عرض مشاركة واحدة
  #350  
قديم 11-24-2013, 01:47 PM
 
أغلقت الخزانة بعدما رصفت فيها آخر ماوجدته في الحقيبة من ملابس ثم التفتت له بابتسامتها الجميلة بينما كان شارد الذهن يحدق في البعيد وقد جلس أمام الحديقة الصغيرة المطلة عليها غرفته
جلست بجواره تتأمل السماء الغائمة معه بهدوء وصمت .. ومالبثت أن قالت بينا هي لاتزال في تأملها : أعلم أنه ليس بالوقت الملائم .. لكن هناك ماأود الحديث معك بشأنه إن لم تكن متعباً بالطبع
التفت لها بهدوء وقال بعد هنيهة : مالخطب ؟
أمسكت يده ووضعتها بحجرها وقالت بينما تمسح عليها بيدها الأخرى : حدث الكثير أثناء غيابك .. توفيت جارتنا والدة تاتسو أنت تعرفها صحيح .. تلك السيدة المسكينة المريضة
أومأ ايجاباً بأسف : وماذا حدث للصغير ؟
- عرضت عليه العيش معنا إنما رفض لكنه يجيء الينا بين الحين والآخر والفتاتان تستمتعان برفقته كثيراً ولاسيما هارو
- آها هذا جيد .. سأحاول التحدث معه اذاً عله يستمع مني سيكون مؤنساً لكِ حتماً
ابتسمت دون أن تعقب ومالبثت أن قالت وهي تنظر له :
- هناك أمر آخر عزيزي .. انه يخص هانا
التفت لها متسائلاً فأردفت وقد أشاحت طرفيها كأنما تستعيد صورة ما في ذاكرتها
ثم مالبثت أن استدارت له وهي تقول بأسف : انها تشعر بألم كبير .. بالوحدة وبأنك .. لاتحبها لكونها سيئة أو قبيحة .. بدأت بانتقاص ذاتها لشدة حيرتها وحزنها لبعدك عنها
نظر لها مستنكراً وهو يفكر بحديثها : ولما قد تفكر بهذه الطريقة ؟
- أفضل أن تتحدث معها بنفسك عزيزي .. والا فإنها ستلجأ لسوانا وهذا ليس بالأمر الجيد أبداً
أومأ لها بالايجاب بعد تفكير قصير ونهض قائلاً : اذاً سأذهب لأحادثها الآن
ابتسمت ممتنة بسرور : حسنٌ ماتفعل .. شكراً لك فلورنس
ضيق عينيه بتذمر : ولما الشكر ؟ هي ابنتي كذلك
ثم ابتسم بهدوء وهو يضع يده على رأسها مبعثراً شعرها بشقاوة .. واتجه بعدها خارج الغرفة بينما كانت آرياكو تبتسم بسرور وهي ترتب شعرها
على احدى العتبات الخلفية المطلة على الحديقة الصغيرة .. كانت تجلس غارقة بأفكارها ويداها تعبثان بدمية صغيرة مهترئة ..
نظر لها ملياً ومالبث أن جلس بجوارها وهو يقول بمرح بينما عيناه مصوبتان نحو الأوراق المتساقطة : ياله من منظر خريفي بديع .. حينما يحل الشتاء ستغدو هذه الأشجار عارية تماماً ..
أضاف وهو ينظر لعينيها الصغيرتان المتسعتان قليلاً بدهشة : لكنه سيلبسها أخرى .. بيضاء كحلة العروس .. لكل فصل محاسنه كما له مساوئه صحيح
بعدم استدراك وجدت نفسها تومأ ايجاباً والدهشة لاتزال تعتريها .. فوالدها الآن يتحدث لها وهو بالقرب منها حديثاً جميلاً لطالما تمنت أن يقصه عليها كما يفعل مع شقيقتها .. انما بدت متحفظة واكتفت بتلك الايمائة عن سواها وقد أخفضت بطرفها من جديد للعبتها تلاعب شعرها بأناملها الصغيرة
نظر لها ملياً بحيرة .. فلسبب ما التعامل معها مختلف تماماً عن هارو المرحة والمنطلقة والثرثارة .. هي تصعب الأمور عليه وحسب وتبني حاجزاً بينهما لايمكنه بخبرته الضئيلة أن يتخطاه بسهولة .. حاول مجدداً وهو يزيد من قربها منه بعناق لطيف وقد أحاطها بذراعه
- تشعرين بالبرد صغيرتي ؟
ازدادت دهشتها واحمر خديها خجلاً .. ومرة اخرى اكتفت بالايماء ايجاباً لسؤاله
فقرر هذه المرة أن يخوض بأعماقها قسراً !
أدارها اليه ووضع يديه على خديها المحمرين الجميلين وقد تناثرت خصلات شعرها السوداء القصيرة على يديه وتحتهما بينما قال بابتسامة أبوية حانية :
حبيبتي هانا .. لما لاتتحدثين مع والدكِ ؟ أراكِ تنطلقين بالحديث مع ماما وتقصين لها أجمل القصص فلما لاتحدثيني أنا كذلك ؟
لم تستطع أن تخفض رأسها فنكست طرفها دون أن تنبس ببنت شفة .. تنهد بعمق وقال وهو يضعها بحجرها : حبيبة بابا تحدثي هيا أنا لي أن أفهمكِ وأنتِ صامتة هكذا ؟؟ غاضبة مني ؟
صمتت وهي تفكر بكلامه ولم تعقب فأردف وقد ضيق عينيه : ناقمة علي ؟
أيضاً لم تتحدث فقال بجدية : وتظنين أني لاأحبكِ وأنك قبيحة ومختلفة عن شقيقتك ؟
زمت شفتيها وكأنها تمنع نفسها من البكاء وقد افتضحت مشاعرها وصب الملح على جرحها ..
- لاحظ تلكما الدمعتين المتلئلئتين بعينيها فسارع لاحتضانها بأسف : صغيرتي المشاكسة أنا لكِ أن تفكري هكذا ها ؟ لطالما أحببتكِ .. لكني أبٌ سيء .. لايستطيع أن يعبر عن مشاعره لطفلته .. هانا أنتِ وهارو ووالدتكما كل حياتي الآن .. أنتم العائلة الحقيقية التي أمتلكها .. ولكم أحلم أن نعيش برخاءٍ وسعادة .. أحلم وأتمنى دائماً لو أن بامكاني تحقيق أحلامكم الصغيرة وجلكم الأكثر سعادة في هذا العالم .. انما ماذا عساي أن أفعل ؟
أكمل وهو يختنق بألمه ودموعه : ماذا أفعل وأنا أب عاجز سيء .. كل مايستطيع انجازه هو الفشل .. الفشل وحسب
نظرت له بحزن وعانقته وهي تتمتم بصعوبة : أبي .. آسفة .. أنا .. أحبك
بادلها العناق بكل مشاعره المكبوتة المختنقة بداخله
فما سيخلفه وراء ظهره .. هي حياة حقيقية ستغدو سراباً ووهماً عما قريب
وما يترقبه الآن .. هو حياة كاملة جديدة لايعرف منها سوى .. ماضٍ

