- أحقاً ما أراه عزيزي ؟ أليست .. دراجة ؟
أجاب بابتسامة : حقاً انها دراجة جميلة مريحة تكفي لطفلتي الحبيبتين ولشخص ثالث أيضاً من أجل أن .. يقلهما للمدرسة .. مثلاً
قالها بابتسامة ومكر وهو يراقب تعابيرهم الذاهلة المتعجبة والتي تأبى تصديق ماتراه
- انتظر قليلاً رويداً علي فلورنس .. مدرسة .. ودراجة ؟؟! أفهمني مالذي يجري ؟
انحنى وضم طفلتيه لحجره وقد كانت هارو لتوها تمد يدها لتتفحص الدراجة بينما قال بمرح وسرور :
أجل لقد أنهيتها أخيراً .. اجرائات دخولهما للمدرسة وهذه هدية لقبولهما اشتريتها في طريق عودتي .. سنحتاجها فالمدرسة تبعد الكثير عن هنا .. فكرت بأن أضم تاتسو معهم كذلك لكنه أبى وطلب أن يتم تعليمه في المنزل لكي يتسنى له العمل وكسب قوته ؟؟ فاستجبت لهذا العنيد مرغماً
قالها وابتسم وهو ينظر لتاتسو الذي اطرق بطرفه خجلاً بينما قالت آرياكو باستنكار :
ومن أيت أتيت بكل هذا المال ؟
استشعر الاتهام الموجه له بنبرتها تلك فسارع يدافع عن نفسه : أقسم أني لم أسرقها
أردف وهو يطرق بطرفه : والدي .. أرسلها لي
خفق قلبها ماان ذكر والده وسرعان ماتناهت لذاكرتها صورة ذلك الرجل المتسلط المهيب والذي لم تره سوى مرة واحدة كفتها عن غيرها .. تلك الهالة المريبة به جعلت الخوف يتسلل لقلبها ويعتصره بشدة
اكتفت بذلك القدر ودخلت بينما طفلتاه وتاتسو يجربان الدراجة الجديدة بسعادة ويمطرانه بالتساؤلات البريئة
في المساء كان الجميع يتسامرون حول الطاولة عدا فلورنس الذي خلا بنفسه في المطبخ.. وماهي الا فترة قصيرة حتى تسللت لأنوفهم تلك الرائحة الشهية لطعامٍ لم يألفوه من قبل
توجهت أنظارهم نحو المطبخ بتساؤل
هارو : مالذي يطهوه والدي ياترى رائحته شهية
هانا : أظنه يطهو لنا شيئاً مميزاً
آرياكو بقلق : فلورنس هل أنت بحاجة للمساعدة ؟
أجابها وهو يدخل بصينية الطعام : لا لقد أنهيت عملي وبقي أن تتذوقوه
رصف الأطباق على الطاولة بسعاة وحماس والكل ينظر لها بذهول
تمتم تاتسو بغير تصديق : لحم !
