عندما تصل جراحنا إلى أقصى درجات الألم .. ليتعالى صوت أنين القلوب .. التي أرهقتها الجروح والأحزان .. حين تغرق أرواحنا في بحر من الظلام الذي يخنقها بكل بطء وكأنه يستمتع بما ألم بها من أحزان وعذاب .. أي منقذٍ لها من هذه المكان .. من هو الذي سيمسح أحزانها ويعيد البسمة والسعادة إليها .. كيف لها أن تصعد إلى النور من جديد .. حسناً أياً كان السبب ومهما كانت الجروح لابد من خطٍ رفيع من الأمل ينقذها .. لا بد من ذكرى ما تعيد إليها بسمتها .. من أناس كانوا معنا في ما مضى .. أُناس مسحوا لنا دموعنا وأحزاننا .. كانوا كالبلسم لجروحنا .. حتى وإن رحلوا وتركونا فإن ذكراهم ستحيى إلى الأبد فينا .. تساعدنا في لحظات الضعف .. وتنقذنا من الغرق في بحر الظلام الذي يبتلعنا . << كأنوا مدخل هاد الفصل طوييل شوي .. بس حلو صح ؟ إحكولي رأيكم فيه ما دخلني
البارت الجديد
ذلك اليوم كان من اغرب الأيام التي مرت على أصدقائنا .. لقد تغير مجرى حياتهم بالكامل ! منهم من طرد من المكان الذي عاش به طوال حياته .. وآخرون فقدوا أقرب الناس إليهم في ثواني معدودة .. والبعض غرق في تردده وشكه بقرارته التي لطالما آمن بها .. لعبة الحب الغريبة التي لا يعلم أحدهم إن وقع على اللعب بها أين يمكن أن توصله هذه اللعبة .. الخيانة والوفاء .. الحب والصداقة .. أيمكن لشخص يكره أحدهم ويمقته بشدة أن يعشقه إلى حد الجنون أيضاً ! أي معادلة مجنونة هي هذه ؟
لم يغمض جفن لأي منهم في تلك الليلة الجميع يجلس أو يتمدد فوق سريره بصمت .. بلا أي صوت أو حركة ! .. وكأنه لا حياة في هذه الغرف .. دعونا ندخلها معاً ونتجول في قلوب أصحابها شخصاً شخصاً .. لنتعرف أكثر على مشاعرهم .. وماضيهم .. أحزانهم .. ومخاوفهم ومن كان سنداً لهم في هذه الحياة .. لنتعرف إلى الشخص الذي يضيء قلوبهم وينقذها من الظلام .
لنبدء أولاً بتلك المجموعة التي لطالما كانت يداً واحدة رغم شجارهم وإختلاف أرائهم .. تلك المجموعة التي فقدت الحنان مجبرة في سن مبكر .. أولئك الأشخاص الذين رأوا موت أسرهم بأعينهم .. كم من مشكلة مرت عليهم وكم من وقت عصيب ومشاكل لا تحصى وقعوا بها ولكنهم في النهاية إستطاعوا البقاء على قيد الحياة بصعوبة بمساعدة قائدهم .. لنبدء بأول شخص إنضم إلى تلك المجموعة .. كان يجلس لوحده على سريره لم تكن غرفته مظلمة بالكامل فضوء تلك الشمعة كانت تنير أرجائها بينما كان هو ينظر إلى قلادة ما بيده .. حيث كانت مليئة بالدماء .. أغمض عينيه و مخيلته تعود به إلى الماضي البعيد .. ذلك الماضي الذي حرمه من الأمان والحنان .. وأفقده كل شيء في لحظات معدودة :
كان ذلك الطفل يلهو في حديقة المنزل بسعادة وهو يجري خلف الكرة .. بينما كان والداه ينظران له بسعادة .. فاهو طفلهما يعود للعب كالسابق .. بعد أن أصيب بحمى دامت لمدة شهر كامل لم يعلم أي أحد سببها .. ولكن من يهتم الآن إنه بخير وهذا هو كل ما يريدانه .
الوالد : صغيري كلاود تعال إلى هنا .. وخفف من سرعتك قليلاً فقد تسقط في أي لحظة .
كلاود بسعادة : أمرك أبي .
الوالدة : هيا الغداء معد .
