فضل قيام الليل : الشيخ زيد البحري كلمة عن ( فضل قيام الليل ) فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : أما بعد : فنحن في فصل الشتاء ، وهذا الفصل البارد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( الشتاء ربيع المؤمن ) حسَّنه الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد كيف يكون الشتاء ربيع المؤمن ؟ طال ليله فقام وقصر نهاره فصام . وحديثي في هذه الليلة عن صلاة الليل ، صلاة الليل لها فضل ومكانة ، ولذا مدح الله عز وجل أناسا يقومون الليل على ماذا ؟ على طاعة أم على معصية ؟ على طاعة ، ولنضع أنفسنا في ميزان هؤلاء ، قال تعالى { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ }الزمر9 ، فيه حذف ( كمن ليس كذلك ؟ ) وأثنى الله عز وجل على عباده من أنهم { يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }الفرقان64 ، وبيَّن عز وجل أن جنوبهم تتباعد عن المضاجع التي يأنسون بها ، يتركون فرشهم الناعمة الوفيرة ويتركون زوجاتهم ويقومون يصلون { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } من أجل ؟ { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً }السجدة16 ، بين الرجاء وبين الخوف . وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار ، بل إن أفضل الصلوات بعد الفريضة كما جاء عند مسلم ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الخطيب البغدادي قال ( قيام الليل شرف المؤمن ) تريد أن تكون شريفا عزيزا كريما ؟ فقم الليل ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} ما هي الناشئة ؟ قال بعض العلماء : هي أول الليل ، لأن النشوء هو البداية . وقال بعض العلماء : هي القيام بعد نوم الليل ، يعني تنام في الليل ثم تقوم ، وكلاهما متقاربان ويدخلان في الآية . فإذاً لا يحرم الإنسان نفسه من أن يصلي ناشئة الليل ولو في أول الليل ، لا يلزم أن يقوم ، إن قام في آخر الليل فهذا فضل وكرم { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} ما معنى { أَشَدُّ وَطْءاً } ؟ يعني أن القلب يتواطأ مع اللسان فيكون القلب حاضرا { وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} يعني أن قراءة الليل تكون أسلم من الأخطاء بالنسبة إلى قراءة النهار ، لم ؟ لأن الجو هادئ ، والصوارف ليست موجودة . وصلاة الليل لا يغفل الإنسان عنها ولو بما تيسر ، ولذلك السلف رحمهم الله كانوا يقولون ( لا تتركوا قيام الليل ولو بمقدار حلب ناقة ) الناقة تحلب في خمس أو عشر دقائق ، ولذلك أبو هريرة رضي الله عنه كان له تقسيم مع أسرته ، كان يقوم ثلث الليل والثلث الآخر تقومه زوجته والثلث الآخر يقومه أولاده ، يتناوبون الليل كله ، إذاً بيت أبي هريرة يقوم الليل كله ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند أبي داود ( رحم الله امرءا قام فصلى من الليل وأيقظ زوجته فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت فأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء ) بل من العجب أن الله عز وجل امتدح الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، يمكن يحصل الإنسان على هذا بصلاة ركعتين في الليل مع زوجته ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود ( إذا قام الرجل من الليل فصلى ركعتين ثم أيقظ زوجته فصليا جميعا كتبا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) فضل من الله عز وجل ، لكننا غافلون عنه ، فاحرص على ألا تكون من الغافلين ، الغفلة مذمومة ، تريد ألا تكون من الغافلين ؟ فقم الليل بعشر آيات ، بعشر آيات تتنحى عنك الغفلة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود ( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ) إذا صليت من الليل فاحرص على ألا تنقص عن عشر آيات ( ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ) يعني من المطيعين الدائمين على الطاعة ( ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ) القنطار : هو عبارة عن وزن عند العرب لا يُعد له عدد ، بمعنى أنه من المقنطرين الذين حصلوا على حسنات كثيرة لا تعد ولا تحصى . فقيام الليل فيه خير ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومقربة من الله ومبعدة عن الإثم وتكفير للسيئات ) هناك جملة فيها شيء من الضعف ، لكن في الواقع لها أصل ، قال ( ومطردة للداء من الجسد ) هذه الجملة في الحديث فيها نوع من الضعف ، لكن ما رأيتُ شخصا يحافظ على قيام الليل إلا وجدت صحته من أحسن ما يكون ، وأنا أعرف أشخاصا ، أعرف رجلا وأعرف امرأة ، المرأة توفيت رحمها الله ، أعرفها من عشرين سنة وكما رأيتها ما تترك قيام الليل ، تقوم قبل صلاة الفجر بساعتين ، وصحتها كانت من أحسن ما يكون ، ورجل أعرفه ، والله إذا وثب كأنها وثبة شاب ، لا يمارس رياضة ، أكله كأكلنا ، لكن الرجل يحدثني يقول منذ سبعين سنة وأنا على هذا الحال ، ولا يزال الرجل موجودا وعمره الآن يصل إلى تسعين سنة ، ومع ذلك صحته من أحسن ما يكون ، وحدثني شخص من الأشخاص يقول إذا تعبتُ قمت فصليت بالليل ، يقول والله إذا صليت فإن الآلام كلها تزول ، وكلما قرب الإنسان من ربه كلما قرب الله منه وزاده خيرا ، وأنا أوصي نفسي وأوصي الشباب ألا يدعوا قيام الليل ولو بركعة واحدة ، - على أقل الأحوال – بعدما تصلي صلاة العشاء إذا كنت تعجز صل ركعة واحدة ، النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم يقول ( الوتر ركعة من آخر الليل ) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود يقول ( الوتر حق على كل مسلم ) يعني مؤكد على كل مسلم ( فمن شاء أن يوتر بسبع فليوتر ، ومن شاء أن يوتر بخمس فليوتر ، ومن شاء أن يوتر بثلاث فليوتر ، ومن شاء أن يوتر بركعة فليوتر فإن غُلِب فليومئ إيماءً ) على أقل الأحوال صل وأنت مضطجع أفضل من أن تنام ولم تصل لله عز وجل . والحديث عن قيام الليل وصلاة الليل طويل ويطول ، ولكن كما أسلفت لنحرص ونربي أنفسنا ولا سيما في مثل هذه الليالي ، كم من ذنب عمله الإنسان في نهاره ! إلا يختم ليله بركعة أو ثلاث أو خمس ركعات ، وكلما زاد كلما كان خيرا له ، ولذلك بعض السلف يقول ( كابدت قيام الليل عشرين سنة ) يقول تعبت عشرين سنة ، مرة أقوم ، مرة لا أقوم ، يقول ( كابدت قيام الليل عشرين سنة ومن ثمَّ تلذذت به عشرين سنة ) بعض الناس يظن أن قيام الليل شاق وعنت وكلفة كأنه مثل الجبل ، والله لو أن الإنسان درَّب نفسه شيئا فشيئا لتلذذ به ولسُر به ولوجد خيرا في نفسه وفي صحته وفي عافيته ، يجد الخير والبركة ، لم ؟ لأن الله عز وجل ينزل في الثلث الأخير من الليل ، كم نشكو من الهموم والغموم والأحزان والآلام والمتاعب في هذه الدنيا ، مع أن المدنية اتسعت لدينا إلا أن البلايا حلَّت بالناس ، إذاً لماذا لا نلجأ إلى الله عز وجل ؟ ما الفرق بيننا وبين الصحابة رضي الله عنهم ؟ مِن أعظم الناس سعادة وراحة وطمأنينة ، في الثلث الأخير ينادي الله عز وجل ( هل من داعٍ فأستجب له ، هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له ، حتى ينشق الفجر ) على أقل الأحوال قبل أذان الفجر بعشر دقائق أو ربع ساعة قم فتوضأ وصل لله عز وجل ركعة أو ركعتين أو ثلاثا ، تكون بذلك أدركت آخر الليل ، وصلاة الليل كما جاء عند مسلم ( مشهودة ) تشهدها الملائكة ، وهي أفضل من أول الليل ، يدرك الثلث الأخير الذي ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا ، فلعل نفحة من نفحات الله عز وجل تصيبه فيسعد سعادة طيبة ، الأمر الثالث أنه إذا قام ، قام نشطا وذهب إلى المسجد لصلاة الفجر في أول الوقت ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لو يعلم الناس ما في التهجير ) يعني التبكير إلى الصلاة ( لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه ) فكيف إذا كانت هذه الصلاة هي صلاة الفجر . نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيينا على أنفسنا وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يشرفنا بتشريفه عز وجل على المحافظة على صلاة الليل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |