(فرانك المعتوه : خطاباته وأحاديثه)
مقدمة :
هل قرأت رواية أو كتاب أو سمعت حكاية أسطورية غريبة أو حتى شاهدت فيلما من قبل وأعجبت بشخصية ما في خيالك أو أنجذبت لها ، وأقصد هنا طبعا (شخصية خيالية) أو وهمية وروائية التي يعشقها الكثيرون ويحبونها لأسباب عدة , بعضهم لأنها تبعده عن واقعه , وبعضهم لمجرد الترفيه فقط , وبعضهم لغرابتها ربما أو لأعجابه بتصرفات تلك الشخصية ومبرراتها وتناقضاتها وماتملكه من كاريزما عالية من حيث الشكل أو الملبس أو القوة أو قدرات هائلة أو حتى طيبتها , وبعضهم لأنها تروح عن ذاته وتفعل ما لايستطيع فعله أو مايتمنى فعله على أرض الواقع ولايقدر , أو لما تملك من فلسفة وحكمة ورؤيا مختلفة عن غيرها على أي حال , كل ولديه أسبابه .
تعريف بسيط بالشخصية الخيالية هي شخصية من فكر وأختراع مؤلف ما تظهر في عمل وعالم من نسج الخيال , ولا تشمل البشر فحسب ، وإنما تضم أيضا الحيوانات ، المخلوقات الفضائية ، الآلهة ، آليين ، وأي مخلوقات وشخصيات ميثولوجية أخرى , تكون الشخصيات غالباً محور النصوص المكتوبة , نشاهدها كثيرآ و بأشكال مختلفة ومتنوعة بعشرات الكتب والقصص والروايات والمسرحيات والأفلام والموروثات الشعبية والأساطير خاصة منها الأغريقية , حيث تكون في أغلب الأحوال شخصية وهمية لا تمت للواقع بصلة تمتاز عن غيرها من سائر البشر أو مايمثله , تمتلك قدرات هائلة لا يملكها أحد , صنعها الأنسان وألفها وآلفها , وجدت مكانها في قلوبهم , بعضها أكتسبت أهمية تاريخية كبرى رغم أن وجودها لم يتخطى حدود القصص الأدبية والفلكلورية أو حتى أنها كتبت في حقبة ما وثارت على كل التقاليد والقيم , ولتلك النوعية من الشخصيات محبيها ومريديها ومتابعيها والمتلهفين لرؤيتها والمهووسين بها وقرآءت كل مايخصها والغوص في أعماقها وحتى محاولة تقليدهم في تصرفاتهم , رغم أن الجميع على يقين بأنها مجرد أوهام وخيال من أبتكار كاتب مــا .
الغريب بأن الشهرة التي يحلم بها الجميع تقريبا تملكها بعض هذه الشخصيات دون أن تستفيد منها ، ربما لأنها ليست موجودة أو ماتمثله وتفعله , حتى أن شهرتها تجاوزت كل الحدود والأرقام والعقود والسنين , الطريف في الأمر بأن من أخترعها لم ينشهر أو يعرفه أحد ألا بسبب هذه الشخصيات الوهمية .
زوربا , راسكولنيكيف , الأمير ميشكين , فاوست , هاملت , دراكولا , شارلوك هولمز , جيمس بوند , الدكتور جيكل ومستر هايد , سيزيف , جان فالجان , أبولو , آرتيميس , زيوس , أفروديت , هيرا , آريز , آخيل , أوديسيوس , بوسيدون , فينوس , أثينا , ديميتر , صوفي تيفيو , هرقل بوارو , سكارليت أوهارا , باركر بين , أرسين روبين , روبرت لانغدون , آرثر هستنغز , الآنسة ماربل , هيثكليف , فلورنتينو اريثا , كوازيمودو , فيكتور فرانكنشتاين , روزي العاملة , روبن هود , دون خوان , أنظر كم شخصية وهمية روائية وأسطورية لدينا هنا كثيرة وكثيرة جدا يعرفها الجميع كبير كان أو صغير , بل يعرف الناس أيضا صفات تلك الشخصيات ومايمثلونه ومدى التأثير الذي أحدثوه في العالم وتاريخ الشعوب والأدب .