بدئت الأسرة بتناول طعامها بهدوء .. إلى أن رن في الأرجاء صوت صافرة غريبة .. نهض كلا الوالدين بسرعة وهما يتجهان إلى غرفتهما وما هي إلا لحظات حتى خرجا وهما يرتديان الدروع والسلاح .
كلاود بخوف : أمي .. أبي ؟! إلى أين ؟
الوالدة : صغيري .. أرجوك إذهب وأختبأ في أي مكان هيا .
الوالد : دون لكن .. أنا سعيد لإنك شفيت قبل بدء المعركة والآن هيا إذهب .
إمتثل صديقنا لأوامر والديه واختبأ في إحدى غرف المنزل .. مرت العديد من الساعات و هو يبكي بخوف بمفرده ولكنه لم يستطع أن يبقى مختبأً وهو يسمع صوت صراخ الأشخاص في الخارج .. لذلك قرر الخروج والبحث عن والديه .
ولكنه ما إن فتح باب المنزل حتى صُدم برجال الكنيسة أمامه وهم يبتسمون بشر .. تراجع هو إلى الخلف عدة خطوات قبل أن يلقي أحدهم بجثتي والداه أمامه .
كلاود ببكاء وقد إقترب منهما : أمي .. أبي .. إستيقظا أرجوكما .
رفع يده بخوف وهو يرى ذلك السائل الأحمر على يده مما دفعه للبكاء بخوف وحزن أكبر .. وهو يشعر بألم فراق أغلى الأناس إلى قلبه .. رحيل أبدي لا رجعة منه ! .. تمسك بإحدى يديه الصغيرتين بوالده مصدر الأمان و الأخرى بوالدته مصدر الحنان وهو يتوسل لهما أن يستيقظا .. ولكنه سرعان ما تعرض لضربة على معدته ومن ثم شعر بأحد ما يمسك به من شعره وهو يحاول الإفلات .. تمسك بقلادة فضية فقدت بريقها بسبب الدماء التي غطتها .. إلا أن سلسلة القلادة تحطمت .. إستسلم تماماً لمصيره أياً كان .. قام أولئك الرجال بوضع قطعة قماش على عينيه ومن ثم قاموا بتقيده بقيودهم الباردة ليقودوه إلى زنزانة ما ويتركوه على حاله هناك !
يوم .. واثنان .. وثلاث .. لم يعد جسده قادر على تحمل البرد والرطوبة .. الجوع والعطش .. كان يمسك القلادة بيديه بقوة لعلها تعطيه دفعة من القوة التي يحتاج إليها... وفجأة فتحت الزنزانة إلا أن صديقنا لم يحرك ساكنا فقد إعتاد على صوتها ومن ثم صوت صراخ أحد الأطفال الذين معه ثم تغلق .. لم يعد أحدهم ولا يعلم أي شخص ما يفعلونه بهم .. ولكنه حقاً مل من البقاء دون أن يرى أو يتحرك .. سمع صوت إعتراض أحد الأطفال مرة أخرى .. ولكن هذه المرة كان هذا الصوت مألوفاً لديه .. أراد أن ينهض ليتأكد ولكن يد الحارس التي أمسكت به بقسوة جعلته ينهض
كلاود بصراخ : دعني يا أبله .. الآن .. أنتم مجرد حثالة دعني الآن .
صمت تماماً عندما سمع ذلك الصوت مرة أخرى :
فريدريك ببكاء : ك .. كلاود .. أهذا أنت ؟
الحارس بسخرية : هيا تحركا .. الآن وإلا قتلتكما !
كلاود : ومن أخبرك أنني مهتم إن قضيت علي أم لا ؟ أبله .
الحارس : ألا يهمك ابن عمك وحياته ؟ فأنا قلت قتلكما لا قتلك وحدك .
ليسير بعدها بهدوء .. بعد مدة من الوقت توقفوا في مكان ما وأخيرا أبعد أحدهم الغطاء عن عينهما .
جاك : أنتما فريديرك و كلاود صحيح ؟
كلاود بحدة وهويمسك بيد فريدريك: أجل صحيح .. ألديك مشكلة ؟
جاك : يبدوا أنك طفل كثير الكلام .. إنتبه يا صغيري فقد تفقد حياتك .
كلاود : لقد قتلت والداي لا يهمني ذلك .
جاك بسخرية : أنت مخطئ فجنود الكنيسة من قتلوا أولئك الخونة .
