يحكي قصة (فتاة مجنونة) :
دعوني أخبركم هذه القصة التي عايشتها حين كنت في ال 16 من العمر ,
في عصر يوما ما بينما كنت أنتقل من مكانا إلى آخر دخلت بلدة صغيرة منعزلة رحت أتجول فيها أنظر هنا وهناك حينها لفت نظري فتاة مراهقة بدى عليها الجنون ظاهرا , كان الجميع يضحكون منها ويرمونها بما في أيديهم ويضربونها , في الحقيقة لم يهمني ذلك كثيرا فلقد رأيت من هم أسوء حالا منها .
في ذات الليله كنت نائما على أحد الأرصفة في تلك البلدة أستيقظت من نومي في منتصف الليل أخذت أنظر في المكان حولي ما أثار غرابتي كأنني رأيت شخصا من بعيد متوقف وينظر إلى الأعلى , ذهبت إليه لأعرف مالخبر ؟ حينما أقتربت منه تبين لي أنها الفتاة المجنونة كانت في حالة غريبة تنظر إلى السماء أو القمر أو النجوم لا أعرف وتتمتم بكلمات غريبة غير مفهومة , أنتابتني قشعريرة من الموقف , سألتها : مابك ؟ لكنها لم تقل شيئا وكأنني لست متوقفا بجانبها فلم تنظر إلي , لحظات تركتها والحيرة غلبتي من كل ماحدث أنتظرت الصبح القريب أن يأتي كي أعرف حكايتها .
بزغ صبح اليوم التالي ضجت المدينة بأهلها , سألتهم : ماقصة هذه الفتاة ؟ قالوا لي : بأنها عندما كانت في التاسعة من عمرها ذهبت عائلتها لزيارة أحد أصدقائهم ماكان يفترض أن تذهب معهم هذه الفتاة لكنها كانت نائمة فتركوها لوحدها في المنزل لأنهم سيعودون سريعا , بالصدفة والحظ العاثر تلك الليلة دخل لصا ليسرق منزلهم فوجد هذه الفتاة نائمة لوحدها فقام بأغتصابها , شيئا فشيئا تدهورت حالتها النفسية بشدة حتى فقدت عقلها وخرجت من منزلهم وأصبحت كما ترى الآن , مما حذى بأسرتها أن تتركها وتنتقل إلى مكانا بعيد .
رغم قصة الفتاة المؤلمة لكن شغلني شيئا آخر عما كانت تفعله في الليل , أنتظرت حتى منتصف الليل أن يأتي وبالفعل حضرت الفتاة وتوقفت في ذات المكان ظلت على حالتها كما الأمس تنظر إلى الأعلى , أقتربت منها سألتها مرة أخرى : مابك ؟ أيضا لم تجبني كأنها لم تسمعني , سألتها مرتين أو ثلاث ولكنها لم تتكلم , ذهبت عنها مبتعدا خطوات قليلة وإذ بي أسمع صوت بكاءها توقفت ونظرت إليها , مافاجأني بأنها كانت تنظر إلي أيضا شعرت ببرائتها تلك اللحظة فقالت لي بصوت هادئ : ليتني لم أنم ذاك الليل , ليتني مت قبل هذا .
تركتها وجلست وحيدا بعيدا أفكر فيما حدث عرفت بأنها تنظر إلى السماء والنجوم والقمر وتجدها تشبه الليلة التي أغتصبت فيها كأنها تقول ماأشبه اليوم بالبارحة , وبرغم أنها فقدت عقلها وكل شيئا في حياتها لكنها ظلت تتذكر ماحدث لها تلك الليلة ولم ينمحي من ذاكرتها .
غططت في سباتي على لحن صوت الفتاة الحزين , أستيقظت من نومي صباح اليوم التالي وكأن شيئا أفزعني , رحت أنظر إلى البلدة شعرت بأن هناك شيئا ما يحدث , سألت : مالخبر ؟ قالوا لي : بأن الفتاة المجنونة أنتحرت قبل قليل (حيث رمت نفسها من على جرف مرتفع).
لم أنطق بكلمة حينها لم أعرف ماذا أقول , خرجت من البلدة متأثرا رحت أسير وأسير ولم ألتفت ورائي أو أتوقف , لم تكن لدي الشجاعة لأرى الخزي والعار الذي حصل خلفي في تلك البلدة , لكن في الحقيقة لم أكن متأثرا لأنها أنتحرت أو أغتصبت بل لأن الجميع كان يضربها ويصفعها ويستهزئون بها , فلم يرحمها أحد كلهم تكالبوا عليها حتى أقرب المقربين منها .
هناك أشياء تحدث في هذه الحياة تقف أمامها متحيرا , لاتعرف ماذا تفعل أو كيف تتصرف , كأنها حدثت بالصدفة أو هي مجرد فوضى أو طيف مر أمامك أو ربما خيالا لم تره جيدا , أنت هنا ليس أمامك عدى أن تتجاهلها وتجعلها تمر هكذا لأنك لاتستطيع أن تفعل شيء أو ستظل تعيشها إلى الأبد , كقصة هذه الفتاة التي ربما كانت تعيش طفولتها كالأميرة السعيدة في بيتها , لكن فجأة حدث لها كل ذلك وتدمرت حياتها , فأنت لاتعرف من تعاقب ومن الذي تسبب في ذلك , هل المغتصب ؟ أم عائلتها التي تركتها ؟ أم المجتمع الذي حطمها ؟ فالجميع أخطأ في حقها والجميع تسبب في موتها .
(يتبع لاحقا) ...