هنا رحت أسرح بخيالي بعيد جدا أبني شخصيات وربما أوهام هل تبقى شيئا آخر لم يقدم أو يذكر , أبقت حروب ومعارك يقاتل فيها الأبطال الخارقون أعداءهم , هل سيتقبل الناس بطلا جديد , يكرر مافعله غيره وسبقه , بالطبع لا , أو ربما يتقبلونه بتململ , لكن مادام هناك خير فالشر باق , مدام هناك أمان فالفوضى منتشرة , مدام هناك حسن فالقبيح يظهر .
هي حرب واحدة أبدية متبقية لم يستطع أحد أن يتغلب عليها عدى فئة قليلة من لديه عزم وصبرا وقوة أرادة , هي هي لاغيرها (حرب النفس) أقسى المعارك وأشدها فتكا وأكثرها ضراوة بكل ماتمثله من فكرا ولؤم وحقد وحسد وكراهية وغيبة ونميمة وسوء وظن وخوف وجنون العظمة وغرور الذات , أضافة إلى التسلط والجشع والنفاق وحب المال والشهرة والغضب , معركة كبيرة جنودها كثر تستخدم أخبث الأساليب وأقذرها , جهاد النفس , خبث النفس , قذارة النفس , خيانة النفس , تأنيب النفس , تتعدد الأسماء وتتعدد طرق مقاومتها .
البعض كان غنيا والنفس أفقرته , البعض كان متدينا والنفس ضيعته , البعض كان كريما والنفس أبخلته , البعض كان شهما والنفس أضلته , البعض كان ذو نية صادقة والنفس أحسدته , البعض كان متماسكا والنفس فككته , البعض كان على خلق والنفس أغرته , البعض كان صرح خيالا والنفس أهوته .
هنا بنت شخصية بداخلي حاولت أن أخفيها لكنني تأخرت كثيرا فقد كبرت وتشعبت ولم يعد في أستطاعتي إلا التعايش معها , فقمت أصوغها وأكتبها على الورق , فربما يتقبلها الناس مني , ويشاركوني هذا الشخص الوهمي أو البطل الجديد والمحارب الصلب في حروبه ويقاومون معه تلك المعارك اللئيمة , فحرب من هذا النوع ومعه وضده أزلية أبدية لاتنتهي .
فكرة الشخصية :
قد تبدو غريبة من أسمها (فرانك المعتوه) فلم يسمع به أحدا من قبل , فكيف بخطاباته أو أحاديثه , بعيدا عن التعقيدات والشوائب , هي شخصية وهمية ليس لها وجود ألا في عالمي الصغير , تربت في داخلي وكبرت حتى أستطعت أن أعيشها وأعرف كل تفاصيلها صغيرة كانت أو كبيرة , بحثت عنها في كل مكان لأعرف حقيقتها وأغوص في أعماقها .
أخترت تلك الشخصية بذاتها وتناقضاتها لتطابقها وطبيعة ما أريد , لم أحب أن أكتب رواية أو شيئا آخر كي لاأخدع نفسي لأنها ستظهر خلاف ماأبغيه , بعد أن كتبت أشياء كثيرة تشتت بعضها والآخر ضاع وسط الورق وزحمته أنتابتني مخاوف أن أفقد كل شيء , أحترت بشدة ماذا أفعل وكيف أرتب ذلك فكرت وفكرت حتى ظهر الحل جليا أمامي بعد عدة محاولات فاشلة مني للملمة ماكتبت وأحببت وتأصل داخلي .