كلاود بغضب : والداي ليسا خائنان .
فريدريك بخوف : ك .. كلاود إهدء أرجوك .
جاك : من الافضل لك أن تستمع إلى نصيحة ابن عمك كلاود .
كلاود بغضب : لا تتدخل أتفهم ؟
جاك بإبتسامة لا تنبأ بالخير : لا بأس بكل حال انتما الإثنان .. من يرغب بشرائهما ؟
أحد النبلاء : أرغب بالحصول على الطفل المدعو بفريدريك .. يبدوا هادئا كما أنه يشعر بالخوف بسهولة أحب رؤية أمثاله يتعذبون .
تراجع فريدريك عدة خطوات إلى الخلف بينما أمسك ذلك النبيل بذقنه بقسوة .
النبيل : جيد .. يبدوا أنه لا يعاني من أي مرض أيضا .. فقط الجوع والعطش ربما .. من الجيد أن تعتاد على هذا الشعور .
كلاود بغضب : أبعد يدك القذرة عنه أتفهم ؟؟ إياك أن تمسه بسوء وإلا ....
النبيل : سيدي الحاكم إسمح لي بأخذهما كلاهما ... سيكون الأمر ممتعاً .
النبيل بإبتسامة : شكرا لك سيدي .. ما هو ثمنهما ؟
جاك : لا يهمني الأمر ضع المبلغ الذي تريده وخذهما فحسب .
كلاود بتعب شديد : أرجوك سيدي .. فقط دعني أرتح لعدة دقائق .. أرجوك .
النبيل ( ماكس ) : ولماذا ألست أنت من تطوع أن يعاقب بدلاً من إبن عمه عديم الفائدة !؟
كلاود : بلى ولكن ... أرجوك .. يكفي .
ماكس بخبث : ما رأيك لو أوقفت عذابك إلى الأبد .. بشرط واحد وبسيط
ماكس وقد إتسعت إبتسامته الخبيثة : قم بجلد إبن عمك وأخبره أنك مللت منه ومن غباءه وجبنه وأخطاءه .
كلاود بغضب : انت تحلم .. لن أفعل ذلك أبداً .
ماكس : لا بأس كما تشاء إذن تحمل سخطي الدائم .
فريدريك ببكاء : أرجوك كلاود سامحني .. أتوسل إليك توقف عن الدفاع عني .. أرجوك .. سأتحمل العقاب .
كلاود بألم : إنسى الأمر أنا بخير .
فريدريك : لا لست كذلك .. كلاود منذ اليوم الذي أخذنا به هذا الرجل وأنت تقوم بحمايتي والدفاع عني .. أنت أصبحت كل شيء بالنسبة لي .. لا اريد أن يحدث لك أي مكروه بسببي .
نظر فريدريك إلى كلاود الذي غط في نوم عميق .. ليبتسم ويقوم بوضع الغطاء عليه ثم امسك بيده اليمنى وبدء بوضع الكمدات الباردة له طوال تلك الليلة .
كن كلاود يسير بالسوق وهو يشتري بعض حاجيات لسيده .. إلا أن أوقفه صوت ما :
دانيل : أحقا تنوي قضاء بقية حياتك تحت إمرته ؟
كلاود بحدة : من تكون انت ؟
دانيل : إسمي دانيل .. أخبرني لقد مر شهر كامل .. هذا يكفي صحيح ؟
كلاود : انت مجنون .. سيتم القضاء علينا إن حاولنا الهرب .
دانيل بإبتسامة : لقد هربت من قصر الحاكم .. فهل الهروب من قصر سيدك أصعب
كلاود : أرجوك إبتعد عني .
ليبدأ بالسير مجدداً .. عاد كلاود إلى القصر ولكنه ما إن دخله حتى سمع صوت صراخ فريدريك .. وللمرة الأولى أغمض عينيه وأكمل سيره وكأنه لم يره يعاقب !