يومٌ يتلوه آخر
والشتاء يزداد دنواً ورياحه العاتية تعصف بالقلوب ..
اختفى منذ الصباح دون أن يخبر أحداً عن وجهته .. بينما استفاقت وبدأت تجهز بعض الطعام الساخن عله يدفئهم قليلاً
وحول الطاولة الصغيرة تحلقت العائلة مع تاتسو الذي انضم لهم كما عادته كل صباح
باحثين عن الدفء في ذلك الموقد الصغير الذي وضعوه على الطاولة أمامهم وعليه ابريق الشاي تحيطه الكستناء من كل جانب ورائحة شوائها تفوح في الأرجاء
مدت يدها الصغيرة ووضعت واحدة من حلوى الخطمي بجانب قطعة كستناء فأفزعها صوت والدتها تنهرها : مالذي تفعلينه هارو ستحترقي أعطني
بتذمر أجابت : لكني أريد أن اجرب ذلك بنفسي
- لاحقاً ياصغيرتي حين تكبرين
- ياه هذا بعيد جداً
حل الصمت مجدداً حتى نطقت هارو مجدداً : لكن أين ذهب أبي منذ الصباح الباكر ؟
أجابتها أرياكو وهي تقلب الكستناء : لاأعلم لكنه حتماً لن يتأخر .. أظن أن لديه عملاً ما
واذا بهانا تهتف بسعادة : هاقد أتى بابا
قالت ذلك بعدما سمعت صوت الباب الخارجي يُفتح لكن أحداً لم يتحرك من مكانه فالجو البارد أجثمهم في مكانهم وأقدامهم تتدفأ تحت الطاولة
اقترب منهم وهو يبتسم بهدوء وسرعان ماانضم لهم وأدخل هو الآخر ساقيه تحت الطاولة بينما يديه تتدفئان بمايصدره الموقد من حرارة
- صباح الخير جميعاً .. ياله من صباحٍ بارد اسكبي لي بعض الشاي حبيبتي
ابتسمت آرياكو وبدأت بملأ كوبه بالشاي وكذا أكواب البقية بينما أضافت لكل من هانا وهارو الحليب لكأسيهما فبدأوا باحتسائه بسعادة وتبادل الأحاديث الجميلة التي بعثت الدفء في أحضان الصقيع


رد مع اقتباس