بينما هتفت هارو : ماكل هذه الأطباق العجيبة يبدو كالحلم
هانا : هكذا هو شكل اللحم اذاً لكن كيف طعمه ؟
أجابها بابتسامة وهو يقرب لقمة منه لفمها : تذوقي واحكمي طهوت لكم المعكرونة والحساء بالطريقة البريطانية وكذلك السلطة وبانتظاركم كعك شهي ستحبوه حتماً
آرياكو بنظرة غامضة : ومن أنى لك كل هذا .. حتى لو حصلت على بعض المال لاتبالغ بانفاقه فلورنس .. الحياة لاتقتصر على الملذات وحسب
أجابها بابتسامته المعهودة : كلي عزيزتي ولاتقلقي حيال شيء .. رجاءاً .. دعينا نستمتع قليلاً
نظرت للطعام وهي لاتعلم لما قد تلك الغصة بحلقها ولما كان قلبها يخفق قلقاً وخوفاً باستمرار
تلك الليلة امتلأت بطونهم وباتوا سعداء مستمتعين بتلك الملابس الدافئة التي اهداها لهم والدهم وتلك الأغطية والفرش الجديدة حتى لتاتسو .. كانت ليلة كالحلم
- كما لو أن المارد حقق أحلامي
- محقة هارو كان هذا رائعاً أبي يحبنا كثيراً
- أجل قلتها لكِ مرارا ولم تصدقيني
ابتسمت بخجل وغطت نفسها بغطائها الجديد الزهري : ليلة سعيدة
- ليلة سعيدة اختي البلهاء
قالتها واستدارت وهي تغطي نفسها كذلك لتغفو كلاً منهما بسلام ورخاء
اليابان : الثالثة فجراً \ أوساكا
فتحت عينيها المثقلتين ومدت يدها متفحصة مكانه بنعاس .. واذا به خالٍ منه
اعتدلت جالسة بفزع وادارت وجهها تبحث عنه في أرجاء الغرفة .. واذا به يهم بالخروج لتوه وهو يحمل حقيبة صغيرة حمل فيها بعض حاجياته فعلمت سبب خوفها الدائم وذعرها
لم يأتي ذكر والده عبثاً .. فهاهو الكابوس الذي خافته ثمان سنين يتحقق .. وهاهو يرحل أمام عينيها
نهضت فزعة دون أن تكترث لذلك الجو العاصف شديد البرودة وخرجت خلفه بقدمين حافيتين ممسكة بذراعه بشدة : فلورنس مالذي تفعله
أدار طرفه المتألم الآسف لها واختنق بكل تلك الكلمات التي ازدحمت في عقله مكتفياً بابعاد يدها واكمال طريقه بصمت .. لكنها لم تستسلم وأسرعت خلفه لتتشبث بملابسه وهي تهتف ودموعها تنهمر بغزارة : لاتفعل هذا بي لاتتركنا أرجوك ماذا سأقول لطفلتيك بل .. كيف سأعيش وأنت بعيد عني وأنت لست معي لاتقتلني فلورنس أرجوك أنا أحبك أحبك سأحتمل الحياة القاسية سأحمل عبأ تلك الجريمة عنك ولكن لاتتركني أتوسل اليك
شرعت بالبكاء بهستيرية بينما هو ينظر لها بألم شديد وأسف وسرعان ماأسقط حقيبته واستدار لها يعانقها بقوة : آريا .. حبيبتي أرجوكِ لاتصعبي الأمر علي أكثر .. كوني سعيدة رجاءاً .. لايمكنني التراجع .. رغماً عني صدقيني رغماً عني
وضعت يديها على كتفيه ونظرت له وهي تصرخ بحقد : انه هو أليس كذلك .. الموت له هو من أراد تفريقنا .. أرجوك ابق معي وتجاهله الموت له الموت له
وضع يديه على خديها وقال وهو ينظر لها بجدية : آريا .. الأمر أكبر من قدرات كلينا .. يجب أن نضحي لتعيش طفلتينا حياة أفضل منا .. بقائي هنا لن يظل مستقراً كما سلف من الأيام فهناك مؤامرات تحاك في الخفاء .. ولن يلبثوا كثيراً حتى يكتشفوا الحقيقة .. لاأريد أن أكون السبب في ضياعهم ودمارهم
أومأت بالنفي بلا اقتناع وعاد تصرخ بألم : ان كان ولابد فخذني معك هناك الكثير من الخيارات أمامك لنهرب جميعنا .. لنهرب ونعش بعيداً حياة آمنة
- لن يحدث لن يحدث
قالها بيأس وتعب .. نظر لها بأسى عميق وصمت ثم تركها وحمل حقيبته مجدداً وسط نظراتها الذاهلة
- فلورنس
- رجاءاً آريا .. لنستسلم وحسب .. لاحل آخر أمامنا .. من يعلم ماقد يخبئه