بدئت الأيام بالتحرك بسرعة .. وشعور كلاود بالإنزعاج ورغبته العارمة بالهروب تجعل مزاجه سيئاً للغاية .. قابل كلاود دانيل أكثر من مرة .. وبدئا باللعب معاً في بعض الاحيان وفي أحيان أخرى كانا يفكران بطريقة ليهرب كلاود بها من قصر سيده .. لم يتوقف عن ماكس عن إغراء كلاود بالإبتعاد عن فريدريك .. فهو كان يرى مدى تعلق فريدريك بكلاود وأراد أن يرى تحطم هذه العلاقة .. لاسيما أن كلاود لم يكن إلا طفل في الثامنة من عمره .. يتوق للعب والسعادة والحرية .. وكم كان سعيداً برؤية كلاود يتجاهل فريدريك في كثير من الأحيان .. لاسيما بعد أن تمر على ذاكرته كيف كان فريدريك محاطاً بالأصدقاء دائماً .. وكيف كان والداه يطلبان منه ان يصبح مثله .. لا يعلم السبب ولكنه حقاً بدء يشعر بالكره ناحية فريدريك .. ربما ليس الكره التام ولكن شيء من الغيرة .. ولذلك بدء بالإبتعاد عنه تدريجياً .. إضافة إلى تلك المشاجرات التي كان يفتعلها معه .
في أحد الأيام بعد مرور شهران :
كلاود بتذمر : فريد أمسك به جيداً .
فريدريك : انا أفعل ذلك لا تقلق .
كلاود : لن أدافع عنك إن أسقطتها وتمت معاقبتك .
فريدريك بشيء من الإنزعاج : لا يهمني ذلك .. بكل حال هذا أفضل فأنا لا أريد أن تعاقب بسببي .
وصل كلاهما إلى المطبخ ليضعا حمولتهما هناك ويعودان لسير في الممرات المؤدية إلى الحديقة لإكمال نقل بعض المعدات للمطبخ ..
كلاود بغضب : توقف عن التصرف بهذه الطريقة .
فريدريك بحيرة : عن اي طريقة تتحدث ؟
كلاود : أنت دائما هكذا .. تتصرف كالابله .. أو كالطفل الجبان حتى يساعدك شخص ما .. وفي بعض الأحيان كالآن تتصرف بطيبة مزعجة جدا .. لماذا تحب إزعاجي هكذا ؟
فريدريك : أنا لا أفتعل تصرفاتي بل أنا أفكر حقا هكذا .
كلاود : أنت كاذب .. تتصرف دائما وكانك لا تكره أحدا ولا تغار من أي إنسان وكأنك تحب الجميع .. لا يوجد إنسان بهذه الصفات .
فريدريك : ولكنني لا أحب أن أكره شخصا ما .. ولا أن أغضب من أحدهم .
كلاود : انت مجرد طفل مدلل كثير البكاء لا يمكنك الإعتماد على نفسك .. لست إلا عائقا أمامي !
تحرك كلاود بعدها وهو يشعر بالغضب الشديد من فريدريك .. الذي وقف في مكانه بعد أن الجمته كلمات كلاود تماماً .
فريدريك بقلق : كلاود هل أنت بخير ؟
كلاود : أجل بخير ... أنا آسف على صراخي بوجهك .
فريدريك بصوت حزين ومنكسر : لا تهتم لذلك .. وأيضا أنا .. كلاود ..
إبتلع رمقه وعو يقترب من كلاود الذي كان يرتب حقيبته .. أمسك بالقلادة بيده الجريحة لتمتلئ بدمائه أيضاً ... أردف بإبتسامة
فريدريك وهو يتأمل القلادة : أتعلم لقد نجحا في مهمتهما .. وأيضا لقد عادا إلى المنزل لاجلك كلاود .. ولكن جنود الكنيسة .. قتلوهما بغفلة عنهما لقد كانا يخططان لطريقة ما لإخراجك من المدينة بسلام .. ولكن .. انا كنت واقفا هناك حاولت أن أقوم بإخبارهما ولكني لم أنجح .. لقد فشلت في ذلك .
نظر له كلاود بدهشة والدموع تسيل من عينيه .. نهض وهو يأخذ القلادة من بين يدي فريدريك .. ضمها إليه فهي كانت آخر ذكرى له منهما .. حتى دمائهما لازالت عليها .. نهض فريدريك أيضا ودموعه قد بدئت تسيل على وجنتيه .
فريدريك بالم : لقد أخبرتك سابقا أنك كل شيء بالنسبة لي منذ موت والداي .. لقد أحببتك كلاود ولكنك إعتبرتني مجرد عائق أمامك .. وأنت تريد التخلص مني صحيح ؟ أنت كلاود أول إنسان أكرهه ..وأول إنسان أشعر بالغضب تجاهه وأول إنسان يصنع لي جرحا عميقا في قلبي .
