في المدرسة لم نكن كأطفال اليوم
" غياب لاحتمالية هطول امطار غزيرة يوم الغد "
وبالفعل يتغيبون ليوم يومين وتصل الى اسبوع وهم ينتظرون هطول المطر وبعد هطوله يظلون في منازلهم ينعمون باجازة عظيمة
بينما نحن نذهب منذ الصباح الباكر بعدما نحتسي حليبنا الساخن ونرتدي معطفنا الثقيل وحقيبتنا الممتلئة كتبا تحني ظهورنا الصغيرة
ونصل للمدرسة منهكين دونما تذمر .. دقائق واذا هي تمطر كالسيل
ومع هذا نظل قابعين في الفصول نحضر تلك الحصص المملة واحياناً نحظى على فسحة نتأمل فيها السماء الماطرة من نوافذ صفوفنا العتيقة
وضحكاتنا وابتساماتنا وحماسنا الطفولي يملأنا ونصنع ذكريات لا مثيل لها ونحن نهتف وندور
" يامطرة زيدي زيدي وارحمي عبيد الله "
كلمات تعلمتها منهم لم اكن افهم فحواها من قبل ولكني كبرت وانا احفظها وارددها كلما هطل المطر بابتسامة حنين للماضي الجميل
نخرج من مدارسنا مع صوت الجرس والذي يعلن نهاية الدوام ابكر من الأيام العادية
ونخرج ونحن ببحر من الماء يحيط بنا في كل مكان ولا نملك الا ان نخوض فيه
فكنت اطلق العنان لقدمي الصغيرتين لأسير بداخل تلك المياه التي تصلني لبطني واحياناً اعلى او اقل .. عائدة للمنزل
اصله مبللة تماماً واحاول أن اصل لجرس المنزل البعيد مستعينة بحقيبتي او عتبة منزلنا اقفز تارة من عليها واقع تارة
وهكذا حتى يغالبني اليأس واجلس على تلك العتبات انتظر المنقذ في جو شديد البرودة بملابس مبتلة
ومع هذا كله كنت ادخل المنزل سعيدة مبتهجة واعانق امي التي تسارع بالابتعاد عني مشيرة للحمام :
غيري ملابسكِ اولاً كي لاتبلليني وتمرضي
.........
مرت الأيام ونحن بتلك الحال حتى انني بسبب المطر وتلك الشائعات التي حكت سقوط طفلة في احدى المجارير بسبب المياه الغزيرة
والتي لم تمكنها من رؤيتها فماتت من فورها .. وذلك ماجعلني اشعر بالخوف وابتعد عن المناطق التي تبلغ المياه فيها حداً لايمكنني من رؤية الارض
وبذلك ضعت مراراً ومراراً وطوال فترة ضياعي كنت اسير تائهة وانا ابكي بخوف
مررت على شوارع لم ارها من قبل واكتشفت انها تبعد الكثيـــــــــــر عن منزلي
ولا احد كان يصدق ان طفلة سارت كل تلك المسافة
ولكني حين اعود للمنزل كنت استلقي على فراشي من فوري وانام بعمق حتى موعد الغداء الذي اتناوله وانا اغفو بين الحين والاخر
.....................
الغريب في الامر أنه رغم كل تلك السنين التي مرت الا ان حال شوارعنا في هذه المملكة العظيمة لم تتغير
ولا زال المطر القليل يسبب كل هذه الكوارث والمعاناة رغم انهم سمحوا للطلاب بالمكوث في منازلهم خلال هذه الفترات
الا ان المنازل تغرق وكذا المحلات واصحاب الاعمال المساكين كانوا يضطرون الى الذهاب لاعمالهم الشاقة في بحيرات المياه تلك
غريب هذا العالم حقاً .. الى متى التطور لست اعلم ؟؟!!! |