أي بني! إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، باسم الله يكون الابتداء. وبعونه تتم الأشياء . والصلاة والسلام على امام الانبياء وبعد .
قال أبان بن تغلب - وكان عابداً من عباد البصرة: شهدت أعرابية وهي توصي ولداً لها يريد سفراً وهي تقول له: أي بني! اجلس امنحك وصيتي، وبالله تعالى توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك.
قال أبان: فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها فإذا هي تقول: أي بني! إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتغرض للعيوب، فتتخذ غرضاً، وخليق إلا يثبت الغرض على كثرة السهام، وقل ما اعتورت السهام هدفاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته، وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلين لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها، ومثل لنفسك أمثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه، ومن كانت مودته بشره، وخالف ذلك فعله، كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، ثم أمسكت. فدنوت منها فقلت: بالله يا أعرابية إلا زدتيه في الوصية، قالت: أوقد أعجبك كلام الأعراب يا عراقي؟ قلت: نعم، قالت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ربطتها وسربالها. |