء وبَذل .. وليست حالة زهد فارغ وتَبَطُل ..
وهي في ذروتها حالة فِداء وتضحية في سبيل إعلاء كلمة الله .. تضحية لا تنظر إلى نيشان أو نصب تذكاري، ولكنها تبذل المال والدم والنفس لوجه الله وحده .
ويقول العارفون أن مائدة الإستشهـــــاد هي أعلى موائد التكريم .. ولا دخول إليها إلا ببطاقة دعوة من صاحبها .. ولا دخول إليها إقتحامًا أو قهرًا وتبجحًا ..
وانما هي دعوة من الكريم يتلقاها صاحب الحظ بالتلبية والهرولة ويتلقاها المحروم بالتكاسل، والتخاذل، والتخلف ..
ذلك هو الحب في مذهب القوم .
د. مصطفى محمود رحمه الله ..
من كتـــاب " الإسلام .. ما هو .. ؟ " |