إذ كنت جالسا ذات ليلة أمام شاشة التلفزيون بعيدا عن الهوس الذي أصابني أتنقل بين محطة وأخرى , فشاهدت قناة ما تعرض برنامج (المصارعة الحرة) أظن الجميع يعرفها , دون النقاش فيها كثيرا هو (برنامج تلفزيوني ترفيهي أسبوعي , يتصارع الرياضيون الأستعراضيون خلالها فيما بينهم , بسيناريو محكم ومعد مسبق , متفق عليه بين كل أطرافه , يتكلمون في الميكرفون بين فقراته أما في قاعة الحلبة أو خلف الكواليس) , هنا مالفت نظري وجعلني أفكر , أثار تساؤلات كثيرة في عقلي كأنها ترشدني إلى ماتمنيته .
ماذا لو ؟ أول سؤالا جال في خلدي , ماذا لو ؟ تلك الكلمة التي يقولها حالم أو غاضب أو شخص فقد من الحياة مافقد , ماذا لو كان هناك مصارع بين هؤلاء يتميز عنهم بصفات نادرة هيا , متوحش ذو قسوة مفرطة يمتلك (لسان حاد) يذيب الصخر بخطاباته الرنانة المجنونة يسمعه آلاف المتواجدين في القاعة ويدخل على الملايين منازلهم خلف الشاشات , شيئا فشيئا كبرت تلك الفكرة داخل رأسي.
هي ماأريده , هي ماكنت أبحث عنه , لكن هناك عدة ثغرات قد تواجهني فمن أمتهن ذلك العالم وأقصد هنا (المصارعة طبعا) عرف عنهم عدم أكتارثهم بشيء , بعيدين كل البعد عن الثقافة والأدب فقط يحضرون ويقاتلون بعضهم ويخرجون , يتكلمون بأشياء بعيدة عن المجتمع عدى فئة قليلة منهم , فربما لن يصدق أحدا بهم أو تبدو الفكرة سخيفة في نظر الكثيرين , لاأخفيكم بأن هذا السبب شجعني أكثر وحفزني بل ثبت بداخلي تلك الشخصية , كما أنه تحداني كي أقنع الناس به وبما أريد , شخصية تناقض نفسها بشدة لم تتوفر في أحدا تلك الصفات ألا بالمصادفة أو الطفرة , حيث تجمع بين قسوة تخلو من الرحمة وثقافة عالية جدا تصارع بأدبياتها كبار الفلاسفة والحكماء كما تصارع بجسدها .
نبذه عن الكتاب :
كما ذكرت مسبقا هي سيرة ذاتية لتلك الشخصية الوهمية (فرانك المعتوه) بصفاته ومايمثله ويقول , أشير طبعا بأنني سأبتعد في الكتابة عن المصارعة ومابداخلها فلن أتكلم عن مايجري في الحلبة من قتال أو عنف فذاك ليس موضوعي الرئيس ولا يمت له بصلة , سأكتفي بذكر خطاباته وبعض أحاديثه بعيدا كل البعد عن الحلبة وجنونها وفنون القتال الأخرى , نقرأ عقلية (فرانك) ومادار بخلده وماذا يريد أن يخبرنا , ستكون خطبه أو ماسيقوله هي المحور الأساسي ولب الموضوع بشكل تدريجي ومرتب ومفصل بكلماته التي صهرت حديدا من قوتها , هزت مشارق الأرض ومغاربها , وأعجزت الكثيرين وألهمت آخرين من خلال الميكرفون الذي أعتبره المنقذ والصديق وحلقة الوصل بينه وبين كل من سمعه وعرفه ورآه .
ستكون أحاديثه وخطاباته موجه بشكل مباشر كأنه أما يخاطب الجمهور بها أو أحدا يقف أمامه (كمصارع آخر) مثلا أو شخصا ما متواجد في القاعة أو من يشاهدونه عبر الشاشات الفضية , يتسلسل خلالها بكلماته منذ أول مانطق به على العالم وأبهرهم وحرك قلوبهم وفؤادهم ولفت الأنظار إليه حتى آخر وداعه .
لكن قبل كل ذلك فلنتعرف عليه من هو وكيف نشأ وتربى وما الذي جعله يثور على الجميع ويشتم الآخرين ويعنفهم ويخالف مبادئهم وقيمهم ويتحدى أباطرة العلم وفلاسفة التاريخ .