خطابه في العمر والكبر :
اللعنة يارجل , لاأريد أن أقولها , أثقلت لساني , لقد طعنت في السن وبلغت من العمر عتيا , هكذا تبادر لي عندما رأيتك , تلك التجاعيد خربتك وأذابت ملامحك , أين قوتك التي ملكتها , أين شبابك الذي أضعته , أين أحباءك قد فارقوك , أنه قطار العمر الذي لم يوقفه أحد رغم أنهم حاولوا , لم يجدوا دواء لذلك , يريدون شيئا وقانون آخر ضد الطبيعة , وصفة يقدرون بها أن يغيروا معادلة الحياة الصعبة , خابت ظنونهم السيئة , فكل من عليها فان , الجميع سيمر عليه يوما ما ويدخل دون أن يستأذن منه , سيضعفهم ويهدهم حتى يبيدهم , قبلها يمرمرهم خرفا وأوبة لايدرون كيف أصابتهم , أنها لعنة الكبر التي يهرب منها الجميع يارجل , تجبرك على الخنوع والتذلل بعدما تبلى بالعجز والمرض .
ترى كل من أحببته يرحل من عالمك بمرآ عينيك , يفارقك دون أن يشعر بك وحزنك وعليه , يجعلك تتسأل في ذاتك : كأن الموت نسيني , تذكر كل من في عالمي ونسيني , تركني وحيدا بدونهم , يشغلون حيزا بداخلك لاتملؤه كنوز الأرض , هل تصدق ماذا أصبحت , بعد أن كنت ماذا أنت , جلدا تهلهل وصدر كح وبصر ضعف وشعر أبيض , قل لي ماذا تبقى لك , عدى أبن بار ربما , أو بنت فضلت بعلها عليك , أو حتى زوجة سبقتك شيخوخة أن بقت حية , أو تركتك تعاني الأمرين , خوف من موت قريب محتمل , أو بكاء على موتها قديم .
ليال سهرتها والآن تسدد دينك نائما , طعاما أكلته والآن تسدد دينك صائما , تشع نشاطا سابقا والآن تسدد دينك جالسا , تقول للبعض قد كبرت , إذ به يستشيط غضب يصرخ ويهذي كأنك شتمت عزيز عليه , يهرب من واقع كذبه , صدقه فيما بعد حينما رفضه الجميع وأولهم عمله , قضى عمره متفاني كأنه مخلد , مشاكل عاشها مع زوحته أو والده حبا لوظيفته , خسرهما معا بصفعتين تلقاهما على وجهه وبدنه وشيبته .
أنظر لنفسك الآن وقل لي ماترى , هل أستفدت من سنينك وصحتك ومالك وعالمك , أم ضاع كل شيئا منك بلحظات طيش متفرقة , الأيام توالت والأعوام قضت والقرون مرت فكيف تعود ومن يرجعها إذ يقدر , فليت الشباب يعود يوما , فالأسف على العمر ولاأسف على سواه , أنتهى كل مايخصك , أفسح مجالا لجديد , شباب ودماء وأرواح , لاتأخذ زمن لك وزمن لغيرك , فلن تبقى , فلو دامت لغيرك ماوصلتك .