فتح صديقنا عينيه بغضب شديد وهو يضرب الحائط بيديه عض على شفته السفلية .. في كل مرة تمر هذه الذكرى على مخيلته يشعر بمدى دنائته .. لاسيما عندما يتذكر ما حدث بعدها :
ماكس : اين تظن نفسك ذاهباً ؟
ماكس بإبتسامة خبيثة : يبدوا أنك ستكون وجبتي الدسمة هذه الليلة .
أغمض كلاود عينيه ولكنه سمع فجأة صوت إرتطام شيء ما ووقوعه أرضاً إضافة إلى صوت صراخ ماكس .. فتح عينيه ليجد فريدريك وهو يمسك بعصى خشبية وقد ضرب ماكس بها بأقصى قوة لديه .
فريدريك وهو يمسك بيده : هيا تحرك يا أبله سيأتي الحرس الآن .. من الافضل لك المغادرة من الباب الخلفي .
كلاود : وأنت ؟! عليك المجيء معي .
فريدريك : لا أنا سأقوم بإبعادهم عن هنا .
كلاود : توقف عن ذلك يفترض أنك تكرهني أتذكر ؟
فريدريك بإبتسامة حزينة : أجل ولكن .. لقد حان موعد تسديد الدين .. وأيضا حان الوقت لتبدأ حياتك من جديد من دون العوائق القديمة .
أراد كلاود أن يتحدث إلا فريدريك ألقى به خارجا وأغلق الباب بسرعة ليواجه هو غضب أولئك الجنود !
ركض كلاود حينها خارج ذلك القصر ليبدأ بالبكاء الشديد .. لقد تحقق حلمه أخيراً .. لقد إستطاع الهرب من تلك الزنزانة الكبيرة ولكنه .. لكن الثمن كان أغلى من أن يتحمله لم تمر عدة لحظات حتى توقف عن الركض لينهار جسده أرضاً .. لن يتبعه أحد هذا مؤكد .. لماذا يتبعه وهو أعطاه فرصة ذهبية لتعذيب من تبقى لديه .. نفسياً وجسدياً .. سيعذبه حتى آخر رمق له .. يستحيل أن يتخلى حقاً عنه .. عليه العودة .. يجب عليه إنقاذه .. نظر إلى الأعلى ليشاهد نظرات دانيل القلقة ..
دانيل بقلق : هل أنت بخير كلاود ؟
كلاود ببكاء : لا .. لقد تخليت عنه .. أنا خنته .. دانيل أنا لا أستحق أن يتم إنقاذي بل هو .. لقد كنت خائفاً .. أن يصبح هو صديقك المفضل لا أنا .. أنا بسبب غيرتي وأنانيتي بقي هو هناك .. أرجوك علي العودة إليه .
دانيل بحيرة : عمن تتحدث ؟
دانيل بدهشة : هل كان معك في القصر ذاته ؟
دانيل : تباً .. كيف لك أن تفكر بهذه الطريقة الأنانية كلاود ؟ كيف ؟ لا يمكننا الإقتراب من ذلك القصر ليس قبل أشهر من الآن .
كلاود : لا لن نتركه هناك حتى ذلك الوقت .
دانيل : بلى سنفعل .. سيمل هو من البحث عنك وأيضاً فريد إن كان يأمل أن تعود لأجله سيستسلم تماماً حينها فقط يمكننا الظهور مجدداً .
كلاود برعب : لا .. دانيل أرجوك أعطني حلاً آخر أرجوك !
دانيل بحدة : أنت من تخلى عنه في البداية فأغلق فمك الآن .
بعد إنقضاء العام الأول بعد الحرب و ثمانية شهور من هروب كلاود :
كلاود بإنزعاج : لماذا أوكلت لي هذه المهمة المزعجة دون الجميع دانيل .. لقد كانت بحاجة إلى أربعة أشخاص لحمل كل تلك الحجارة ولكنك تركتني أقوم بها وحدي لمدة ثلاث أيام دون أي را ....
لم يعد قادراً على إكمال كلامه .. وجه نظره إلى دانيل الذي كان يبتسم ومن حوله جين و لورا و جوليان وجولييت والعديد من الأطفال الآخرين .. نظر إلى ذلك الفتى المدد على الأريكة .. وجهه الشاحب وأنفاسه المرهقة .. جروحه المضمدة .. إمتلئت عيناه بالدموع ليقترب منه ويرفع رأسه ليضع في صدره ويبدء بالبكاء .
