" طوق عمرو "
يضرب مثلاً للشيء يكبر عنه الإنسان، وأصله أن عمرو بن عدي كان له طوق يلبسه في صغره، فاستهوته الجن دهراً إلى أن وجده مالك وعقيل، نديما جذيمة، فأتيا به خاله جذيمة بن الأبرش، فألبسته أمه وطوّقته بالطوق الذي كان يلبسه في الصغر، فلما رأى جذيمة ابن أخته عمراً والطوق في عنقه قال: شبّ عمرو عن الطوق، فصارت مثلاً.
وأقول:
إن الصراع الفكري بل والاجتماعي الذي نشهده هذه الأيام مترجماً في الصحف والمنتديات والمجالس، ناجم في مجمله من شتى الرموز رغم اختلاف مسارها وتضاد راياتها، وهي في حقيقتها أقوال وأفعال ومحاولات ينبغي أن يكبر الجميع عنها، كما شبّ عمرو عن الطوق.
إننا أحياناً نساق من غير ما نشعر إلى صراعات ساذجة الحال والمآل، ونظنها جملاً صراعاً حسناً، وحراكاً فكرياً، وتقدماً معرفياً، وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
يظهر تقدم الأمة ورقيّها إذا كان الرأي العام فيها لا يشغل إلا بالعظائم ولا يلتفت إلا لجلائل الحوادث، ويتريث قادته ورموزه فيما يقولون ويأتون، ويترفع من ينتسبون إليه عن تتبّع العثرات والوقوف على أطلال الهنات، والجميع في هذا خاطئون إن كانوا كذلك، فليس الإعلام إلا مطية لأحداث متتابعة متعاقبة متراكمة، بريق من غير غيث ومطر، وجلجلة من دون أثر.
وكم تسمع بمنتدى يقام، ومجالس تعقد، وهي إلى إنفاق الأموال أقرب، وببريق الأضواء ألصق، لكن هيهات هيهات أن يكون لها ثمر أو أن يرى لها أثر.
قاله وكتبه الشيخ : صالح بن عواد المغامسي