دانيل : سأترك أمر العناية به لك كلاود ... لقد أعطيتك فرصة ثانية لتحسن لإبن عمك .. أرجوك إستغلها الآن ولا تفقده مجدداً .. لا تسمح للغيرة بأن تسيطر عليك .
وبالفعل إعتنى كلاود بفريدريك منذ تلك اللحظة .. لم يسمح له بفعل أي شيء .. كان يطعمه بيديه ويبدل له ثيابه .. حتى أنه عندما كانا يخرجان للعمل معاً لم يكن يسمح له بأن يتعب نفسه .. والظريف بالأمر أنه لم يجرأ على التحدث معه .. كل ما كان يقوله هو " دعك من هذا , أنا سأفعل أتركه أنت , لا تحمل هذه إذهب واسترح قليلاً , سأساعدك هيا "
فتح عينيه مجدداً وهو يبتسم لقد كان خائفاً حقاً في ذلك الوقت من أن يعيد فريدريك على مسامعه تلك الكلمة .. أنا اكرهك كلاود أنت أول من قام بإيذائي وأول من كرهته .
كلاود : " لم نتحدث معاً حقاً بعدها إلى أن كنت أعمل في الحديقة وفجأة .. ظهر هو أمامي وقد كان يرتدي بعضاً من ثيابي الجديدة .. لقد عملت لأسبوع كامل لشرائها دون راحة و لقد بدت جميلة عليه حقاً .. إعتذر مني لأنه إرتداها قبل أن يطلب إذن إستعارتها مني .. حسناً إما أنه كان يعلم ما أفكر به لذلك رفض أن يتحدث بالماضي معي أو أنها مجرد رغبة في إزعاجي لا أعلم ولكنني قفزت عليه وأنا أخبره بأنها له وأن هذه الثياب تلائمه أكثر بينما بادلني العناق "
نهض من مكانه ليصعد إلى الطابق الثالث .. نظر إلى أدوات البناء والحجارة وتذكر كلام دانيل بشأن جعله يعمل لمدة ثلاث أيام بلا راحة
دانيل : لستُ سيدك ولكن كلاود .. أنت إستحققت هذه العقوبة بجدارة لإنك قمت بخيانة أقرب الناس إليك .. أتمنى أنك تعلمت ولو القليل من هذه التجربة .
تنهد بعدها ليبدأ بالعمل مجدداً على إنهاء بناء هذا الطابق قبل شروق الشمس حتى !
في غرفة أخرى في أنحاء القصر .. لنذهب إلى تلك الفتاة .. التي تميزت بهدوئها المعتاد .. كانت تنظر من النافذة وهي تتذكر تلك الليلة بوضوح شديد :
جولييت : أخي آرثر تعال وساعدني .
آرثر : أمر صغيرتي .. ياله من عصفور مسكين ..من قام بذلك .
جولييت والدموع تسير على وجنتيها : علينا مساعدته .
نظر لها شقيقها بحنان وهو يقبل واخته الصغرى بينما حمل العصفور الجريح ووضعه في راحة يده إلى المنزل ليبدأ بمعالجته .
الأم : ياله من مسكين .. لا بأس سيكون بخير لا داعي للقلق صغيرتي .
الأب بإبتسامة حانية : صغيرتي الرقيقة .. عليكي أن تكوني أكثر قوة .
جولييت : لماذا فأنت وآخي سقومون بحمايتي صحيح ؟
آرثر بإبتسامة : بالطبع سنفعل ذلك يا حلوتي .
الأب : ولكن نحن قد لا نكون هنا دائماً .
جولييت بخوف طفولي : وإلى أين ستذهبون ؟؟
آرثر وهو يخفض رأسه : الحرب قريبة جداً .. بل ستبدأ الليلة من يعلم ماذا سيحدث
لم يكد والدها أن يجيبها حتى علت صوت الصافرات التي تعلن عن بداية النهاية لتلك السعادة ... تجهز الوالدان وقد أخذا كل ما يلزمهما من أسلحة ليغادرا المنزل وقد أبقيا آرثر مع جولييت لتهدئتها و حمايتها .. مرت الساعات بطيئة جداً عليهما .. كان آرثر يضم شقيقته وهو يدندن لها لحناً ما لتنام .. أو على الأقل ليبعد مسامعها عن أصوات الصراخ في الشارع .. قاطع ذلك دخول والديه وإغلاق الباب خلفهما .
آرثر بقلق : أمي .. أبي .. ماذا حدث ؟
الأب : خذها الآن واهربا من هنا حالاً إياكما والعودة فقد يقضون عليكما .
الأم وهي تضمهما : رجال الكنيسة يقضون على كل الثوار هيا بسرع خذها واذهب
الأب بحنان : انت رجل الآن آرثر لا يمكنك أن تبكي يا بني .
حرك آرثر رأسه نفياً وهم بالمغادرة لولا صوت تحطم الباب تراجع إلى الخلف وأخته بين يديه تبكي برعب .. ثواني معدودة حتى رأى والداه يسقطان أرضاً .. بلا حراك .. قام بوضع أخته الصغرى التي لم تتوقف عن البكاء وحمل سلاح والده فهو عليه حمايتها لو مهما كان الثمن .. فقط بضع دقائق حتى تناثرت دمائه هو الآخر في أرجاء تلك الغرفة .. خرجت الصغيرة من مخبأها وهي تصرخ بإسم شقيقها الذي إبتسم لها .. وحملها بين ذراعيه للمرة الأخيرة .. نهض ليتوجه إلى أحد الجنود الذي كان يرتدي زي جنود الحاكم ليضع أخته الصغرى بين يديه قبل أن يرحل عن هذه الدنيا القاسية إلى الأبد !
مرت أربعة أشهر وقد تم شرائها من قبل سيدة فاحشة الثراء .. جولييت التي لم تتحمل رؤية أسرتها تموت أمام عينيها فقدت صوتها من الصدمة .. لم تكن تلك المرأة تعاملها بلطف أبداً .. كانت تقوم بضربها وجعلها تنام خارجاً في البرد القارص .. إلا أن :
السيدة : غبية حمقاء .. لقد قمتي بتلويث منزلي بدمائك هذه .. هيا تنامين بالخارج على الثلج بلا غطاء أو حتى بلا طعام .
لترميها بقسوة شديدة .. وقفت هي تنظر إلى الباب وقد بدأت بالبكاء ولكن فجأة :
دانيل بحزن : أتعاملك هكذا دائماً ؟
نظرت له بخوف شديد وتراجعت إلى الخلف حتى إصطدمت بالجدار .
إقترب دانيل منها ووضع يده على رأسها بهدوء في محاولة بأن يجعلها تهدء .. إلا أنها تفاجئت وعاد خوفها إليها عندما حملها هو وأخذها إلى مكان بعيد ومدينة نائية لا يصلها الحراس عادة .. تحديداً إلى منزل صغير دخل وهو يضعها على الأريكة بينما نظر له كُل من جين وكلاود بحيرة أحضر لها بعد الوسدات والأغطية ليتحدث
دانيل : أظن أن إسمها هو جولييت فتلك السيدة البلهاء نادتها هكذا .. إنها لا تتحدث .. لا أعلم إن كانت خائفة ولا ترغب بالكلام أم أنه فقدت صوتها أو ربما تكون بكماء منذ البداية .. ( نظر لها بحنان وهو يمسح على شعرها : ) بكل حال هي ستبقى معنا هنا .. إنها تقريبا في عمر أدريان .
دانيل بإبتسامة : لا تهتم لذلك الآن .. علينا العناية بها كأختنا الصغرى إتفقنا ؟
فتحت عينيها وهي ترسم على شفتيها إبتسامة جميلة
جولييت : أنا مدينة لك بحياتي دانيل .. لقد أنقذتني .. أيضاً علمتني كيف أعيش حياتي بسعادة .. لن أنسى أخي ووالداي ولكنهم لم يكونوا ليرغبو برؤيتي حزينة .. لقد كان الثلاثة يعملون في نقل الحجارة وفي بعض الأحيان بالبناء .. أو بجز العشب وقص الأشجار .. بينما تعلمت أنا العناية بالحدائق .. نحن أصبحنا ما نحن عليه الآن بجهدنا وتعبنا .. دون السرقة أو الإحتيال .
أغمضت عينيها لتعلن عن دخولها إلى عالم الأحلام .